الراجح أنه تجوز الصلاة خلف المسبوق وجعله إماما لى لأنه فيما يقضيه من صلاته في حكم المنفرد بدليل أنه لو سها فيما سُبِق به سجد للسهو ولم يحمله عنه إمامه إلا أن الأفضل ترك ذلك .
لذا من دخل المسجد ووجد الناس قد صلوا الفرض أن ينتظر من يصلي معه جماعة وإلا صلى منفردا ،
لأنه لم يرد في السنة ولم يؤثر عن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير وحضور الجماعة أنهم كانوا يصلون خلف المسبوق إذا فاتتهم الصلاة ،
ولكن مع ذلك من صلى خلف المسبوق فصلاته صحيحة لكن خلاف الأولى.
وبيان ذلك : أن يقومَ مأموم مسبوقٌ -بركعة أو أكثر- بعد سلام الإمام ليقضي ما فاته من ركعات فيأتمّ به من لم يدرك الجماعة الأولى .
والدليل :
حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه وفيه : (... فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر...). رواه البخاري ومسلم .
فالإنتقال من إمام إلى إمام آخر قد ثبتت به السُّنَّة كما في قضيَّةِ أبي بكر مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم ،
حين انتقل أبو بكر من إمام إلى مأموم وأمَّ الناس الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أمَّهم أبو بكر فتصح إمامة المسبوق لمثله ولا يضره تحول الإمام . ينظر : (نهاية المحتاج للرملي (2 / 233))
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
إذا دخل المسبوق المسجد وقد صلى الناس ووجد مسبوقاً يصلي شُرِعَ له أن يصلي معه ويكون عن يمين المسبوق حرصاً على فضل الجماعة،
وينوي المسبوق الإمامة ولا حرج في ذلك في أصح قولي العلماء ،
وهكذا لو وجد إنساناً يصلي وحده بعد ما سلم الإمام شُرِعَ له أن يصلي معه ، ويكون عن يمينه تحصيلاً لفضل الجماعة ،
وإذا سلم المسبوق أو الذي يصلي وحده قام هذا الداخل فكمل ما عليه ؛لعموم الأدلة الدالة على فضل الجماعة ،
ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى رجلاً دخل المسجد بعد انتهاء الصلاة قال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه. انتهى من (مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الثاني عشر) .
وقال أيضا رحمه الله :
إذا ائتم به بعض الناس؛ فلا حرج -إن شاء الله- على الصحيح، لو فاته مثلًا ركعة، أو أكثر، ودخل إنسان، وجعله إمامًا؛ فلا حرج، إن شاء الله . انتهى من (فتاوى نور على الدرب)
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
هذا الفعل ليس مطلوباً، وليس مشروعاً أنك تأتي وتجد إنساناً يقضي ما فاته من الصلاة فتدخل معه على أنك مأموم وهو إمام، هذا غير مشروع،
وقد اختلف العلماء في جوازه فمنهم من قال : إنه جائز، ومنهم من قال : إنه غير جائز،
ولكن الصحيح أنه جائز، ولكن لا ينبغي؛ لأنه إذا دخل مع هذا المأموم فإنه إن نوى المأموم أنه إمام له صحت صلاته، صلاة المسبوق وصلاة الذي دخل أخيراً،
وإن لم ينو أنه الإمام فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أن صلاة الداخل غير صحيحة؛ لأنه نوى الائتمام بمن لم ينو الإمامة فتبطل صلاته، وعلى هذا تلزمه الإعادة.
والقول الثاني في المسألة : أنه يصح الائتمام بمن لم ينو الإمامة بك، وبناءً على هذا القول تصح صلاة المأموم،
لكن يلاحظ من الأصل أن هذا أمر غير مشروع، ولا نأمر الإنسان بأن يفعله، فإذا جاء ووجد شخصاً يقضي فهل نقول : ادخل معه ؟ لا. لا نقول بمثل هذا. انتهى من (لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(18)).
وسئل أيضا رحمه الله :
القائم بقضاء ما فاته في الصلاة هل يجوز أن يقتدي به شخص آخر؟
فأجاب :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة :
فمنهم من قال : إن هذا غير صحيح، وأنه لا يصح أن يأتم به أحد .
ومنهم من قال : إنه صحيح ولكن خلاف الأولى وهذا هو الأقرب أنه صحيح لكنه خلاف الأولى، وهو إلى البدعة أقرب منه إلى السنة؛
لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون هذا، كان الرجل إذا فاته شيء من الصلاة قام فقضاه وحده،
ثم إن هذا يؤدي إلى التسلسل فيصلي من دخل مع القاضي الذي يقضي ما فاته،
وربما يفوته شيء أعني هذا الداخل فيقضيه، ثم يأتي ثالث ورابع ثم في هذه الحال يظهر جداً أنه بدعة . انتهى من (لقاءات الباب المفتوح (12/ 13)).
مسألة أخرى :
يجوز ائتمام المسبوقين بعضهما ببعض بعد تسليم الإمام ولكن خلاف الأولى .
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف :
وَإِنْ سُبِقَ اثْنَانِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ....
أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.... وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَجُوزُ... اهـ.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
لو دخل اثنان مسبوقان ، فقال أحدُهما للآخر : إذا سلَّم الإمامُ فأنا إمامُك ؛ فقال : لا بأس ، فلما سلَّمَ الإمامُ صار أحد الاثنين إماماً للآخر،
فقد انتقل هذا الشَّخص من ائتمام إلى إمامة ، وانتقل الثَّاني من إمامة شخص إلى إمامة شخص آخر.
( فقد قال بعض العلماء ) : بأن هذا جائز ؛ وأنه لا بأس أن يتَّفق اثنان دخلا وهما مسبوقان ببعض الصَّلاة على أن يكون أحدُهما إماماً للآخر ،
وقالوا : إن الانتقال من إمام إلى إمام آخر قد ثبتت به السُّنَّة كما في قضيَّةِ أبي بكر مع الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلامُ:
حيث أمَّ أبو بكر بالناس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة فلما رآه أبو بكر تأخر ليتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة . رواه البخاري 687 ومسلم 418 ، فحصل في هذه القصة انتقالان :
الأول : انتقال أبي بكر من الإمامة إلى الإتمام .
الثاني : انتقال الصحابة من الإئتمام بأبي بكر إلى الإئتمام بالنبي صلى الله عليه وسلم )
( وقيل ) : إن هذا لا يجوز ؛ لأن هذا تضمَّن انتقالاً من إمام إلى إمام ، وانتقالاً من إئتمام إلى إمامة بلا عُذر ،
ولا يمكن أن ينتقل من الأدنى إلى الأعلى ، فكون الإنسان إماماً أعلى من كونه مأموماً .
قالوا : ولأنَّ هذا لم يكن معروفاً في عهد السَّلف ، فلم يكن الصَّحابة إذا فاتهم شيءٌ من الصَّلاة يتَّفقون أن يتقدَّم بهم أحدُهم ؛ ليكون إماماً لهم ، ولو كان هذا من الخير لسبقونا إليه .
لكن القائلين بجوازه لا يقولون إنه مطلوب من المسبوقين أن يتَّفِقَا على أن يكون أحدهما إماماً ، بل يقولون : هذا إذا فُعل فهو جائز ،
وفرق بين أن يُقال : إنه جائز وبين أن يُقال بأنه مستحبٌّ ومشروع ، فلا نقول بمشروعيَّته ولا نندب النَّاس إذا دخلوا وقد فاتهم شيء من الصَّلاة ؛ أن يقول أحدُهم : إني إمامُكم ،
لكن لو فعلوا ذلك فلا نقول : إن صلاتَكم باطلة ، وهذا القول أصحُّ ، أي : أنه جائز ، ولكن لا ينبغي ؛
لأن ذلك لم يكن معروفاً عند السَّلف ، وما لم يكن معروفاً عند السَّلف فإن الأفضل تركه ؛ لأننا نعلم أنهم أسبق منَّا إلى الخير ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه . انتهى من (" الشرح الممتع " ( 2 / 316 ، 317 )) .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق