">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

ما صحة قصة العتبي والأعرابي في التوسل بالنبي ﷺ؟


 تُروى قصة مشهورة عن العتبي والأعرابي عند قبر النبي ﷺ للاحتجاج بها في مسألة التوسل بالنبي ﷺ، وقد ذكرها بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى:


{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}. [النساء: 64].

 لكن ما مدى صحة هذه القصة؟

▣▣ القصة باختصار :

▪️ يُروى أن أعرابيًا جاء إلى قبر النبي ﷺ وقرأ الآية السابقة، ثم طلب من النبي ﷺ أن يستغفر له. بعدها، رآه العتبي في المنام، فقيل له : "بشّر الأعرابي أن الله قد غفر له".

▣▣ لماذا لا تصح قصة العتبي والأعرابي؟:

1- لأن هذه الرواية باطلة لا يصح سندها ولا يُحتج بها، ولم يصححها أي من أئمة الحديث.

2- لأن كثير من العلماء يذكرونها بصيغة التمريض: "يُروى عن العتبي..."، مما يدل على ضعفها،وبطلانها عند المحدثين، فلا تصلح للاحتجاج.

3- إيراد ابن كثير لهذه القصة في تفسيره لا يعني تصحيحه لها، بل جاء على سبيل ذكر الأخبار المنقطعة والإسرائيليات التي يوردها العلماء لمناسبتها للباب فقط.

▣▣ أقوال العلماء حول هذه القصة:

★ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وأيضًا فإن طلب شفاعته ودعائه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعًا عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء،

وإنما ذكر هذا بعض المتأخرين : ذكروا حكاية عن العتبي أنه رأى أعرابيّا أتى قبره وقرأ هذه الآية:

ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما.(النساء: (64))، وأنه رأى في المنام أن الله قد غفر له،

وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين، الذين يفتي الناس بأقوالهم، ومن ذكرها لم يذكر عليها دليلاً شرعيًا،

ومعلوم أنه لو كان طلبُ دعائه وشفاعته واستغفاره عند قبره مشروعًا لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان أعلم بذلك وأسبق إليه من غيرهم، ولكان أئمة المسلمين يذكرون ذلك،

وما أحسن ما قال مالك : " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها "قال : ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك،

فمثل هذا الإمام - يقصد العتبي - كيف يشرع دينًا لم ينقل عن أحد من السلف،

ويأمر الأمة أن يطلبوا الدعاء والشفاعة والاستغفار - بعد موت الأنبياء والصالحين - منهم عند قبورهم وهو أمر لم يفعله أحد من سلف الأمة؟. ينظر: ("مجموع الفتاوى" (1-241)).

★ وقال الحافظ أبو محمد بن عبد الهادي رحمه الله :

" وهذه الحكاية التي ذكرها بعضهم يرويها عن العتبي ، بلا إسناد ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني ، عن الأعرابي ،

وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم ، عن محمد بن روح بن يزيد بن البصري ، حدثني أبو حرب الهلالي قال :

حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله ﷺ أناخ راحلته فعقلها ، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر،

ثم ذكر نحو ما تقدم ، وقد وضع لها بعض الكذابين إسناداً إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما سيأتي ذكره.

وفي الجملة: ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة ، وإسنادها مظلم مختلق ، ولفظها مختلق أيضاً،

ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض ، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق ". ينظر: ("الصارم المنكي في الرد على السبكي" (338) ط الأنصاري).

★ وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

( تنبيه ) : أورد البيهقي هنا في " الشعب " ( 2 / 1 / 82 / 2 ) بإسناده عن أبي يزيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري : حدثني أيوب الهلالي قال :

" حج أعرابي، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله ﷺ أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله ﷺ فقال:

بأبي أنت و أمي يا رسول الله ! جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا، أستشفع بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه : ( و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما )*..

ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول : يا خير من دفنت في الترب أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم.

قلت : وهذا إسناد ضعيف مظلم، لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه. وأبو يزيد الرقاشي، أورده الذهبي في " المقتنى في سرد الكنى " ( 2 / 155 ) ولم يسمه، وأشار إلى أنه لا يعرف بقوله : " حكى شيئا ".

وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية، وهي منكرة ظاهرة النكارة، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية!.

وقد ذكرها - مع الأسف - الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : *( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم.. )*

وتلقفها منه كثير من أهل الأهواء و المبتدعة، مثل الشيخ الصابوني ، فذكرها برمتها في " مختصره " ! ( 1 / 410 ) وفيها زيادة في آخرها:

" ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي ﷺ في النوم، فقال : يا عتبي ! الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له ".

 وهي في " ابن كثير " غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث، بل علقها على " العتبي "، وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية، ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي.

وهي حكاية مستنكرة، بل باطلة، لمخالفتها الكتاب والسنة، ولذلك يلهج بها المبتدعة، لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي ﷺ، وطلب الشفاعة منه بعد وفاته، وهذا من أبطل الباطل، كما هو معلوم... ينظر: "السلسلة الصحيحة" (6 /427).

▣▣ لماذا لا يُحتج بقصة العتبي والأعرابي؟

● لم يثبت لها إسناد صحيح، ولا يوجد أثر عن الصحابة أو التابعين في العمل بها.

● لا يعول عليها لأنها قصة منام، والمنامات ليست بعبرة ولا يعول عليها، وهذا لو ثبتت.

● هي مخالفة للأصل الشرعي، إذ إن التوسل بالنبي ﷺ كان في حياته فقط، لا بعد وفاته.

▣▣ الخلاصة :

● قصة العتبي والأعرابي في التوسل بالنبي ﷺ قصة باطلة موضوعة، لا تثبت بسند صحيح ولا يُحتج بها عند أهل العلم.

● وعليه : التوسل المشروع هو بما شرعه الله، لا بما نُقل من روايات ضعيفة لا أصل لها.


والله اعلم

اقرأ أيضا:


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات