قوله تعالى : " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله ". ( البقرة - 151 )،
فيه إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به تعالى، وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه، ويكون الوجه عبارة عنه، كما قال تعالى : وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ.{الرحمن: 27}.
** لأن الأصل أن كلمة الوجه إذا جاءت مضافا إلى الله يراد به وجه الله الذي هو صفته.
** والواجب الإيمان بها كغيرها من آيات الصفات من غير تحريف ولا تمثيل ومن غير تكييف ولا تعطيل.
** فيكون معنى قوله تعالى : فثم وجه الله. ( البقرة - 151 )، أي : أنكم مهما توجهتم في صلاتكم، فإنكم تتجهون إلى الله عزَّ وجلَّ في الحقيقة،
سواء إلى المشرق أو إلى المغرب أو إلى الجنوب أو إلى الشمال، فهو أمامكم إذا صليتم، وهو فوق العرش، فوق جميع الخلق.
واعلم أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً ، ولا يمكن الإحاطة به تصوراً ، بل كل شيء تُقَدره فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم، لقوله : "ولا يحيطون به علماً". طه /110 .
** ويؤيد ذلك :
حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا : « إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى ». متفق عليه.
* فهو سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه حقيقة ، وهو قِبل وجه المصلي حقيقة ، على وجه يليق بجلاله ، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته ،
فلا يقتضي كونه قِبل وجه المصلي ، أن يكون في المكان أو الحائط الذي يصلي إليه ، لوجوب علوه بذاته ، ولأنه لا يحيط به شيء من المخلوقات ، بل هو بكل شيء محيط. ينظر: " مجموع فتاوى العثيمين " (4/ 51).
** وإليك أقوال مَن عدّ هذه الآية من آيات الصفات من أئمة أهل السنة:
1 - الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : قال ابنه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة (2/ 512):
1202 - وجدت في كتاب أبي بخط يده مما يحتج به على الجهمية م القرآن الكريم .... وفي البقرة {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم}. انتهى.
2 - الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله : قال في نقضه على بشر المريسي (2/ 709):
وسنذكر في ذكر الوجه : آيات وآثارا مسندة ليعرضها أهل المعرفة بالله على تفسيرك هل يحتمل شيئا منها شيء منه،
فإن كنت لا تؤمن بها فخير منك وأطيب من عباد الله المؤمنين من قد آمن بها وأيقن،
قال الله تعالى {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} {كل شيء هالك إلا وجهه} {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} {فأينما تولوا فثم وجه الله} {إنما نطعمكم لوجه الله}،
فالخيبة لمن كفر بهذه الآيات كلها أنها ليست بوجه الله نفسه. انتهى.
3 - الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله : قال في كتاب التوحيد (1/ 25):
وقال {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} فأثبت الله لنفسه وجها. انتهى.
4 - الإمام عبيد الله بن محمد بن بطة العُكْبَرِي رحمه الله : قال في كتاب الإبانة (3/ 319):
الله عز و جل وصف نفسه بما شاء ثم وصف خلقه بمثل تلك الصفات في الأسماء والصفات واحدة وليس الموصوف بها مثله،
قال الله عز وجل {فأينما تولوا فثم وجه الله} و {كل شيء هالك إلا وجهه} وقال {فولوا وجوهكم شطره} فذكر لنفسه وجها وذكر لخلقه وجوها.انتهى.
- قال ابن القيم رحمه الله :
الصحيح في قوله تعالى : ﴿ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ أنه كقوله في سائر الآيات التي ذكر فيها الوجه،
فإنه قد اطَّرد مجيئه في القرآن والسنة مضافًا إلى الرَّبِّ تعالى، على طريقة واحدة، ومعنى واحد،..
ومنها : أنه لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا ولا عرفا بل القبلة لها اسم يخصها والوجه له اسم يخصه فلا يدخل أحدهما على الآخر ...
وأما تسميتها وجها فلا عهد به فكيف إذا أضيف إلى الله تعالى،
مع أنه لا يعرف تسمية القبلة وجهة الله في شيء من الكلام مع أنها تسمى وجهة فكيف يطلق عليها وجه الله ولا يعرف تسميتها وجها،
وايضا فمن المعلوم أن قبلة الله التي نصبها لعباده هي قبلة واحدة وهي القبلة التي أمر الله عباده أن يتوجهوا اليها حيث كانوا لا كل جهة يولي وجهه اليها،
فإنه يولي وجهه الى المشرق والمغرب والشمال وما بين ذلك، وليست تلك الجهات قبلة الله،
فكيف يقال أي وجهة وجهتموها واستقبلتموها فهي قبلة الله.
فإن قيل : هذا عند اشتباه القبلة على المصلي وعند صلاته النافلة في السفر.
قيل : اللفظ لا شعار له بذلك البتة بل هو عام مطلق في الحضر والسفر وحال العلم والاشتباه والقدرة والعجز
يوضحه أن إخراج الاستقبال المفروض والاستقبال في الحضر وعند العلم والقدرة وهو أكثر أحوال المستقبل ،
وحمل الآية على استقبال المسافر في التنقل على الراحلة وحال الغيم ونحوه بعيد جدا عن ظاهر الآية وإطلاقها وعمومها وما قصد بها،
فإن " أين " من أدوات العموم وقد أكد عمومها بما أراده لتحقيق العموم كقوله {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} والآية صريحة في أنه أينما ولى العبد فثم وجه الله من حضر أو سفر في صلاة وغيرها،
وذلك أن الآية لا تعرض فيها للقبلة ولا لحكم الاستقبال ،
بل سياقها لمعنى آخر وهو بيان عظمة الرب تعالى وسعته وأنه أكبر من كل شيء وأعظم منه وأنه محيط بالعالم العلوي والسفلي،... انتهى باختصارشديد من [مختصر الصواعق؛ للموصلي 3/ 1011].
- وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
... الصحيح أن المراد بالوجه هنا : وجه الله الحقيقي ، إلى أي جهة تتجهون فثم وجه الله سبحانه وتعالى ؛ لأن الله محيط بكل شيء ،
ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه ، ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه ؛ لأن الله قِبَل وجهه،
فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة واجتهدت وتحريت وصليت وصارت القبلة في الواقع خلفك، فالله يكون قبل وجهه حتى في هذه الحالة.. انتهى باختصار من (شرح العقيدة الواسطية ( 1 / 243 – 245)).
- وقال أيضا رحمه الله :
ومن فوائد الآية : إثبات الوجه لله سبحانه وتعالى، لقوله : ( وجه الله ).
ومنها : أن الله تعالى له مكان، لقوله : (( فثم )) لأن ثم إشارة إلى المكان لكن أين هو؟
في العلو، قال النبي عليه الصلاة والسلام ( للجارية أين الله؟ قالت في السماء )،... ينظر : (تفسير سورة البقرة-(23)).
اقرأ أيضا: أقسام التوحيد الثلاثة التى يجب عليك معرفتها
تعليقات
إرسال تعليق