اعلم أخى المسلم أن الحافظين الإمامين النووي وابن حجر وأمثالهم من أعلام أهل السنة ومن علماء الأمة المشهود لهم بالفضل، ولكن الكمال عزيز،
وما كان منهم من مخالفة مذهب السلف وموافقة الأشاعرة، إنما هو في بعض المسائل فلا يصح نسبتهم إلي الأشاعرة بإطلاق .
** وإن وقعوا فى البدعة كما فى تأويل بعض الصفات فليسوا من أهل البدع كما يزعم الجهلة،
ولكنهم مجتهدون مخطئون مغفور لهم إن شاء الله بما قدموه من خدمة عظيمة لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان .
- يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :
لا يخلوا المنسوب إلى البدعة أن يكون : مجتهدا فيها أو مقلدا.... ثم قال : فالقسم الأول على ضربين :
أحدهما: أن يصح كونه مجتهدا فالإبتداع منه لا يقع إلا فلتة وبالعرض لا بالذات وإنما تسمى غلطة أو زلة ،
لأن صاحبها لم يقصد اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويل الكتاب، أي لم يتبع هواه ولا جعله عمدة والدليل عليه أنه ظهر له الحق أذعن له وأقر به .
والثاني: وأما إن لم يصح بمسبار العلم أنه من المجتهدين، فهو الحري باستنباط ما خالف الشرع كما تقدم،
إذ وقع له مع الجهل بقواعد الشرع الهوى الباعث عليه في الأصل وهو التبعية. انتهى من (الإعتصام(1/193/-197)).
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة،
إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم . انتهى من (" مجموع الفتاوى " ( 19 / 191)).
- وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" مثل : النووي ، وابن حجر العسقلاني ، وأمثالهم ، من الظلم أن يقال عنهم : إنهم من أهل البدع ،
أنا أعرف أنهما من " الأشاعرة " ، لكنهما ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنَّة ، وإنما وهِموا ، وظنُّوا أنما ورثوه من العقيدة الأشعرية : ظنوا شيئين اثنين :
أولاً : أن الإمام الأشعري يقول ذلك ، وهو لا يقول ذلك إلاَّ قديماً ؛ لأنه رجع عنه .
وثانياً : توهموه صواباً ، وليس بصواب. انتهى من (شريط رقم 666) "من هو الكافر ومن هو المبتدع ".
- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
لهم أشياء غلطوا فيها في الصِّفات : ابن حجر، والنووي، وجماعة آخرين، ليسوا فيها من أهل السنة،
وهم من أهل السنة فيما سلموا فيه ولم يُحرِّفوه، هم وأمثالهم ممن غلط. انتهى من (فتاوى الدروس).
- وسئل أيضا رحمه الله :
بعض طلبة العلم يتحرّج من قول : الإمام النووي؛ لأن الإمام هو الذي يُقتدى به؟
فأجاب :
لا بأس ، له أغلاط ، يُسَمّى إمامًا ؛ لأنه يقتدى به في علمه وفضله وفقهه، وله أغلاط،
الله يعفو عنا وعنه، له أغلاط، وقَلَّ إمام إلا وله أغلاط، كل بني آدم خطاء.
س : ابن حجر والنووي يقال أشعري؟
الشيخ :
لا، عندهم بعض التأويل، ما هو أشعري مطلقًا، عنده بعض التأويل، عندهم بعض الأخطاء. انتهى من (فتاوى الدروس).
** إذن العلماء المعروفين بتعظيم الشريعة والتمسك بالكتاب والسنة إعذارهم واجب وإن وقع منهم تأول لبعض نصوص الصفات،
فهم لم يقصدوا بتأويلها إلا تنزيه الله سبحانه لظنهم أن ظاهرها يحتاج إلى تأويل .
- قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير ، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع ، لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع ؛ مثل :
ابن حجر العسقلاني ، والنووي رحمهما الله ، فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تامّاً مطلقاً من كل وجه ،
حتى قيل لي : إن بعض الناس يقول : يجب أن يُحْرَقَ " فتح الباري " ؛لأن ابن حجر أشعري ، وهذا غير صحيح ،
فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه،
ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته - ولا أَتَأَلَّى على الله - قد قبلها : ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس ، لدى طلبة العلم ، بل حتى عند العامة ،
فالآن كتاب " رياض الصالحين " يُقرأ في كل مجلس , ويُقرأ في كل مسجد ، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً ، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب ، كلٌّ ينتفع به في بيته ، وفي مسجده ،
فكيف يقال عن هذين: إنهما مبتِدعان ضالان ، لا يجوز الترحُّم عليهما ، ولا يجوز القراءة في كتبهما ! ويجب إحراق " فتح الباري " ، و " شرح صحيح مسلم " ؟! سبحان الله ! .
فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال ، وبلسان المقال : أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا.
من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان ، إلا أن يشاء الله ،
فأنا أقول : غفر الله للنووي ، ولابن حجر العسقلاني ، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين ، وأمِّنوا على ذلك ". انتهى من ("لقاءات الباب المفتوح" (43/السؤال رقم 9)) .
- وقال أيضا رحمه الله :
أما موقفنا من العلماء المؤولين، فنقول :
من عرف منهم بحسن النية، وكان لهم قدم صدق في الدين واتباع السنة؛فهو معذور بتأويله السائغ،
ولكن عذره في ذلك لا يمنع من تخطئة طريقته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من إجراء النصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دل عليه ذلك الظاهر من غير تكييف ولا تمثيل؛
فإنه يجب التفريق بين حكم القول وقائله، والفعل وفاعله؛
فالقول الخطأ إذا كان صادرا عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم عليه قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر )). متفق عليه،... انتهى من ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (1/ 120).
- وقال العلامة الفوزان حفظه الله :
من كان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره ، كابن حجر ، والنووي ، وما قد يقع منهما من تأويل بعض الصفات : لا يُحكم عليه بأنه مبتدع ،
ولكن يُقال : هذا الذي حصل منهما خطأ ، ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمة لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما إمامان جليلان ، موثوقان عند أهل العلم ". انتهى من ("المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/211 ، 212)) .
- وقال الشيخ عبيد بن عبدالله الجابري رحمه الله- فى جوابه على أحد الأسئلة :
أولًا: النووي مُحَدِّث مُعتبر، ولا يزال أهل العلم يقرئون تراجمه في صحيح مسلم، ويُفيدون من كتبه، ومنها : المجموع شرح المُهذَّب، والمنهاج شرح صحيح مسلم، وكتب أخرى.
الأمر الثاني: أنا لا أعلم من بَدَّع النووي، وكذلك ابن حجر من أهل اﻹمامة في الدِّين والفقه والعلم،
وإنَّما الذي عَلِمْتَه قبل نحو عشرين سنة أنَّ رافع لواء التبديع للحافظَيْن ابن حجر والنووي؛ رجلٌ مصري اسمه محمود بن محمد الحدَّاد، وهؤلاء وأتباعه سليطو الألسنة،
وقد أبانَ أخونا الكبير الشيخ ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله وبارك له في عمره وعلمه وعمله -… لأصول هذه الفرقة ودَحَضَها بالحُجَّة والبرهان؛
فانشمر، وإن كانت باقية بدعة الحدَّادية إلى الآن؛ هذا الثاني.
الثالث: عند الحافظَيْن ابن حجر والنووي تأويلات،
وقد بلغني أنَّ النووي – رحمه الله- وُجِدَت له مخطوطة تدل على أنه رجع عن التأويل أو عن تأويل الكلام خاصَّة، ولم أقف عليها،
والذي ظَهَرَ لي من تَتَبُّعي هذيْن الكتابين؛ المنهاج للنووي، فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر – رحم الله الجميع -؛ الاضطراب،
فكثيرًا من الأحيان يقول وقيل وقيل وقيل، وأحيانًا يؤوِّل، فالظاهر أنه قد شُبَّه عليهما.
وخلاصة القول – كما قدمت – أنِّي لم أعلم أحدًا من أهل العلم واﻹمامة في الدِّين من بَدَّع هذيْنِ الحافظَيْن ..
والخلاصة : أنَّ ابن حجر والنووي رَجُلا حديث وفقه وعلم، وأهل العلم يبيِّنون حينما يعرضون لفتح الباري لابن حجر، والمنهاج شرح صحيح مسلم للنووي؛ يبيِّنون أخطاءهما..... انتهى باختصار من ( أسئلة اللقاء المفتوح الأسبوعي بموقع ميراث الأنبياء).
إذن
- يجب التفريق بين متكلمي الأشاعرة، كعبد القاهر البغدادي، وأبي المعالي الجويني، وأبي حامد الغزالي، والشهرستاني، والفخر الرازي، والآمدي، والإيجي، ونحوهم؛
- وبين من تأثر بمذهب الأشاعرة من كبار علماء الأمة الأعلام، كالنووي، وابن حجر العسقلاني، عن حسن نية واجتهاد، أو متابعة خاطئة، أو جهل بعلم الكلام،
أو ظنا أن مذهب السلف هو تفويض المعنى، وأن مذهب الخلف هو التأويل، وأن الأمر واسع لمن اختار أحد الطريقتين،
وفاتهم معرفة أن منهج السلف الصالح في الصفات هو تفويض الكيف لا المعنى،
ولا شك أنهم في تأويلهم لبعض نصوص الصفات لا يقصدون إلا تنزيه الله سبحانه؛ لظنهم أن ظاهرها يحتاج إلى تأويل. ينظر : ((البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة)) لأبي أسامة الأثري (ص: 57 - 148).
والله اعلم
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق