">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

أراد أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والشيعة الروافض وغيرهم محاولة النيل من القرآن الكريم والتشكيك فيه بإلقاء الشبهات حوله بأنه منقوص منه أو أضيفت إليه معلومات جديدة ولكن هيهات وأنى لهم ذلك وقد تكفل الله بحفظ كتابه من الزيادة والنقصان، قال تعالى-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر:9}وقد قيَّض الله لهم في كل عصر ومصر جهابذة يردونهم خاسرين بمقامع الحجج الناصعة .

ومن محاولاتهم البائسة تمسكهم بحديث الداجن حيث قالوا أنه دليل على نقصان القرآن وتعرضه للضياع . 

وإليك حديث الداجن (ما يألف البيوت من ماعز أو حمام ) الذى يرويه عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه، عن عَائِشَةَ أنها قالت : " لقد نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا وَلَقَدْ كان في صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي، فلما مَاتَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ؛ دخل دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا "فهذا الحديث ضعيف ضعفه جمع كبير من المحدثين فهو من رواية محمد بن إسحاق بن يسار وهو مدلِّس ولم يصرِّح بالسماع في شيءٍ من الطرق ومع هذا قد صححه بعضهم وحتى على القول بصحته فهذا لا يضر إطلاقا إن شاء الله ولا دليل فيه على نقصان القرآن ومناقضته للحفظ من الضياع وذلك :

1- لأن الحديث دال على أن الشاة أكلت الصحيفة التي فيها آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً وكلاهما منسوخ تلاوته.

* فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها - قالت : " كان فيما نزل من القرآن عشر رضعاتٍ معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلوماتٍ يحرمن ".

* وفي الصحيحين أن عمر بن الخطاب قال وهو جالس على منبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " إن الله قد بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق، وأنزل عليه الكتاب؛ فكان مما أنزل عليه آية الرجم؛ قرأناها ووعيناها وعقلناها؛ فرجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده...". وهو ظاهر في حفظهم ووعيهم لها عن ظهر قلب فما الذي يضر إن فقدت الصحيفة؟!! فالعبرة بالحفظ والتواتر عليه .

2- أن التشريع الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل عدة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات والنسخ عرفه العلماء بأنه : رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر . 

وقد ذكر أهل العلم أن النسخ في كتاب الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

 الأول : ما نسخ حكمه وبقي لفظه، وهذا أكثر ما وقع في القرآن . 

والثاني : ما نسخ لفظه وبقي حكمه . 

والثالث : ما نسخ لفظه وحكمه .

 فمثال الأول : ما نسخ حكمه وبقي لفظه . وهو قوله تعالى : ﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ﴾، ثم قال بعدها ناسخاً لها : ﴿الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين﴾. فهذا نُسخ حكمه وبقي لفظه تذكيراً للأمة بما أنعم الله عليهم من التخفيف وكذلك إبقاءً لثوابه بتلاوته.

الثاني : نسخ التلاوة مع بقاء الحكم . ومثاله آية الرجم وهي : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة..) فهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه فإن حكمها باقٍ إلى يوم القيامة وكانت مقروءة وموجودة لكن نسخ لفظها .

 قال الشيخ العثيمين رحمه الله :

 والحكمة في نسخ لفظها -والله أعلم- بيان فضل هذه الأمة على الأمة اليهودية التي حاولت أن تكتم ما كان موجوداً في كتابها وهو آية الرجم حينما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتونه في قضية اليهوديين حينما زنا رجل بامرأة منهم، فجاءوا بالتوراة، ووضع القارن يده على آية الرجم حتى قال عبد الله بن سلام : ارفع يدك. فقد كان رجم الزاني ثابتاً في التوراة لفظاً وحكماً، ولكن الأمة اليهودية حاولت كتمه وعدم العمل به، نسخ لفظ التلاوة الذي يثبت رجم  الزاني، لكن الأمة الإسلامية طبقت هذا الحكم على الرغم من كون اللفظ منسوخاً، مما يدل على فضلها وامتثالها لأمر الله عز وجل، وعدم تحايلها على إبطال شريعته . انتهى باختصار من ( فتاوى نور على الدرب شريط رقم 29)

الثالث : ما نسخ لفظه وحكمه نسخ الحكم والتلاوة معاً . ومثاله قول عائشة رضي الله عنها : (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات يحرمن). فالجملة الأولى منسوخة في التلاوة والحكم أما الجملة الثانية فهي منسوخة في التلاوة فقط ثم استقر الحكم على خمس معلومات .

وقولها رضي الله عنها : (ولقد كان………..) أي ذلك القرآن بعد أن نسخ تلاوة ( في صحيفة تحت سريري ) والداجن : الشاة يعلفها الناس من منازلهم، وقد يقع على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها .

قال ابن قتيبة رحمه الله :

ونحن نقول إن هذا الذي عجبوا منه كله ليس فيه عجب ولا في شيء مما استفظعوا منه فظاعة فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى ما كتب فيه القرآن لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد ولا حجارة والخزف وأشباه هذا.

قال زيد بن ثابت : أمرني أبو بكر رضي الله عنه بجمعه فجعلت أتتبعه من الرقاع والعسب واللخاف والعسب جمع عسيب النخل واللخاف حجارة رقاق واحدها لخفة.

 وقال الزهري : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن في العسب والقضم والكرانيف والقضم جمع قضيم وهي الجلود والكرانيف أصول السعف الغلاظ واحدها كرنافة وكان القرآن متفرقا عند المسلمين ولم يكن عندهم كتاب ولا آلات يدلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب إلى ملوك الأرض في أكارع الأديم. 

فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى ما كتب به القرآن، لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا .

وإن كان العجب من وضعه تحت السرير فإن القوم لم يكونوا ملوكاً فتكون لهم الخزائن والأقفال والصناديق، وكانوا إذا أرادوا إحراز شيء أو صونه وضعوه تحت السرير ليأمنوا عليه من الوطء وعبث الصبي والبهيمة، وكيف يحرز من لم يكن في منزله حرز ولا قفل ولا خزانة، إلا بما يمكنه ويبلغه وجده، ومع النبوة التقلل والبذاذة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويصلح خفه، ويقول : " إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ".

وإن كان العجب من الشاة فإن الشاة أفضل الأنعام، فما يعجب من أكل الشاة تلك الصحيفة، وهذا الفأر شر حشرات الأرض، يقرض المصاحف ويبول عليها، ولو كانت النار أحرقت الصحيفة أو ذهب بها المنافقون كان العجب منهم أقل . ينظر : (تأويل مختلف الحديث ص 774-(781))

وقال أبو بكر الباقلاني رحمه الله :

وقد يجوز أن يذهبَ الناسُ عن حفظ ما يسقطُ فرضُ حقَه ونسخَ رسمُه، ولا يجوز في مستقر العادة ذهابُهم جميعا عن حفظ الباقي الرسم الثابت الفرض ... 

وقولُها : " لقد كانت مكتوبة في ورقةٍ تحتَ سريري " يدلُّ أيضاً على ذلك، لأنّه دلالةٌ على قلّة الحفظِ له والاحترازِ والاعتناءِ بحِياطته، لأنّ عادتَهم في الثابتِ الباقي الرسم صيانتُه وجمعُه وحراستُه دونَ طرحِه في الظهورِ تحتَ الأسِرّة والرجْلِ وبحيثُ لا يُؤمَن عليه، فأما إذا نُسِخَ وسقطَ فرضُه جازَ تركُ حفظِه والاعتناءُ به، وجُعِلَ ما يُكتب فيه ظُهُورا يُنتفَعُ به ويثبِتُون فيها ما يُريدون .

وقولها : " فدخل داجِنُ الحي فأكله " لا يدلُّ على أنه لم يكن عند أحد غيرها لم يأكله مِن عنده شيء.... وليس على جديدِ الأرض أجهلُ ممن يظُنُ أن الرسولَ والصحابةَ كانوا جميعا يُهملون أمرَ القرآن ويعدِلون عن تحفُظه وإحرازِه ويعوِّلون على إثباته في رقعةٍ تُجعَلُ تحتَ سريرِ عائشةَ وحدَها، وفي رقاعٍ ملقاةِ ممتهَنةٍ حتى دخلَ داجنُ الحى فأكلَها أو الشاةُ ضاع منهم وتفقَت ودرسَ أثرُه وانقطعَ خبره! 

وما الذي كان تُرى يبعثُ رسولَ الله - ﷺ - على هذا التفريطِ والعجز والتواني وهو صاحبُ الشريعة والمأمورُ بحفظِه وصيانتِه ونصب الكَتَبةِ له، ويَحضُرُه خَلْقٌ كثيرٌ متبتلون لهذا الباب ومنصوبون لكتبِ القرآنَ الذي يَنزِل وكتبِ العهودِ والصلح والأمانات وغير ذلك مما نزل ويَحدُثُ بالرسول خاصةً وبه حاجةٌ إلى إثباته.... والرسولُ عليه السلامُ منصوبٌ للبيان وحِياطةِ القرآنِ وحفظِ الشريعةِ فقط ، لا حرفةَ له ولا شيءَ يقطعُه من أمورِ الدنيا غيرُ ذلك إلا بنَصَبٍ يعود بنُصرةِ الدين وتوكيدِه ، ويثبِتُ أمرَ القرآن ويُشِيدُه ، وكيف يجوزُ في العادةِ أن يذهبَ على هؤلاءِ وعلى سائرِ الصحابةِ آيةُ الرضاع والرجمِ فلا يحفظها ويذكرها إلا عائشةُ وحدَها ، لولا قلةُ التحصيلِ والذهابِ عن معرفةِ الضروراتِ ، وما عليه تركيبُ الفِطَرِ والعادات .

فقد بان بجملةِ ما وصفناه من حالِ الرسولِ والصحابةِ أنه لا يجوزُ أن يذهبَ عليهم شيءٌ من كتاب الله تعالى قلَّ أو كَثرُ ، وأنّ العادةَ تُوجِبُ أن يكونوا أقربَ الناسِ إلى حفظِه وحراستِه وما نزلَ منه وما وقع وتاريخهِ وأسبابهِ وناسخِه ومنسوخِه ". انتهى باختصار من " الانتصار للقرآن " (1/412-418) 

قال ابن حزم رحمه الله :

وليس هو على ما ظنوا لان آية الرجم إذ نزلت حفظت وعرفت وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يكتبها نساخ القرآن في المصاحف ولا أثبتوا لفظها في القرآن، وقد سأله عمر بن الخطاب ذلك كما أوردنا فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فصح نسخ لفظها وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها كما قالت عائشة رضي الله عنها فأكلها الداجن ولا حاجة بأحد إليها، 

وهكذا القول في آية الرضاعة ولا فرق وبرهان هذا انهم قد حفظوها كما أوردنا فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم، وبالله تعالى التوفيق .

* فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر قال الله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته )، وقال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )، وقال تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) وقال تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ). فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغها لبلغها ولو بلغها لحفظت ولو حفظت ما ضرها موته كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ فقط من القرآن وإن كان عليه السلام لم يبلغ أو بلغه فأنسيه هو والناس أو لم ينسوه لكن لم يأمر عليه السلام أن يكتب في القرآن فهو منسوخ بيقين من عند الله تعالى لا يحل أن يضاف إلى القرآن . انتهى من ( المحلى الجزء11)

وفى النهاية نقول لأهل الكفر

- قد تعاقبت الأجيال جيلا بعد جيل تتلو كتاب الله وتتدارسه بينهم فيحفظونه ويكتبونه لا يغيب عنهم حرف ولا يستطيع أحد تغيير حركة حرف منه ولم تكن الكتابة إلا وسيلة من وسائل حفظه وإلا فإن الأصل أن القرآن في صدورهم .

-ولم يُنقل القرآن لنا وحده حتى يمكن تطرق التحريف المدَّعى إليه بل نقل تفسير آياته  ومعاني كلماته وأسباب نزوله وإعراب كلماته وشرح أحكامه فأنَّى لمثل هذه الرعاية لهذا الكتاب أن تتطرق إليه أيدي آثمة تحرِّف فيه حرفاً أو تزيد كلمة أو تسقط آية ؟.

- فالقرآن لا يثبت كونه قرآنا أصلا حتى يتصل نقله بالتواتر القطعي المستفيض جيلا عن جيل إلى عصر النبوة وتواتر القرآن الكريم يتميز عن غيره من أنواع التواتر بأنه ليس تواترا باللفظ فقط بل باللفظ والكتابة وكيفية الأداء والنطق بالكلمة والحرف على الهيئة المروية ثم إن القرآن قد كتب على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجمع في مصحف واحد في عهد خليفته الراشد أبي بكر الصديق ثم في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان وتناقله المسلمون جيلا عن جيل تلاوة وكتابة فهو محفوظ في الصدور قبل أن يحفظ في السطور .

قال القاضي عياض رحمه الله في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى :

 وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض، المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنه كلام الله، ووحيه المنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدَّله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأُجمع على أنه ليس من القرآن، عامداً لكل هذا، أنه كافر . انتهى

وقال الإمام القرطبي رحمه الله في مقدمة تفسيره :

 لأن الأمة لم تزل تنقل القرآن خلفاً عن سلف، والسلف عن سلفه إلى أن يتصل ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم المعلوم وجوده بالضرورة، وصدقه بالأدلة والمعجزات، والرسول أخذه عن جبريل عليه السلام عن ربه عز وجل، فنقل القرآن في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنقصان، ونقله إلينا بعدهم أهل التواتر الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد . انتهى

ومما يدل أيضا على تنزه القرآن الكريم عن الزيادة والتحريف أن إعجاز القرآن ثابت قطعاً وقد تحدى الله المشركين بآية فما فوق أن يأتوا بها فما قدروا فلو قُدِّرَ أن القرآن زيد فيه ما ليس منه أو حُرِّفَ فيه لانتفت صفة الإعجاز لأن محاكاة كلام البشر غير ممتنعة فلما لم تحصل دلّ ذلك على حفظ الله لكتابه وصونه له عن التحريف والزيادة .


والله اعلم


وللفائدة..



هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات