">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع الجمع بين

تبييت النية في الصيام: هل هو شرط في الفرض والتطوع؟


الصيام من العبادات العظيمة في الإسلام، ويشترط له النية كشرط أساسي لصحته.

 ولكن هل يجب تبييت النية من الليل في جميع أنواع الصيام، سواء كان فرضًا أم تطوعًا؟ هذا السؤال يثير جدلًا بين الفقهاء.

 وفي هذا المقال سنتناول أدلة الفقهاء وأقوالهم حول هذه المسألة.

▣▣ ما هو تبييت النية؟

تبييت النية يعني عقد النية للصيام من الليل قبل طلوع الفجر.

▣▣ هل تبييت النية شرط في صيام الفرض والتطوع؟

يشترط تبييت النية في الصيام سواء كان فرضًا أو تطوعًا، حيث لا يُجزئ الصوم إلا إذا تقدمت النية على سائر أجزائه.

▣ فإن طلع الفجر ولم ينوِ الصيام، لم يصح صومه في جميع أنواعه.

وقد ورد ذلك عن ابن عمر وحفصة وعائشة رضي الله عنهم، وإليه ذهب الإمام مالك والليث وابن أبي ذئب وداود، ونصره ابن حزم والصنعاني.

▣▣ الأدلة على اشتراط تبييت النية في الصيام:

1 - حديث حفصة رضي الله عنها : عن النبي ﷺ أنه قال: «من لم يُبَيِّتِ (يُجمعِ) الصيام قبل الفجر فلا صيام له». (صحيح النسائي -رقم : 2331).

▣ قوله ﷺ: «فَلَا صِيَامَ لَهُ» جاء بصيغة النكرة في سياق النفي، مقترنًا بـ «لا» النافية للجنس، مما يجعله نصًا صريحًا في العموم،

وبذلك، فإنه يشمل جميع أنواع الصيام، ولا يُستثنى منه إلا ما دلّ الدليل على عدم اشتراط تبييت النية فيه.

▣ إذن دل الحديث : على عدم صحة كل صوم لمن لم ينوِه قبل الفجر، وأنه غير معتبر شرعًا، حيث يتطلب الصيام نية مسبقة تسبقه،

 وهذا ما تؤكده القواعد الأصولية، إذ إن القاعدة العامة في العبادات تنص على أنه "لا عمل إلا بنية" و"إنما الأعمال بالنيات"، وهما نصوص تفيد الحصر.

 ويؤكد ذلك ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها، حيث قالت : «لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر». (المحلى).

ولو كان صيام التطوع مستثنى من هذا الحكم، لبيّنته رضي الله عنها،

فهل يُعقَل أن تقول مثل هذا القول ولم تستثن صيام التطوع، وهي تعلم أن رسول الله كان يصومه دون تبييتها؟!،

مما يدل هذا على أن النية المسبقة شرط في جميع أنواع الصيام.

2 - وعن عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - أنهما قالتا : " لَا يَصُوْمُ إِلاّ مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ". أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٢٨٨) - (صحيح النسائي -رقم : (2340)).

▣ هذا القول : يدعم اشتراط تبييت النية في جميع أنواع الصيام.

3 - عن نافع، عن عبدالله بن عمر أنه كان يقول : « لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر». صحيح النسائي - رقم: (2342).

▣ هذا القول : يؤكد أن تبييت النية شرط في الصيام بشكل عام.

▣▣ الرد على الإستدلال بحديث عائشة رضي الله عنها:

وفيه قالتْ : قال لي رسولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يومٍ : يا عائشةُ، هل عندَكم مِن شيءٍ؟ قالتْ : فقلتُ : يا رسولَ الله، ما عِندَنا شيءٌ، قال : فإنِّي صائمٌ.}. 

وقال لها مرة أخرى : { هل عندكم من شيء ؟ قلنا : نعم ، أهدي لنا حيس ، قال : أما إني أصبحت أريد الصوم فأكل }.

هذا الحديث يستدل به بعض الفقهاء على جواز نية الصيام التطوع من النهار، ولكن هذا الإستدلال فيه نظر.

والرد على هذا الإستدلال بما يلي :

 تبييت النية لصوم التطوع من الليل : الحديث لا ينفي أن النبي ﷺ قد نوى الصيام من الليل، ولا أنه عليه السلام أصبح مفطرا ثم نوى الصوم بعد ذلك ،

ولو كان هذا في ذلك الخبر لقلنا به،خاصة مع وجود حديث حفصة الذي يؤكد اشتراط تبييت النية، 

ولكن فيه أنه عليه السلام كان يصبح متطوعا صائما ثم يفطر وهذا مباح، لأن الصائم المتطوع أمير نفسه.

◄ رواية أخرى للحديث تؤكد تقدم النية قبل الفجر : قال النبي ﷺ: «أما إني قد أصبحت صائمًا». وفى أخرى: «أما إني أصبحت أريد الصوم فأكل».

فهذه الرواية تزيل الإشكال فهى تبين أن النبي ﷺ كان قد نوى الصيام من الليل ودخل فى الصباح صائما، ولم ينشئ النية من النهار.

◄ عدم مخالفة حديث حفصة : حديث حفصة رضي الله عنها عام ويشمل جميع أنواع الصيام، ولا يمكن مخالفته بحديث يحتمل التأويل.

◄ وبناء عليه فلا يصح جعله صارفاً لدلالة حديث حفصة رضي الله عنها من الشرطية إلى الاستحباب أو الوجوب ؛ في تبييت النية في صوم الفرض.

قال ابن العربي المالكي رحمه الله- عن حديث حفصة : « هذا الحديث ركنٌ من أركان العبادات وأصلٌ من أصول مسائل الخلاف ». ينظر: (المسالك (4/ 168)).

▣▣ الرد على الإستدلال بحديث عاشوراء :

استدل بعض القائلين بجواز عقد نية الصيام فى النهار بحديث عاشوراء، وأن تبييت النية ليس شرطا فى صحة الصوم، لأن بعض الصحابة صامه حين بلغهم الأمر، ولكن هذا الإستدلال فيه نظر.

والرد على هذا الإستدلال:

 أن الأمر بصيام عاشوراء في ذلك الوقت جاء فجأة، ولم يكن بإمكانهم تبييت النية مسبقًا، فكان هذا من باب الضرورةً لأهل الأعذار،

وليس قاعدةً عامة في الصيام، ففرق بين المسألتين

 وبناء عليه فلا يصح جعله صارفاً لدلالة حديث حفصة رضي الله عنها من الشرطية إلى الاستحباب أو الوجوب ؛ في تبييت النية في صوم الفرض.

▣▣ رأي العلماء في المسألة وتوضيحهم لعائشة رضي الله عنها :

- قال الإمام ابن حزم رحمه الله رحمه الله- في توضيحه لحديث عائشة رضي الله عنها: 

" وهذا الخبر صحيح عن رسول الله ﷺ إلا أنه ليس فيه أنه عليه السلام لم يكن نوى الصيام من الليل، ولا أنه عليه السلام أصبح مفطرا ثم نوى الصوم بعد ذلك .

ولو كان هذا في ذلك الخبر لقلنا به، لكن فيه أنه عليه السلام كان يصبح متطوعا صائما ثم يفطر، وهذا مباح عندنا لا نكرهه كما في الخبر فلما لم يكن في الخبر ما ذكرنا.

وكان قد صح عنه عليه السلام { لا صيام لمن لم يبيته من الليل } لم يجز أن نترك هذا اليقين لظن كاذب.

ولو أنه عليه الصلاة والسلام أصبح مفطرا ثم نوى الصوم نهارا لبينه ، كما بين ذلك في صيام عاشوراء إذ كان فرضا ، والتسمح في الدين لا يحل ". ينظر: (730 المحلى- مسألة).

قال الشيخ فركوس حفظه الله :

... والمختار عندي ـ مذهبُ مَنْ تمسَّك بعموم التبييت وعدم العمل بخصوص حديثِ عائشة رضي الله عنها ،

لاحتماله أنَّه ﷺ قد نوى الصومَ مِنَ الليل وإنَّما أراد الفطرَ لمَّا ضَعُفَ عن الصوم، ذلك لأنَّ لفظةَ : «إذًا» صِلةٌ ـ عند أهل اللغة إذا كانَتْ متوسِّطةً.

وعليه فيُحْمَلُ المعنى على أنَّه خبرٌ عن صيامٍ متقدِّمٍ لا صيامٍ ابتدأه لوقته وتؤيِّد هذا المعنى روايةُ : « فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا » وروايةُ : « قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا »،

وفي أخرى : « أَمَا إِنِّي قَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنَا صَائِمٌ »، وليس في الحديث ـ أيضًا ـ أنَّه أصبح مفطرًا ثمَّ نوى الصومَ نهارًا فلو كان كذلك لَبيَّنه ولَنُقِل إلينا .

ثم إنَّ حديث حفصة رضي الله عنها أمر قوليٌّ وحديثَ عائشة فعلٌ محتمل و«طَاعَتُهُ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي أَمْرِهِ أَوْلَى مِنْ مُوَافَقَتِهِ فِي فِعْلٍ لَمْ يَأْمُرْنَا بِمُوَافَقَتِهِ فِيهِ بِاتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ»،

وخاصَّةً مع وجود الاحتمال السابق لأن «المُحْتَمَلَ يُرَدُّ إِلَى العَامِّ» وحديث عائشة رضي الله عنها أعمُّ مِنْ أَنْ يكون بيَّت الصومَ ،

ولا يمكن الاحتجاجُ بمذهب الصحابيِّ في هذه الحال لأنَّه ظَهَر له مخالِفٌ مِنَ الصحابة إذ المقرَّرُ في الأصول أنَّ : « الصَّحَابَةَ إِذَا اخْتَلَفُوا لَمْ يَجُزِ العَمَلُ بِأَحَدِ القَوْلَيْنِ إِلَّا بِتَرْجِيحٍ ».

وقوله : « فَلَا صِيَامَ لَهُ » : نكرةٌ في سياق النفي رُكِّبَتْ مع « لا » النافية للجنس فَبُنِيَتْ على الفتح والنكرةُ ،

إذا كانَتْ كذلك فهي نصٌّ صريحٌ في العموم فيَعُمُّ كُلَّ صيامٍ ولا يخرج عنه إلَّا ما قام الدليلُ على أنَّه لا يُشترطُ فيه التبييتُ.

ومن هذه الصيغةِ : عمَّم مالكٌ وزُفَر وداودُ الظاهريُّ والمُزَنيُّ التبييتَ لسائرِ أنواع  الصيام الفرضِ والنفل والقضاء والكفَّارة والنذر معيَّنًا كان أو مطلقًا ،

وعليه استدلُّوا بالحديث على عدمِ جوازِ صوم النفل إلَّا بنيَّةٍ مِنَ الليل كالفرض لعدمِ قيام الدليل على التخصيص ،

وبهذا قال ابنُ حزمٍ وتابعه الصنعانيُّ والشوكانيُّ وهو مرويٌّ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما وجابر بنِ زيدٍ التابعيِّ وغيرهما..

وأما الاستدلال بحديثِ عاشوراءَ فخارجٌ عن محلِّ النزاع: لأن المُتنازَع فيه إنَّما هو الصيام الواجب المقدورُ عليه، 

وإيقاع النيَّة مِنْ نهارٍ في صومِ عاشوراءَ بعد النداء إنَّما صحَّ ضرورةً لأهل الأعذارـ كما سيأتي ـ.

وعليه
 يتعيَّن البقاءُ على الأصلين المتمثِّلَيْن : في عموم حديث التبييت ـ مِنْ جهةٍ وعدمِ الفرق بين الفرض والنفل والقضاء والنذر ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ 
ما لم يَقُمْ ما يرفعهما،

و« النَّصُّ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِمَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَهُ ». ينظر: (البيِّنة الجليَّة في شرح حديث تبييت النية).

▣▣  الخلاصة :

مما سبق يظهر أن صيام التطوع يشترط له تبييت النية من قبل الفجر كالفرض تماما وكذا غيره من أنواع الصيام، هذا هو أرجح الأقوال وأصوبها ،

وإلا لكان كل من تأخر عنه الأكل والشرب ولو لساعات معدودة يعتبر صائما على قول من يقول بعدم إشتراط النية، وهذا ما ألزمهم به ابن حزم رحمه الله .

ولذا الناظر للأدلة يجد أن النبي ﷺ لم يبين لنا ولا في دليل واحد بأن للإنسان الصوم من النهار في التطوع، ولا عن طريق صحيح عن الصحابة الكرام .

وللفائدة أكثر ينظر: [الترجيح في مسائل الصوم والزكاة- للشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله].


والله اعلم

ما رأيك في هذا الموضوع؟ شاركنا رأيك في التعليقات أو شاركه مع أصدقائك لتعم الفائدة!.

اقرأ أيضا :


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات