">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع ال

اكتشف معنى الإيثار في قوله {ويؤثرون على أنفسهم}


الإيثار خلق عظيم من أخلاق الإسلام، يتمثل في تقديم مصلحة الآخرين على النفس، خاصة في أمور الدنيا، حتى وإن كان الإنسان نفسه في حاجة.

* وقد أشاد الله سبحانه وتعالى بهذا الخلق في قوله تعالى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }. [الحشر: 9]، 

حيث يصف الله حال الأنصار الذين قدموا المهاجرين على أنفسهم في خيراتهم وأموالهم رغم احتياجهم لها.

** معنى الإيثار في الآية :

الإيثار في اللغة : يعني التقديم والاختيار، وفي الشرع : يُقصد به تقديم مصلحة الغير على النفس.

والإيثار المحمود الذي أثنى الله على فاعله : هو الإيثار بالدنيا لا بالوقت والدين وما يعود بصلاح القلب .

* فالإيثار المذكور في الآية : هو في الطعام والشراب ونحو ذلك فى الأمور الدنياوية، وهو إيثار مستحب، وذلك أن تؤثر غيرك على نفسك في أمر غير تعبُّدي.

* كلمة "خصاصة" في الآية تعني الحاجة الشديدة والفقر، وهو ما يبرز عظمة إيثار الأنصار، 

فقد قدموا المهاجرين على أنفسهم حتى في أشد حالات حاجتهم، وهذا يعكس عمق محبتهم لله ورسوله، وتجردهم من حب الدنيا.

* إذن الإيثار في أمور الدنيا هو من مكارم الأخلاق التي حث عليها الإسلام، ويمدح فاعلها، قال تعالى : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}. [الإنسان: 8].

** سبب نزول هذه الآية :

عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه : أنَّ رَجُلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبَعَث إلى نسائِه فقُلْنَ : ما مَعَنا إلَّا الماءُ!

فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : مَن يَضُمُّ أو يُضيفُ هذا؟ 

فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ : أنا، فانطلَقَ به إلى امرأتِه، فقال : أكرِمي ضَيفَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت : ما عِندَنا إلَّا قوتُ صِبياني، 

فقال : هَيِّئِي طعامَكِ، وأَصْبِحي (أوقِدِيه) سِراجَكِ، ونَوِّمي صِبيانَكِ إذا أرادوا عَشاءً، فهَيَّأَت طَعامَها، وأصبَحَت سِراجَها، ونوَّمَت صِبيانَها،

ثمَّ قامت كأنَّها تُصلِحُ سِراجَها فأطفَأَتْه! فجعَلَا يُرِيانِه أنَّهما يأكُلانِ، فباتا طاوِيَينِ (بغَيرِ عَشاءٍ) !

 فلمَّا أصبَحَ غَدَا إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال : ضَحِكَ اللهُ اللَّيلةَ، أو عَجِبَ مِن فِعالِكما!

فأنزَلَ اللهُ : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. (رواه البخاريُّ (3798) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (2054)).

** أقوال أهل التفسير :

قال الإمام الطَّبري رحمه الله :

يقول تعالى ذكره : وهو يصفُ الأنصار : وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قبل المهاجرين، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ. 

يقول : ويعطون المهاجرين أموالهم إيثَارًا لهم بِها على أنفسهم وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.

 يقول : ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثَرُوا به مِن أموالهم على أنفسهم . ينظر : [317] ((جامع البيان)) (22/527).

وقال العلامة السعدي رحمه الله :

 الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، 

وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها، 

ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حين آثر ضيفه بطعامه وطعام أهله وأولاده وباتوا جياعا. ينظر: ( تفسير السعدى).

*الإيثار في الدنيا والقربات:

الإيثار محمود في أمور الدنيا كالطعام والشراب، ولكنه لا يكون في القربات والعبادات التي تُعد وسائل للتقرب إلى الله. 

فالإنسان مأمور بأن يسارع في الخيرات ويتنافس في الطاعات لنيل رضا الله، كما قال تعالى : {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}. [البقرة: 148].

** الدروس المستفادة من الآية :

1- الإيثار دليل على قوة الإيمان وصفاء القلب.

2- تقديم مصلحة الآخرين على النفس يعكس روح التعاون والمحبة في المجتمع.

3- الإسلام دين يحث على التكافل الاجتماعي، ولكن دون التفريط في أمور الدين والعبادة.

4- التوازن بين الحقوق الشخصية وحقوق الآخرين هو جوهر السلوك الإسلامي.

** خاتمة :

الإيثار من أعظم الأخلاق التي يمكن أن يتحلى بها المسلم، فهو تجسيد عملي للإيمان الحقيقي والروح الإنسانية.

تأمل معنى قوله تعالى : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ} يُبرز لنا قيمة العطاء والتضحية، ويرشدنا إلى كيفية بناء مجتمع متراحم متكافل،

يُقدم فيه الفرد مصلحة الجماعة على مصلحته الشخصية، ابتغاء وجه الله وطلبًا لرضاه.



والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات