✅ تُعد مسألة رؤية النبي ﷺ لربه ليلة الإسراء والمعراج من القضايا التي اهتم بها العلماء قديماً وحديثاً، ودار حولها نقاش طويل بين أهل العلم.
فهل رأى النبي ﷺ ربه بعينيه؟ أم أن الرؤية كانت بالقلب والفؤاد؟
▣▣ القول الراجح في رؤية النبي ﷺ ربه ليلة المعراج:
◄ اختلف العلماء في هذا الأمر على أقوال عدة، ولكن القول الراجح عند جمهور العلماء أن النبي ﷺ لم يرَ ربه بعينيه، وإنما رآه بفؤاده.
✅ فقد قال ﷺ: " رأيتُ نوراً "، فلم ير بعينيه إلا النور، والنور هو الحجاب بين الله وبين عباده.
✅ وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».
▣▣ ما المقصود بآيات سورة النجم في رؤية النبي ﷺ ليلة المعراج؟
قال تعالى : ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾.[النجم: 11-13].
◄ المقصود بالآيات أن النبي ﷺ رأى جبريل، وليس أنه رأى ربه عز وجل.
✅ فقد ثبت عن النبي ﷺ: أن هذا المرئي هو جبريل عليه السلام، حيث رآه مرتين على صورته التي خلقه الله عليها. (رواه البخاري).
✔ يعني : له سِتُّ مائة جناح؛ وذلك مرة بالأرض في الأفق الأعلى، ومرة في السماء عند سدرة المنتهى.
▣▣ الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة:
1 - قولِه تعالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}. [الشورى: 51] .
أي: وما ينبغي لبشر من ولد أدم أن يكلمه الله في الدنيا إلا وحيا أو يكلمه الله جهرا من وراء حجاب، بحيث يسمع كلام الله ولا يراه، كما كلم الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/540).
◄ استدلت بهذه الآية عائشة -رضي الله عنها- على أن النبي ﷺ لم ير ربه. ينظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 231).
2 - عن عائشة رضي الله عنها- قالت : من حدثك أن محمدا ﷺ رأى ربه ليلة المعراج فقد كذب،
ثم قرأت قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}. [الأنعام: 103]... (رواه البخاري- رقم (4855)).
3 - عن مسروق، قال : قلت : يا أم المؤمنين، أنظريني، ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل : ولقد رآه بالأفق المبين. [التكوير: 23] ، ولقد رآه نزلة أخرى؟
فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله ﷺ، فقال :
إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء، سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض!. (أخرجه مسلم (177)).
4 - وعن أبي ذر قال : سألت رسول الله ﷺ هل رأيت ربك قال : نور أنى أراه. (رواه مسلم ).
5 - عن ابن عباس قال : { ما كذب الفؤاد ما رأى، ولقد رآه نزلة أخرى } قال : " رآه بفؤاده مرتين ". (رواه مسلم (الإيمان/258 )).
◄ دلت هذه الرواية : عن ابن عباس والتي هى مقيَّدة بكون الرؤية بالقلب وليست بصرية، تُقيِّد الروايات المطلقة التي وردت عنه بغير تقييد،
فيُحمل المطلق على المقيد، إذ لم يثبت عنه أن النبي ﷺ رأى ربه بعينيه.
▣▣ أقوال العلماء في تفسير المسألة :
★ قال الإمام النووي رحمه الله :
تحت حديث ( نور أنى أراه ) معناه : حجابه نور فكيف أراه ؟. قال الإمام أبو عبد الله المازري - رحمه الله - : الضمير في ( أراه ) عائد على الله سبحانه وتعالى ،
ومعناه : أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ، ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه. ينظر: (شرح النووي على مسلم).
★ قال ابن القيم رحمه الله :
وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرؤية: إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج ، وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك،
وشيخنا يقول ليس ذلك بخلاف في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه... ينظر: (اجتماع الجيوش الإسلامية ج: 1 ص: (12)).
★ وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
لم يأت هناك حديث صحيح ومرفوع إلى النبي ﷺ أنه قال رأيت ربي ليلة أسري بي لا يوجد مثل هذا الحديث،...
قول الله تبارك وتعالى: (( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا )) ".
إذا لا يمكن المكالمة مع الله إلا من وراء حجاب في هذه الحياة الدنيا، ولذلك كانت رؤية الله في الآخرة تباين الرؤية هنا في الدنيا،... ينظر: (سلسلة الهدى والنور-(641)).
★ وقال أيضا رحمه الله :
الراجح أن النبي - ﷺ - لم ير ربه بعينه، وإنما رآه ببصيرته وقلبه، ومما يؤكد هذا : أن النبي - ﷺ - قد سُئل صراحًة : هل رأيت ربك؟ قال : « نور أنى أراه؟! »،
فهذا نفي لأن يكون رسول الله - ﷺ - قد رأى ربه، وأكد نفيه لذلك بقوله : أن هناك نورًا يمنع الإنسان من أن يرى ربه،... ينظر: (فتاوى الإمارات" (٤)).
▣▣ أسئلة شائعة حول رؤية النبي ﷺ لربه ليلة المعراج:
هل رأى النبي ﷺ ربه ليلة المعراج بعينيه؟
✔ الصحيح عند جمهور العلماء أن النبي ﷺ لم يرَ ربه بعينيه، وإنما رآه بفؤاده، وقد ثبت ذلك في أحاديث صحيحة.
ما معنى قوله تعالى: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾؟
✔ المقصود بها أن النبي ﷺ رأى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية مرتين، وليست رؤية لله عز وجل.
هل اتفق الصحابة على هذه المسألة؟
✔ نعم، اتفق الصحابة مع عائشة رضى الله عنهم - على أن النبي ﷺ لم يرَ ربه ليلة المعراج. يُنظر: ((النقض على المريسي)) للدارمي (ص: 287).
هل رؤية الله فى الدنيا ممكنة؟
✔ رؤية الله تعالى في الدنيا غير ممكنة، لقوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾، أما في الآخرة فقد ثبت أن المؤمنين سيرون ربهم تبارك وتعالى برحمته.
▣▣ خلاصة القول :
● الراجح والصحيح أن النبي ﷺ لم يرَ ربه ليلة المعراج بعينيه، وإنما رآه بفؤاده.
● هذا ما تدل عليه النصوص الصريحة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة.
والله اعلم
اقرأ أيضا:
.webp)
تعليقات
إرسال تعليق