">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

لا تعارض بين حديث (لا عدوى) وحديث (لا يورد ممرض على مصح)


حديث : " لا عدوى" يراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى .

وأما حديث : " لا يورد ممرض على مصح " فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في ‌العادة بفعل الله تعالى وقدره . فنفى في الحديث الأول ‌العدوى ‌بطبعها ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله -تعالى- وفعله وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره فلا تعارض بين الحديثين . 

وهذا من باب تجنب الأسباب لا من باب تأثير الأسباب نفسها  فالأسباب لا تؤثر بنفسها لكن ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء لقوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ). البقرة/195.

قال ابن الملقن رحمه الله :

   « والصواب عندنا ما صح به الخبر عنه أنه قال : “ لا عدوى”، وأنه لا يصيب نفسا إلا ما كتب عليها، فأما دنو عليل من صحيح فإنه غير موجب للصحيح علة وسقمًا، 

غير أنه لا ينبغي لذي صحة الدنو من صاحب الجذام والعاهة التي يكرهها الناس، لا أن ذلك حرام، ولكن حذرًا من أن يظن الصحيح إن نزل به ذلك الداء يوما إنما أصابه لدنوه منه فيوجب له ذلك الدخول فيما نهى عنه – صلى الله عليه وسلم – وأبطله من أمر الجاهلية في العدوى ». انتهى من ([«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (27/ 425)).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

يتوهَّم كثير من الناس أن قوله : ( لا عدوى ) يعني نفي العدوى التي ثبتت علميًّا في زماننا هذا كما أثبته الرسول - عليه الصلاة والسلام - في زمنه قبل هذا الزمن بهذه القرون المديدة ؛ لأنه (( لا ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )) ، العدوى أثبتها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث صحيح ، من ذلك قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد ) ، ( فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد ) هذا هو الذي يقوله الأطبَّاء تمامًا ، لماذا يأمرنا بالفرار من المجذوم ؟ كيلا تتحقق العدوى ، 

وقال - عليه الصلاة والسلام - - أيضًا ، وهو حديث صحيح كالأول في " صحيح البخاري " وغيره - : ( إذا وقع الطَّاعون بأرضٍ وأنتم فيها ؛ فلا تخرجوا منها ، وإذا وقع الطاعون في أرضٍ ولستم فيها ؛ فلا تدخلوا إليها ) ، وهذا هو الحجر الصحي المعروف اليوم ، ذلك لأن هذا الحديث يعطينا أن الطاعون قد يتعدي إلى الأصحاء ، فإذا كان المسلم في أرض فيها الطاعون فلا ينبغي أن يخرج خشية أن يكون مصابًا بهذا الوباء فينقله إلى الأرض النَّقيَّة ، وبالعكس إذا كان في الأرض النَّقيَّة ؛ فلا يدخل الأرض الموبوءة لأنه يعرِّض نفسه بأن يُصاب بهذا الوباء ؛ فإنَّه معدي ، 

فأحاديث وأحاديث كثيرة كلها تدندن حول إثبات حقيقة العدوى ، حينئذٍ لمَّا نأتي إلى الحديث الأول ، وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لا عدوى ) ؛ لا ينبغي أن نفهمه على أساس أنه ينفي ما أثبته في الأحاديث المتقدمة ، وإنما نفهم منه معنًى لا يتعارض مع ما أثبته في الأحاديث المتقدمة ، ما هو هذا المعنى ؟ لا عدوى بنفسها وذاتها ، وبالتعبير العصري اليوم : لا عدوى بطبيعتها ، لأنُّو منسمع اليوم بيقولوا الطبيعة ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا عدوى تعدي بنفسها ، وإنما هي إذا أعدت فإنما تعدي بمشيئة الله - عز وجل - .

ويؤكد لكم هذا المعنى ليس فقط هو السبيل التوفيق بين هذا الحديث وبين أحاديث المثبتة للعدوى ، وهذا كافي في الواقع لنفسر الحديث : ( لا عدوى ) أي : بنفسها ، يكفي أنُّو هناك أحاديث صحيحة تثبت العدوى ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتناقض ، لا يقول في عدوى ولا عدوى ، هذا مستحيل ، 

لذلك فتُفسَّر هنا العدوى المنفية أي : العدوى التي تعدي بذاتها ، يؤكد هذا المعنى تمام الحديث ، وهو واضح جدًّا جدًّا لمن يتأمَّل فيه ، لما قال - عليه السلام - هذا الحديث قام رجل من الأعراب قال : يا رسول الله : إنَّا نرى الجمل الأجرب يدخل بين الجمال السليمة فيعديها ، تجد الرسول - عليه السلام - ما خالف الأعرابي ، ما قال : لا كذبت أنا أقول لا عدوى ، أقرَّه ، احفظوا هذا الآن ، لكن ماذا قال له ؟ فمن أعدى الأوَّل ؟ من أعدى الجمل الأول اللي دخل بين الجمال السليمة فعداها ، لا شك الجواب سيكون من المؤمن الله هو الذي أعدى الجمل الأول ، إذًا لما كان الجمل الأول غير جَرِب ، ما أصابه داء الجرب ؛ فمن الذي صبَّ فيه داء الجرب ؟ هو الذي خلقه ، وهو الله - عز وجل - لحكمة يعلمها هو ، فحينما تكاثرت الجمال ودخل فيها هذا الجمل الأجرب ، تعدَّت العدوى من هذا الجمل الأجرب إلى الجمال الأخرى ، ليس هو هذا الجمل هو الذي أجربَها ، وإنما هو الذي أجرب هذا الجمل الأول ، وهو الله - تبارك وتعالى - ، 

فإذًا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث يريد أن يُبطل زعمًا جاهليًّا ، وهو أنُّو الجمل الأجرب يعدي الجمال السَّليمة ، فيذكِّر الرسول - عليه السلام - أولئك الأعراب الذين آمنوا بالله ورسوله ، ويعلمهم أنُّو ليس هو الجمل الأجرب هو الذي ينقل العدوى إلى الجمل السليم أو الجمال السليمة ، وإنما الله - تبارك وتعالى - إذا شاء أن ينقل الجرب من هذا الجمل فهو ينقله ، وإذا لم يشأ فلو دخلت جمال كلها جرباء بين جمال سليمة من هذا الوباء لا يمكن أن يؤثر هذا الجمل بجربه إطلاقًا ، إذًا الأمر راجع إلى الله - تبارك وتعالى - ، إذا فهمنا هذا المعنى حينئذٍ ( لا عدوى ) معناه بنفسها ، وانتهى الإشكال ، وكفى الله المؤمنين القتال !. انتهى من ( فتاوى الكويت - شريط : 5 توقيت الفهرسة : 01:30:59 )

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

لا منافاة عند أهل العلم بين هذا وهذا، وكلاهما قاله النبي ﷺ حيث قال : لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول . وذلك نفي لما يعتقده أهل الجاهلية من أن الأمراض كالجرب تعدي بطبعها، وأن من خالط المريض أصابه ما أصاب المريض، وهذا باطل، بل ذلك بقدر الله ومشيئته، 

وقد يخالط الصحيح المريض المجذوم ولا يصيبه شيء كما هو واقع ومعروف؛ ولهذا قال النبي ﷺ لمن سأله عن الإبل الصحيحة يخالطها البعير الأجرب فتجرب كلها، قال له عليه الصلاة والسلام : فمن أعدى الأول .

 وأما قوله ﷺ : فر من المجذوم فرارك من الأسد . وقوله ﷺ في الحديث الآخر : لا يورد ممرض على مصح . 

فالجواب عن ذلك :

 أنه لا يجوز أن يعتقد العدوى، ولكن يشرع له أن يتعاطى الأسباب الواقية من وقوع الشر، وذلك بالبعد عمن أصيب بمرض يخشى انتقاله منه إلى الصحيح بإذن الله  كالجرب والجذام، ومن ذلك عدم إيراد الإبل الصحيحة على الإبل المريضة بالجرب ونحوه؛ توقيًا لأسباب الشر وحذرًا من وساوس الشيطان الذي قد يملي عليه أنما أصابه أو أصاب إبله هو بسبب العدوى . انتهى من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (6/27)).

وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :

هذا الحديث جزء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد ». أخرج الحديث البخاري بسنده في كتابه [الصحيح] في كتاب الطب (باب الجذام) ، ورواه ابن حبان بزيادة ( ولا نوء) ، وكذلك أخرجه أبو نعيم في الطب في حديث الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ « اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد » ، وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوكل عن عائشة رضي الله عنها بلفظ « لا عدوى وإذا رأيت المجذوم ففر منه كما تفر من الأسد». وأخرج معناه مسلم في الصحيح في آخر أبواب الطب من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال : « كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم : إنا قد بايعناك فارجع » .

وأحسن ما قيل فيه قول البيهقي، وتبعه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم أن قوله " لا عدوى" على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وأن هذه الأمور تعدي بطبعها، وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سببا لحدوث ذلك؛ ولهذا قال : « فر من المجذوم كما تفر من الأسد ». ( مسند أحمد)، وقال : « لا يورد ممرض على مصح ». (البخاري)، وقال في الطاعون : « من سمع به في أرض فلا يقدم عليه » (البخاري) ، وكل ذلك بتقدير الله تعالىوبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-فتوى رقم (٦٣٣٥))


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات