يعدّ السقط (الجنين الذي يموت قبل اكتمال فترة الحمل) من الأمور التي تثير تساؤلات كثيرة حول الأحكام الشرعية المتعلقة به.
▣ خصوصًا إذا كان عمره أقل من أربعة أشهر، فهل يجب تغسيله وتكفينه؟ وهل تُقام عليه صلاة الجنازة؟
▣ في هذا المنشور سنوضح الحكم الشرعي بالتفصيل بناءً على أقوال العلماء والأدلة الشرعية.
▣▣ حكم السقط الذي يقل عمره عن أربعة أشهر؟
إذا سقط الجنين قبل أن يتم أربعة أشهر هلالية ، سواء ظهرت عليه بعض ملامح الخلقة البشرية (كاليد أو الرأس) أم لا،
فإنه لا يُعتبر آدميًا، ولا تُطبق عليه أحكام الموتى، وفي هذه الحالة :
1- لا يُغسَّل ولا يُكفَّن : لأنه لم تنفخ فيه الروح بعد، وبالتالي لا يُعتبر ميتًا بالمعنى الشرعي.
2- لا يُصلَّى عليه : لعدم وجود الروح التي تجعله آدميًا.
3- يُدفن في أي مكان : يُلف الجنين في خرقة ويدفن في أي مكان مناسب، وذلك تكريمًا لبني آدم وحفظًا لكرامته.
▣▣ حكم السقط الذي يتم له أربعة أشهر؟
إذا تم للجنين وأكمل أربعة أشهر هلالية كاملة (أي دخل في الشهر الخامس)، فإنه يُعتبر آدميًا، وتُطبق عليه أحكام الموتى،
وفي هذه الحالة :
1- يُغسَّل ويُكفَّن : لأنه أصبح آدميًا بنفخ الروح فيه.
2- يُصلَّى عليه : تُقام عليه الصلاة كأي ميت مسلم.
3- يُدفن في مقابر المسلمين : يُدفن في المقابر المخصصة للمسلمين.
** إذن : العبرة في ذلك بنفخ الروح في الجنين، ويكون ذلك بعد تمام أربعة أشهر من الحمل،
فإن نفخت فيه الروح غسِّل وكفّن وصلى عليه لأنه يُعتبر الجنين آدميًا، وإن لم تكن نفخت فيه الروح فلا يغسل ولا يصلى عليه .
▣▣ الأدلة الشرعية على ذلك :
1- قالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ،
ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ،
ويُقَالُ له : اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ... (صحيح البخاري).
الشاهد من الحديث :
** الجنين قبل 120 يومًا (أربعة أشهر) لا يكون قد نُفخت فيه الروح، لذلك لا يُعامل معاملة الإنسان الميت،لأنه يكون جمادا.
** بعد 120 يومًا يصبح إنسانًا مكتمل الخلق، ويجب حينها غسله والصلاة عليه إذا سقط. ينظر: («شرح رياض الصالحين - للعثيمين» (3/ 288- 295)).
2- قد أجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ الطفلَ إذا عُرِفت حياتُه واستهلَّ – بصوتٍ – أنّه يُغَسَّلُ ويكفَّن ويُصَلى عليه. (نقل الإجماع ابن المنذر وابن قدامة في "المغني" (2/328)).
▣▣ حالات وحكم دم الأم بعد السقط؟
▣ الحالة الأولى : السقط الذي لا تظهر عليه ملامح بشرية.
إذا كان الجنين سقط قبل أن تظهر عليه أي ملامح بشرية (كاليد أو الرأس)، وهذا يتأتى بأن يكون ولد لشهر أو شهرين،
فإن الدم الخارج من الأم لا يُعتبر دم نفاس، بل هو دم استحاضة، فتتوضأ لكل صلاة وتصلي وتصوم كالمعتاد،
ويحل لزوجها معاشرتها إن أطاقت ذلك، فإن تركت الصلاة ظنًّا أنها نفساء فعليها أن تقضيها.
▣ الحالة الثانية : السقط الذي تظهر عليه بعض ملامح بشرية.
إذا ظهرت على الجنين بعض ملامح الخلقة البشرية (كاليد أو الرأس)،
وهذا يحصل إذا كان قد مضى على الجنين واحد وثمانون يومًا فصاعدًا،
فإن الدم الخارج من الأم دم نفاس فتُعتبر نفساء، فلا تصلي ولا تصوم ولا يعاشرها زوجها حتى تطهر من دمها،
ثم عليها بعد أن تطهر قضاء الصيام. ينظر: (" فتاوى المرأة المسلمة "- للعثيمين ( 1 / 304 ، 305 )).
▣▣ آراء العلماء في حكم السقط قبل 4 أشهر:
- قال الإمام النووي رحمه الله :
« اتَّفق العلماءُ على أنَّ نفخَ الرُّوح لا يكونُ إلَّا بعدَ أربعةِ أشهر ». ينظر:(" شرح مسلم " (16/ 191)).
- وقال الإمام ابنُ قُدامة رحمه الله :
فأمَّا مَن لم يأتِ له أربعةُ أشهرٍ، فإنه لا يُغسَّل، ولا يُصلَّى عليه، ويُلفُّ في خِرقة، ويُدفَن، ولا نعلم فيه خلافًا... ينظر: ((المغني)) (2/389).
- قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
إذا كان الجنين سقط قبل أربعة أشهر، فلا يسمى وليس له عقيقة،
إنما العقيقة والتسمية لمن سقط في الخامس أو بعده ممن نفخ فيه الروح؛
لأنه يكون آدمياً له حكم الأفراط، فيذبح عنه ويسمى ويغسل ويصلى عليه إذا سقط في الخامس فما بعده بعد نفخ الروح فيه .
أما ما يسقط في الرابع أو في الثالث هذا ليس له حكم الأفراط، لكن إذا كانت الخلقة بينة فيه، يعني :
قد تبين فيه صفات آدمي من رأس أو يد أو رجل أو نحو ذلك، يكون لأمه حكم النفاس لا تصلي ولا تصوم،
وأما هو فليس له حكم الموتى وليس له حكم الأجنة، بل يدفن في أي مكان ويكفي ولا يغسل ولا يصلى عليه؛
لأنه لا يكون آدمياً ولا يكون له حكم الأموات إلا إذا كان قد نفخت فيه الروح في الخامس وما بعده،
أما إذا سقط في الرابع أو في الثالث إنما هو لحمة قد بان فيها خلق الإنسان من رأس أو رجل أو نحو ذلك،
فإنها لا تصلي ولا تصوم، مدة النفاس أربعين يوم فأقل،
ومتى طهرت في الأربعين صلت وصامت، وإذا تمت الأربعين اغتسلت وصلت ولو معها دم،
دمها يكون دم فساد، بعد الأربعين دم فساد، تصلي وتصوم وتتوضأ لكل صلاة كالمستحاضة.
أما إن طهرت في الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم وتحل لزوجها .
أما إن كان دماً لم يتبين فيه شيء يعني قطعة لحم أو دم ما بان فيها شيء،
فهذا دم فاسد لا تدع الصلاة ولا الصوم ولا تحرم على زوجها،
.. وتتوضأ لكل صلاة إن كان معها دم، تتوضأ لكل صلاة كسائر الدماء الفاسدة كالمستحاضة. ينظر: (فتاوى نور على الدرب).
- وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
.. " إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه " يعني : إذا تم له أربعة أشهر ليس المعنى إذا دخل الرابع،
بل إذا أتمه إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه من ابتداء الحمل،
والمراد بالأشهر هنا الأشهر الهلالية لأن الأشهر الهلالية هي التي جعلها الله عز وجل مواقيت للناس (( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ))،
وهي التي وضعها الله تعالى للناس جميعا منذ خلق السماوات والأرض قال الله تعالى:
(( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ))،
وهي هذه الأشهر الهلالية المعروفة.
وأما الأشهر الإصطلاحية التي هي أشهر النصارى ومن تابعهم، فهذه لا أصل لها شرعا ولا أصل لها قدرا... ينظر: (الشرح الممتع على زاد المستقنع -كتاب الجنائز-(04))
▣▣ الخاتمة :
السقط قبل 4 أشهر لا يُعامل معاملة الموتى، بل يُدفن فقط، أما بعد 4 أشهر فإنه يُغسل ويُصلى عليه.
وعلى الأم معرفة حكم الدم الخارج منها حتى تتصرف وفق الأحكام الشرعية الصحيحة.
نسأل الله أن يرزق كل أم صبرًا وأجرًا على ما فقدت، وأن يجمعها بأطفالها في جنات النعيم.
والله اعلم
▣ هل لديك سؤال حول أحكام السقط؟ اتركه في التعليقات وسنجيب عليه بإذن الله!.
وللفائدة:
تعليقات
إرسال تعليق