لطالما شغلت فكرة كون الأرض مسطحة عقول بعض الناس، ودفعتهم إلى رفض الحقائق العلمية المُثبتة، ومخالفة ظواهر الكتاب والسنة التى تشير إلى كروية الأرض.
* بل إنّ فكرة الأرض المسطحة لا تُسندها أيّ أدلّةٍ علميةٍ صحيحةٍ، بل هي مجرّد نظرياتٍ قديمةٍ تمّ دحضها بشكلٍ قاطعٍ.
* وأما من قال أن الأرض مسطحة فقد أخطأ، وسبب ذلك أنه قام بتأويل آيات القرآن على غير مرادها، فتأول في ذلك :
- قوله تعالى : " أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ـ إلى قوله : وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ". [الغاشية: 17 - 20]،
- وقوله : " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ". [الرعد: 3]،
- وقوله : " وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ". [الحجر: 19]،
- وقوله : " وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ". [نوح: 19]. ونحو ذلك من الآيات.
* وأما وجه الخطأ في الاستدلال السابق، فبينه كثير من أهل العلم .
قال العلامة الطاهر بن عاشور في (التحرير والتنوير) :
المد : البسط، أي : بسطنا الأرض فلم تكن مجموع نتوءات إذ لو كانت كذلك، لكان المشي عليها مرهقا.
والمراد : بسط سطح الأرض، وليس المراد وصف حجم الأرض لأن ذلك لا تدركه المشاهدة، ولم ينظر فيه المخاطبون نظر التأمل، فيستدل عليهم بما لا يعلمونه،
فلا يعتبر في سياق الاستدلال على القدرة على خلق الأمور العظيمة، ولا في سياق الامتنان بما في ذلك الدليل من نعمة، فلا علاقة لهذه الآية بقضية كروية الأرض . انتهى.
وقال الشيخ عطية سالم في "تتمة أضواء البيان" :
قوله : { كيف سطحت } آية ثابتة؛ لأن جرمها مع إجماع المفسرين على تكويرها فإنها ترى مسطحة، أي:
من النقطة التي هي في امتداد البصر وذلك يدل على سعتها وكبر حجمها، لأن الجرم المتكور إذا بلغ من الكبر والضخامة حدا بعيدا يكاد سطحه يرى مسطحا من نقطة النظر إليه. انتهى.
وقال في موضع آخر :
إذا كان علماء الإسلام يثبتون كروية الأرض، فماذا يقولون في قوله تعالى : {إلى الأرض كيف سطحت} ؟
وجوابهم كجوابهم على قوله تعالى : { حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة } ،أي: في نظر العين؛ لأن الشمس تغرب عن أمة، وتستمر في الأفق على أمة أخرى،
حتى تأتي مطلعها من الشرق في صبيحة اليوم الثاني، ويكون بسط الأرض وتمهيدها نظرا لكل إقليم، وجزء منها؛ لسعتها وعظم جرمها .
وهذا لا يتنافى مع حقيقة شكلها، فقد نرى الجبل الشاهق، وإذا تسلقناه ووصلنا قمته،
وجدنا سطحا مستويا، ووجدنا أمة بكامل لوازمها، وقد لا يعلم بعض من فيه عن بقية العالم، وهكذا. انتهى.
وقال فخر الدين الرازي (606 هـ) - رحمه الله :
مجيباً على الاعتراض بنحو قوله تعالى .. { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ }. الرعد 3 .....
الأرض جسم عظيم، والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح. انتهى من ( التفسير الكبير 19/3 و 170 ).
- وفي تفسيره أيضا :
لقوله تعالى : " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ " ..... قال الرازي : " ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها ولا شك أن الشمس في الفلك ". انتهى.
وقال العلامة البيضاوي رحمه الله :
في تفسير قوله تعالى : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشًا } البقرة 22"، أي:
مهيّأة لأن يقعدوا ويناموا عليها كالفراش المبسوط وذلك لا يستدعي كونها مسطحة... لأن كروية شكلها مع عظم حجمها لا يأبى الافتراش عليها. انتهى من (أنوار التنزيل 1/16).
وقال العلامة الألوسي (1270 هـ) :
في تفسير قوله تعالى : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشًا }. البقرة 22:
" ولا ينافي كرويتها كونها فراشاً لأن الكرة إذا عظمت كان كل قطعة منها كالسطح في افتراشه كما لا يخفى ". انتهى من (روح المعاني 187/1).
وقال أيضا رحمه الله :
في تفسير قوله تعالى : { وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا } الحجر 19 : " المراد بسطها وتوسعتها ليحصل بها الانتفاع لمن حلّها،
ولا يلزم من ذلك نفي كرويتها، لما أن الكرة العظيمة لعظمتها ترى كالسطح المستوي ". انتهى من (14/28) - روح المعانى (53/17) و (176/26).
وقال أيضا رحمه الله :
في تفسير قوله تعالى : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطًا } نوح 19: " وليس فيه دلالة على أن الأرض مبسوطة غير كروية، لأن الكرة العظيمة يرى كل من عليها ما يليه مسطحاً ". انتهى من (76/29روح المعانى) .
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
قال قائل: كيف تجمعون بين قوله تعالى : وإلى الأرض كيف سطحت"
وبين ما ثبت الآن بأن الأرض كروية ؟ "
هل ثبت الآن أن الأرض كروية ؟ نعم ؟ غريب كيف تتوقفون في هذا ؟ ما فيه إشكال أن الأرض كروية ،
لأنك لو ذهبت الآن من جدة متجها نحو الغرب لخرجت من الدمام في خط مستقيم خرجت من هنا،
إذا الأرض إيش ؟ كروية ما فيه إشكال، ولا تتهيبوا أن تقولوا أمرا واقعا هي كروية.
فإذا قال قائل: كيف تجمع بين هذا الثابت الذي لا يمكن إنكاره ولو أنكره منكر ونسب ذلك إلى الإسلام لكان هذا أكبر عيب في الإسلام، إذا قال كيف تجمع بين هذا وبين قوله : وإلى الأرض كسف سطحت؟
أقول : القرآن لا يناقض الواقع، القرآن لا يناقض الواقع فهي وإن كانت كروية فهي سطح مسطحة للعباد يزرعون فيها ويحرثون ويغرسون ويبنون،
فيجدون ذلك متساو ولا غير متساو ؟ متساو إذا هذا سطح،
وأقول له في القرأن ما يشهد للواقع بأن الأرض كروية ما هو يخالف الواقع،
اقرأ قوله تعالى : " يكور الليل على النهار " والليل يكور على النهار على أي شيء على أي جرم ؟ الليل ويش يدور عليه يا إخوان ؟ على الأرض لا شك إذا هي كروية.
اقرأ قوله تعالى : " إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت ". متى هذا ؟ يوم القيامة إذا هي الآن غير ممدودة، ولهذا جاء في الحديث أنها يوم القيامة تمد مد الأديم يعني الجلد.
فالحمد لله ما في القرآن شيء يخالف الواقع إطلاقا ولا في القرآن ما يتناقض إطلاقا ولا في السنة ما يتناقض ولا تناقض بين القرآن وصحيح السنة... انتهى باختصار من (فتاوى الحرم النبوي-(01)).
* وأختم بكلام : الخوارَزمي رحمه الله وهو عالم مسلم لمَع في علم الرِّياضيّات والفلك ، ولد سنة 164 ، وتوفي سنة 235 هِجْرية، حيث قال:
الأرض في وسط السماء والوسط هو السّفل بالحقيقة،
والأرض مدوّرة بالكلية مضرّسة بالجزئية من جهة الجبال البارزة والوهدات الغائرة ولا يخرجها ذلك من الكريّة،
إذا وقع الحسّ منها على الجملة لأن مقادير الجبال وإن شمخت صغيرة بالقياس إلى كل الأرض
ألا ترى أن الكرة التي قطرها ذراع أو ذراعان إذا نتأ منها كالجاورسات وغار فيها أمثالها لم يمنع ذلك من إجراء أحكام المدوّر عليها بالتقريب،
ولولا هذا التّضريس لأحاط بها الماء من جميع الجوانب وغمرها حتى لم يكن يظهر منها شيء، فإن الماء وإن شارك الأرض في الثّقل وفي الهويّ نحو السفل،
فإن بينهما في ذلك تفاضلا يخف به الماء بالإضافة إلى الأرض ولهذا ترسب الأرض في الماء وتنزل الكدورة (الرواسب) إلى القرار
فأما الماء فإنه لا يغوص في نفس الأرض بل يسوخ فيما تخلخل منها واختلط بالهواء والماء إذا اعتمد على الهواء المائي للتخلخل نزل فيها وخرج الهواء منها،
كما ينزل القطر من السحاب فيه ولمّا برز من سطح الأرض ما برز، جاز الماء إلى الأعماق فصار بحارا وصار مجموع الماء والأرض كرة واحدة يحيط بها الهواء من جميعها. انتهى.
اقرأ أيضا : ثُبوت كروية الأرض عند السلف قبل وكالة ناسا.
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق