مسألة رؤية النبي ﷺ لربه ليلة المعراج من القضايا التي شغلت أهل العلم ودار حولها الكثير من النقاش.
** وقد اختلف العلماء في هذا الأمر على أقوال عدة، ولكن القول الراجح عند جمهور العلماء هو أن النبي ﷺ لم يرَ ربه ببصره وإنما رآه بفؤاده.
** ولم ير بعينيه إلا النور، لقوله ﷺ: " رأيتُ نوراً ". والنور هو الحجاب الذي يكون بين الله وبين عباده،
كما عند مسلم من حديث: أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أنه ﷺ قال : « حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ».
** وأما قوله: "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى".[النجم:11-13]،
فقد صح عن النبي ﷺ : أن هذا المرئي (جبرائيل)، رآه مرتين على صورته التي خُلق عليها. (رواه البخارى).
** الأحاديث النبوية وأقوال الصحابة:
1 - حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : من حدثك أن محمدا ﷺ رأى ربه فقد كذب وهو يقول : لا تدركه الأبصار... رواه البخاري( التوحيد/6832)
2 - عن مسروق، قال : قلت : يا أم المؤمنين، أنظريني، ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل : ولقد رآه بالأفق المبين. [التكوير: 23] ، ولقد رآه نزلة أخرى؟
فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله ﷺ، فقال :
إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء، سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض!. أخرجه مسلم (177).
3 - وعن أبي ذر قال : سألت رسول الله ﷺ هل رأيت ربك قال : نور أنى أراه. (رواه مسلم ).
* قوله : (( أنى أراه؟! ))، أي : رأيت حجابا من نور فكيف أرى الله تعالى مع وجود حجاب النور؟!.
* كما أن قوله : (( أنى أراه؟! )) : هذا أبلغ من قوله : لم أره ؛ لأنه مع النفي يقتضي الإخبار عن عدم الرؤية فقط،
وهذا يتضمن النفي وطرفا من الإنكار على السائل، كما إذا قال لرجل : هل كان كيت وكيت؟ فيقول : كيف يكون ذلك؟!.
4 - عن ابن عباس قال : { ما كذب الفؤاد ما رأى، ولقد رآه نزلة أخرى } قال : " رآه بفؤاده مرتين ". (رواه مسلم (الإيمان/258 )).
* فهذه الرواية المقيدة بالقلب تقيد الروايات المطلقة التى جاءت عن ابن عباس بخلاف ذلك،
لأن الذي روي عن ابن عباس حديث مطلق بأن محمداً ﷺ رأى ربه ،
وهنا هذا الحديث مقيد بأنه رآه بفؤاده ، فيحمل المطلق على المقيد لأنه لم يرو ابن عباس أن محمداً ﷺ رأى ربه بعيني رأسه.
** تفسير العلماء للآيات والأحاديث.
- قال الإمام النووي رحمه الله :
تحت حديث ( نور أنى أراه ) معناه : حجابه نور فكيف أراه ؟. قال الإمام أبو عبد الله المازري - رحمه الله - : الضمير في ( أراه ) عائد على الله سبحانه وتعالى ،
ومعناه : أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ، ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه. ينظر: (شرح النووي على مسلم).
- قال ابن القيم رحمه الله :
وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرؤية له إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج ،
وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك،
وشيخنا يقول ليس ذلك بخلاف في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه... ينظر: (اجتماع الجيوش الإسلامية ج: 1 ص: (12)).
- وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
لم يأت هناك حديث صحيح ومرفوع إلى النبي ﷺ أنه قال رأيت ربي ليلة أسري بي لا يوجد مثل هذا الحديث،
صح عن النبي ﷺ أنه قال : ( رأيت ربي في المنام )، وهذا خارج عن موضوع الكلام.
بل يوجد هناك حديث في صحيح مسلم ، وأثر صحيح عن السيدة عائشة- ينفي ذلك :
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال : يارسول الله هل رأيت ربك قال ( نور أنى أراه)،
وفي حديث أبي موسى وقد سرده مسلم عقب ذاك الحديث قال ( حجابه النور ). أي: إذا ضممت هذا إلى هذا أخذت النتيجة أنه لم يره هذا الحديث المرفوع ،
أما الحديث الموقوف وفيه جزم من أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها الصديقة بنت الصديق،
وهي من أعرف الناس بشخصية الرسول وما يتعلق بإسراءه ومعراجه، حيث جاء في الصحيحين في البخاري ومسلم:
من طريق التابعي الجليل المسمى بمسروق أنه جاء إلى عائشة فقال : " يا أم المؤمنين هل رأى محمد ربه " ،
هذا سؤاله واسمع الجواب ليس مني إنما أنا ناقل : هل رأى محمد ربه ؟ قالت " لقد قف شعري مما قلت " قال:
يا أم المؤمنين ارحميني ولا تعجلي عليّ أليس قال الله عز وجل (( ولقد رآه نزلة أخرى )) ؟ " قالت :
أنا أعلم الناس بذلك سألت رسول الله ﷺ فقال : ( فقال رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح وقد سد الأفق ).
إذا هذا تفسير الآية ثم قالت متابعة تعليم الأمة جزاه الله عن الأمة خيرا : ثلاث من حدثكهن فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قول الله تبارك وتعالى:
(( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا )) ".
إذا لا يمكن المكالمة مع الله إلا من وراء حجاب في هذه الحياة الدنيا، ولذلك كانت رؤية الله في الآخرة تباين الرؤية هنا في الدنيا،... ينظر: (سلسلة الهدى والنور-(641)).
- وقال أيضا رحمه الله :
الراجح أن النبي - ﷺ - لم ير ربه بعينه، وإنما رآه ببصيرته وقلبه، ومما يؤكد هذا :
أن النبي - ﷺ - قد سُئل صراحًة : هل رأيت ربك؟ قال : « نور أنى أراه؟! »،
فهذا نفي لأن يكون رسول الله - ﷺ - قد رأى ربه،
وأكد نفيه لذلك بقوله : أن هناك نورًا يمنع الإنسان من أن يرى ربه،... ينظر: ("فتاوى الإمارات" (٤/ ٠٠:٠٥:٥٢)).
** خلاصة القول :
الراجح والصحيح أن النبي ﷺ لم يرَ ربه ليلة المعراج بعينيه، وإنما رآه بفؤاده.
وهذا ما تدل عليه النصوص الصريحة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة.
والله اعلم
* شارك الموضوع ليستفيد غيرك، أو قم بالتعليق إذا أعجبك
اقرأ أيضا:
تعليقات
إرسال تعليق