▣ للإجابة على هذا السؤال، لا بد من استعراض مفهوم العقيدة عند الصحابة،
مقارنةً بمنهج السلفية القائم على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.
▣▣ عقيدة الصحابة : البساطة والإتباع.
* لقد كانت عقيدة الصحابة رضي الله عنهم تقوم على الإيمان بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ،
دون الحاجة إلى تأويل أو تفصيل زائد. لم يكن الصحابة يدخلون في تفريعات فلسفية أو كلامية حول صفات الله أو أفعاله،
وإنما كانوا يجرون النصوص على ظاهرها، مع نفي التشبيه والتعطيل.
- كما قال العلامة المقريزي رحمه الله (ت 845 ه) :
إنه لم يرد قط من طريق صحيح، ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم:
أنه سأل رسول الله ﷺ عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه... بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات.. ينظر: (((المواعظ والاعتبار)) للمقريزي (2/356)).
** هذا يوضح أن الصحابة كانوا يثبتون الصفات كما وردت في النصوص،
دون الدخول في التأويلات الكلامية، أو التفصيلات التي شاعت في عصور لاحقة.
▣▣ منهج السلفيين في العقيدة.
* السلفيون هم من يتبعون منهج السلف الصالح، وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين.
يعتمد السلفيون في عقيدتهم على الكتاب والسنة، مع الالتزام بفهم السلف الصالح لهذه النصوص.
** من أهم مبادئ منهج السلفيين :
أ - إثبات الصفات كما وردت : السلفيون يؤمنون بصفات الله كما وردت في القرآن والسنة،
دون تحريف أو تأويل، مع نفي التشبيه والتعطيل، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. (الشورى: 11).
ب - عدم الخوض في الكيفية : السلفيون يؤمنون بصفات الله دون الخوض في كيفيتها، لأن كيفية صفات الله لا يعلمها إلا هو.
* قال الإمام مالك رحمه الله : " الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ". أخرجه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (867).
ج - التمسك بفهم السلف : السلفيون يتبعون فهم الصحابة والتابعين للنصوص الشرعية، لأنهم أقرب الناس إلى النبي ﷺ وأعلمهم بمراده.
▣▣ مقارنة بين عقيدة السلفيين وعقيدة الصحابة :
1 - إثبات الصفات : السلفيون والصحابة متفقون على إثبات صفات الله كما وردت في النصوص، دون تحريف أو تأويل.
2 - نفي التشبيه والتعطيل : كلاهما ينفي التشبيه بين صفات الله وصفات المخلوقين، مع الإيمان بعلو الله واستوائه على العرش بلا تكييف.
3 - عدم التأويل : الصحابة لم يتعرضوا لتأويل الصفات، وهذا ما يلتزم به السلفيون أيضًا، حيث يرفضون التأويلات التي تخالف النصوص.
▣▣ أقوال العلماء في هذه المسألة :
- قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني- صاحب أبي حنيفة رحمهما الله :
اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقران والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله ﷺ في صفة الرب عز وجل،
من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسَّر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي ﷺ، وفارق الجماعة؛
فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا،.. (رواه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (740).
- قال العلامة المقريزي رحمه الله (ت 845 ه) :
مفصلاً مذهب الصحابة والتابعين في الصفات :
إنه لم يرد قط من طريق صحيح، ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم:
أنه سأل رسول الله ﷺ عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد ﷺ,
بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات, نعم،..
وهكذا أثبتوا، رضي الله عنهم ما أطلقه الله عز وجل، على نفسه الكريمة من الوجه واليد، ونحو ذلك،
مع نفي مماثلة المخلوقين فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه, ونزهوا من غير تعطيل,
ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت،
ولم يكن عند أحد منهم شيء من الطرق الكلامية, ولا مسائل الفلسفة, فقضى عصر الصحابة رضي الله عنهم على هذا. ينظر: (((المواعظ والاعتبار)) للمقريزي (2/356)).
- وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :
هل العقيدة التي يحملها السليفون هي عقيدة الصحابة؟ فإن من الناس من يزعم ويقول :
إن كانت هي عقيدة الصحابة؛ فأتونا ولو بصحابي واحد يقول في الصفات : نؤمن بالمعنى ونفوض الكيف، فما هو قولكم؟
فأجاب رحمه الله :
نحن نعكس السؤال ثم نجيب عن هذا الجواب : هل هناك صحابي تأول تآويل الخلف نريد مثالا أو مثالين ؟ ..
نحن جوابا على السؤال الأول نقول : إن السلف الصالح لم يكونوا بحاجة إلى أن يشرحوا ما هو واضح لديهم وضوح الشمس في رابعة النهار.
المثال السابق يشبه تماما ما لو قال قائل : أعطونا مثالا واحدا أن أحد الصحابة قال هذا فاعل وهذا مفعول به وهذا مفعول للتمييز وهذا للحال،
إلى آخر ما هنالك من مصطلحات وضعت بعد الصحابة وبعد السلف لضبط فهم النصوص على الأسلوب القرآني والعربي الأصيل.
لا نستطيع أن نأتيهم بنص من مثل هذه النصوص التي اصطلح عليها العلماء الذين وضعوا قواعد النحو ووضعوا قواعد الصرف،
وكذلك سائر العلوم التي منها أصول الفقه ومنها أصول الحديث إلى آخره.
ذلك لأن الصحابة الأولين كانوا عربا أقحاحا فلم يكونوا بحاجة أن يفسروا ما يفسره اليوم السلفيون الذين ينتمون إلى السلف الصالح
ذلك لأنهم يفهمون النصوص المتعلقة بآيات الصفات وأحاديث الصفات كما فهمها السلف.
المهم أن الأصل ليس هو التأويل الأصل هو عدم التأويل وهذا الأصل أمر متفق عند جميع العلماء .
.. فنقول لهم العرب الأوّلون الصحابة الذين قصد السائل فهمهم لتلك النصوص،
هم ماشون على هذه القاعدة (إثبات صفات الله على الحقيقة ، لا على المجاز) التي عليها الخلف فضلا عن السلف .
فإذا حين قال الله عز وجل (( وجاء ربك والملك صفا صفا )) ما الذي يفهمه العربي فيما يتعلق بالملائكة من كلمة جاء الملائكة،
هل يفهم التأويل المعنى المأوّل أم يفهم المعنى الحقيقي ؟
لا شك أن الجواب سيكون يفهم المعنى الحقيقي، سنقول له :
أعطنا نصا أن الصحابة فسروا مجيء الملائكة بالمعنى الحقيقي لن يستطيع أن يصل إلى ذلك أبدا، لماذا؟
لأن الأمر واضح لديهم يمشون على قاعدة علمية (إثبات صفات الله على الحقيقة ، لا على المجاز) مجمع عليها ليس فقط بين السلف بل والخلف أيضا،
فما كان قولهم عن هذ المثال السهل البسيط هو نفس جوابنا على السؤال الذي أوضحته أو وجهته آنفا.
الحقيقة والحق نقول أن هؤلاء المعطلة هم يعني متأثرون بعلم المنطق الذي يخرج كثيرا من أصحابه عن دائرة الإتباع إلى دائرة الإبتداع.
.. فحينما يأتينا أي خلفي من هؤلاء ويفسر لنا تفسيرًا ما لنصٍ ما نقول له :
ما هو مستندك في هذا التفسير هل عندك نص عن الصحابة عن التابعين عن أتباع التابعين سيضطر أن يعود إلى اللغة .
وحنيئذ نقول هذه حجتنا إليكم لماذا تتأوّلون النصوص التي لا تعجبكم ظاهرها ولا إشكال فيها، إنما جاء الإشكال كما هو الأصل من التكييف من التشبيه .
لهذا يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : أصل المعطلة أنهم وقعوا في التشبيه فلما أرادوا الخلاص من التشبيه لجؤوا إلى التأويل،
فلو أنهم أخذوا بمثل قوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير))،..
لو أنهم وقفوا عند هذا النص ما احتاجوا إلى التأويل لأن مصيرهم إلى التأويل هو أنهم فهموا هذه الآيات على مقتضى التشبيه.
.. ثم يخطر في بالي شيء آخر وهو : عدم اعتدادهم بفهم الأئمة الذين يتظاهرون بالتمسك بعلمهم وبفهمم،
بينما هنا لا يقيمون لفهمهم وزنا إطلاقاً مع أن الأئمة هم الذين يعني اقتدينا بمنهجهم وبأسلوبهم في تفسير الآيات وتفسير الأحاديث،
لذلك كان كثيرا من علماء السلف يحذرون عامة الناس أن يجالسوا أهل الأهواء لأنهم أهل شبهات وطرح إشكالات.. ينظر: (سلسلة الهدى والنور-(738)).
▣▣ الخلاصة :
* عقيدة السلفيين هي نفس عقيدة الصحابة رضي الله عنهم ، حيث يعتمدون على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.
* الصحابة لم يتعرضوا لتأويل الصفات، بل أثبتوها كما وردت، ونفوا التشبيه والتعطيل.
والله اعلم
* شارك الموضوع ليستفيد غيرك، أو قم بالتعليق إذا أعجبك
اقرأ أيضا :
تعليقات
إرسال تعليق