** إِنَّ تدبر القرآن هو التأمُّلُ لفهم المعنى، والتوصُّلُ إلى معرفةِ مقاصدِ الآياتِ وأهدافها، وما ترمي إليه من المعاني والحِكَمِ والأحكام،
وذلك بقصد الإنتفاع بما فيها من العلم والإيمان، والإهتداء بها والإمتثال بما تدعو إليه.
** كيفية تدبر القرآن الكريم:
مما يعين على تدبر القرآن :
1- الإطلاع على ما ورد في تفسير الآية والعودة إلى فهم السلف للآية وتدبرهم لها وتعاملهم معها.
2 - التفاعل مع الآيات بالسؤال والتعوذ والاستغفار ونحوِهِ عند مناسبة ذلك،
فذلك يعين على حضور القلب عند التلاوة.
وهكذا كان هدي النبي عليه الصلاة والسلام، فقد وصف حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه : ( يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ). رواه مسلم.
فالمؤمن عندما يمر على آيات الوعيد يخاف أن يكون داخلا فيها، ويسأل الله السلامة من ذلك، وعند ذكر المغفرة والرحمة يستبشر ويفرح ويسأل الله أن يكون من أهل ذلك.
وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه تتملكه المحبة لله والهيبة له والخضوع لجلاله وعظمته.
3 - تكرار الآية وترديدها والعودة المتجددة للآيات،
فذلك له أثر عظيم في حضور القلب وقد ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف من بعده.
فعن أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام باية يرددها حتى أصبح وهي قوله تعالى : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ). (صحيح النسائى).
وعن الحسن : أنه ردد في ليلة حتى أصبح قول الله تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)، فقيل له في ذلك؟
فقال : إن فيها معتبرا، مانرفع طرفا ولا نرده إلا وقع على نعمة، وما لا نعلمه من نعم الله أكثر ).
وقرأ عامر بن عبد قيس : في ليلة سورة غافر، فلما انتهى إلى هذه الاية: ( وأنذرهم يوم الازفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين )، لم يزل يرددها حتى أصبح .
وعن مسروق : (قال لي رجل من مكة : هذا مقام أخيك تميم الداري ، صلى ليلة حتى أصبح أو كاد ، يقرأ آية يرددها ، ويبكي (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أنجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات). (الجاثية- (20)). ينظر: ( سير أعلام النبلاء 2/425).
4 - مما يعين على تدبُّر القرآن، والتَّأمُّل في آياته ومواعظه وعبره، قراءته فى صلاةُ اللَّيل ،
وفي ذلك يقول المولى تبارك وتعالى : ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾. [المزمل: 6].
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال : « وقولُه : ﴿ وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ : هُوَ أَجْدَرُ أَنْ يَفْقَهَ في القُرآنِ ».[«صحيح سنن أبي داود»]؛
« لأنَّ قيام اللَّيل أصوبُ قراءة، وأصحُّ قولاً من النَّهار؛ لسكوت الأصوات في اللَّيل، فيتدبَّر في معاني القرآن ». ينظر: ([عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/ 133)).
- قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
والقرآن الحكيم في الحقيقة إذا تأمله الإنسان يزداد ـ سبحان الله ـ بصيرة وعلما ونورا،
لكن يحتاج إلي قيد أشار إليه شيخ الإسلام رحمه الله فقال في العقيدة الواسطية وما أدراكها من عقيدة ! قال :
" من تدبر القرآن طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق " فجعل الشرطين : التدبر وحسن القصد طالبا الهدى منه، يعني لا طالبا الغلبة أن يكون يغلب غيره مثلا،
أو طالبا للهوى لعله يجد في القرآن ما يؤيد قوله، فهذا قد يحرم والعياذ بالله،
لكن من تدبره طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق ووجد فيه من العلوم والمعارف وإصلاح القلوب ما لا يستطيع الإنسان أن يصف ـ
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله.آمين. اللهم صل على محمد. ينظر: (تفسير سورة البقرة-(02)).
** ختاماً :
تدبر القرآن الكريم هو مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة.
وهو رحلة مستمرة لا تنتهي، كلما تدبر المسلم القرآن وجد فيه كنوزًا جديدة، فليجعل كل مسلم القرآن الكريم مصباحًا يهديه في حياته.
تعليقات
إرسال تعليق