قراءة القرآن بالترتيل مع تدبر معانيه أفضل وأرفع قدراً من كثرة القراءة من غير تدبر،
لأن هذا هدي النبي ﷺ فى قراءة القرآن فمن فاته تدبر القرآن فقد فاته أجر عظيم ونفع كبير،
فالمؤمن العاقل المحب لله ورسوله تلاوة القران وتفهمه عنده ألذ الأشياء وأنفعها لقلبه .
** فقد أنزل الله تعالى كتابه هاديا لطريق السداد وكافيا لمصالح العباد، فكلما ازداد العبد تأملاً فيه ازداد علماً وعملاً و بصيرة .
ومن أدلة ذلك :
1 - قال تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكرا أولو الألباب ). [صّ:29].
وفي هذا دليل على وجوب معرفة معاني القرآن ودليل على أن الترتيل أفضل من الهذ إذ لا يصح التدبر مع الهذ.
- قال الشيخ السعدى رحمه الله :
{ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } أي : هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره،
وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود. ينظر: (تفسير السعدي سورة ((ص 29 ))).
2 - قوله تعالى : ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾. [محمد: 24].
يدل على أن تدبر القرآن وتفهمه وتعلمه والعمل به : أمر لا بد منه للمسلمين، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المشتغلين بذلك هم خير الناس،
كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال : ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) ،
وقال تعالى : ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. [آل عمران: 79]. يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/256، 257).
- ويقول العلامة ابنُ هبيرة رحمه الله : مِن مكايد الشيطان : تنفيرُه عبادَ الله من تدبر القرآن؛ لعلمه أن الهدى واقعٌ عند التدبُّر،
فيقول : هذه مُخاطَرة، حتى يقولَ الإنسان : أنا لا أتكلَّم في القرآن؛ تورُّعًا. انتهى من [ذيل طبقات الحنابلة؛ لابن رجب، 1/ 111].
- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
وهذا يوجب للمؤمن اللجأ إلى الله، والضراعة إليه، وأن يفتح على قلبه، وأن يزيل عنه قفله، وأن يشرح صدره للحق حتى يفهم كتاب الله،
وحتى يعقله، وحتى يوفقه للتدبر والتعقل، هذا كتاب عظيم فيه الهدى والنور، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ.[ص:29].
وفي هذه الآية يحذرهم من الغفلة، ويقول : "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" ففيه الحث على تدبره وتعقله والحذر من مشابهة الغافلين المقفلة قلوبهم. انتهى من (شروح الكتب تفسير القرآن العظيم (ابن كثير).
3 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ( يقطع قراءته آية آية )( الحمدلله رب العالمين ) ثم يقف ( الرحمن الرحيم ) ثم يقف. (صحيح الجامع).
- قال ابن القيم رحمه الله :
... والصواب في المسألة أن يقال :
إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا وثواب كثرة القراءة أكثر عددا :
فالأول : كمن تصدق بجوهرة عظيمة ، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا .
والثاني : كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم ، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة .
وفي " صحيح البخاري " عن قتادة قال : سألت أنسا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( كان يمد مدا ) .
وقال شعبة : حدثنا أبو جمرة ، قال : قلت لابن عباس : إني رجل سريع القراءة ، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين ،
فقال ابن عباس : لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل ، فإن كنت فاعلا ولا بد فاقرأ قراءة تسمع أذنيك ، ويعيها قلبك .
وقال إبراهيم : قرأ علقمة على ابن مسعود - وكان حسن الصوت – فقال : رتل فداك أبي وأمي ، فإنه زين القرآن .
وقال ابن مسعود : لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر ، ولا تنثروه نثر الدقل ، وقفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
- والهذّ : سرعة القراءة ، والدَّقَل : رديء التمر -.
وقال عبد الله أيضا : إذا سمعت الله يقول : ( يأيها الذين آمنوا ) فأصغ لها سمعك ، فإنه خير تؤمر به ، أو شر تصرف عنه. ينظر: (" زاد المعاد " (1/337-340)).
** ختاما :
إذا شرع المسلم في القراءة فليكن شأنه التدبر،
وليحذر أن يكون مثل بعض الهمج يقرأ القران وعيونه تجول فيما حوله من المخلوقات يتلاعب بالقران ولا يهتم له،
قال تعالى : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا اياته }، وقال تعالى في معرض الإنكار: { أفلا يتدبرون القران أم على قلوب أقفالها } .
والله اعلم
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق