المرض المُعدي لا ينتقل من المريض إلى الصحيح بتأثيره وإنما ينتقل بتقديرالله فالله هو المؤثر ،
من أجل ذلك قال النبى ﷺ فمن أعدى الاول؟. يعني أن المرض نزل على الأول بدون عدوى بل نزل من عند الله عز وجل فكذلك إذا انتقل بالعدوى فقد انتقل بأمر الله .
نعم قد تكون المخالطة سببًا للعدوى وانتقال المرض لكنها سبب عادي كثيرًا ما يتخلَّف ،
فكم من صحيح خالَط المرضى ولم يُصِبه أدنى مرض وكم من مريض مَرِض من غير أن يُخالِط المرضى،
فالعبرة أولاً وآخرًا بإرادة الله تعالى ومشيئته ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
فالعبد الصادق العبودية لا يُنكِر الأسبابَ المادية ولا يُهمِلها ولا يُبالِغ فيها مبالغةً تُنْسيه أنها خاضعة لإرادة خالق الأسباب والمسببات رب الأرض والسموات .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
ثبت عن النبي ﷺ أنه قال : لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ويعجبني الفأل قيل : يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة.
كانت العرب تعتقد العدوى، ويقولون : إنه إذا خالط المريض الأصحاء؛ أصيبوا بمثل مرضه،
وقالوا للنبي ﷺ : يا رسول الله! الإبل تكون كذا وكذا، فيخالطها البعير الأجرب فتجرب، فقال -عليه الصلاة والسلام-: فمن أعدى الأول، لا عدوى ولا طيرة .
والمعنى نفي العدوى التي يعتقدها الجهال من المشركين، وأن المرض كالجرب، ونحوه يعدي بطبعه، هذا باطل،
أما كون الخلطة تؤثر، فهذا ما نفاها النبي ﷺ الخلطة قد تؤثر، قد ينتقل المرض من المريض إلى الصحيح بسبب الخلطة بأمر الله بإذن الله -جل وعلا- لقوله ﷺ :
لا يورد ممرض على مصح. يعني : لا يورد صاحب إبل مراض على صاحب إبل صحاح؛ من باب تجنب أسباب الشر، وقال : فر من المجذوم فرارك من الأسد. هذا من باب اجتناب أسباب الشر .
فالعدوى التي يعتقدها الكفار باطلة، وهو كون المرض ينتقل بنفسه، ويعدي بطبعه من دون قدر الله، ولا مشيئته، هذا باطل.
أما كون المرض قد ينتقل من المريض إلى الصحيح بإذن الله فهذا قد يقع، ولهذا قال ﷺ : فر من المجذوم فرارك من الأسد . يعني : لا تجالسه؛ قد ينتقل مرضه إليك،
وقال : لا يورد ممرض على مصح . يعني : إذا ورد الجميع الماء، فالممرض صاحب الإبل المراض لا يوردها مع صاحب الإبل الصحاح،
هذا له وقت، وهذا له وقت، بعدًا عن العدوى، بعدًا عن انتقال المرض من المريضة إلى الصحيح.
والخلاصة : أن الشريعة جاءت باجتناب أسباب الشر، مع الإيمان بأن الأمور بيد الله، وأنه لا يقع شيء إلا بقضائه وقدره،
فاعتقاد المشركين أن العدوى تنتقل حتمًا بنفسها، وطبعها هذا باطل، أما كونه ينتقل بإذن الله إذا شاء فهذا واقع،
ولهذا أمر النبي ﷺ بأسباب الوقاية، وقال : لا يورد ممرض على مصح فر من المجذوم فرارك من الأسد مع أنه ﷺ أخذ بيد المجذوم، وأكل معه وقال : كل باسم الله. ثقة بالله ليبين أن الأمور بيد الله سبحانه، وأن الله هو الذي يقدر الأمور،
فإذا اجتنب مخالطة المجذومين هذا هو المشروع بعدًا عن الشر، ولو فعل ذلك، وأكل معهم؛ لبيان أن الأمور بيد الله،
وليتضح للناس أن المرض لا يعدي بطبعه، وأنه إنما ينتقل بقدر الله، إذا فعل هذا بعض الأحيان؛ لإبطال العدوى التي يعتقدها الجاهليون هذا حسن كما فعله النبي ﷺ ..........
نعم الواجب الأخذ بالأسباب، فالإنسان يبتعد عن أسباب الشر، ويحذر أسباب المرض، ولا يعرض نفسه للخطر،
ومع هذا يعتمد على الله، ويتوكل، ويعلم أن الأمور بيده سبحانه : وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ. [المائدة:23] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ. [الطلاق:3]،
ولكن مع اجتناب أسباب الشر، فلا يخالط المرضى الذين قد جرت العادة بإذن الله أن مرضهم ينتقل،
ولا يخالط أهل الشر؛ لأنه قد يصيبه ما أصابهم من الشر؛ فيفعل أفعالهم،
ويحرص على صحبة الأخيار؛ لأن ذلك من أسباب أن يتخلق بأخلاقهم، ولا يأكل الأشياء التي قد تضر، قد يعرف أنها تضر، وما أشبه ذلك . انتهى من (فتاوى نور على الدرب)
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا عدوى ) . لا نافية للجنس ، ونفي الجنس أعم من نفي الواحد والاثنين والثلاثة ؛ لأنه نفي للجنس كله ، فنفي الرسول صلى الله عليه وسلم العدوى كلها.
فقوله : ( لا عدوى ) : العدوى موجودة ويدل لوجودها قوله ﷺ : " لا يورد ممرض على مصح ". أي : لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة لئلا تنتقل العدوى .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " فر من المجذوم فرارك من الأسد ". والجذام مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه حتى قيل : إنه الطاعون ؛
فالأمر بالفرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه إليك ، وفيه إثبات لتأثير العدوى لكن تأثيرها ليس أمرا حتميا بحيث تكون علة فاعلة،
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار وأن لا يورد ممرض على مصح من باب تجنب الأسباب لا من باب تأثير الأسباب نفسها،
فالأسباب لا تؤثر بنفسها لكن ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء لقوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ). البقرة/195 ،
ولا يمكن أن يقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم ينكر تأثير العدوى لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى.
فإن قيل : إن الرسول ﷺ لما قال : " لا عدوى . قال رجل : يا رسول الله ! الإبل تكون صحيحة مثل الظباء فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب؟ فقال النبي ﷺ : فمن أعدى الأول ؟ ".
يعني أن المرض نزل على الأول بدون عدوى بل نزل من عند الله عز وجل فكذلك إذا انتقل بالعدوى ؛ فقد انتقل بأمر الله،
والشيء قد يكون له سبب معلوم وقد لا يكون له سبب معلوم ،فَجَرَبُ الأول ليس سببه معلوما ؛ إلا أنه بتقدير الله تعالى ، وجرب الذي بعده له سبب معلوم لكن لو شاء الله تعالى لم يجرب ،
ولهذا أحيانا تصاب الإبل بالجرب ثم يرتفع ولا تموت وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية وقد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون ويسلم آخرون ولا يصابون . انتهى من ( شرح كتاب التوحيد "2/80")
فالصحيح هو إثبات التوحيد والأسباب وربط أحدهما بالآخر
فقد تداوى النبي وأمر بالتداوي وأخبر أنه ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء إلا الهرم ،
فأعلمنا أنه خالق أسباب الداء وأسباب الدواء المعارضة المقاومة لها وأمرنا بدفع تلك الأسباب المكروهة بهذه الأسباب.
وعلى هذا قيام مصالح الدارين بل الخلق والأمر مبني على هذه القاعدة فإن تعطيل الأسباب وإخراجها عن أن تكون أسبابا تعطيل للشرع ومصالح الدنيا،
والاعتماد عليها والركون إليها واعتقاد أن المسببات بها وحدها وأنها أسباب تامة شرك بالخالق عز وجل وجهل به ،
وخروج عن حقيقة التوحيد وإثبات مسبباتها على الوجه الذي خلقها الله عليه وجعلها له :
إثبات للخلق والأمر للشرع والقدر للسبب والمشيئة للتوحيد والحكمة فالشارع يثبت هذا ولا ينفيه وينفي ما عليه المشركون من اعتقادهم في ذلك .
جاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
العدوى المنفية في الحديث هي : ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن العدوى تؤثر بنفسها،
وأما النهي عن الدخول في البلد الذي وقع بها الطاعون فإنه من باب فعل الأسباب الواقية . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (١٦٥٤٣))
الخلاصة
المتصرف في الكون هو الله وحده وأن الأحاديث في هذا الباب تدل على أنه لا عدوى على ما يعتقده الجاهليون من كون الأمراض تعدي بطبعها وإنما الأمر بيد الله سبحانه .
إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح وإن شاء سبحانه لم يقع ذلك ولكن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة وترك ما قد يفضي إلى الشر .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق