">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل يأثم من أخر الصلاة عن أول وقتها دون عذر ثم مات؟


تأخير الصلاة عن أول وقتها لا يأثم المرء به مادام عازما على أدائها في الوقت وإذا مات قبل أن يؤديها فلا إثم عليه لأنه فعل ما يجوز له فعله والموت ليس من فعله فلا يأثم به ولكن بلاشك أن فعل الصلاة فى أول الوقت أولى من تأخيرها.

ومما يدل على ذلك :

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ ، فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ ، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ ، وَصَلَّى بِيَ يَعْنِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ، وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ ، وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ، وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ ، وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ (صحيح أبي داود)

قال ابن قدامة فى كتاب روضة الناظر :

إذا أخَّر الواجبَ الموسعَ فمات في أثناء وقته قبل ضيقه لم يمت عاصيًا لأنه فعل ما أُبيح له فعله لكونه جُوِّز له التأخير.

فإن قيل : إنما جاز له التَّأخير بشرط سلامة العاقبة؟

قلنا : هذا محال؛ فإنَّ العاقبة مستورة عنه .

ولو سألنا فقال : "عليَّ صوم يومٍ فهل يحل لي تأخيره إلى غدٍ؟ " فما جوابه؟

إن قلنا : "نعم" فلم أثم بالتَّأخير؟

وإن قلنا : "لا"، فخلاف الإجماع.

وإن قلنا : إن كان في علم الله أنَّك تموت قبل غدٍ لم يحل وإلا فهو يحل.

فيقول : وما يُدريني ما في علم الله؟! فلا بدَّ من الجزم بجوابٍ.

فإذًا معنى الوجوب وتحقيقه : أنه لا يجوز له التأخير إلا بشرط العزم، ولا يُؤخر إلا إلى وقتٍ يغلب على ظنِّه البقاء إليه . انتهى

قال الشيخ ابن باز معقبا على ذلك :

هذا الذي قاله المؤلفُ صحيح فإنَّ الوقت الموسّع إذا أخَّر صاحبه فيه العبادة ما يكون آثمًا، فلو مات ما يكون آثمًا، 

لو مات في أثناء وقت الظهر قبل أن يُصلي الظهر فلا شيءَ عليه، أو مات في أثناء العصر قبل أن يُصلي لا شيءَ عليه، أو مات في أثناء المغرب قبل أن يُصلي لا شيء عليه؛ 

لأنَّ الوقت مُوسّع، ليس عليه أن يُبادر بها من أول الوقت، هذا من فوائد التَّوسعة، فلو أنه مات في أثناء وقت الظهر أو العصر أو العشاء أو المغرب. قلنا : لا حرجَ عليه . انتهى من (دروس ومحاضرات -روضة الناظر).

فالمكلف إذا مات فى أول الوقت أو وسطه والحال أنه لم يؤد الصلاة لم يمت عاصيا لأن الوقت الموسع يجوز للانسان أن يأتى بالصلاة فى أية حصة شاءها من حصصه سواء كانت من أوله أو وسطه.

قال ابن حجر الهيتمي الشافعي :

 تَجِبُ الصَّلَاةُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا مَا يَسَعُهَا كُلَّهَا بِشُرُوطِهَا، 

وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ أَوَّلِهِ إلَّا إنْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهَا أَثْنَاءَهُ وَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ... وَإِذَا أَخَّرَهَا بِالنِّيَّةِ وَلَمْ يَظُنَّ مَوْتَهُ فِيهِ فَمَاتَ لَمْ يَعْصِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ لِكَوْنِ الْوَقْتِ مَحْدُودًا وَلَمْ يُخْرِجْهَا عَنْهُ . انتهى من "تحفة المحتاج ومعه حاشيتا الشرواني والعبادي" (1/ 431-432، ط. دار إحياء التراث العربي)

وجاء في "شرح المهذب" للنووي (3/58) :

يجوز تأخير الصلاة إلي آخر وقتها بلا خلاف فقد دل الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم على جواز تأخير الصلاة إلي آخر وقتها، 

ولا أعلم أحداً قال بتحريم ذلك إلا إذا خشي مانعاً يمنعه من فعل الصلاة على الوجه الواجب في آخر الوقت فلا يجوز له التأخير حينئذ .اه

قال الشيخ العثيمين رحمه الله :

"الأكمل أن تكون ( الصلاة ) على وقتها المطلوب شرعاً ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله أي العمل أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : " الصلاة على وقتها ". ( رواه البخاري 527 ومسلم 85 ) ولم يقل ( الصلاة في أول وقتها ) ؛ 

وذلك لأن الصلوات منها ما يُسن تقديمه ، ومنها ما يُسن تأخيره ، فصلاة العشاء مثلاً يُسن تأخيرها إلى ثلث الليل ، 

ولهذا لو كانت امرأة في البيت وقالت أيهما أفضل لي ؟ أن أصلي صلاة العشاء من حين أذان العشاء أو أؤخرها إلى ثلث الليل ؟

قلنا : الأفضل أن تؤخرها إلى ثلث الليل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر ذات ليلة حتى قالوا : يا رسول الله رقد النساء والصبيان ، فخرج وصلى بهم وقال : " إن هذا لوقتها لولا أن أشق على أمتي ". فالأفضل للمرأة إذا كانت في بيتها أن تؤخرها .

وكذلك لو فرض أن رجالا‌ً محصورين ، يعني رجالاً معينين في سفر فقالوا : نؤخر صلاة العشاء أم نقدم ؟

فنقول الأفضل أن تؤخروا .

وكذلك لو أن جماعة خرجوا في نزهة وحان وقت العشاء فهل الأفضل أن يقدموا العشاء أو يؤخروها ؟

نقول : الأفضل أن يُؤخروها إلا إذا كان في ذلك مشقة .

وبقية الصلوات الأفضل فيها التقديم إلا لسبب ، فالفجر تُقدم ، والظهر تُقدم ، والعصر تُقدم ، والمغرب تُقدم ، إلا إذا كان هناك سبب .

فمن الأسباب : إذا اشتد الحر فإن الأفضل تأخير صلاة الظهر إلى أن يبرد الوقت ، يعني إلى قرب صلاة العصر ؛ لأنه يبرد الوقت إذا قرب وقت العصر ، فإذا اشتد الحر فإن الأفضل الإبراد لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم "رواه البخاري 537 ومسلم 615 .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقام بلال ليُؤذن فقال : " أبرد " ثم قام ليؤذن ، فقال: "أبرد" ، ثم قام ليؤذن ، فأَذِنَ له . البخاري ( 629 ) ومسلم ( 616 ) .

ومن الأسباب أيضاً : أن يكون في آخر الوقت جماعة لا تحصل في أول الوقت ، فهنا التأخير أفضل ، 

كرجل أدركه الوقت وهو في البر وهو يعلم أنه سيصل إلى البلد ويدرك الجماعة في آخر الوقت فهل الأفضل أن يصلي من حين أن يُدركه الوقت أو أن يؤخر حتى يدرك الجماعة ؟

نقول : إن الأفضل أن تؤخر حتى تُدرك الجماعة ، بل قد نقول بوجوب التأخير هنا تحصيلاً للجماعة. انتهى من ("فتاوى أركان الإسلام" (ص 287)).

وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :

تأخير صلاة الظهر عن أول وقتها إلى الساعة الواحدة بعد الزوال جائز لكن يستحب التعجيل بها أول وقتها .

إلا في شدة الحر فالأفضل تأخيرها حتى تنكسر حرارة الشمس ويخف الحر مع مراعاة أدائها جماعة في المسجد، سواء أخر الجماعة الصلاة أم قدموا ما دامت تؤدى في وقتها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).

ولكن أداؤها في أول الوقت أفضل

 لحديث عبد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قالَ : سألتُ النبيَّ ﷺ أيُّ العمَلِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟ قالَ : « الصلاةُ على وقتِها ». أخرجه البخاري .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
 
... إِنَّ مَنْ صَلَّى فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَمَا أَمرَ فَقَدْ فَعَلَ الْوَاجِبَ، وَبِذَلِكَ يَرْضَى اللَّهُ عَنْهُ، 

وَإِنْ كَانَ فِعْلُ الْمُسْتَحِبَّاتِ، وَالْمُسَابَقَةُ إِلَى الطَّاعَاتِ أَبْلَغَ فِي إِرْضَاءِ اللَّهِ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، وَمَحَبَّتِهِ مَا لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْوَاجِبَاتِ كما قال موسى : { وعجلت إليك رب لترضى }.. انتهى من "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح".


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات