الإيثار فى العبادة أو بالقُرب
هو أن يقدم المسلم
أخاه في أمر من الأمور الدينية
التي تقرب إلى الله تعالى
وهذا لا يجوز.
والدليل:
ما رواه البخاري بإسناده عن سهل بن سعد رضي الله عنه:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه – وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ – فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحداً. قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده".
قال الإمام النووي :
وقد نص أصحابنا وغيرهم من العلماء على أنه لا يؤثر في القرب، وإنما الإيثار المحمود ما كان في حظوط النفس دون الطاعات قالوا: فيكره أن يؤثر غيره بموضعه من الصف الأول وكذلك نظائره.اه
(شرح النووي على مسلم (13/201))
قال السيوطي
فى الاشباه والنظائر:
القاعدة الثالثة:
الإيثار في القرب مكروه وفي غيرها محبوب قال تعالى: { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } .
قال الشيخ عز الدين :
لا إيثار في القربات ، فلا إيثار بماء الطهارة ولا بستر العورة ولا بالصف الأول لأن الغرض بالعبادات : التعظيم ، والإجلال . فمن آثر به ، فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه .
وقال الإمام :
لو دخل الوقت ومعه ماء يتوضأ به فوهبه لغيره ليتوضأ به لم يجز لا أعرف فيه خلافا
لأن الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس لا فيما يتعلق بالقرب ، والعبادات .
وقال في شرح المهذب في باب الجمعة :
لا يقام أحد من مجلسه ليجلس في موضعه فإن قام باختياره ، لم يكره فإن انتقل إلى أبعد من الإمام كره . قال أصحابنا : لأنه آثر بالقربة .
وقال الشيخ أبو محمد في الفروق :
من دخل عليه وقت الصلاة ومعه ما يكفيه لطهارته وهناك من يحتاجه للطهارة لم يجز له الإيثار .
ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام لاستبقاء مهجته كان له ذلك وإن خاف فوات مهجته.
والفرق : أن الحق في الطهارة لله فلا يسوغ فيه الإيثار والحق في حال المخمصة لنفسه . وقد علم أن المهجتين على شرف التلف إلا واحدة تستدرك بذلك الطعام فحسن إيثار غيره على نفسه . اه
قال العلامة الألبانى رحمه الله:
مثال:
ترك مكان في الصف الاول
لكبير في السن إيثارا
هذا التزاحم على التقدم في الصفوف كما رأيت أخانا أبا عبد الله هذا يذكرني بأن كثيرا من إخوانه عندهم أنانية لكن ترى هذه الأنانية مشروعة أو غير مشروعة هذا الذي ينبغي لفت النظر إليه عندهم أنانية في الخير فهم لا يطبقون ظاهر وأعني ما أقول لا يطبقون ظاهر قوله تعالى :(( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )).. فترى خصاصة ظاهر هذه الآية يعمل بها كثير من الناس وليس هذا الظاهر بمراد منها
لأن الإيثار ينقسم إلى قسمين :
1- إيثار في العبادة وفي الطاعة
2- وإيثار في أمور الدنيا
فالإيثار المذكور في الآية هو في أمور الدنيا في الطعام والشراب ونحو ذلك.
أما في العبادة والطاعة فالعكس من ظاهر الآية لا يشرع في ذلك الإيثار. وهذا كثيرا ما يقع في الصف الأول والثاني في الصلاة فتجد الرجل في الصف الأول فينظر خلفه فيجد مثلا رجلا أكبر سنا منه فيتأخر ويقدمه لا لأنه ممن عناهم قوله عليه الصلاة والسلام: ( لِيَلَني منكم أولو الأحلام والنُّهى ). وإنما لأنه كبير السن صاحبه صديقه فيؤثره بفضل الصف الأول هذا خطأ وعلى ذلك فقس. فالإيثار في الطاعات والعبادات هذا مكروه شرعا
أما الإيثار المذكور في الآية السابقة فهو في الطعام والشراب ونحو ذلك ما الأمور العاديات وهذا ما أردت التذكير بهذه في تلك المناسبة. ولذلك نستطيع أن نقول في ذلك فليتنافس المتنافسون .اه
(سلسلة الهدى والنور للعلامة الالبانى رحمه الله (0833))
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله
أن الإيثار بالقُرَب على نوعين:
النوع الأول:
القُرَب الواجبة:
فهذه لا يجوز الإيثار بها،
ومثاله:
رجل معه ماء يكفي لوضوء رجل واحد فقط وهو على غير وضوء، وصاحبه الذي معه على غير وضوء ففي هذه الحال لا يجوز أن يؤثر صاحبه بهذا الماء؛ لأنه يكون قد ترك واجباً عليه وهو الطهارة بالماء فالإيثار في الواجب حرام.
وأما الإيثار بالمستحب:
فالأصل فيه أنه لا ينبغي بل صرح بعض العلماء بالكراهة،وقالوا: إن إيثاره بالقُرَب يفيد أنه في رغبةٍ عن هذه القُرَب لكن الصحيح أن الأولى عدم الإيثار، وإذا اقتضت المصلحة أن يؤثر فلا بأس
مثل:
أن يكون أبوه في الصف الثاني وهو في الصف الأول ويعرف أن أباه من الرجال الذين يكون في نفوسهم شيءٌ إذا لم يقدمهم الولد،فهنا نقول: الأفضل أن تقدم والدك،
أما إذا كان من الآباء الطيبين الذين لا تهمهم مثل هذه الأمور فالأفضل أن يبقى في مكانه،ولو كان والده في الصف الثاني، وكذلك بالنسبة للعالم .اه
( لقاءات الباب المفتوح 35/22).
إذن
الإيثار ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: وهو الممنوع:
وهو أن تؤثر غيرك بما يجب عليك شرعا، فإنه لا يجوز أن تقدم غيرك فيما يجب عليك شرعا... فالإيثار في الواجبات الشرعية حرام، ولا يحل لأنه يستلزم إسقاط الواجب عليك.
- القسم الثاني: وهو المكروه أو المباح:
فهو الإيثار في الأمور المستحبة، وقد كرهه بعض أهل العلم، وأباحه بعضهم، لكن تــركه أولى لا شك إلا لمصلحة.
- القسم الثالث: وهو المباح:
وهذا المباح قد يكون مستحبا، وذلك أن تؤثر غيرك في أمر غير تعبدي أي تؤثر غيرك، وتقدمه على نفسك في أمر غير تعبدي. اه
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/416-417).
وأما معنى قوله تعالى:
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾.
[الحشر: 9]
يقول الواحدي في سبب نزول هذه الآية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد، فأرسَلَ إلى نسائه، فلم يجد عندهن شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا رجل يضيف هذا الليلةَ رحمه الله؟))، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله، فقال لامرأته: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدخريه شيئًا، فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوِّميهم، وتعالَيْ فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلتْ، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد عجب الله عز وجل - أو ضحك - من فلان وفلانة، وأنزل الله تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾. [الحشر: 9].(رواه البخاري، ومسلم). [ابن كثير في التفسير، ج4 ص 338، وأسباب النزول للواحدي ص 192، ط الحلبي.].
وقال الإمام الطَّبري:
(يقول تعالى ذكره: وهو يصفُ الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قبل المهاجرين، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثَارًا لهم بِها على أنفسهم وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ يقول: ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثَرُوا به مِن أموالهم على أنفسهم). [317] ((جامع البيان)) (22/527)
وقال العلامة السعدى:
الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حين آثر ضيفه بطعامه وطعام أهله وأولاده وباتوا جياعا. انتهى. (من تفسير السعدى)
فالإيثار المذكور في الآية هو في الطعام والشراب ونحو ذلك فى الأمور الدنياوية وهو إيثار مستحب وذلك أن تؤثر غيرك على نفسك في أمر غير تعبُّدي.
والله اعلم
وللفائدة..
أعمال تزيد فى حسناتك
تعليقات
إرسال تعليق