القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل يجوز التعامل بالعملات الإلكترونية مثل البتكوين؟


الصحيح إن شاء الله أنه لا يجوز التعامل بهذه العملات الإلكترونية بالبيع والشراء لأنها ما زالت عملات مجهولة المصدر ولا ضامن لها ولأنها شديدة التقلب والمخاطرة ولأنها ليست نقدا ولا أصلا ماليا حقيقيا بل مالا متوهم .

فالعملات الرقمية الإلكترونية إذا لم تتوفر فيها الضوابط الشرعية والمعايير القانونية التي تجعلها عملة يجري عليها حكم التعامل بالعملات المعتبرة دوليا والتي تجعل منها سلعة قابلة للمقايضة بها بسلع أخرى فإنه لا يجوز التعامل بها لما تشتمل عليه من الضرر الناشئ عن الغرر والجهالة في مصرفها ومعيارها كما تعد قمارا لأنه حين يشتري الإنسان البيتكوين – أو إحدى أخواتها - فإن كسبه مبني على الحظ فقد يرتفع السعر جدا أو ينخفض جدا والأصل في العملة الاستقرار والانضباط ولو نسبيا .

وقد حرمها بوضعها الحالي لجنة الإفتاء المصرية، ودار الإفتاء العراقية، والهيئة العامة للشؤون الإسلامية بالإمارات، ودار الإفتاء الفلسطينية، وذلك لأن :

1- قيامهما على عملية خلق النقود :

 فالعملات الرقمية الإلكترونية غير الرسمية قائمة على عملية ( خلق النقود) من لا شيء، وهو الوجه المقابل للربا، وذلك اشترط النبي صلى الله عليه وسلم في عقد الصرف التقابض، وهو وسيلة لمنع عملية خلق النقود؛ كما ورد في الحديث الصحيح : ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد ). 

فالربا تمنعه المماثلة، وخلق النقود يمنعه التقابض، وهناك ارتباط وثيق بين الربا وخلق النقود، وكلاهما محرم في الشريعة بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم. كما أنه يترتب على الربا وخلق النقود من المفاسد ما يضر بالاقتصاد مما جعلهما من المحرمات في المجال الاقتصادي.

2- أنها مال متوهم غير حقيقي :

 إن عملية خلق النقود التي من أهم صورها البيتكوين والعملات المشرفة يتولد عنه مال متوهم ليس حقيقيا، فتتكون الثروة في يد عدد محدود من الذين لهم قدرة على إيجاد البيتكوين والعملات الرقمية المشفرة، مما يغني غنى فاحشا لدى هؤلاء وفقر لدى الطوائف الأخرى، وهو نفس علة تحريم الربا، كما قال تعالى : { كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ }[الحشر: 7].

فإن المتأمل في حرص الشريعة الإسلامية البالغ على التقابض في مجلس العقد، لا سيما إذا ما تبودل مال بمال، ليجد معجزة من معجزات الشريعة الإسلامية؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور الذي يعد أهم حديث في باب الربا : ((  الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد؛ فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد )).

فالتقابض هو الوسيلة الفعالة الصلبة لمنع هذه العملية، أعني : خلق النقود، creation of money  ، والتي تحدث حينما يتبادل الذهب والفضة- وهما اللذان يعدان أساس الأموال، وهما النقدان الوحيدان في الشريعة الإسلامية- من خلال وعود بين المتبادلين، حتى ولو كانت هذه الوعود موثقة على أوراق، أو من خلال تبادل سندات الملكية للذهب أو الفضة، وتلك الوعود الموثقة أو سندات الملكية هي ما عرف بعد ذلك بالأوراق النقدية.

فالربا تمنعه المماثلة، وخلق النقود يمنعه التقابض، كما نص على ذلك الحديث السابق، وهاتان العمليتان- وهما الربا وخلق النقود- مرتبطتان ارتباطا وثيقا بعضهما ببعض، فلا يتحقق التقابض الذي يمنع الربا إلا إذا كان المال حقيقيا، 

فالربا وخلق المال هما أساس خراب الاقتصاد العالمي ومشاكله المتعددة، وأساس اختلال التوازن الذي خلق الله جل وعلا عليه الكون، ووزع الأرزاق؛ فإن الله جل وعلا رزق بعض البلاد بالذهب، وبعضها بغير الذهب، فإذا ما صنع ذهب- أو نقد- من لا شيء، اختل هذا التوازن وهذا العدل الإلهي، وحل مكانه الظلم الذي يمارسه القوي الذي لا يؤمن بالله، ويتمرد على سلطانه : {كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى}. [العلق: 6، 7].

وخلق المال يمنح فرصة لإيجاد مال وهمي ليس له أي غطاء، بل، وكما هو الحال في العملة الإلكترونية المشفرة، يمكن العدد المحدود الذي يمتلك مهارات خلق المال من الحصول على الثروة، وربما احتكارها، ولكونه غير منضبط فهو باب واسع للغش والخداع؛ إذ ليس ثمة مال حقيقي يمكن تقييمه، ومن ثم يمكن التلاعب في أسعاره والتحكم فيها،

وهذه القيمة غير المنضبطة تقفز ارتفاعا وتهوي انخفاضا في وقت يسير، ويحدث بسبب هذا المال غير الحقيقي الشراء المزدوج عدة مرات، فيخلق من هذا المال الوهمي مال وهمي آخر، مهما سنت من قوانين لضبط هذه العملية، فيصبح الاقتصاد العام أو اقتصاد ذلك السوق فقاعة لا تلبث أن تنفجر محدثة دمارا هائلا.

هذه العملة الإلكترونية المشفرة صورة أخرى من صور صناعة المال الذي ليس له أي غطاء، وكما ذكرنا فإنها الآن تصنع من قبل أفراد أو شركات ودول، ولم تعتمد حتى الآن للتعامل الدولي، وقد يتم ذلك قريبا؛ لتحل محل العملة الورقية، وليسا إلا وجهين لعملة واحدة؛ نقد وهمي ليس له غطاء مالي، فضلا عن أن يكون له غطاء من النقدين الحقيقين: الذهب والفضة.

ولذلك تحرم صناعة هذا النقد المعروف بالنقود الإلكترونية المشفرة Cryptocurrency، سواء كان ابتداء، أو من خلال ما يعرف بعمليات التنقيب؛ لأنه إيجاد للمال من لا شيء- كما تقدم. ويحرم كذلك ضخ الأموال لتقويته من خلال تداوله بيعا وشراء.

أما إذا أصبحت هذه العملة بديلا أو رديفا للعملة الورقية، والتزمت الدول أو البنوك المركزية أو الجهات القانونية المصدرة لها، بصرفها بقيمتها من أي أنواع البضائع أو النتاج المحلي، 

كأن يكون لدينا دولار ورقي، أو دولار رقمي، أو عملة أخرى أمريكية رديفة للدولار، مثل أي دولار، لها سعر صرف معين ومحدد، كما هو الحال في الدولار؛ 

فإذا أصبحت تلك العملة بديلا أو رديفا للعملة الورقية، وفرض على دول العالم كله- ومنها الدول الإسلامية- "صكها" كبديل أو رديف للعملة الورقية، وأمكن ضبط سعرها بسعر صرف محدد- مع ارتفاع أو انخفاض يسير، كما هو الحال في العملة الورقية- غير قابل للتذبذبات الكبيرة والسريعة التي تجعلها نوعا من القمار المحرم شرعا؛ وسنت تشريعات كافية لضمان استمرار التعامل بها أولا،

ثم وفق ما تقدم من الشروط ثانيا : فقد يقال عندئذ بإباحة التعامل بها، كما يباح الآن التعامل بالورق النقدي اضطرارا، وتصبح بديلا مشابها له، مع أن أصله- أي : الورق النقدي- بعد فك الارتباط بينه وبين الذهب محرم.

وعلى الدول الإسلامية أن تحاول جاهدة- إذا ما أرادت استقلال اقتصادها، وبسط العدل على الأرض- تجنب بيع ثرواتها بمقابل يدفع من خلال تلك العملات؛ حتى لا يضخ مزيد من القوة فيها، وإنما بيع ثرواتها بذهب أو فضة حقيقين، أو من خلال مقايضة بأموال منقولة .

 وللمزيد انظر : (- حكم التعامل بالعملة الإلكترونية المشفرة : (البتكوين) وأخواتها - د. هيثم بن جواد الحداد).

 فدعْ ما يُريبُكَ إلى مَا لا يُرِيبُكَ.

 ومن اتقي الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.


والله اعلم


اقرأ أيضا..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات