القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل الصلاة والأعمال الصالحة تكفر كبائر الذنوب؟


 الكبائر لا تكفرها الأعمال الصالحة بل لا بد من التوبة بشروطها حتى تُكَفَّر كما أن الذنوب المتعلقة بحقوق العباد لا بد فيها من استحلال أصحابها وأما الأعمال الصالحة فتُكَفَّر صغائر الذنوب .

واعلم أن التطهير من الكبائر كالزنا والسرقة والقتل لا يكون إلا بالتوبة أو الحد إن كان فيها حد ولا تكفرها الحسنات ونحوها على الراجح .

والدليل :

1- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ». أخرجه البخارى

فهذا الحديث واضح الدلالة على أن الكبائر لا تكفرها هذه الفرائض بل لابد من توبة نصوح .

2- عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله ». أخرجه مسلم

قال القاضي عياض رحمه الله :

 هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله وفضله .اه (شرح مسلم - النووي)

فالله سبحانه أمر العباد بالتوبة وجعل من لم يتب ظالماً واتفقت الأمة على أن التوبة فرض والفرائض لا تؤدى إلا بنية وقصد ولو كانت الكبائر تقع مكفرة بالوضوء والصلاة وأداء بقية أركان الإسلام لم يحتج إلى التوبة وهذا باطل بالإجماع فثبت أن الكبائر لا بد لها من التوبة .

قال ابن رجب رحمه الله :

 ولو كانت الكبائر تقع مكفَّرة بالوضوء والصلاة، وأداء بقية أركان الإسلام، لم يحتج إلى التوبة، وهذا باطل بالإجماع 

ـ قال : وأيضاً فلو كفرت الكبائر بفعل الفرائض، لم يبق لأحد ذنب يدخل به النار إذا أتى بالفرائض، وهذا يشبه قول المرجئة وهو باطل ـ 

قال : هذا ما ذكره ابن عبد البر في كتابه التمهيد وحكى إجماع المسلمين على ذلك، واستدل عليه بأحاديث : منها قوله صلى الله عليه وسلم : الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ـ وهو مخرج في الصحيحين، من حديث أبي هريرة، وهذا يدل على أن الكبائر لا تكفرها هذه الفرائض . اهـ (جامع العلوم والحكم ص214 - (215))

وقال العيني في عمدة القارى :

قال تعالى : إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ـ يعني الصلوات الخمس إذا اجتنبت الكبائر هذا قول أكثر المفسرين، وقال مجاهد هي قول العبد : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. 

وقال ابن عبد البر : قال بعض المنتسبين إلى العلم من أهل عصرنا : إن الكبائر والصغائر تكفرها الصلاة والطهارة واستدل بظاهر هذا الحديث، وبحديث الصنابحي : إذا توضأ خرجت الخطايا من فيه.. الحديث،

 وقال أبو عمر: هذا جهل وموافقة للمرجئة، وكيف يجوز أن تحمل هذه الأخبار على عمومها وهو يسمع قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ـ في آي كثير،

فلو كانت الطهارة وأداء الصلوات وأعمال البر مكفرة لما احتاج إلى التوبة، وكذلك الكلام في الصوم والصدقة والأمر والنهي، فإن المعنى أنها تكفر إذا اجتنبت الكبائر .انتهى. 

وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري :

وأتبع ـ أمر من باب الأفعال وهو متعد إلى مفعولين  : السيئة ـ الصادرة منك صغيرة وكذا كبيرة على ما شهد به عموم الخبر وجرى عليه بعضهم، لكن خصه الجمهور بالصغائر. والله اعلم
 
قال قتادة رحمه الله :

إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر وذكر لنا أن رسول الله ﷺقال : « اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا » .اه (جامع العلوم والحكم ص214 - (215)).

وقال ابن العربي رحمه الله :

"الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبائر لقول النبي ﷺ : " ما اجتنبت الكبائر" .اه (عارضة الأحوذي 1/ 13).

قال الإمام النووي رحمه الله :

أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة . اه (شرح النووي على مسلم (17/ 81)).

وقال ابن بطال رحمه الله :

الصغائر هي من اللمم التي وعد الله مغفرتها لمجتنب الكبائر

 وأما الكبائر : فأهل السنة مجمعون على أنه لا بد فيها من التوبة والندم والإقلاع واعتقاد أن لا عودة فيها . اه (شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 155))

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

كفارة الكبائر التوبة، هي التي تكفر كل شيء الشرك والكبائر، التوبة متى تاب إلى الله كفر الله عنه الشرك وما دونه من جميع الذنوب، ولا يزول الشرك والكبائر إلا بالتوبة، 

هذا الصحيح : إنما التوبة تجب ما قبلها، والإسلام يهدم ما كان قبله، فالزنا والسرقة والعقوق وما أشبه ذلك كلها بالتوبة والشرك بالتوبة،

  أما المعاصي الصغيرة فالله يكفرها باجتناب الكبائر، متى اجتنب الكبائر ومات على ذلك كفر الله عنه الصغائر، لكن ينبغي له الحذر من الصغائر قد تجتمع عليه فتجره إلى الكبائر، وقد يظنها صغيرة وهي كبيرة فيقع في الهلكة،

 فالواجب الحذر من جميع الصغائر والكبائر ولزوم التوبة، وهي الندم على الماضي، والإقلاع من الذنوب، والعزم الصادق على أن لا يعود فيها، هذه التوبة، ندم على الماضي، وإقلاع من الذنب وترك له عن خوف وتعظيم لله ورغبة بما عنده، وعزم صادق أن لا يعود فيه .

وإذا كان الذنب يتعلق بمخلوقين مثل أخذ مال أحد، ضرب أحد، قتل أحد، لابد من التحلل، لابد أن يعطي المخلوق حقه من قصاص أو غيره، أو يستحله يسامحه ويبيحه، حق المخلوق لابد من التحلل منه، 

الشرط الرابع لابد منه، إما يعطيهم حقوقهم، أو يستحلهم، فإذا أباحوه وسامحوه لا بأس .اه

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

إذا تاب الإنسان توبة نصوحاً فإن الله تعالى يقبل منه مهما عظم الذنب، دليل ذلك قوله تبارك وتعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾وهذه عامة ليس فيها تفصيل أن من تاب من أي ذنب فإن الله يتوب عليه، 

وقال تعالى في التفصيل : ﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ۞يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ۞إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

فالذنب مهما عظم إذا تاب الإنسان منه توبة نصوحاً غفره الله عز وجل، وهنا تجد أن الله تعالى ذكر الشرك وقتل النفس بغير حق والزنا وكلها عدوان عظيم، الأول عدوان في حق الخالق عز وجل، والثاني عدوان في حق المخلوق، عدوان على النفس في حق المخلوق، والثالث عدوان على العرض في حق المخلوق، 

ومع ذلك إذا تاب الإنسان وآمن وعمل عملاً صالحاً بدل الله سيئاته حسنات،

 ألم تر إلى قوم كانوا مشركين مضادين لدعوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهداهم الله وتابوا وصاروا من قادة الأمة الإسلامية،

ولكن إذا كانت المعصية في حق مخلوق فلا بد من إيصال الحق إلى أهله، فلو سرق إنسان مال شخص وتاب من السرقة تاب الله عليه، لكن لابد أن يعيد المال إلى مالكه؛ لأنها لا تتم التوبة فيما يتعلق بحق المخلوق إلا برد الحق إلى أهله . انتهى من  (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [334])

ومما يدل على ذلك أيضا أنه قد ورد في فضل الحج أحاديث كثيرة تدل على أنه يمحو الذنوب ، ويكفر السيئات ، ويرجع منه الإنسان كيوم ولدته أمه ... لكن هذا الفضل والثواب لا يعني سقوط الحقوق الواجبة ، سواء كانت حقوقا لله تعالى ، كالكفارات والنذور ، 

وما ثبت في ذمة الإنسان من زكاة لم يؤدها ، أو صيام يلزمه قضاؤه ، أو كانت حقوقاً للعباد كالديون ونحوها ، فالحج يغفر الذنوب ، ولا يسقط هذه الحقوق باتفاق العلماء .

سئل ابن تيمية رحمه الله :

فيمن تركَ الصلاةَ عامداً أو غيرَ عامدٍ ، ووجبتْ عليه الزكاةُ ولم يُزَك ، وعاق والديه ، وقَتَلَ نفسًا خطأ ، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَن حج هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ خرجَ من ذنوبِه كيومِ وَلَدتْه أمُّه) وقد قصدَ الحج ، فهل يُسْقِط هذا جميعَه ومَظالِمَ العباد ؟ .

فأجاب :

أجمعَ المسلمون أنه لا يَسقُط حقوقُ العباد كالدَّيْن ونحوِ ذلك ، ولا يَسقُط ما وجب عليه من صلاةٍ ، وزكاةٍ ، وصيامٍ ، وحق المقتول عليه ، وإن حجَّ ، 

والصلاة التي يَجبُ عليه قضاؤُها : يَجبُ قضاؤُها ، وإن حَج ، وهذا كلُّه باتفاق العلماء . انتهى . ("جامع المسائل" (4/123)) .

وقال أيضا رحمه الله :

القاتل إذا كثرت حسناته : أُخذ منه بعضُها ما يرضى به المقتول  أو يعوضه الله من عنده إذا تاب القاتل توبةً نصوحاً ". انتهى . ("مجموع الفتاوى" (34/138)) .


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات