رؤية هلال رمضان هي الطريقة الشرعية لإثبات بداية شهر الصوم، ولكن قد يتساءل البعض:
▣ ماذا لو رأيت الهلال وحدك ولم يتمكن الآخرون من رؤيته؟ هل يجوز لك أن تبدأ الصيام بمفردك؟
▣ في هذا المنشور، سنستعرض حكم رؤية الهلال في حالة انفرد الشخص برؤيته، وأهم ما يتعلق بذلك من أحكام شرعية معتمدة.
▣▣ حكم من رأى هلال رمضان وحده؟
من رأى هلال رمضان أو هلال الفطر وحده ولم تُقبل شهادته، فلا يصوم وحده ولا يفطر وحده.
▣ لأن ثبوت الهلال يتم إما برؤيته أو بإكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً، والرؤية لا تُقبل إلا بشهادة شاهدين عدلين،
وبالتالي ، إذا تم رفض شهادة الشخص إذا رأى هلال رمضان أو هلال الفطر وحده، فلا تُعتبر رؤيته صحيحة شرعاً،
ومن ثم لا يثبت حكم الشهر في حقه.
▣ فإذا شهد شخص واحد برؤية الهلال، ولكن لم تُقبل شهادته من قبل الإمام أو السلطة المختصة، فإنه لا يجوز له أن يفرض صيامه بمفرده،
بل يجب عليه أن يصوم مع الناس إذا صاموا، ويفطر معهم إذا أفطروا،
ولا يجوز له أن ينقسم عن جماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة.
- يُستدل على ذلك بقول النبي ﷺ: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".(صحيح مسلم).
** هذا الحديث يشير إلى أن الصيام والفطر مرتبطان بتحديد بداية الشهر من قبل المجتمع ككل وليس الفرد بمفرده.
▣ وهذا
القول : هو رواية عن أحمد، وهو مذهب عطاء والحسن البصري وابن سيرين وأبي ثور
وإسحاق بن راهويه، وابن تيمية.
▣▣ ماذا لو كان الشخص في مكان نائي ورأى الهلال؟
إذا كان الشخص في مكان ناءٍ ولم يكن حوله أحد، ولا يوجد فيه من يشهد معه، فإنه يصوم بناءً على رؤيته. ينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/117 - 118).
▣▣ الشهادة برؤية هلال رمضان.
ثبوت الهلال لا يكون إلا بالرؤية أو بإكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً، والرؤية لا تثبت إلا بشهادة شاهدين،
فإن غم عليكم ، فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان؛ فصوموا وأفطروا".(صحيح سنن النسائي).
▣▣ الأدلة الشرعية على صيام الجماعة:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي ﷺ قال : الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون. ((صحيح الترمذي)) (697).
** هذا الحديث : يدل على أن الصوم والإفطار يكونان مع الجماعة، وليس بناءً على الرؤية الفردية.
2- ويؤكد هذا : عن مسروق قال : " دخلت على عائشة يوم عرفة فقالت : اسقوا مسروقاً سويقاً وأكثروا حلواه.
قال : فقلت : إِنِّي لم يمنعني أن أصوم اليوم إلاَّ أنّي خفْتُ أن يكون يوم النحر. فقالت عائشة : النحر يوم ينحر الناس والفطر يوم يفطر الناس ". (السلسلة الصحيحة رقم: (1/442)).
** فهنا بيّنت له أم المؤمنين أنه لا عبرة برأيه، وأنّ عليه اتباع الجماعة.
▣▣ أقوال الفقهاء :
- قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله :
والثالثُ - أي من الأقوال : يصومُ مع النَّاسِ ويُفطِرُ مع النَّاسِ، وهذا أظهَرُ الأقوال ،
لقول النبي ﷺ : ( صومكم يوم تصومون ، وفطركم يوم تفطرون ، وأضحاكم يوم تضحون ). رواه الترمذي وقال : حسن غريب . ورواه أبو داود وابن ماجه وذكر الفطر والأضحى فقط .
.. وأصل هذه المسألة أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمى الهلال والشهر كالصوم والفطر والنحر،
فقال تعالى {يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجّ } }. البقرة: 189]،
فبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس والحج،..
فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين، فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين،
وهذا معنى قوله : "صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون"،
ولهذا قال أحمد في روايته : يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم، قال أحمد : يد الله على الجماعة.
.. وقول النبي ﷺ " إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وصوموا من الوضح إلى الوضح " ونحو ذلك خطاب للجماعة،.. ينظر: (((مجموع الفتاوى (25/114)).
- قال العلامة الشوكاني رحمه الله :
أن المعتبر في الصيام أو الإفطار هو الذي يثبت عند الناس،
والشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته، لا يكون هذا صوما له، كما لم يكن للناس. ينظر: (((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/370)).
- وقال العلامة الصنعاني رحمه الله :
فيه دليل على أن يُعتَبر في ثبوت العيد الموافقة للناس،
وأنّ المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره، ويلزمه حُكمهم في الصلاة والإِفطار والأضحية. ينظر: ("سبل السلام" (2/ 72)).
- قال أبو الحسن السندي في "حاشيته على ابن ماجه" - بعد أن ذكَر حديث أبي هريرة السابق-:
" والظاهر أنه معناه أنَّ هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل، وليس لهم التفرُّد فيها؛
بل الأمر فيها إِلى الإمام والجماعة، ويجب على الآحاد اتباعهم للإِمام والجماعة.
وعلى هذا ؛ فإِذا رأى أحد الهلال، وردَّ الإِمام شهادته؛ ينبغي أن لا يثبت في حقّه شيء من هذه الأمور، ويجب عليه أن يتَّبع الجماعة في ذلك ". انتهى.
- وقال الشيخ الألباني رحمه الله -بعد حديث عائشة المتقدم :
وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية،
فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد - ولو كان صوابا في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم والتعبيد وصلاة الجماعة،
ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض وفيهم من يرى أن مس المرأة والعضو وخروج الدم من نواقض الوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك،..
ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى،
إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه... ينظر: (السلسلة الصحيحة (١/ ١/ ٤٤٣ - ٤٤٥)).
- وقال أيضا رحمه الله :
الرؤية الشخصية الفردية لا وزن لها ولا قيمة في الشريعة الإسلامية ، لقوله ﷺ : ( الصوم يوم يصوم الناس ، والفطر يوم يفطر الناس )،
لذلك كون شخص رأى ، والناس مفطرون ، لا يصوم ولو أنه رأى الهلال ،
لأنه ينبغي أن ينضم إلى الجماعة ولا يفارقهم ولا يخالفهم ، ومعلوم لدى الجميع قوله ﷺ : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )،
ولاشك أن هذه المسألة ليست من الأمور الفردية التي يُكلف فيها المسلم كالصلاة مثلاً بإمكانك أن تصلي في بيتك أو في حانوتك أو في معملك ... إلخ ،
لكن ليس لك أن تصوم لرؤيتك ، ...
إلى أن قال : أهل البلد الواحد باستطاعتهم أن الدولة إذا أعلنت الصيام يوم كذا ، صام الشعب كله ، ولو كان هذا الإعلان غير شرعي ، أي غير ثابت شرعًا ،
لأن الأمر بيد الدولة ، وليس بيد فرد من الأفراد ، كالحدود الشرعية ، لو تولى إقامتها الأفراد لظهر الفساد في البر والبحر ،..
لذلك فالصوم لأهل البلد ، يكون جميعًا ، يصومون أو يفطرون ، ولا يجوز أن ينقسموا. ينظر: (سلسلة الهدى والنور-(403)).
- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
وإذا رأى الهلالَ شَخصٌ واحِدٌ ولم تُقبَلْ شهادَتُه لم يصُمْ وَحدَه ولم يُفطِرْ وحدَه في أصحِّ قَولَيِ العُلَماءِ ،
بل عليه أن يصومَ مع النَّاسِ ويُفطِرَ مع النَّاسِ. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/64).
▣▣ الخلاصة :
الصوم والإفطار يكونان مع الناس، وليس بناءً على الرؤية الشخصية.
اتباع الجماعة يمنع الفرقة ويعزز وحدة الأمة.
والله اعلم
▣ هل سبق لك أن رأيت فيه الهلال بمفردك ؟ شاركنا رأيك في التعليقات!.
اقرأ ايضا:
تعليقات
إرسال تعليق