الصحيح إن شاء الله أن فضل صلاة الجماعة يحصل بإدراك الإمام في أي جزء من الصلاة، أي :
أن من كبر قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك فضل صلاة الجماعة ، ثم بعد ذلك يقوم ويأتى بما بقي من الصلاة وله أجر الجماعة إن شاء الله، وهو قول الجمهور .
* ولكن لا شك أن من أدرك الصلاة مع الإمام من أولاها إلى آخرها أعظم أجراً من الذي أدرك معه جزءًا يسيراً من الصلاة .
ومما يدل على ذلك :
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضِي الله عَنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولاتسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. (رواه البخاري).
- قال النووي رحمه الله : لم يختلف الفقهاء بأن صلاته تنعقد ولو لم تحصل له الجماعة لكان ينبغي أن لا تنعقد. انتهى من (المجموع 4/219).
- وقال ابن حجر رحمه الله : واستدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزء من الصلاة،
لقوله فما أدركتم فصلوا ولم يفصل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور. انتهى من [ فتح الباري 2/118].
* إذن من أدرك الإمام ساجداً أو جالساً في التشهد الأخير يسمّى مدركاً فيتمم ما فاته وعلى هذا يكون من كبر قبل سلام الإمام مدركاً للجماعة،
وأن هذا الجزء من صلاته إذا لم يكن محسوباً من صلاته فلو لم ينل به الفضيلة لمنع من الإقتداء ، والحالة هذه لكونها زيادة في الصلاة لا فائدة فيها .
- قال الإمام ابن حزم رحمه الله :
معلقاً على حديث أبو هريرة السابق : فهذا عموم لما أدركه المرء من الصلاة قلَّ أم كَثُر وهذان الخبران زائدان على الخبر الذي فيه : " من أدرك من الصلاة مع الإمام ركعة فقد أدرك الصلاة " ولا يحل ترك الأخذ بالزيادة .
وروينا عن ابن مسعود : أنه أدرك قوماً جلوساً في آخر صلاتهم ، فقال : أدركتم إن شاء الله ، وعن شقيق بن سلمة : من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة،
وعن الحسن قال : إذا أدركهم سجوداً سجد معهم ، وعن ابن جريج : قلت لعطاء : إن سمع الإقامة أو الآذان وهو يصلى المكتوبة أيقطع صلاته ويأتي الجماعة؟
قال : إن ظن أنه يدرك من المكتوبة شيئاً فنعم. انتهى من (المحلى بالآثار (3/ 182)).
الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل إدراك فضل الجماعة يتوقف على السعي لها بوجهه ولا يُقَصِّر في ذلك سواء أدركها أم لا، فما بالك بمن أدرك منها شيئاً.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال : من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله جل وعز مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا. [صحيح النسائي-رقم: 854].
فإذا كان من لم يدركها كُتب له أجرها فكيف بمن أدرك جزءا منها ؟ والله لا يعطي ثواب فعل شيء ولا يعطي ثواب ما كان مثله أو أولى منه.
- قال السندي في شرح سنن النسائي عند هذا الحديث : ظاهره أن إدراك فضل الجماعة يتوقف على أن يسعى لها بوجهه ولا يقصر في ذلك سواء أدركها أم لا،
فمن أدرك جزءا منها ولو في التشهد فهو مدرك بالأولى ، وليس الفضل والأجر مما يعرف بالاجتهاد ، فلا عبرة بقول من يخالف قوله الحديث في هذا الباب أصلاً. انتهى.
** أما استدلال المخالفين بحديث :
« مَنْ أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ». قياساً على الجمعة.
أجيب عنه :
أنه ورد في الأوقات ، وأن في الجمعة حديثًا خاصًا بها ، وقد ورد في شأن إدراك الجماعة نص ولا اجتهاد في معرض النص ، فــــإذا وجد النص فـــلا معنى للقياس ،
فقوله فقد أدرك الصلاة ليس على ظاهره بالإجماع ، لما قدمناه من أنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركا لجميع الصلاة بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة،
فإذا فيه إضمار تقديره فقد أدرك وقت الصلاة أو حكم الصلاة أو كتبت له الركعة ، ولا يقصد بالصلاة الجماعة أو نحو ذلك ويلزمه إتمام بقيتها. انتهى من [فتح الباري لابن حجر- 2/57].
- إذن يُحمل هذا الحديث على الوقت، كقوله : « من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ». [البخاري].
اقرأ أيضا : جواز صلاة الجماعة فى مكان العمل لعذر
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق