">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

فما دام العبد قد ترك شيئا مما نهاه الله عنه لا يتركه إلا لوجه الله عز وجل فالعوض له محقق وهذا وعد من الله ولن يخلف الله وعده .

فقد جاء فى الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ). رواه أحمد ( 21996) . قال العلامة الألباني رحمه الله : " سنده صحيح على شرط مسلم ". انتهى من " السلسلة الضعيفة (1/62) .

فكل شيء تتركه لله فاعلم أن عاقبته خير .

ومن ذلك : عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الحُورِ شَاءَ "صحيح الترغيب والترهيب" (3 / 48)

قال الشيخ العثيمين رحمه الله : " حديث معاذ بن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة ).

الغيظ : هو الغضب الشديد، والإنسان الغاضب هو الذي يتصور نفسه أنه قادر على أن ينفذ؛ لأن من لا يستطيع، لا يغضب، ولكنه يحزن، ولهذا يوصف الله بالغضب ولا يوصف بالحزن؛ لأن الحزن نقص، والغضب في محله كمال؛ فإذا اغتاظ الإنسان من شخص وهو قادر على أن يفتك به، ولكنه ترك ذلك ابتغاء وجه الله، وصبر على ما حصل له من أسباب الغيظ؛ فله هذا الثواب العظيم أنه يدعى على رؤوس الخلائق يوم القيامة ويخير من أي الحور شاء. " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (1 / 274).

 والعوض أنواع مختلفة

 وأجلّ ما يعوض به الأنس بالله ومحبته وطمأنينة القلب به وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى .

قال ابن دقيق العيد رحمه الله : " فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة " .اه ("فتح الباري" (6/14 )).

وإليك 

الوقائع والأحدات التى تشهد لهذا الحديث :

1- لما عقر سليمان بن داود عليهم السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس : سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد.

فقد كان سليمان عليه السلام محباً للخيل من أجل الجهاد بها في سبيل الله وكان معه الخيول الصافنات وهي الخيول القوية السريعة، وكانت ذو أجنحة، ويزيد عددها على عشرين ألفاً، فبينما هو يقوم بعرضها وتنظيمها، فاتته صلاة العصر نسياناً لا عمداً، فلما علم أن الصلاة قد فاتته من أجل هذه الخيول، قال: لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي، ثم أمر بها فعقرت، فضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف، فلما علم الله سبحانه من عبده سليمان أنه ذبح هذه الخيول من أجله سبحانه، وخوفاً من عذابه، ومحبة وإجلالاً له، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة، عوضه الله عز وجل ما هو خير منها وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوها شهر، ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل .

قال ابن العربي : « لما عقر سليمان الخيل في ذات الله عوَّضه الله تعالى فقال : ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ ». اه ( القبس في شرح موطأ مالك)

2- ولما ترك المهاجرون ديارهم لله وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا وملكهم شرق الأرض وغربها .

 فها هو صُهَيْب الرومي رضي الله عنه

 فعن عِكْرِمة قال : لمَّا خرج صهيب مُهاجرًا تبعه أهلُ مكة فنثل كنانته فأخرج منها أربعين سَهْمًا، فقال :  "لا تَصِلُونَ إليّ حتَّى أضع في كُلِّ رجُلٍ منكم سهمًا، ثم أصير بعد إلى السيف، فتعلمون أني رجل، وقد خلفتُ بمكة قينتين فهما لكم... ونزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾. [البقرة: 207]، فلمَّا رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ البَيْعُ))، قَالَ : وتلا عليه الآية.

3- ولو اتقى اللهَ السارقُ وترك سرقة المال المعصوم لله : لآتاه الله مثله ، أو خيرا منه حلالا .

قال الله تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ). فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه إذا اتقاه بترك أخذ مالا يحل له رزقه الله من حيث لا يحتسب ". انتهى.

وهذا التعويض 

لا يلزم أن يكون بشيء محسوس من مال أو نحوه بل قد يكون ذلك بأن يرزق الله تعالى عبده درجة عالية من الإيمان واليقين والرضى بما يقدره الله تعالى كما قيل لبعض الزهاد وقد رئي في هيئة رثة : من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأنت تركت الدنيا فماذا عوضك الله !. فقال : الرضى بما أنا فيه. 

وقد يكون هذا التعويض في الآخرة

فهذا الرجل تجاوز عن المعسرين فتجاوز الله عنه .

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال : كان رجلٌ يداين الناس، فكان يقول لفتاه : إذا جئت مُعْسِراً، فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، قال : فلقى الله فتجاوز عنه. (متفق عليه)

وفي لفظ آخر : عن أبي مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الملائكة لتلقت رُوح رجل كان  قبلكم، فقالوا له : هل عملت خيراً قط؟ قال لا : قالوا : تذكر، قال : لا، إلا أني كنت أداين الناس، فكنتُ آمر فتياني أن ينظروا الموسر، ويتجاوزوا عن المعسر. قال الله سبحانه وتعالى : تجاوزوا عنه . (متفق عليه) والأمثلة على ذلك كثيرة. انظر ." روضة المحبين لابن القيم " (ص445) 

 فلا يقْدِرُ رَجلٌ على حَرَامٍ ثم يَدَعه ليس به إلا مخافة الله عز وجل إلا أبْدَله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خيرٌ له من ذلك .


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات