">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل يجوز دفع الرشوة لأخذ الحق ورفع الظلم؟


الأصل تحريم دفع الرشوة بل هي من كبائر الذنوب لما رواه الترمذي بإسناد حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : ( لعن الراشي والمرتشي ) . 

ولكن إذا لم يكن هناك وسيلة مشروعة أخرى ولم يستطع صاحب الحق أخذ حقه أو لا يمكنه دفع الظلم أو الضرر إلا بدفع رشوة فتجوز حينئذ للضرورة ويكون التحريم على الآخذ لها لا المُعطي لأنه يأخذها بغير وجه حق وهي رشوة محرّمة في حقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ ».أخرجه الترمذي. واللعن هو الطرد من رحمة الله .

إذن لا يدخل في اللعن المذكور فى الحديث من رشا ليصل إلى حقه الممنوع عنه إذا اضطر إلى ذلك وأما المرتشي منه ليوصله إلى حقه فهو داخل في اللعن لأنه يأخذ العطاء بلا حق له فيه ليوصل الحق لأصحابه مع أنه مأمور شرعا بإيصال الحقوق لأصحابها .

 إلا إنه ينبغي التنبيه على أنه إذا وجد صاحب الحق سبيلاً إلى أن يوقف هذا المرتشي أو هذا الظالم عند حده بأن يرفع أمره إلى المسئولين حتى يؤدبوه فحينئذٍ لا تعطي له الرشوة وارفع أمره لكي يتم القضاء على هذه المشكلة .

ولا غرابة في تحريم الإسلام للرشوة وتشديده على كل من اشترك فيها فإن شيوعها في مجتمع شيوع للفساد والظلم من حكم بغير الحق أو امتناع عن الحكم بالحق وتقديم من يستحق التأخير وتأخير من يستحق التقديم وقد حرم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة للمسؤول وأعوانه كما حرم على هؤلاء أن يقبلوها إذا بذلت لهم وحظر على غيرهم أن يتوسطوا بين الآخذين والدافعين . قال تعالى : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون. (البقرة: 188).

قال ابن حزم رحمه الله :

 " ولا تحل الرشوة : وهي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل، أو ليولى ولاية، أو ليظلم له إنسان، فهذا يأثم المعطي والآخذ، فأما من منع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطي، وأما الآخذ فآثم " . انتهى من "المحلى" (8/118).

قال القرطبي رحمه الله :

 ( وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له : الرشوة حرام في كل شيء؟ قال : إنما يكره من الرشوة أن ترشي لتعطى ما ليس لك، أو تدفع حقاً قد لزمك. أما أن ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام ).

قال أبو الليث السمر قندي : وبهذا نأخذ. لا بأس بأن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة ، وهذا كما روي عن ابن مسعود أنه كان بالحبشة فرشاً دينارين. وقال : ( إنما الإثم على القابض دون الدافع ). انتهى من (تفسير القرطبي 6/119).

ويقول ابن قدامة في المغني : 

( وإن رشا ليدفع ظلمه ويجزيه على واجبه؛ فقد قال عطاء، وجابر بن زيد والحسن لا بأس أن يصانع عن نفسه . قال جابر بن زيد : ما رأينا في زمن زياد أنفع لنا من الرشا، لأنه يستنقذ ماله كما يستنقذ الرجل أسيره ) . انتهى

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّ مَنْ أَهْدَى هَدِيَّةً لِوَلِيِّ أَمْرٍ لِيَفْعَلَ مَعَهُ مَا لا يَجُوزُ كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمَهْدِيِّ وَالْمُهْدَى إلَيْهِ . وَهَذِهِ مِنْ الرَّشْوَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي ) .

فَأَمَّا إذَا أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً لِيَكُفَّ ظُلْمَهُ عَنْهُ أَوْ لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ الْوَاجِبَ : كَانَتْ هَذِهِ الْهَدِيَّةُ حَرَامًا عَلَى الآخِذِ وَجَازَ لِلدَّافِعِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ كَمَا ، كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( إنِّي لأُعْطِي أَحَدَهُمْ الْعَطِيَّةَ فَيَخْرُجُ بِهَا يَتَأَبَّطُهَا نَارًا . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَ تُعْطِيهِمْ ، قَالَ : يَأْبَوْنَ إلا أَنْ يَسْأَلُونِي ، وَيَأْبَى اللَّهُ لِي الْبُخْلَ ) . وَمِثْلُ ذَلِكَ : إعْطَاءُ مَنْ كَانَ ظَالِمًا لِلنَّاسِ فَإِعْطَاءُه جَائِزٌ لِلْمُعْطِي ، حَرَامٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ .

وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ فِي الشَّفَاعَةِ :

 مِثْلُ أَنْ يَشْفَعَ لِرَجُلِ عِنْدَ وَلِيِّ أَمْرٍ لِيَرْفَعَ عَنْهُ مَظْلِمَةً أَوْ يُوَصِّلَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ يُوَلِّيَهُ وِلَايَةً يَسْتَحِقُّهَا أَوْ يَسْتَخْدِمُهُ فِي الْجُنْدِ الْمُقَاتِلَةِ - وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ - أَوْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْقُرَّاءِ أَوْ النُّسَّاكِ أَوْ غَيْرِهِمْ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ . وَنَحْوَ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ الَّتِي فِيهَا إعَانَةٌ عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكُ مُحَرَّمٍ : فَهَذِهِ أَيْضًا لا يَجُوزُ فِيهَا قَبُولُ الْهَدِيَّةِ

 وَيَجُوزُ لِلْمهْدِي أَنْ يَبْذُلَ فِي ذَلِكَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ أَوْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ . هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَالأَئِمَّةِ الأَكَابِرِ " . انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (31/278) 

سئل الشيخ الألباني رحمه الله :

هل الرشوة جائزة لجلب حق لا يُحَصَّل إلا بها؟

فأجاب : 

أنا في اعتقادي : إذا فهمنا معنى كلمة الرشوة في اللغة العربية، التي جاء بها الحديث النبوي، نأخذ الجواب بكل صراحة وبيان.

الرشوة هو إعطاء مال لإبطال حق أو إحقاق باطل، وانتهى الموضوع، هذا الاصطلاح الشرعي.

وعلى هذا تَنْحَل مشاكل كثيرة جداً، يعني : كيف نضرب مثالاً وقبل ما نستحضر المثال، نُريد نُدَقِّق على موضوع إبطال حق أو إحقاق باطل، هذا يقع كثيراً .. أحياناً يصير في زحمة الخبز في بعض الأوقات [ فيعطي أحدهم مالا للمسؤول ] ويأخذ الأول [ في الطابور ]، يقول لك : أنا ما ضريت بأحد، كيف ما ضريت بأحد؟ الذي رقمه عشرة صار الآن دوره رقم إحدى عشر، لأنك تقدمت وتأخّر كل هؤلاء الجماعة العشرة والتسعة .. إلخ، هذا فيه تعدي على الغير.

لكن لو فرضنا : شرطي المرور، يقيناً تعرف أنت وهو أنك ما خالفت النظام والقانون، لكنه يريد يجازيك، هذا الشيء يحدث أم لا؟ نعم يحدث . هذا إذا أعطيته بدل الخمسة الدنانير التي يريد يفرضها عليك ظلماً دينارًا أنت دفعت الشر الأكبر بالشر الأصغر، وأنت ما رشيته؛ لأنك ما أحققت باطلاً ولا أبطلت حقاً، بل أنت أزلت عنك ظلماً، أي : حكماً باطلاً وهو الخمسة دنانير التي يريد يفرضها عليك .

والعكس بالعكس، أنت خالفت النظام والذي يفرض عليك أنك تدفع خمسة دنانير تعرف هذا تأتي تعطيه دينار من أجل أن يغض النظر هذا رشوة؛ لأن هذا إبطال حق، اللهم إلا إذا تنطعنا كثيراً، كما يقع بعض الناس ممن ضاق عقلهم وفكرهم، يقول لك : هذه القوانين ما أنزل الله بها من سلطان، كيف قوانين، لو لم تكن هذه القوانين صارت الناس تُحَطِّم بعضها في بعض، وتصير في اضطراب شديد .. ، فإذا لاحظنا هذا المعنى اللغوي تنتهي المشاكل كلها، الرشوة هو إعطاء مال لإبطال حق أو إحقاق باطل، وحينئذ كفى الله المؤمنين القتال.... انتهى باختصار من (الهدى والنور / ١٤٢/ ٢٧: ٣٠: ٠٠)

وقال أيضا رحمه الله :

 إذا عرفنا تعريف الرشوة، فربما يُمَكّننا ذلك من أن نعرف جزئيات الحوادث المتعلقة بالرشوة، أو على الأقل يُسَهِّل لنا الجواب عن هذا السؤال بخصوصه.

الرشوة هي دفع مال؛ لاستحقاق باطل أو إبطال حق، فإذا لم يكن هذا المال الذي يُدفع يُبْطَل به حق أو يُحق به باطل، فليس رشوةً .

وحينئذٍ يُمكن أن نتفهم كثيراً من الأسئلة التي تَعْرِض للناس اليوم في هذا الزمان، حينما مثلاً يُبْتَلى أحدهم بموظف بركت المعاملة عنده، فهو يحتفظ بها وقد أخذت نهاية ما تتطلبها المعاملة عادة بين الناس وبين الدوائر، ولكن هو لأمرٍ ما احتفظ بالمعاملة لديه يريد رشوة، فكلما ما رجع صاحب المعاملة يُماطله، وأخيراً تبين له أنه يريد طُعْماً، فأطعمه فناوله المعاملة، فهذا المال الذي دفعه لهذا الموظف هل هو رشوة؟

فلنُطَبِّق القاعدة السابقة، الرشوة كل مالٍ يُعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل هنا لا يظهر هذا الشرط أبداً، بل هذا المال دُفِع للوصول إلى حَقّه المهضوم، وعلى ذلك فقس.

نأتي إلى صورة سؤالك أنت، هل هذه الصورة التي عرضتها في سؤالك، هي من هذا القبيل أو من قبيل آخر، الآن أمر يحتاج إلى شيء من التفصيل.

الأمانة -بلا شك- وضعت نظاماً للأبنية، والمفروض أن هذا النظام هو لصالح الشعب وعلى ذلك : 

فيجب على كل فرد من أفراد الشعب، أن يلتزم هذا النظام الذي فُرِض عليه في ذلك البنيان، فإذا علم في باله أن يُنَفّذ رأياً خاصاً له في بنيانه، وهو يعلم أنه في ذلك مخالف لنظام بلده، فيعطي مالاً لموظف الأمانة والمكلف بالإشراف على الأبنية، وتنفيذ القوانين المرعية .. إلى آخره، فلكي يغض النظر عنه يعطيه مالاً، هذا هنا يُعْتَبر رشوة.

وبعكس ما إذا كان مثله كمثل الأول يعني هو يريد أن يحول بينه وبين تنفيذ نفس المخطط في جانب من جوانبه، والذي اعترفت به الأمانة، لكن يُريد أن يعجزه، مرة وثاني مرة وثالث مرة، حتى يصرفه عنه بالمال، هذا المال يكون كالصورة السابقة، يكون رشوة بالنسبة للقابض، ولا يكون رشوة بالنسبة للعاطي، واضح؟

فإذاً : هذه القاعدة هي التي يجب أن نعرفها أولاً، ثم يجب ثانياً أن نكون مُتَجَرِّدين جداً عن اتباع الهوى، فنقول مثلاً هذا النظام مش معقول، لا يكفي أن الفرد من أفراد الناس أولاً، وصاحب العلاقة والهوى ثانياً، أنه يُحَكِّم عقله مهما كان معتداً هو به على النظام الذي وُضِعَ، المفروض من أشخاص عارفين متخصصين من جهة، وثانياً مفروض أنهم قصدوا بذلك مصلحة الشعب، وإلا ستصير فوضى في طريقة البناء، نشاهده في الأبنية القديمة، ترى الزقاق شيء فايت شيء طالع .. وهكذا . انتهى من (الهدى والنور / ٢٧٧/ ٤٦: ٢٤: ٠٠)

وقال أيضا رحمه الله :

فيما يتعلق مثلاً بالجمارك والضرائب التي تضرب، إذا كان هناك نظام عام مفروض على كل الناس الذين يدخلون ببضاعة ما، أن يُفْرض على هؤلاء الناس ضريبة عامة من قِبَل الدولة،  فهنا لا يجوز أن يدفع المسلم لأحد الموظفين من أجل أن يخالف النظام الذي تبنته الدولة؛ لكي هو يرتاح من هذه الضريبة، لأن هنا سيترتب منها أمران اثنان :

 الأمر الأول  : ما أشرت إليه آنفاً، أنه يا أخي أنت ما أدراك أن هذه الضريبة ظلم، يمكن يكون عدل، فما يجوز أن نفتح الباب لكل فرد من أفراد المسلمين، أن يتحكموا بالقوانين حسب آرائهم إن لم نقل حسب أهوائهم.

الشيء الثاني : أنك بدفعك الرشوة لهذا الموظف عَوَّدته على أن يخون وظيفته، ثم الوظيفة هذه تارة لا يكون فيها ظلم إجماعاً.

أنا أضرب لكم مثلاً سهلاً سمحاً، مثلاً : رجل يُريد أن يُقَدِّم طلباً في أمر ما، ووجد أمامه عشرات الأشخاص، فهو يرشي الموظف ليُقَدِّمه على الآخرين، هذه رشوة مفروغ من أنها محرمة، وأن تَجَاوُزَه هو نظام الترتيب الذي يأمر به الإسلام يعني كما يقال في حديث معناه صحيح ومبناه غير صحيح : « من سبق إلى مباح فهو له » فأنت تُصَوّر أنك كنت الأول لتُقَدّم طلبك، فجاء العاشر وبطريقة ملتوية مخالفة لنظام الشرع صار هو الأول، أيرضيك ذلك؟ طبعاً، لا، والرسول عليه السلام يقول : « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » فإعطاء هذا المسلم الرشوة لذاك الموظف لكي يقدم معاملته على معاملة السابقين له، هذه رشوة محرمة بلا شك، لا يجوز للراشي أن يُقَدّمها للمرتشي، كما أنه لا يجوز للمرتشي أن يأخذها.

ففتح باب الرشوة بمخالفة القانون القائم، والماشي على الناس جميعاً فيه مفسدة أخرى وهي تعويد الموظفين على قبض الرشوة، وهنا نقع في مخالفة قوله تبارك وتعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }. [المائدة: ٢] على هذا النظام يمكن أن تأخذ جواب سؤالك السابق . انتهى من (الهدى والنور/٤٧٢/ ٢٢: ٥٢: ٠٠)

وسئل أيضا رحمه الله :

هل ندفع الرشوة مضطرين لتيسير المصالح التي لا تقضى دون رشوة؟

فأجاب : 

لا تجوز بطبيعة الحال الرشوة، إلا في حالة واحدة وهي إذا كان الراشي له حق لا يمكنه أن يصل إليه إلا بطريق رشوة، مثلًا حكم الحاكم بحق لزيد من الناس على عمر، ثم ماطل في إيصال هذا الحق إلى زيد صاحب الحق، وشعر بأن هذا الحاكم لا يمكنه أن يوصله إلى حقه فعلًا إلا إذا قدم إليه رشوة، مثل هذه الرشوة تجوز، وفي الوقت نفسه لا يجوز للحاكم أن قبضها؛ ذلك لأن من الواجب عليه شرعًا أن يوصل الحق إلى صاحبه بحكم كونه يحكم بشرع الله عز وجل؛ 

وذلك لأن الرشوة في معنى اللغوي والشرعي هو دفع مال لإبطال حق أو إحقاق باطل، فإذا كان الدفع لإحقاق حق أو إبطال باطل فليس رشوة، وإن كان القابض لها لا يجوز له؛ لأنه من باب ما نهى الله عنه في قوله : { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ }. [البقرة: ١٨٨] . انتهى من (أسئلة وفتاوى الإمارات - ٦/ ٠٠: ٢٢: ٤٢)

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

أحيانًا يضطر الإنسانُ لدفع رشوةٍ في سبيل الحصول على حقٍّ له لا يمكن الحصول عليه إلا بهذه الطريقة؟

فقال هذا فيه تفصيل :

إذا كان حقُّه يضيع ولا يتيسَّر له أخذ حقّه إلا بمالٍ يبذله لشخصٍ يتوصل به إلى حقِّه، ولا يضرُّ غيره إذا بذل هذا المال، بل إنسانٌ أخذ مالك وضرَّك، وله مثلًا صاحبٌ أو له خادمٌ يستطيع أن يشفع لك، فتُعطيه مالًا ليشفع لك وليتسبب في إخراج مالك من هذا الظالم؛ فلا حرج في ذلك .

مثل : بدوي أو حضري أخذ مالك -أخذ غنمك، أخذ سيارتك- فتُعطي خادمه أو تُعطي أخاه أو قريبه أو شيخ القبيلة شيئًا حتى يُخلصك من هذا، وإن كان لا يحلّ لشيخ القبيلة ونحوه، لكن إذا لم يتيسر إلَّا بهذا فأنت ما تعديتَ على أحدٍ، إنما طلبت مالك وحقَّك الذي ظُلمتَ فيه .

ومثل : قُطَّاع الطريق أخذوا مالك، فتُعطيهم شيئًا من مالك حتى يردُّوا عليك بعضَه، أو السارق أخذ منك ألفًا فتقول : أعطني خمسمئة، ولك خمسمئة، هو لا يحلُّ له، لكن لا بأس أن تُعطيه بعض الحقِّ حتى يردَّ عليك بعض الحق الثاني . انتهى من (فتاوى الدروس)

وسئل الشيخ العثيمين رحمه الله :

حكم دفع الرشوة لاستنقاذ الحقوق والمظالم؟

فأجاب : 

يقول أهل العلم : إن الإنسان إذا بذل مالاً لاستنقاذ حقه فليس برشوة، لكن الإثم على الآخذ، فإذا كان هؤلاء الموظفون لا يمكن أن يقضوا حاجتك التي يلزمهم أن يقضوها إلا برشوة فأعطهم والإثم عليهم، إلا إذا كان من الممكن أن يرفع أمرهم إلى ولاة الأمور حتى يؤدبوهم فحينئذٍ لا تعطي وارفع أمرهم،

 لكن الغالب في البلاد التي يشير إليها السائل أن هذا غير ممكن، وعليه فلا بد للإنسان أن يستخلص حقه بأي وسيلة، فإذا أعطاهم شيئاً ليمضوا معاملته فلا حرج عليه، والإثم على الآخذ، هكذا قال العلماء. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين . انتهى من ( اللقاء الشهري رقم 21)

وقال أيضا رحمه الله :

 في الحقيقة تنقسم إلى قسمين : رشوة يتوصل بها الإنسان إلى باطل لدفع حق واجب عليه، أو الحصول على ما ليس له، فهذه محرمة على الآخذ وعلى المعطي أيضاً، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الراشي والمرتشي، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وهذا يدل على أنها من كبائر الذنوب؛ حيث رتبت عليه هذه العقوبة العظيمة.

والقسم الثاني : رشوة يتوصل بها الإنسان إلى حقه المشروع، أو دفع باطل عنه، وهذه محرمة في حق الآخذ، وجائزة في حق المأخوذ منه؛ لأنه يريد أن يتخلص من الظلم أو يتوصل إلى حقه، وهو غير ملوم على هذا.

 ولكن إذا حصل مثل هذا في مسئولين من الدولة فإنه يجب على المواطنين أن يساعدوا الدولة في القضاء على هذه المشكلة بإبلاغ الدولة بما حصل من هذا الجاني الذي جنى على الدولة وعلى المواطنين؛ حيث منعهم حقوقهم المشروعة، أو حاول أن يحملهم ما يلزمهم بسلطة النظام الذي هو مسئول فيه، أو بسلطة العمل الذي هو مسئول فيه، والدولة لا ترضى بهذا ........

وأما سؤال السائل عن الهدايا فنقول له : إن الهدايا للمسئولين في قضية من القضايا التي لك فيها حق هي في الحقيقة من الرشوة، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم : أرسل رجلاً يقال له عبد الله بن اللتبية عاملاً على الصدقة، فلما رجع قال : هذا لكم، وهذا أعطي لي. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وقال : « إنا نستعمل الرجل منكم على العمل فيأتي ويقول هذا لكم وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر هل يهدى له أم لا ». وروى الإمام أحمد وأهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « هدايا العمال غلو ». وهذا وإن كان في سنده ما فيه ولكنه يؤيده حديث عبد الله بن اللتبية الذي أشرنا إليه. 

فالهدايا للعمال والموظفين في قضية تتعلق بك لأجل أن يسخروها لك هي من الرشوة في الحقيقة، فلا يجوز للإنسان أن يستعملها؛ لأنه يرشوهم إلا على الوجه الذي ذكرناه قبل؛ إذا كان يريد أن يتوصل إلى حقه ولم يصل إليه إلا بذلك فإنه يكون مباحاً له وحرام على الآخذ. ومع ذلك فإننا لا نشجعه على هذا العمل، بل نرى أن من الواجب عليه أن يرفع هذا وأمثاله إلى المسئولين . انتهى باختصار من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [71])

وسئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :

 شخص لا يستطيع أن يحصل على حقه إلا بدفع الرشوة، فماذا يعمل؟

فأجاب :

لا يجوز له أن يدفع الرشوة وإنما عليه أن يرفع الأمر إلى من يوقف هذا المرتشي عند حده، ويحول بينه وبين كونه لا يؤدي حقوق الناس إلا إذا أعطوه رشوة.

لكن لو لم يوجد من ينصفه؛ وسوف يضيع عليه حقه، أو يحصل له تعطيل وحبس لمصالحه إلا أن يعطي فهذا ليس فيه بأس؛ لأن كونه يعطي شيئاً من أجل أن يحصل على ماله كله أحسن من كونه يضيع عليه ماله كله، أو يحصل له مضرة كبيرة لأنه لم يعط.

 أما إذا وجد سبيلاً إلى أن يوقف هذا المرتشي أو هذا الظالم عند حده فلا يجوز له ذلك؛ لأن مثل هذا يجرئ هؤلاء المرتشين إلى أن تكون معاملتهم للناس بهذه الطريقة، إما أن يرشوه أو أن يضيع عليهم مصالحهم . انتهى من (موقع الشبكة الاسلامية)


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات