يظنّ البعض أنّ كثرة الحسنات كافية لمنع عذاب القبر، لكنّ هذا الاعتقاد خاطئٌ تمامًا.
فالنصوص الشرعية تُشير إلى أنّ بعض الذنوب قد تُلحقك عذاب القبر حتى لو كانت حسناتك كثيرة.
فما المانع من عذاب القبر لمن فعل هذه الذنوب ولم يتب منها، حتى لو كانت حسناته كثيرة؟
إنّ كثرة الحسنات تُكفّر عن بعض الذنوب، لكنّها لا تُمحو أثر الذنوب التي ورد الوعيد لفاعلها بالعذاب في القبر.
* ودليل ذلك :
1- من الذنوب التي يعذب صاحبها في القبر (النميمة- وعدم الإستنزاه من البول)، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير،
ثم قال : بلى، أمّا أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، ثم قال:
ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين، ثم غرز كل واحد منهما على قبر، ثم قال : لعله يخفف عنهما، ما لم ييبسا.
دل الحديث على : إثبات عذاب القبر، وأنه حق يجب الإيمان والتسليم به.
وفيه : التحذير من عدم الاحتراز من البول، ويلتحق به غيره من النجاسات في البدن والثوب.
وفيه : التحذير من النميمة وبيان سوء عاقبتها.
2- وأيضاً من الذنوب التي يعذب صاحبها في القبر (الغلول)، فعن أبي هريرة، قال :
أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً يقال له : مِدْعم، فبينما مدعم يحط رحلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أصابه سهم عائر، فقتله، فقال الناس:
هنيئاً له الجنة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً.
فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : شراك من نار أو شراكان من نار. (متفق عليه).
- قال ابن عبد البر فى "الإستذكار [ ص: 207 ]" : إن الذنوب إن لم يغفرها الله ، فلابد فيها من العذاب ، والله يغفر لمن يشاء ،
ومظالم العباد القصاص بينهم فيها بالحسنات والسيئات ، والغلول من أشدها . انتهى.
- قال ابن تيمية رحمه الله : ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفّر به الخطايا. انتهى من ( مجموع الفتاوى " ( 7 / 500 )).
** وأيضاً من تلك الذنوب التى يعذب عليها الإنسان فى قبره إن لم يتب منها.
قال ابن القيم رحمه الله :
.... وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه رضخ رؤوس أقوام بالصخر لتثاقل رؤوسهم عن الصلاة....
فالنمام والكذاب والمغتاب وشاهد الزور وقاذف المحصن والموضع في الفتنة والداعي إلى البدعة،
والقائل على الله ورسوله ما لا علم له به والمجازف في كلامه .
وآكل الربا وآكل أموال اليتامى وآكل السحت من الرشوة ونحوها .
وآكل مال أخيه المسلم بغير حق أو مال المعاهد وشارب المسكر .
والزاني واللوطي والسارق والخائن والغادر والمخادع والماكر .
وآخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه ، والمحلل والمحلل له والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه.
ومؤذي المسلمين ومتتبع عوراتهم .
والحاكم بغير ما أنزل الله والمفتي بغير ما شرعه الله والمعين على الإثم والعدوان .
وقاتل النفس التي حرم الله ، والملحد في حَرَم الله ، والمعطل لحقائق أسماء الله وصفاته الملحد فيها..
والمقدم رأيه وذوقه وسياسته على سنة رسول الله .
والنائحة والمستمع إليها ، ونواحو جهنم وهم المغنون الغناء الذي حرمه الله ورسوله والمستمع إليهم..
والذين يبنون المساجد على القبور ويوقدون عليها القناديل والسرج.
والجبارون والمتكبرون والمراءون والهمازون واللمازون والطاعنون على السلف .
والذين يأتون الكهنة والمنجمين والعرافين فيسألونهم ويصدقونهم...... إلى أن قال :
فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسب كثرتها وقلتها وصغيرها وكبيرها،
ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين والفائز منهم قليل فظواهر القبور تراب وبواطنها حسرات،..... انتهى باختصار من (كتاب الروح (95)).
** كما أنه ليس كل مَن جاء بحسنات تبقى معه حتى يدخل بها الجنة ولا من جاء بسيئات تبقى معه حتى يدخل بسببها النار،
لأنه يوجد " المقاصة " وهو أخذ أصحاب الحقوق من حسنات من ظلمهم أو إلقاء سيئاتهم عليه، كما في حديث " المفلس " الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه.
** إذن لذلك، لا تَغَرّك كثرة الحسنات، واحرص على التوبة من جميع الذنوب، خاصة تلك التي ورد الوعيد لفاعلها بالعذاب في القبر.
اقرأ أيضا : حكم الموعظة عند القبر؟
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق