ظاهرتا الرعد والبرق من الظواهر الطبيعية التي أثارت اهتمام الإنسان منذ القدم، وقد ورد ذكرهما في القرآن الكريم والسنة النبوية.
لفهم معناهما في الشرع، من المهم الرجوع إلى النصوص الشرعية وأقوال أهل العلم لتوضيح حقيقتهما ودلالتهما.
** الرعد: هو ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله،
والصوت الذي يُسمع هو صوت حركة السحاب إذا حركه الملك الموكل به.
** والبرق: هو ما يرى من النور اللامع ساطعا من خلال السحاب.
ومما يدل على ذلك :
1- قال تـعالى : { هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال * ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال }. سورة الرعد.
* فقوله : "هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا". أي : الله هو الذي يريكم البرق- وهو النور اللامع الذي يسطع في السماء من بين السحاب- خوفا من الصواعق، وطمعا في الانتفاع بالمطر. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/474، 475)، ((تفسير القرطبي)) (9/295).
- قال العلامة السمعاني رحمه الله : وقوله : "ويسبح الرعد بحمده". أكثر المفسرين أن الرعد ملك، والمسموع من الصوت تسبيحه،
وهذا مروي عن النبي حين سأله اليهود عن الرعد، وذكر فيه أن الصوت هو زجره للسحاب.
وقد حكي هذا عن ابن عباس، وعلي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن. ينظر : ((تفسير السمعاني)) (3/83).
2 - عن عبدالله ابن عباس أنه قال :..... قالوا صدقتَ فأخبِرْنا عن الرَّعدِ ما هو قال الرعدُ ملَكٌ من الملائكةِ مُوكَّلٌ بالسَّحابِ بيدَيه أو في يدِه مِخراقٌ من نارٍ
يزجرُ به السحابَ والصوتُ الذي يُسمعُ منه زَجْرُهُ السَّحابَ إذا زجَرَه حتى ينتهيَ إلى حيث أمرَه. (((صحيح سنن الترمذي)) (3117)).
أي : ذلك الصَّوتُ هو صَوتُ حرَكةِ السَّحابِ إذا حرَّكَه الملَكُ الموكَّلُ به، فلا يَزالُ يُصدِرُ ذلك الصَّوتَ حتى يَستقِرَّ به الملَكُ في المكانِ الذي أمَرَه اللهُ أنْ يَنتهِيَ إليه .
** وإليك أقوال أهل العلم:
- قال الإمام إبراهيم الحربي رحمه الله :
قولُه : « الرَّعدُ مَلَكٌ » هو عندَ الصَّحابةِ : علىٍّ، وابنِ عبَّاسٍ، وعبدِ الله بنِ عمرٍو، وأبى هريرة.
وكذا قال التَّابعونَ : مجاهدٌ، وعكرمةُ، وأبو صالحٍ، والضَّحَّاكُ، وشَهْرٌ، وعَطِيَّةُ، والحسنُ، ومحمدُ بنُ قيسٍ، والسُّدِّىُّ. ينظر : ((غريب الحديث)) (2/688).
- وقال ابن عبد البر رحمه الله- فى"الإستذكار" :
جمهور أهل العلم من أهل الفقه والحديث يقولون :
الرعد ملك يزجر السحاب، وقد يجوز أن يكون زجره لها تسبيحا؛ لقول الله تعالى : ويسبح الرعد بحمده. ينظر : ((الاستذكار)) (10/36).
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما " الرعد والبرق " ففي الحديث المرفوع في الترمذي وغيره { أنه سئل عن الرعد قال : ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله} .
وفي مكارم الأخلاق للخرائطي : عن علي أنه سئل عن الرعد فقال : " ملك وسئل عن البرق فقال : مخاريق بأيدي الملائكة. وفي رواية عنه : مخاريق من حديد بيده ".
وروي في ذلك آثار كذلك، وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك كقول من يقول : إنه اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه فإن هذا لا يناقض ذلك،
فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعدا. وكذلك الراعد يسمى رعدا. كما يسمى العادل عدلا.
والحركة توجب الصوت والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة،
وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه ولسانه وأسنانه ولهاته وحلقه، وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر.
فالرعد إذا صوت يزجر السحاب، وكذلك البرق قد قيل : لمعان الماء أو لمعان النار ،
وكونه لمعان النار أو الماء لا ينافي أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك فإن النار التي تلمع بيد الملك كالمخراق مثل مزجي المطر. والملك يزجي السحاب كما يزجي السائق للمطي.
والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمة ذلك.
وأما أسبابه : فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق،
فإذا انضغط طلب مخرجا فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض...ينظر: (مجموع الفتاوى 24|263-264).
- وقال الإمام الشوكاني رحمه الله :
"ويسبح الرعد بحمده" أي : يسبح الرعد نفسه بحمد الله، وليس هذا بمستبعد، ولا مانع من أن ينطقه الله بذلك وإن من شيء إلا يسبح بحمده،
وأما على تفسير الرعد بملك من الملائكة فلا استبعاد في ذلك، ويكون ذكره على الإفراد مع ذكر الملائكة بعده لمزيد خصوصية له، وعناية به.ينظر : ((تفسير الشوكاني)) (3/87).
** ختاماً :
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق