نزول القرآن الكريم هو حدث عظيم في تاريخ الإسلام، وقد نزل على مرحلتين :
الأولى : نزوله جملة واحدة إلى السماء الدنيا، والثانية : نزوله مفرقًا على النبي محمد ﷺ.
▣ في هذا المنشور، سنستعرض الحكمة من نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، مع توضيح الأدلة الشرعية وآراء العلماء.
▣▣ السر في إنزال القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا:
1- تفخيم أمر القرآن وأمر النبي ﷺ.
نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا كان لتكريم القرآن وتفخيم شأنه، وكذلك لتكريم النبي ﷺ.
◄ هذا النزول الجملة الواحدة أعلن لسكان السموات السبع أن هذا الكتاب هو آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل، وأنه سيُنزل على أشرف الأمم.
2- إعلام الملائكة بقدسية القرآن.
نزول القرآن إلى السماء الدنيا كان أيضًا لإعلام الملائكة بقدسية هذا الكتاب وشرفه.
◄ السماء الدنيا هي مكان مشترك بين الملائكة والبشر، مما يجعلها مكانًا مناسبًا لبدء نزول القرآن.
3- التدرج في نزول القرآن.
نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا كان تمهيدًا لنزوله مفرقًا على النبي ﷺ.
◄ هذا التدرج في النزول كان لحكمة إلهية، حيث نزل القرآن مفرقًا بحسب الوقائع والأحداث لتثبيت قلب النبي ﷺ ولتوجيه المسلمين.
ينظر: ( الإتقان في علوم القرآن ١/١١٦ وما بعدها، مباحث في علوم القرآن، ص١٠٠ فما بعدها، المدخل في علوم القرآن ص٥٨، فما بعدها ).
** قال الحافظ ابن حجر- في "فتح الباري":
قد أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع : أن النبي ﷺ قال :
(أنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، والزبور لثمان عشرة خلت منه، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه).
قال : وهذا الحديث مطابق، لقوله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾. [البقرة: 185]، ولقوله : ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾. [القدر: 1]،
◄ فيحتمل أن يكون ليلة القدر في تلك السنة كانت الليلة، فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أولُ : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾. [العلق: 1]. انتهى.
▣▣ الحكمة من نزول القرآن منجمًا (مفرقًا):
▣ تثبيت قلب النبي ﷺ : نزول القرآن مفرقًا كان لتثبيت قلب النبي ﷺ في المواقف الصعبة.
▣ التدرج في التشريع : نزول القرآن تدريجيًا ساعد على تيسير فهمه وتطبيقه على المسلمين.
▣ الإستجابة للأحداث : نزول القرآن بحسب الوقائع ساعد على توجيه المسلمين في مختلف المواقف. ينظر: (الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج (١)).
** قال العلامة السيوطي رحمه الله :
قال أبو شامة أيضًا : فإن قيل : ما السر في نزوله منجمًا؟ وهلا نزل كسائر الكتب جملة؟!
قلنا : هذا سؤال قد تولى الله جوابه؛ فقال تعالى : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾. [الفرقان: 32]، يعنون : كما أنزل على مَن قبله من الرسل،
فأجابهم تعالى بقوله : ﴿ كَذَلِكَ ﴾. [الفرقان: 32]؛ أي : أنزلناه كذلك مفرَّقًا؛ ﴿ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ). [الفرقان: 32]؛ أي :
لنقوي به قلبك؛ فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة، كان أقوى بالقلب، وأشد عناية بالمرسل إليه،
ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه، وتجدد العهد به، وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة؛
ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان؛ لكثرة لقياه جبريل. ينظر: (الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج (١)).
▣▣ آخر ما نزل من القرآن :
تعددت آراء أهل العلم حول آخر آية نزلت من القرآن الكريم، واختلفوا في ذلك على أقوال متباينة، حيث اجتهد كل منهم وفق ما ظهر له.
◄ ولم يرد في هذا الأمر نص صريح عن النبي ﷺ يُمكن الجزم به.
◄ ومع ذلك، ذهب جمهور العلماء إلى أن آخر آية نزلت هي قوله تعالى : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ".
- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : أصحّ الْأَقْوَالِ فِي آخِرِيَّةِ الْآيَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ). ينظر: "فتح الباري" (8/ 317) .
** قال أبو بكر الباقلاني رحمه الله :
اختلفت الصحابةُ ومَن بعدَهم في آخرِ ما أُنزل من القرآن ... وليس في شيءٍ من الرواياتِ ما رُفع إلى النبي عليه السلام ،
وإنّما هو خَبَر عن القائل به ، وقد يجوزُ أن يكونَ قالَ بضربٍ من الاجتهاد ، وتغليبِ الظنِّ وبظاهرِ الحال...
وقد يَحتمِلُ أن يكونَ كلُ قائلٍ ممن ذكرنا يقولُ إن ما حكمَ بأنَّ ما ذكره آخرُ ما نزل لأجل أنّه آخرُ ما سمعه مِن رسولِ الله ﷺ .. وقد سمع منه غيرُه شيئاً نزل بعدَ ذلك ... ينظر : "الانتصار للقرآن" (1/ 243-247) .
▣▣ الخلاصة :
* إذًا، الحكمة من نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ثم مفرقًا إلى الأرض هي إظهارعظمة هذا الكتاب الخاتم،
* وتشريف النبي محمد ﷺ، وتثبيت فؤاده مع كل واقعة.
* وهذا مما يزيد القرآن إعجازًا وتأثيرًا في القلوب.
والله اعلم
▣ هل لديك أفكار أو تساؤلات حول هذا الموضوع؟ شاركنا رأيك في التعليقات!.
اقرأ أيضا :
تعليقات
إرسال تعليق