">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل نثبت لله يد شمال لحديث «ثم يطوي الأرضين بشماله»؟


دلت نصوص الكتاب والسنة على ثبوت اليدين لله على الوجه اللائق به سبحانه كما قال سبحانه : قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ. {ص:75}

فالله سبحانه وتعالى له يدين يمين وشمال وكلتاهما يمين أي : من حيث الشرف والفضل واليُمن والخير والبركة كما في الأحاديث الصحيحة الأخرى ، 

ولا يلزم من إثبات اليد الشمال لله إثبات النقص فيده الشمال سبحانه وتعالى ليست كاليد الشمال بالنسبة للمخلوق ناقصة عن اليمين فلا يتوهم واهم أن يده الشمال قاصرة كما هي في المخلوقين لأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع العليم .

خلافًا للمخلوقات فلا توصف بأن كلتا يدي المخلوقات يمين؛ لأن هذه صفة اختص بها رب العالمين .

وممن أثبت صفة الشمال لله : الإمام عثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى الفراء، ومحمد بن عبد الوهاب، وصديق حسن خان، ومحمد خليل الهرَّاس ، والألبانى ، وابن باز وغيرهم .

ودليل إثبات اليدين لله منها :

1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه مرفوعاً : ( يطوي الله عزَّ وجلَّ السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول : أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول...) الخ الحديث. (رواه مسلم (2788). وفي صحيح مسلم أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال : " وكلتا يديه يمين " . 

قال بعض أهل العلم معنى : " وكلتا يديه يمين ". يعني في الشرف والفضل، وإن سميت إحداهما شمالاً .

2- قال صلى الله عليه وسلم : إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض - أو القبض - يرفع ويخفض(صحيح البخاري-رقم : (7419 )). وعند مسلم : والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض إلى يوم القيامة .

3- قال صلى الله عليه وسلم : « إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة بيمينه فقال : هذه لهذه ولا أبالي، وقبض قبضة أخرى يعني بيده الأخرى فقال : هذه لهذه ولا أبالي ». («السلسلة الصحيحة» (٥٠)). 

4- قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل قبض بيمينه قبضة، وأخرى باليد الأخرى، وقال : هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أبالي . (إسناده صحيح- تخريج شرح السنة للأرناؤوط -رقم : (1/160 ))

قوله : ( بيده الأخرى ) ، هذا يعني أنَّ الأخرى ليست اليَمِين ، فتكون الشِّمال .

قال الإمام أبو سعيد الدارمي رحمه الله :

وأعجب من هذا قول الثلجي الجاهل فيما ادعى تأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يَمِين الرحمن وكلتا يديه يَمِين ))، فادعى الثلجي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تأول كلتا يديه يَمِين؛ أنه خرج من تأويل الغلوليين أنها يَمِين الأيدي، وخرج من معنى اليدين إلى النعم؛ 

يعني بالغلوليين : أهل السنة؛ يعني أنه لا يكون لأحد يَمِينان، فلا يوصف أحدٌ بيَمِينَيْن، ولكن يَمِين وشمال بزعمه .

قال أبو سعيد :  ويلك أيها المعارض! إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد أطلق على التي في مقابلة اليَمِين الشِّمال، ولكن تأويله : (( وكلتا يديه يَمِين ))؛ أي : مُنَزَّه على النقص والضعف؛ كما في أيدينا الشِّمال من النقص وعدم البطش، 

فقال : (( كِلتا يدي الرحمن يَمِين ))؛ إجلالاً لله، وتعظيماً أن يوصف بالشِّمال، وقد وصفت يداه بالشِّمال واليسار، 

وكذلك لو لم يجز إطلاق الشِّمال واليسار؛ لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يجز أن يُقال : كلتا يدي الرحمن يَمِين؛ لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى من ((رده على بشر المريسي)) (ص 155).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

نقول : إن الله عز وجل وصف نفسه بأن لله يدين، فوجب الإيمان بذلك، وأن إحدى يديه يمين والأخرى شمال، ولكن في حديث آخر في الصحيح : أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : « وكلتا يدي ربي يمين » لا إشكال بين هذا الحديث والذي قبله بل هذا الحديث الثاني يؤكد مبدأً قرآنيًّا وهو قوله تبارك وتعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }. (الشورى:11). فهو تبارك وتعالى مع كونه سميعًا بصيرًا فليس كمثله شيء، 

كذلك عز وجل مع كونه له يدان وإحداهما يمين والأخرى شمال فكلتا يدي ربي يمين خلافًا للمخلوقات فلا توصف بأن كلتا يدي يمين المخلوقات يمين؛ لأن هذه صفة اختص بها رب العالمين، فلا تعارض لنتطلب التوفيق، بل هذا تأكيد لتنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهته للمخلوقات. انتهى من ("فتاوى جدة" (1/ 00:14:04)).

وسئل أيضا رحمه الله :

السائل : حديث : "إن الله يطوي السموات ثم يأخذهنَّ بيمينه ، ويطوي الأرضين ثم يأخذهنَّ بشماله" رواه مسلم من طريق عمر بن حمزة ... وهذا ضعيف ؛ فكيف الجمع بينه وبين حديث : " كلتا يديه يمين" المروي في " الصحيحين " ؟

فأجاب : 

صحيح أن عمرو هذا فيه ضعف ولا يُحتجُّ به لوحده ، ولكن كون ربِّ العالمين متصف باليدين يمينًا وشمالًا قد جاء في غير حديث هذا الضعيف، 

فالتوفيق حينئذٍ بين هذه الصفة يمين وشمال وبين قوله - عليه الصلاة والسلام - : " وكلتا يدي ربي يمين " فسهل جدًّا ، بل هذا الحديث الثاني كتبيان وتفسير لقوله - تبارك وتعالى - : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ؛ ففي هذه الآية تنزيه وإثبات ، قدَّمَ التنزيه على الإثبات لكي لا يقع المسلم في تشبيه الخالق بالمخلوق ، فقدَّمَ هذه المقدمة من التنزيه فقال : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } فأثبت لذاته - تبارك وتعالى - هاتين الصِّفتين وبيَّنَ أنه لا بد من تنزيهه - عز وجل - عن مُشابهته بالمخلوقات كما يقول العلماء ، 

على هذا النمط جاء قوله - عليه الصلاة والسلام - : " وكلتا يدي ربي يمين " ؛ أي : هو يمينه وشماله ليس كما نتصوَّر نحن البشر ، فيمينه وشماله منزَّه عن مشابهته بالبشر ، وتأكيدًا لهذا التنزيه قال : " كلتا يدي ربي يمين " وليس هذا ... بالمثل ؛ فهو إذًا تأكيد لمبدأ { ليس كمثله شيء } هذا هو الجواب ، 

ولا أقول في تعارض بين الأحاديث التي فيها إثبات اليمين والشمال وبين قوله - عليه السلام - : " كلتا يدي ربي يمين " ؛ بل هو - عليه الصلاة والسلام - في هذه الجملة ينزِّه ربه - عز وجل - بصفة اليمين والشمال أن يكون ذلك كما هو معروف لدى البشر .هذا هو الجواب . انتهى من (رحلة النور - شريط : (33)).

وسئل أيضا رحمه الله :

السائل : الحديث : أن لله تعالى يدين، وكلتا يديه يمين، ويوجد حديث آخر أن له يدًا شمالًا، هل هذا وهم من الراوي، مع أن الحديث عند مسلم.

فأجاب :

 نعم الحديث الذي عند مسلم فيه راو متكلم فيه بحق، ولكن للفظة الشمال في حديثه هذا شواهد أخرى جاءت خارج الصحيح لا مانع في اعتقادي من وصف اليد الأخرى بالشمال مع الجمع بينهما كما جمع الرسول عليه السلام بقوله « وكلتا يدي ربي يمين »؛ لأن ذلك كتفصيل لقوله تبارك وتعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }. (الشورى:11)

فلا يوصف بشر بأن كلتا يديه يمين خلافًا ما نقل عن بعض الوعاظ في مصر حيث خاطب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله : وكلتا يديك يا رسول الله يمين! فهذا شرك في الصفات، 

فالحديث الصحيح : « وكلتا يدي ربي يمين » هو كالتأكيد لكون ما جاء في وصفه تعالى في بعض الأحاديث بأن له يمينًا وأن له شمالًا فليس كيمين وشمال المخلوقين، بل كلتا يدي ربي يمين، فهو تأكيد التنزيه الذي هو الأصل في كل صفات الله تبارك وتعالى . انتهى من ("فتاوى جدة- الأثر -" (26ب /00:09:26)).

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

 " كلها أحاديث صحيحة عند علماء السنة وحديث ابن عمر مرفوع صحيح ، وليس موقوفا وليس بينها اختلاف بحمد الله فالله سبحانه توصف يداه باليمين والشمال من حيث الاسم كما في حديث ابن عمر وكلتاهما يمين مباركة من حيث الشرف والفضل  كما في الأحاديث الصحيحة الأخرى ". انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 25 / 126).

قال الشيخ العثيمين رحمه الله :

إذا كانت لفظة " شمال " محفوظة ، فهي عندي لا تنافي " كلتا يديه يمين " ؛ لأن المعني أن اليد الأخرى ليست كيد الشمال بالنسبة للمخلوق : ناقصة عن اليمني ، 

فقال : " كلتا يديه يمين " ، أي : ليس فيها نقص ، ويؤيد هذا قوله في حديث آدم : " اخترت يمين ربي ، وكلتا يديه يمين مباركة " ، 

فلما كان الوهم يذهب إلى أن إثبات الشمال ، يعني : النقص في هذه اليد دون الأخرى ، قال : " كلتا يديه يمين " ، ويؤيده أيضاً قوله : " المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن " ، فإن المقصود بيان فضلهم ومرتبتهم ، وأنهم على يمين الرحمن سبحانه .

وعلى كل ، فإن يديه سبحانه اثنتان بلا شك ، وكل واحدة غير الأخرى ، وإذا وصفنا اليد الأخرى بالشمال ، فليس المراد أنها أقل قوة من اليد اليمني ، بل كلتا يديه يمين .

والواجب علينا أن نقول : إن ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن نؤمن بها ، ولا منافاة بينها وبين قوله : " كلتا يديه يمين " كما سبق ، وإن لم تثبت ، فلن نقول بها ". انتهى من ( " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " ( 1 / 165 )) .

وقال أيضا رحمه الله :

والجمع بين الحديثين واضح، أن الله تعالى له يمين وشمال، لكن كلتا اليدين يمين أي : يُمن وخير وبركة، 

فلا يتوهم واهم أنه إذا كانت له يد شمال أن يده الشمال قاصرة كما هي في المخلوقين، فالخلق أشرفهم البشر، والشخص يده الشمال قاصرة عن يده اليمين، ولهذا نهي الإنسان أن يأكل بشماله، أو يشرب بشماله، أو يأخذ بشماله، أو يعطي بشماله، 

فلما كان البشر هذه صفة اليد الشمال عندهم، رُفع هذا الوهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : كلتا يديه يمين . انتهى من (سلسلة لقاء الباب المفتوح-(030)).

قال الشيخ محمد خليل هرَّاس رحمه الله :

يظهر أنَّ المنع من إطلاق اليسار على الله عزَّ وجلَّ إنما هو على جهة التأدب فقط ؛ 

فإنَّ إثبات اليَمِين وإسناد بعض الشؤون إليها كما في قولـه تعالى : وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، وكما في قولـه عليه السلام : إنَّ يَمِين الله ملأى سحاء الليل والنهار ) ؛ يدل على أنَّ اليد الأخرى المقابلة لها ليست يَمِيناً  . انتهى من (التعليق على ((كتاب التوحيد)) لابن خزيمة (ص 66)).

وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي رحمه الله :

قال المؤلف رحمه الله تعالى : [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يمين الله ملأى لا يغيضها شيء، سحاء الليل والنهار، وبيده الأخرى الميزان يرفع القسط ويخفض، قال : أرأيت ما أنفق منذ خلق الله السموات والأرض؟فإنه لم ينقص مما في يديه شيئاً )].

وهذا الحديث أصله في الصحيحين، والحديث فيه محمد بن إسحاق لكنه ثابت في الصحيحين، وفيه إثبات يدين لله، وأن لله تعالى يدين، وفيه أيضاً إثبات اليمين لله.

وقد جاء في صحيح مسلم التسمية الأخرى بأنها شمال، لكن بعضهم طعن فيها بأنه تفرد بها بعض الرواة، والصواب أنها ثابتة، وإن إثبات اليمين لا ينقض إثبات الشمال، 

وفي الحديث الآخر : ( وكلتا يديه يمين )، يعني : كلتا يمين في الشرف والفضل والبركة وعدم النقص، بخلاف المخلوق، فإن اليمين أقوى من الشمال، أما الخالق فكلتا يديه يمين في القوة وعدم النقص والكمال والفضل والشرف والبركة... انتهى من (كتاب شرح سنن ابن ماجة - الراجحي).


والله اعلم


اقرأ أيضا ..



هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات