الراجح هو طهارة دم الإنسان وطهارة دم الحيوان مأكول اللحم سواء كان مسفوحاً أو غير مسفوح لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة والبراءة الأصلية مستصحبة فلا يُترك هذا الأصل إلا بنصٍّ صحيح .
فالأصل في الأشياء الطهارة ولم يدل دليل صريح على نجاسة الدم فلا تترك إلا بنص صحيح يجوز به ترك الأصل وإذ لم يرد شيء من ذلك فالبقاء على الأصل هو الواجب ولا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الدم إلا دم الحيض مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح ورعاف، وحجامة وغير ذلك فلو كان نجساً لبينه صلى الله عليه وسلم لأن الحاجة تدعو إلى ذلك.
كما أنه لا يزال المسلمون يصلون في جراحاتهم وبعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهذه لا تحتاج إلى نقول فهي أشهر من أن تذكر !. وأما دم الحيض فهو نجس بإتفاق أهل العلم .
والأدلة على ذلك :
قصة الأنصارى الذي كان يصلى وهو ينزف .
1- ما رواه أبو داود وابنُ خزيمة عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَأُصِيبَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ... الحديث .وفيه « فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنْ الدِّمَاءِ ». قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ ألا أنبَهْتَني. صحيح أبي داود
فهذا الحديثُ دليلٌ على أنَّ الدمَ ليس بنَجِسٍ كما أنَّه لا ينقُضُ الوضوء إذ لو كان نَجِسًا لخرَج هذا الصحابيُّ من الصلاة ويبعُد أن يكونَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يعلَمْ بهذه الحادثة لتوفُّرِ دواعيهم على السؤالِ عن مِثْل ذلك. ولم يُنْقَل أنَّه أخبره بأنّ صلاته بطلت؛ كما قال الشوكان فى نيل الاوطار.
قال ابن حجر في الفتح 1/282 :
والظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم فى الصلاة لا يبطلها بدليل أنه ذكر عقب هذا الحديث أثر الحسن البصري: « مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتهمْ ». وقد صح أن عمر صلى فى جرحه وهو يثغب دماً وهو قول طاووس ومحمد بن على وعطاء وأهل الحجاز وتنخم ابن أبى أوفى دمًا فى صلاته وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم وقيح فمسحه بيده وصلى ولم يتوضأ . اه
وقال العلامة الألبانى رحمه الله :
يستبعد عادة أن لا يطلع النبي على ذلك فلو كان الدم الكثير ناقضا لبينه لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول وعلى فرض أن النبي خفي ذلك عليه فما هو بخاف على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فلو كان ناقضا أو نجسا لأوحى بذلك إلى نبيه كما هو ظاهر لا يخفى على أحد .انتهى.
فإن قيل :
صلاة عمر وغيره من الصحابة فحال ضرورة فيباح لمن دمه يثعب من جراحه أن يصلي على حاله، والواجب الذي هو التحرز من النجس يسقط بالإجماع، والمشقة تجلب التيسير، ألا ترى المستحاضة دمها نازل وتصح صلاتها ولو استثفرت، وكذا من به سلس.
ويجاب عنه بـ :
أنَّ دعوى الضرورة لا يُسلّم بها لأن أفعال الصحابة عموماً لا تُحمل على الضرورة لأنه بإمكان الواحد منهم أن يعصب جرحه ويُصلّي.
فإن قيل :
لماذا لا يحمل فعل ابن عمر مع البثرة على اليسير المعفو عنه، مع اشتراط الفقهاء
لنجاسة الدم أن يفحش في نفسه كما في عمدة الطالب، وشرح منتهى الإرادات، وغيرهما فلعل ذلك لم يفحش في نفس ابن عمر - رضي الله عنهما -.
فيجاب عنه :
بأن حمل تلك الأفعال من الصحابة على اليسير أو الضرورة ليس بمسلّم لأن ابن عمر رضي الله عنهما - كان يُفتي بأن المُحتَجِم ليس عليه إلا غسل محاجمه، هذه فتوى من عالم من علماء الصحابة فكيف تُحمل الفتوى على الضرورة؟؟. ولا ضرورة مع الحجامة
فإن الحجامة تكون في الرأس أو في الظهر أو في غيره من البدن ومع ذلك كان يُفتي المحتجِم بأنه ليس عليه إلا غسل محاجمه.
والقول بأن هذه الآثار كان الدم فيها يسيراً فعفي عنه فهذه دعوى في محل النـزاع والأصل ألا فرق بين قليل الدم وكثيره في النجاسة لأن هذا التفريق ليس عليه دليل من السنة كما لا فرق بين قليل الدم وكثيره في الحدث.
2- حديث عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدَ بن مُعَاذٍ رُمِيَ فِي أَكْحَلِهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ خِبَاء فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ قَرِيبًا ... فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ تَفَجَّرَ كَلْمُهُ ، فَسَالَ الدَّمُ مِنْ جُرْحِهِ ، حَتَّى دَخَلَ خِبَاءً إِلَى جَنْبِهِ ، فَقَالَ الْهنه أَهْلَ الْخِبَاءِ : يَا أَهْلَ الْخِبَاءِ ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَنَظَرُوا فَإِذَا سَعْدٌ قَدِ انْفَجَرَ كَلْمُهُ وَالدَّمُ لَهُ هَدِيرٌ ، فَمَاتَ . ([صحيح الترمذي])
فلو كان الدم نجساً لأمر بصب الماء عليه كما فعل في بول الأعرابي وكلاهما كان في المسجد.
3- قول النبي للمستحاضة :
« إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي ». ([البخارى ومسلم])
قال ابن المنذر 2/216 :
والمسوي بينهما بعد تفريق النبي بينهما غير منصف في تشبيهه أحدهما بالآخر وقد أجمع أهل العلم على التفريق بينهما قالوا : دم الحيض مانع من الصلاة ودم الاستحاضة ليس كذلك ودم الحيض يمنع الصيام والوطأ والمستحاضة تصوم وتصلي وأحكامها أحكام الطاهر وإذا كان كذلك جاز وطؤها لأن الصلاة والصوم لا يجبان إلا على الطاهر من الحيض .اهـ
وفى هذا نقض للإجماع على نجاسة الدم مطلقاً وعلى التسوية بين دم الحيض وغيره في الحكم بالنجاسة دلالةً وإجماعاً .
قال الألباني رحمه الله
في الصحيحة 1/300 بعد ذكر الحديث :
فهذا يدلك على أن الذين ذهبوا إلى القول بنجاسة الدم إطلاقا ليس عندهم بذلك نقل صحيح صريح فتأمل وجملة القول : أنه لم يرد دليل فيما نعلم على نجاسة الدم على اختلاف أنواعه إلا دم الحيض و دعوى الاتفاق على نجاسته منقوضة بما سبق من النقول والأصل الطهارة ، فلا يترك إلا بنص صحيح يجوز به ترك الأصل وإذ لم يرد شيء من ذلك فالبقاء على الأصل هو الواجب .اه
4- ذكر البخاري في صحيحه (فتح 1/280) آثاراً منها: قال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز: ليس في الدم وضوء وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها الدمُ ولم يتوضأ. وقال ابنُ عمر والحسن فيمن يحتجم: ليس عليه إلا غَسلُ محاجمه، قالوا: فخروج الدم لا ينقضُ الوضوء بخلاف غيره من البول والغائط فإنه ناقض للوضوء لأنه نجس.
5- أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يمنع من المسجد أن يجلس فيه الجريحُ والمستحاضة فلو كان نجساً لأمرهم بالتَنزه من الدَّم.
6- أمُره صلى الله عليه وسلم بتركِ دماءِ الشهداءِ عليهم وعدمِ غسلِها من أبدانِهِم وثيابِهِم. ([البخاري]).
عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبُي صلى الله عليه وسلم: (ادفُنوهم في دمائهِم) فتركهم في دمائِهِم.
والأشياءُ النجسةُ لا يحل مباشرتُها ولِهذا قال في البولِ: (إن عامةَ عذاب القبِر في البول). فلو كان الدمُ نجساً لأمَرَ بَغسلِه ولم يأمُر فدل على طهارتِه.
7- جواز وطء المستحاضة ودمها ينـزل، فلو كان الدم نجساً لحرم الجماع كما حرم حال الحيض في قوله تعالى: [ قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض]. فدم الاستحاضة ليس أذى، فلا يمنع من الجماع، ولا من التلطخ به.
قال العلامة مقبل الوادعى رحمه الله :
ما ينجس من الدماء إلا دم ما لا يؤكل لحمه ودم الحيض والنفاس ، هذا هو الذي ينجس ، وبقية الدماء ليس هناك دليل على نجاستها ، بل عبدالله بن عمر كان يتقدم وبه بترة - أي نبتات فيفضها - ثم بعد ذلك يصلي، وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يصلون في جراحاتهم. اه
راجع كتاب غارة الأشرطة ( 1 / 67 - 68 )
وأمَّا دم الحيوان مأكول اللحم
فالقول فيه كالقول فى دم الآدمى من عدم الدليل على نجاسته .
: فعن عبد الله بن مسعود قال
بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلَاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَبَتَ النَّبِيُّ سَاجِدًا فَضَحِكُوا . ([البخاري])
فلو كان سلا الجزور والدم نجس ما تمادى النبي فى صلاته والفرس والدم على ظهره ولقطع الصلاة ونظف ثيابه.
قال الشيخ فركوس حفظه الله:
فاعلم أن الدماء ما عدا دم الحيض حكمها الطهارة سواء كان الدم دم إنسان أو دم مأكول من الحيوان استصحابا للبراءة الأصلية إذ «الأصل في الأعيان الطهارة» ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بنص شرعي صحيح ولم يأت من خالف هذا بحجة ظاهرة سوى نصوص مشتملة على تحريم الدماء. ولا يخفى أنه لا يلزم من التحريم النجاسة
بخلاف النجاسة فإنه يلزم منها التحريم،
وفي هذا المعنى قال الصنعاني رحمه الله :
«والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة وأن التحريم لا يلازم النجاسة فإن الحشيشة محرمة طاهرة وكذا المخدرات والسموم القاتلة لا دليل على نجاستها.
وأما النجاسة فيلازمها التحريم فكل نجس محرم ولا عكس وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع عن ملابستها على كل حال فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها بخلاف الحكم بالتحريم فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة شرعية وإجماعا». ويؤكد ذلك ما ذهب إليه الحسن البصري رحمه الله بقوله: «ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم».اه
وقال الشَّوْكانيُّ رحمه الله :
"ويُؤيِّده أيضًا أنَّ الأشياءَ
على الطهارة حتى تَثبُتَ النجاسة".اه
نيل الأوطار1/ 60.
-------------------------
وأما الجواب على
أدلة القائلين بنجاسة الدم فهي :
فقد استدلوا على نجاسة الدماء بقوله تعالى : قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ. [الأنعام: 145].
والرد على ذلك :
1- أن لفظة ( رجس ) من المشتركات اللفظية فهي تحمل أكثر من معنى منها : النجس ، القذر ، القبيح ، المحرم ، اللعنة ، العذاب ، الكفر ، الشر الإثم وغيرها وكل هذه المعاني وردت كلها في القرآن الكريم .
2- أن الأصل في الأعيان الطهارة إلا ما قام الدليل على نجاسته وغاية ما في الآية التحريم وليس كل محرم بنجس ولكنه العكس .
3- أنه لو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى ( فإنه رجس ) إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير لكان ذلك مفيدا لنجاسة الدم المسفوح و الميتة ولكن لم يرد ما يفيد ذلك بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب و الظاهر الرجوع إلى الأقرب وهو لحم الخنزير لإفراد الضمير ولهذا جزمنا هنا بنجاسة لحم الخنزير دون الدم الذي ليس بدم حيض . ([الروضة الندية 1/18 صديق الدين خان ])
قال الإمام ابن حزم
في المحلى كتاب الأطعمة :
وأما الخنزير فإن الله تعالى قال : { أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا }. والضمير في لغة العرب التي نزل بها القرآن راجع إلى أقرب مذكور إليه فصح بالقرآن أن الخنزير بعينه رجس فهو كله رجس وبعض الرجس رجس والرجس حرام واجب اجتنابه فالخنزير كله حرام لا يخرج من ذلك شعره ولا غيره حاشا ما أخرجه النص من الجلد إذا دبغ فحل استعماله .
وروينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث هو ابن سعد: عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد } .
فصح أن النبي صلى الله عليه وسلم صوب قتل عيسى عليه السلام للخنازير وأخبر أنه بحكم الإسلام ينزل وبه يحكم ، وقد صح أنه عليه السلام نهى عن إضاعة المال فلو كانت الذكاة تعمل في شيء من الخنزير لما أباح عليه السلام قتله فيضيع فصح أنه كله ميتة محرم على كل حال .اه
* والعجيب أن من قال بنجاسة الدماء يقولون إنه يعفى عن اليسير منه والأصل ألا فرق بين قليل الدم وكثيره في النجاسة إذ لا دليل على ذلك السنة كما لا فرق بين قليل الدم وكثيره في الحدث.
فقد جاء فى المغنى :
قال مهنا: سألت أحمد عن بئر غزيرة وقعت فيها خرقة أصابها بول؟. قال: تنزح. وقال في قطرة بول وقعت في ماء: لا يتوضأ منه وذلك لأن سائر النجاسات لا فرق بين قليلها وكثيرها. انتهى.
4- أما دعوى الإجماع
فإن كان المقصود به إجماع الأئمة الأربعة فهو منقوض بالأدلة السابقة وإن كان المقصود به إجماع الأمة فهو منقوض بقول البخاري وطاووس ومحمد بن على وعطاء والحسن البصري وأهل الحجاز! وابن أبى أوفى وعمر وابن عمر وابن مسعود فأنَّ لهم الإجماع.
- وقد ذكر ابن رشد اختلاف العلماء في دم السمك وذكر أن السبب في اختلافهم هو إختلافهم في ميتته فمن جعل ميتته داخلة تحت عموم التحريم جعل دمه كذلك ومن أخرج ميتته أخرج دمه قياساً على الميتة ونقول هم يقولون بطهارة ميتة الآدمى فكذلك دمه على قاعدتهم . ا هـ
ومن ذلك القيح والصديد وماء القرح :
اختلف أهل العلم في القيح والصديد فقالت طائفة :هما بمنزلة الدم . وهو قول النخعي وبه قال مجاهد وعطاء وعروة بن الزبير والزهري وقتادة والشعبي والحكم الليث بن سعد وحماد .
وقالت طائفة ليس في خروج القيح والصديد وضوء. وهو قول الحسن البصري وقال عطاء في الماء الذي يخرج من القرح : ليس فيه شيء وكان أبو مجلز لا يرى في القيح شيئاً. وقال : إنما ذكر في كتابه عز وجل الدم المسفوح. وكان الأوزاعي يقول في قرحة سال منها كغسالة اللحم ليس بدم ولا قيح لا وضوء فيه. وقال أحمد بن حنبل في القيح والصديد هذا كله أيسر عندي من الدم. وقال إسحاق : كل ما كان سوى الدم لا يوجب وضوءا .
قال ابن المنذر :
ليس مع من أوجب في القيح والصديد وماء القرح الوضوء حجة . ([الأوسط لأبن المنذر 1/181 ])
وهو الراجح وقد تبين طهارة الدم فهذا من باب أولى.
قال الشوكاني رحمه الله -:
وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَـقـُل أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حُجة. اهـ. وهذه الكلمة من الشوكاني قاعدة عظيمة يُعضّ عليها بالنواجذ.
فإن قيل :
إذا حكى النووي وغيره الإجماع على مسألة وهم ممن يعتد بهم في العلم والفضل وتواطأ على ذلك أئمة فلماذا لا يكون صحيحا؟
فيجاب عنه :
بأنَّ النووي نفسه - رحمه الله قد نقل الخلاف في المسألة في المجموع وذكر بعض الأقوال في مذهبه هو والخلاف في نجاسة الدم من عدمه. فقال: والصحيح عند الجمهور نجاسة الدم والفضلات وبه قطع العراقيون وخالفهم القاضي حسين فقال: الأصح طهارة الجميع. وقد يُحمل نقل النووى رحمه الله للإجماع أنَّ هذا القول لم يختلف فيه الشافعية وقد أجمعوا عليه على أنه ينتبه لشيء وهو أن قد يهمل بعض العلماء قول المخالف لأنه قد انعقد الإجماع قبله أو لا يعتد به في الخلاف كما قد صرح النووي رحمه الله بذلك في باب السواك شرح مسلم بإنه لا يعتد بخلاف الظاهرية .
إذن
* لم يصح الإستدلال بالإجماع في هذه المسألة لما ذكره النووى من الخلاف فى كتابه المجموع وبما ثبت عن السلف لذا وجب الرجوع فيه إلى النص والنص إنما دل على نجاسة دم الحيض وما سوى ذلك فهو على الأصل وهو الطهارة فلا يخرج منه إلا بنص تقوم به الحجة ولا نص على النجاسة مطلقاً فلا يوجد حديث واحد صحيح صريح يأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغسل الدم أو بالنص على نجاسة الدم!.
وأحب أن أُذكّر أنه ليس كل من نقل الإجماع سُلّم له بذلك ولذا قال الإمام أحمد رحمه الله: وما يُدريك أنهم أجمعوا لعلهم اختلفوا.
* وأما الآثار عن السلف فلا تصريح فيها بنجاسة الدم وأن مجرد غسل الدم لا يعني نجاسته .
* إِنَّ القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حُجَّة إِلا أنَّه محرَّم بنصّ القرآن فاستلزموا من التحريم التنجيس كما فعلوا تماماً في الخمر ولا يخفى أنَّه لا يلزم من التحريم التنجيس بخلاف العكس كما بيّنه الصنعاني في "سبل السلام" ثمَّ الشوكاني وغيرهما .
* لم يَرِد دليل على نجاسة الدم على اختلاف أنواعه إلا دم الحيض ودعوى الاتفاق على نجاسته منقوضة بما سبق من النقول والأصل الطهارة فلا يُتْرَك إلاَّ بنص صحيح يجوز به ترْك الأصل وإِذ لم يَرِدْ شيء من ذلك فالبقاء على الأصل هو الواجب .
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق