القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

المعنى الصحيح للوسيلة في القرآن


 المراد بالوسيلة في القرآن هى القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة .

قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ .[المائدة: 35]

قال الحافظ ابن جرير رحمه الله :

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم، ووعد من الثواب، وأوعد من العقاب. اتقوا الله يقول : أجيبوا الله فيما أمركم، ونهاكم بالطاعة له في ذلك. وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ : يقول : واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه . انتهى من تفسيره

قال العلامة ابن باز رحمه الله :

قد يغلط بعض الناس لجهله فيسمي دعوة الأموات والاستغاثة بهم وسيلة، هذا غلط، هذه وسيلة للكفر ما هي بوسيلة مباحة، الله جل وعلا يقول : اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ. [المائدة:35].  

الوسيلة القربة يعني : بطاعته، هذه الوسيلة عند أهل العلم جميعًا، الوسيلة التقرب إلى الله بطاعته، فالصلاة قربى إلى الله وسيلة، الذبح لله وسيلة كالضحايا والهدايا، الصوم وسيلة، الصدقات وسيلة، ذكر الله وقراءة القرآن وسيلة، هذا معنى قوله جل وعلا : اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ. [المائدة:35] يعني : ابتغوا إلى القرب إليه بطاعته، هكذا قال ابن جرير وابن كثير و البغوي وغيرهم من أئمة التفسير والمعنى التمسوا القربة إليه بطاعته واطلبوها أينما كنتم مما شرع الله لكم، من صلاة وصوم وصدقات وغير ذلك، وهكذا قوله في الآية الأخرى : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾.[الإسراء: 57]، 

هكذا الرسل وأتباعهم يتقربون إلى الله بالوسائل التي شرعها من جهاد وصوم وصلاة وذكر وقراءة قرآن إلى غير ذلك من وجوه الوسيلة، أما ظن بعض الناس أن الوسيلة هي التعلق بالأموات والاستغاثة بالأولياء فهذا ظن باطل وهذا اعتقاد المشركين الذين قال الله فيهم ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾.[يونس: 18]، فرد عليهم سبحانه بقوله : ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.[يونس: 18] . اه (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(4/ 32-34))

قال العلامة السعدى رحمه الله :

{ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } أي : القرب منه، والحظوة لديه، والحب له، وذلك بأداء فرائضه القلبية، كالحب له وفيه، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل. والبدنية : كالزكاة والحج. والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها، من أنواع القراءة والذكر، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه، والبدن، والنصح لعباد الله، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله 

ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله حتى يحبه الله، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ويستجيب الله له الدعاء . انتهـى ( تيسير الكريم الرحمن تفسير كلام المنان ).

فاعلم أخى المسلم هدانى الله واياك أنه ليس المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه فهذا تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به تعالى في قوله عنهم : ( وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَـوَتِ وَلاَ في ٱلأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ).

ولكن المراد بالوسيلة هنا هى القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة .

 قال قتادة : أي : تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن المراد بالوسيلة الحاجة . . . وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى : ( وَٱبْتَغُواْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ ) : واطلبوا حاجتكم من الله لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ ) ، وقوله : ( وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ ) ، وفي الحديث : ( إذا سألتَ فاسأل الله ) .

قال العلامة الشنقيطي رحمه الله :

وأصل الوسيلة : الطريق التي تقرب إلى الشيء ، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً كقوله تعالى : ( وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ) ، وكقوله : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى ) ، وقوله : ( قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ) ، إلى غير ذلك من الآيات. اه ("أضواء البيان" (2/86– 88)) . 

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

اطلبوا إليه ، الوسيلة مفعول ابتغوا يعني اطلبوا الوسيلة إليه ، والوسيلة هي التقرب إلى الله كما فسرها كثير من المفسرين بأن معناها ابتغوا القربة إليه يعني اطلبوا ما يقربكم إليه ، فإذا كان الله أمرنا أن نطلب ما يقربنا إليه فالذي يقربنا إليه هو امتثال أمره واجتناب نهيه طلبا بالقرب (( وابتغوا إليه الوسيلة )) 

وليست الوسيلة ما هو معروف عند المتأخرين بأن يتخذ الإنسان وسائل بدعاء أو نحو ذلك لا، المراد ابتغوا التقرب إليه ، لكن بعض المنحرفين قال المراد بالوسيلة الولي أو النبي أو جاه النبي أو جاه الولي، وهذا لا . 

وإنما الوسيلة الشيء الموصل إلى الله وإلى التقرب إلى الله عزوجل ، مثال ذلك الصلاة تقرب إلى الله وأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، ولا يوجد هذا الوصف وهو القرب من الله على هذا الوجه إلا بالصلاة ، الإنسان يتصدق يتقرب إلى الله بالصدقة ، يصوم يتقرب إلى الله بالصيام ، يحج يتقرب إلى الله بالحج لكن لا يجد مثل الصلاة ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) فهو أقرب إلى الله ممن وقف بعرفة أو على صفا أو على مرة أو يطوف بالبيت . انتهى من (تفسير سورة المائدة-(12))

قال ابن تيمية رحمه الله :

فابتغاء الوسيلة إلى الله إنَّما يكون لمن توسَّل إلى الله بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتِّباعه، وهذا التوسُّل بالإيمان به وطاعته فرضٌ على كل أحد باطنًا وظاهرًا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته، في مشهده ومغيبه، لا يَسقط التوسل بالإيمان به وبطاعتِه عن أحدٍ من الخلق في حال من الأحوال .

وقال أيضا رحمه الله :

 أما التوسل بالنبى بمعنى الإقسام على الله بذاته، والسؤال بذاته صلى الله عليه وسلم، فهذا الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوِه؛ لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يُعرف هذا من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما يُنقل شيءٌ من ذلك في أحاديثَ ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عمَّن ليس قوله حجة،

 وهذا الذي قاله أبو حنيفة وأصحابه : إنه لا يجوز ونهَوا عنه حيث قالوا : لا يُسأل بمخلوق  ولا يقول أحد : أسألك بحق أنبيائك . 

وأما دعاء أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب في الاستسقاء المشهور بين المهاجرين والأنصار، وقوله : " اللهم إنا كنَّا إذا أجدَبنا نتوسَّل إليك بنبيِّنا فتَسقينا، وإنا نتوسَّل إليك بعمِّ نبينا ".

 يدلُّ على أن التوسُّل المشروع عندهم هذا التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته إذ لو كان هذا مشروعًا لم يَعدِل عمرُ والمهاجرون والأنصارُ عن السؤال بالرسول إلى السؤال بالعباس.

 وكذلك ثبَت في صحيح مسلم عن ابن عُمر وأنس وغيرهما أنَّهم كانوا إذا أجدَبوا إنما يتوسَّلون بدعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم واستسقائه، لم ينقُل عن أحدٍ منهم أنه كان في حياته صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى بمخلوق، لا به ولا بغيره، لا في استسقاء ولا غيره .

والذي فعله عمرُ فعَل مثله معاوية بحضرةِ مَن معه مِن الصحابة والتابعين، فتوسَّلوا بيزيدَ بن الأسود الجرشي كما توسَّل عمر بالعباس، وكذلك ذكر الفقهاء من أصحاب الشافعيِّ وأحمد وغيرهم أنه يتوسَّل في الاستسقاء بدعاء أهل الخير والصلاح،

 قالوا : وإن كان من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل، اقتداءً بعمر، ولم يقُل أحدٌ من أهل العلم : إنه يَسأل الله تعالى في ذلك لا بنبيٍّ ولا بغير نبي،

 وكذلك من نقل عن مالك أنه جوَّز سؤال الرسول أو غيره بعد موتهم، أو نقل ذلك عن إمام من أئمة المسلمين غير مالك؛ كالشافعي وأحمد وغيرهما - فقد كذَب عليهم، ولكن بعض الجهال يَنقُل هذا عن مالك، ويَستند إلى حكاية مكذوبة عن مالك، ولو كانت صحيحةً لم يكن التوسل الذي فيها هو هذا، بل التوسل بشفاعته يوم القيامة، ولكن مِن الناس مَن يحرِّف نقلَها، وأصلُها ضعيف . اه [مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله تعالى ج1].


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات