">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل قصة العتبي والأعرابي صحيحة فى التوسل بالنبي؟


قصة العتبي والأعرابي التي ذكرها بعضهم للإحتجاج بها فى التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم عند تفسير قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ..}. هى قصة واهية لا يصح سندها ولا يحتج بها ولم يصححها أو يحسنها أحد من أهل العلم.


لذلك يذكرونها بصيغة التمريض ، فيقولون : يروى عن العتبي كذا ، ومثل هذا لا يجوز الاحتجاج به عند أهل العلم فالحكـــــــاية باطلة من الأساس.

وأما ذكر ابن كثير لقصة العتبي والأعرابي في تفسيره لا يعني احتجاجه بها وإنما ذلك من جنس ما يذكره من الإسرائيليات والأخبار المنقطعة التي جرت عادة أهل العلم بنقلها وروايتها لمناسبتها للباب

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وأيضًا فإن طلب شفاعته ودعائه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعًا عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء،

وإنما ذكر هذا بعض المتأخرين : ذكروا حكاية عن العتبي أنه رأى أعرابيّا أتى قبره وقرأ هذه الآية : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما.(النساء: (64))، وأنه رأى في المنام أن الله قد غفر له،

وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين، الذين يفتي الناس بأقوالهم، ومن ذكرها لم يذكر عليها دليلاً شرعيًا،

ومعلوم أنه لو كان طلبُ دعائه وشفاعته واستغفاره عند قبره مشروعًا لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان أعلم بذلك وأسبق إليه من غيرهم، ولكان أئمة المسلمين يذكرون ذلك،

وما أحسن ما قال مالك : " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها "قال : ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، فمثل هذا الإمام - يقصد العتبي - كيف يشرع دينًا لم ينقل عن أحد من السلف،

ويأمر الأمة أن يطلبوا الدعاء والشفاعة والاستغفار - بعد موت الأنبياء والصالحين - منهم عند قبورهم وهو أمر لم يفعله أحد من سلف الأمة؟. انتهى من ("مجموع الفتاوى" (1-241)).

وقال الحافظ أبو محمد بن عبد الهادي رحمه الله :

" وهذه الحكاية التي ذكرها بعضهم يرويها عن العتبي ، بلا إسناد ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني ، عن الأعرابي ،

وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم ، عن محمد بن روح بن يزيد بن البصري ، حدثني أبو حرب الهلالي قال : حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر،

ثم ذكر نحو ما تقدم ، وقد وضع لها بعض الكذابين إسناداً إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما سيأتي ذكره.

وفي الجملة : ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة ، وإسنادها مظلم مختلق ، ولفظها مختلق أيضاً،

ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض ، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق ". انتهى من "الصارم المنكي في الرد على السبكي" (338) ط الأنصاري.

وقال أيضا رحمه الله في (ص323) :

وأما حكاية العتبي التي أشار إليها فإنها حكاية ذكرها بعض الفقهاء والمحدثين وليست بصحيحة ولا ثابتة إلى العتبي ، وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم كما بينا ذلك فيما تقدم،

وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعًا أو مندوبًا لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم وبالله التوفيق . انتهى.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

( تنبيه ) : أورد البيهقي هنا في " الشعب " ( 2 / 1 / 82 / 2 ) بإسناده عن أبي يزيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري : حدثني أيوب الهلالي قال :

" حج أعرابي، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

بأبي أنت و أمي يا رسول الله ! جئتك مثقلا بالذنوب و الخطايا، أستشفع بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه : *( و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما )*.. ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول :

يا خير من دفنت في الترب أعظمه فطاب من طيبهن القاع و الأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف و فيه الجود و الكرم.

قلت : وهذا إسناد ضعيف مظلم، لم أعرف أيوب الهلالي و لا من دونه. و أبو يزيد الرقاشي، أورده الذهبي في " المقتنى في سرد الكنى " ( 2 / 155 ) و لم يسمه، و أشار إلى أنه لا يعرف بقوله : " حكى شيئا ". وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية.

وهي منكرة ظاهرة النكارة، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية!.

وقد ذكرها - مع الأسف - الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : *( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم.. )* وتلقفها منه كثير من أهل الأهواء و المبتدعة، مثل الشيخ الصابوني ، فذكرها برمتها في " مختصره " ! ( 1 / 410 ) وفيها زيادة في آخرها:

" ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال : يا عتبي ! الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له ".

 وهي في " ابن كثير " غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث، بل علقها على " العتبي "، و هو غير معروف إلا في هذه الحكاية، ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي.

وهي حكاية مستنكرة، بل باطلة، لمخالفتها الكتاب والسنة، ولذلك يلهج بها المبتدعة، لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الشفاعة منه بعد وفاته، وهذا من أبطل الباطل، كما هو معلوم،

وقد تولى بيان ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وبخاصة في " التوسل و الوسيلة "، و قد تعرض لحكاية العتبي هذه بالإنكار، فليراجعه من شاء المزيد من المعرفة و العلم ". انتهى من "السلسلة الصحيحة" (6 /427).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

هذه القصة ذكرها جماعة كما قال المؤلف، ولكنها مثل ما قال أهل العلم، والتحقيق قصة موضوعة لا أصل لها، ولا صحة لها، فهي باطلة،

وهذا الذي ذكره الله جل وعلا إنما هو في حياته ﷺ دعاهم الله ليحضروا إليه، وأن يستغفروا الله ويستغفر لهم عليه الصلاة والسلام .

أما المجيء إلى قبره وسؤاله أن يستغفر لهم أو يستشفع لهم؛ هذا منكر، ولا أصل له، ولا صحة له، 

وهذه الحكاية باطلة موضوعة لا أساس لها، والعتبي لا يحتج به، ولا بسنده، ولا بالسند إليه،

كما نبه على ذلك الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وغيرهم، تكلموا على هذه القصة فهي لا أصل لها، ولا صحة لها.

 والواجب على أهل العلم إذا ذكروا مثل هذه القصة يبينوا بعدها غلطها. انتهى من (موقع الشيخ -تصنيف درر الشيخ).

وسئل الشيخ العباد حفظه الله

 عن معنى قوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ }.

فأجاب :

 الآيات هي في المنافقين، والضمير في قوله : (( وَلَوْ أَنَّهُمْ )) عائد على المنافقين؛ لأن سياق الآيات في المنافقين، يقول الله عز وجل:

{ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا *

وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا *

أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا * وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما }. [النساء:60 - 64]، 

ومعلوم أن هذا إنما هو في حياته صلى الله عليه وسلم، وكونهم يأتون إليه ويتوبون ويطلبون منه أن يستغفر لهم إنما يكون ذلك في حياته عليه الصلاة والسلام،

وأما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فلم ينقل عن أحد من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم أنه جاء إليه عند قبره وطلب منه أن يستغفر له،

وإنما كانوا يأتون إليه في حياته صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا حصل جدب وقحط يطلبون منه الدعاء أن يغيثهم الله فيغيثهم الله،

فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصل الجدب في زمن عمر طلب من العباس أن يدعو وقال : ( اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون ).

فلو كان الأمر جائزاً وأنه لا فرق بين الحياة ولا بين الممات لما تركوا الذهاب إليه ولطلبوا منه كما كانوا يطلبون منه في الحياة، فلما عدلوا عن ذلك وصاروا إلى الطلب من الأحياء،

واختار عمر رضي الله عنه أقرب قريب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عمه العباس بن عبد المطلب وقوله : ( بعم نبينا ) يفيد وجه اختيار العباس وهي عمومته للنبي صلى الله عليه وسلم؛

لأنه ما قال : وإنا نتوسل إليك بـ العباس؛ لأن المقصود هو عمومته للنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته منه .

وكذلك أيضاً جاء في صحيح البخاري في كتاب المرضى : عن عائشة رضي الله عنها قالت ( وا رأساه. قال النبيﷺ : ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك ) يعني :

لو مت قبلي دعوت لك واستغفرت لك، فقوله هذا الكلام يبين بأن دعاءه واستغفاره إنما هو في حال حياته صلى الله عليه وسلم، 

ولو كان ليس هناك فرق بين الحياة والموت لما كان هناك حاجة إلى أن يقول هذا الكلام؛ لأنه سواءً سبقها بالموت أو سبقته بالموت فإنه يستغفر لها،

هذا إذا كان الأمر أنه لا فرق بين الحياة والموت لكنه قال : ( لو كان ذاك وأنا حي دعوت لك واستغفرت لك )وقد عرفنا في الحديث أنه عندما يذاد أناس عن الحوض يقال له : ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ).

أما قصة العتبي التي أوردها ابن كثير ولم يتعقبها بشيء لا يعول عليها لأنها قصة منام، والمنامات ليست بعبرة ولا يعول عليها، هذا لو ثبتت ،فكيف وثبوتها فيه شك وفيه نظر . انتهى من (كتاب شرح سنن أبي داود للعباد).


والله اعلم


اقرأ أيضا..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات