الله سبحانه وتعالى خصّ أربعة أشياء بميزة عظيمة، وهي أن خلقها بيده الكريمة، مما يشير إلى مكانتها وشرفها.
▣▣ هذه الأشياء هي : العرش، القلم، جنة عدن، وآدم عليه السلام.
▣ وقد جعل الله خلقها مختلفًا عن باقي المخلوقات، التي أوجدها بأمره بكلمة "كن"، وذلك لحكمة يعلمها سبحانه.
▣▣ الدليل من السنة النبوية:
- عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أنه قال : " خَلَقَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ : الْعَرْشُ ، وَالْقَلَمُ ، وَعَدْنٌ ، وَآدَمُ ثُمَّ قَالَ لِسَائِرِ الْخَلْقِ : كُنْ فَكَانَ ". رواه الذهبي في "العلو" (82)، وقال: إسناده جيد، كما صححه الألباني في "مختصر العلو" (53).
* هذا الحديث موقوف، لكنه يُعتبر في حكم المرفوع، لأن ما جاء فيه من الغيبيات لا يمكن أن يُقال بالرأي أو الاجتهاد، مما يدل على صحته.
* وعلى هذا فتكون المخلوقات غير هذه الأربعة خلقها تعالى بقوله كن فيكون.
▣▣ أقوال العلماء في هذه المسألة:
- قال الإمام الدارمي رحمه الله -بعد روايته للأثر السابق :
أفلا ترى أيها المريسي كيف ميز ابن عمر وفرق بين آدم وسائر الخلق في خلقه اليد،
أفأنت أعلم من ابن عمر بتأويل القرآن، وقد شهد التنزيل وعاين التأويل وكان بلغات العرب غير جهول. ينظر: ("نقض الدارمي على بشر المريسي" (35)).
- قال ابن القيم رحمه الله :
وفي قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " إن الله لم يباشر بيده أو لم يخلق بيده إلا ثلاثاً : خلق آدم، وغرس جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده "،
أفيصح في عقل أو نقل أو فطرة أن يقال : لم يخلق بقدرته أو بنعمته إلا ثلاثاً. ينظر: [ مختصر الصواعق " 2/155 ].
وقال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله معلقا على كلام ابن القيم :
وهذا مما يبطل تأويل هذه الصفة، فمن يقول : يد الله قدرته ماذا يصنع بهذا، هل يقول :
لم يخلق الله بقدرته إلا ثلاثة؟ إذاً سائر المخلوقات بأي شيء خلقت؟!
وفي هذا فائدة جليلة في غاية الأهمية نبه عليها أهل العلم، وهي :
أنك إذا أردت أن تعرف بطلان أي تأويل من التأويلات فضعه في موارد هذه الصفة في النصوص.
فعندما يقول لك قائل : اليد القدرة.
قل : سأقرأ عليك الآيات والأحاديث التي فيها ذكر اليد، وضع لي هذا الذي جعلته معنى لليد مكانها، وننظر هل يستقيم المعنى أم لا.
اقرأ عليه هذا الحديث ثم اقرأ الحديث الآخر : " إن يمين الله ملأى، لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار،..".،
وانظر ماذا يصنع إذا قال : " قدرة الله ملأى، لا يغيضها نفقة..وبقدرته الأخرى القبض ". لا يستقيم الكلام.
... قال أهل العلم : إن قيل إنَّ اليد هنا بمعنى القدرة : لم تكن لآدم أيُّ ميزة أو خصيصة على غيره، بل قالوا:
إنَّ هذا التأويل عقوق من هؤلاء لأبيهم آدم، شرفه الله وخصه وميزه بأن خلقه بيده، فنفوا هذه الميزة وسلبوه إياها.
ولو تأملت السياق : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }. أضاف الخلق إلى نفسه، فقال سبحانه : " خلقتُ ". وثنى اليدين، فقال : " بيديَّ "، وعدى ذلك بالباء.
وكلُّ هذا يؤكد أنَّ اليدين ثابتتان لله سبحانه. ينظر: (كتاب تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي).
- وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
... لم يخلق الله أحداً بيده إلا آدم إلا ما ورد أنه سبحانه وتعالى غرس جنة عدن بيده، فإذا صح هذا الأثر فإنه يضاف إلى ما خلقه الله تعالى بيده،
وأما ما كتبه بيده فهو التوراة كتبها الله تعالى بيده، قال الله تعالى:
(( وكتبنا لهم في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء )) خلق الله آدم بيده وخلق غيره بالكلمة كن فيكون،
حتى عيسى ابن مريم خلقه الله عز وجل بالكلمة، كما قال الله تعالى : (( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ))،
فإنه خلقه وقال له كن فكان... ينظر: (صحيح البخاري-شرح كتاب التوحيد-(10)).
▣▣ وأما قوله عز وجل : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُوْن ). يس/71.
* فهذه الآية لا تدل على أن الله سبحانه وتعالى خلق الأنعام بيده كما خلق آدم عليه السلام بيده،
وذلك لعدم تعدية الفعل " عَمِل " بالباء ، فلم يقل : عملنا بأيدينا ؛
لأن التعدية بالباء هي التي تؤكد إرادة الحقيقة في السياق ، كما جاء ذلك في قوله عز وجل : ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ).
* وأيضا لو كان كل شيء خلقه الله بيده التي هي صفته سبحانه لما كان لخلق آدم بيده على سائر الخلق فضيلة ،
ولاحتج إبليس على ربه عز وجل بقوله : وأنا خلقتني بيدك يا رب ، فلماذا أمرتني بالسجود لآدم ؟!!. ينظر: ("مجموع الفتاوى-لابن تيمية" (6/366)).
▣▣ الخلاصة :
الأشياء الأربعة التي خلقها الله بيده، وهي : العرش، والقلم، وجنة عدن، وآدم عليه السلام.
هذه الأشياء تميزت بخلقها بيده لتدل على شرفها وعظمتها، وتأكيد صفة اليد لله تعالى كما يليق بجلاله.
والله اعلم
وللفائدة:
تعليقات
إرسال تعليق