لا يُشرع دفن الميت في بناء فوق سطح الأرض لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور. فالسنة دفن الميت في الأرض وأن يعمق القبر تعميقا يمنع خروج الريح وحفر السباع له ولا يدفن معه غيره إلا عند الضرورة كضيق المقابر لقوله تعالى : ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ). طه/55 . وليس دفنه على ظهر الأرض ثم البناء على قبره فلو كانت الأرض غير متماسكة ضعيفة فلا بأس أن تضبط بالبناء يحفروا له حفراً ويضبطوه بالبناء أو بالألواح حتى لا ينهدم لا بأس بهذا عند الحاجة، أما البناء فوق الأرض فلا يجوز .
إذن السنة الدفن في الارض لا البناء فوقها فإذا أراد الرجل أن يحسن لموتاه يحفر لهم حفراً مناسباً ويحيي السنة بذلك لا يوافق الناس على ما أحدثوا بل المؤمن يحيي السنة ويدعو إليها ويصبر على ما في ذلك من المشقة هكذا ينبغي للمؤمن .
وللقبر شرعا صفتين :
1- اللحد وهو : أن يحفر في الأرض الصلبة إلى أسفل طولا ثم يميل الحافر بالحفر إلى جانبه الذي من جهة القبلة ليوضع الميت في الحفر الجانبي مستقبلا القبلة. ولا يتيسر ذلك إلا في الأرض الصلبة أو المتماسكة .
2- الشق وهو : أن يحفر القبر في الأرض طولا فقط ليوضع الميت في ذلك طولا، ويكون ذلك في الأرض الرخوة غير المتماسكة كالأرض الرملية .
فمجرد بناء البيوت تحت الأرض أو فوقها مع وضع الميت على الأرض من غير حفر لا يكفي لأنه ليس بدفن وقد نص الفقهاء على ضرورة الحفر وعدم كفاية وضع الميت بوجه الأرض .
جاء فى كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج :
الفساقي التي لا تكتم الرائحة مع منعها الوحش، لا يكفي الدفن فيها، وقد قال السبكي في الاكتفاء بالفساقي نظر؛ لأنها ليست معدة لكتم الرائحة، ولأنها ليست على هيئة الدفن المعهود شرعًا . اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية) :
يكره الدفن في الفساقي، وهي كبيت معقود بالبناء، يسع لجماعة قياما؛ لمخالفتها السنة، والكراهة فيها من وجوه وهي : عدم اللحد، ودفن الجماعة في قبر واحد بلا ضرورة، واختلاط الرجال بالنساء بلا حاجز، وتجصيصها، والبناء عليها، وخصوصا إذا كان فيها ميت لم يبل، وما يفعله جهلة الحفارين من نبش القبور التي لم تبل أربابها، وإدخال أجانب عليهم، فهو من المنكر الظاهر، وليس من الضرورة المبيحة لدفن ميتين فأكثر، في قبر واحد . اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
هل يجوز بناء المقابر فوق سطح الأرض إذا كانت الأرض التي بها المقابر طينية، أو زراعية ؟ علما بأنه لو تم حفر حوالي نصف أو ربع المتر سوف يظهر الماء، وليس هناك سوى هذا المكان في هذه البلدة؟
فأجاب :
إذا كان هكذا يجعل خشب أو ألواح، ليحول بين الماء وبين الميت، ويدفن في الأرض، ولا بناء عليه؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبنى على القبور، لكن يحفر بالقدر الذي لا يظهر الماء، ثم يجعل لوحا تحته أو أخشابا أو شبه ذلك تمنع الماء، ثم يدفن الميت ويوضع عليه اللبن، ويدفن بالتراب ولا يبنى عليه بناية . انتهى من ((فتاوى نور على الدرب(14/ 77- 78)))
وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :
على ذكر الدفن والأموات وما شابه، سألني سائل اليوم عن الدفن، فيما يسمى بالفسقيات فحبذا لو إشارة عامة حول الموضوع ؟
فأجاب :
طبعا، أولا : هذا يخالف السنة، بل يخالف الأوامر النبوية؛ لأن السنة دفن الميت في الأرض وليس دفنه على ظهر الأرض، ثم البناء على قبره .
لو فرضنا أن ميتا دفن في أرض ما، ثم بُني عليه بناء صغير جدا، يكون خالف السنة من حيث أنه لم يُحفر له ويُدفن في التراب، لكن هنا في الفسقيات كما تعلمون هنا جميعا إن شاء الله، يتطلب شبه بناء غرفة، والرسول ... - صلى الله عليه وسلم - قد صح من حديث جابر في «سنن النسائي» وغيره أنه نهى عن البناء على القبر. فهذا اسمه بناء على القبر، ولا يهمنا أن ندقق في كيفية البناء هل هو بيت مربع هل هي قبة ..
لذلك : فالطريقة التي ابتدعها المصريون تقليداً منهم للفراعنة من بناء الفسقيات على قبور الأموات، هذا بلا شك يخالف السنة، ويخالف الأوامر النبوية الكريمة، ثم جرى على ذلك الأمر بعض البلاد الأخرى، ولعل هذه الضلالات تَسَرَّبت إلى هنا . انتهى من (الهدى والنور/٧٦٨/ ٣٩: ٠٢: ٠٠)
جاء في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح :
"ويكره الدفن في الفساقي" من وجوه :
الأول : عدم اللحد .
الثاني : دفن الجماعة لغير ضرورة .
الثالث : اختلاط الرجال بالنساء من غير حاجز، كما هو الواقع في كثير منها .
الرابع : تجصيصها، والبناء عليها.....انتهى باختصار.
جاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
⭕️ من السنة أن يجعل في القبر الذي يدفن فيه الميت لحد، كما فعل الصحابة بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويعني ذلك أن الحافر يحفر شقا مستطيلا حتى إذا بلغ من العمق ما يكفي حفر فيه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت، وهذا هو اللحد. روى مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، « أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال في مرضه الذي هلك فيه : الحدوا لي لحدا، وانصبوا علي اللبن نصبا، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ». فإن كانت الأرض رخوة جعل له من الحجارة شبه اللحد .
⭕️ ولا يجعل القبر على هيئة شق؛ بأن يحفر في الأرض شق مستطيل يوضع فيه الميت ويجعل عليه سقف يحفظ الميت؛ لما رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « اللحد لنا، والشق لغيرنا ». إلا إذا لم يمكن اللحد فيجوز الشق؛ لقوله تعالى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }. ( سورة البقرة الآية ٢٨٦). وقوله : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }. (سورة الحج الآية ٧٨). وقوله : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }. ( سورة التغابن الآية ١٦). وقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ».(البخاري) .
⭕️ ويستحب أن يكون القبر واسعا عميقا، قدر قامة تقريبا؛ لما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « احفروا وأوسعوا، وأعمقوا ». ولم يحد في العمق قدرا، فكان الأمر في ذلك واسعا مراعى فيه حال الأرض من صلابة ورخاوة، والمحافظة على الميت من أن تنبشه السباع ونحوها.
⭕️ أما طريقة دفن الميت وتوجيهه في قبره فالمستحب أن يدخل رأسه من الجهة التي ستكون فيها رجلاه من القبر إذا تيسر ذلك، ثم يسل سلا حتى يتم وضعه في لحده الذي جعل له في الحفر مما يلي القبلة على جنبه الأيمن، روي ذلك عن عبد الله بن عمر وأنس وعبد الله بن يزيد الأنصاري والنخعي والشافعي رضي الله عنهم، ويدل عليه ما روى الإمام أحمد بإسناده عن «عبد الله بن يزيد الأنصاري، أن الحارث أوصاه أن يليه عند موته، فصلى عليه ثم دخل القبر، فأدخله من رجلي القبر وقال : (هذه السنة) ». (البخاري). وهذا يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى ابن عمر وابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا » ،
فإن كان الأسهل على من يتولون دفنه أن يدخلوه القبر من جانبه الذي يلي القبلة معترضا، أو من جهته التي سيكون فيها رأسه فلا حرج؛ لأن استحباب إدخاله من جهة القبر التي ستكون فيها رجلاه إنما كان لسهولة ذلك على من يتولى دفنه، والرفق به وبهم، فإذا كان الأسهل غيره كان مستحبا، والأمر في ذلك واسع، والمقصود مراعاة ما كان عليه العمل في عهد الصحابة رضي الله عنهم، طلبا للسنة، وتحقيقا للسهولة والرفق، فإن اعترض ما يجعل غيره أسهل وأرفق عمل به .
⭕️ ويوضع الميت في اللحد على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة بوجهه، ويوضع تحت رأسه شيء مرتفع لبنة أو حجر، أو تراب، كما يصنع الحي، ويدنى من الجدار القبلي من القبر لئلا ينقلب على وجهه، ويسند بشيء من وراء ظهره لئلا ينقلب إلى خلفه، وينصب عليه لبن من خلفه نصبا، ويسد ما بين اللبن من خلل بالطين لئلا يصل إليه التراب؛ لقول سعد بن أبي وقاص : وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يمكن لبن وضع حجر أو قصب أو حشيش ونحو ذلك بما يتيسر، ثم يهال عليه التراب .
⭕️ ويقول من تولى دفنه حين وضعه في اللحد بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت القبر قال: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ». وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من ((اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء- الفتوى رقم (١٦٦٦))).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق