يُكره تخصيص شهر رجب بالصوم لأنه لم يصح فى فضل صوم رجب بخصوصه ولا صيام أيام منه شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضى الله عنهم بل صيامه كباقي الشهور فمن كان له عادة بصيام فهو على عادته ومن لم يكن له عادة فلا وجه لتخصيص صومه ولا صوم أوله ولا ليلة السابع والعشرين منه .
فينبغي علينا ألَّا نخص شهر رجب إلا بما خصه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أنه شهر محرَّم يتأكد فيه اجتناب المحرمات لعموم قول الله عز وجل في الأشهر الحرم : {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} . [التوبة:36]. ولا له مزيد عبادة عن غيره من الشهور بحجة أنه شهر محرم، وقد روُي في هذا الشهر صلوات وأذكار لكنها ضعيفة لا تثبت بها حجة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أدرك هذا الشهر ولم يزد فيه على غيره وحري بكل مسلم أن يكون متبعًا لا مبتدعًا .
والدليل :
عن خرشة بن الحر قال : رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول : كلوا؛ فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية . (صحح إسناده الألباني في ((النصيحة)) (211))
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه مُعين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ رويناه عنه بإسناد صحيح وكذلك رويناه عن غيره . انتهى من [كتاب تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب للحافظ ابن حجر ص 6 و 8].
قال ابن تيمية رحمه الله :
وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة لا يعتمد أهل العلم على شيء منها وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات... انتهى باختصار من (مجموع الفتاوى لابن تيمية 1-21 مع الفهارس ج(15))
وقال ابن القيم رحمه الله :
السنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم وكراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم وليلتها بالقيام سدا لذريعة اتخاذ شرع لم يأذن به الله من تخصيص زمان أو مكان لم يخصه به .انتهى من ((إعلام الموقعين)) (3/174).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
حكم إفراد شهر رجب بالصيام؟
الجواب :
.... أنه يكره إفراده، يكره إفراده بالصوم تطوعاً؛ لأنه من شأن الجاهلية، كانوا يعظمونه بالصوم، فكره أهل العلم إفراده بالصوم تطوعاً، أما إذا صامه الإنسان عن صومٍ عليه من قضاء رمضان، أو من كفارة، فلا حرج في ذلك، أو صام منه ما شرع الله مثل أيام الإثنين والخميس، أو الثلاثة الأيام البيض، كل هذا لا حرج فيه، الحمد لله، مثل غيره من الشهور .اه
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
ليس لشهر رجب ميزة عن سواه من الأشهر الحرم، ولا يخص، لا بعمرة، ولا بصيام، ولا بصلاة، ولا بقراءة قرآن، بل هو كغيره من الأشهر الحرم، وكل الأحاديث الواردة في فضل الصلاة فيه، أو الصوم فيه، فإنها ضعيفة، لا يبنى عليها حكم شرعي . انتهى من (اللقاء الشهري>اللقاء الشهري [32])
وسئلت اللجنة الدائمة :
هناك أيام تصام تطوعًا في شهر رجب، فهل تكون في أوله أو وسطه أو آخره؟
الجواب :
لم تثبت أحاديث خاصة بفضيلة الصوم في شهر رجب سوى ما أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث أسامة قال : قلت : يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال : « ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم». (رواه أحمد (5/201))، وإنما وردت أحاديث عامة في الحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والحث على صوم أيام البيض من كل شهر وهو الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، والحث على صوم الأشهر الحرم، وصوم يوم الإثنين والخميس، ويدخل رجب في عموم ذلك، فإن كنت حريصًا على اختيار أيام من الشهر فاختر أيام البيض الثلاث أو يوم الاثنين والخميس وإلَّا فالأمر واسع،
أما تخصيص أيام من رجب بالصوم فلا نعلم له أصلًا في الشرع . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم . اه (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (2/509)، رقم (2608).)
وأما حديث
أبي مجيبة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " صم من الحُـرُم واترك، صم من الحرم واترك ". (ضعيف أبي داود) فهو حديث ضعيف والحديث الضعيف لا يعمل به .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
ضعيف؛ لأنه مجيبة مجهولة هو بهذا السند ضعيف وفيه نكارة، متن الأشهر الحرم ما جاء إلا في هذا الحديث، من حديث أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم عاشوراء، بس هذا فيه الأشهر الحرم، والأحاديث الصحيحة : الحث على صوم الإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر، كما في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص وغيره، ما فيه ذكر الأشهر الحرم، فهذا غريب من هذا الوجه، المقصود أن الحديث ضعيف .اه
إذن شهر رجب لا يخصص بصيام دون غيره من الأشهر فلم يأمر به صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون ولا التابعون ولا السلف الصالح وكل ما ورد في صيامه من النصوص اتفق جمهور العلماء على أنها موضوعة إلا القليل منها ضعيف جدًا لا يصلح الاحتجاج به .
وإليك بعض الأعمال البدعية المنتشرة في شهر رجب
1- الإحتفال بليلة الإسراء والمعراج
قال ابن رجب رحمه الله : وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره . اه (لطائف المعارف (ص:290)).
قال ابن تيمية ـ رحمه الله : وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية، كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها، والله سبحانه وتعالى أعلم . اه ( مجموع الفتاوى (25/298).).
2- صلاة الرغائب
وردت هذه الصلاة في حديث موضوع عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما من أحد يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ثلاث مرات، و{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليَّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة : سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الأعظم، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله تعالى حاجته، فإنها تقضى »، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده، ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار ». اه (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب، (ص:22-24).).
قال النووي رحمه الله : هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها . اه ( فتاوى الإمام النووي (ص:57).).
وقال ابن النحاس رحمه الله : وهي بدعة، الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين . اه (تنبيه الغافلين (ص:496).).
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله : وأما صلاة الرغائب : فلا أصل لها، بل هي محدثة، فلا تستحب، لا جماعة ولا فرادى؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلًا . اه (مجموع الفتاوى (23/132)).
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
يخص بعض الناس شهر رجب ببعض العبادات كصلاة الرغائب وإحياء ليلة منه فهل لذلك أصل في الشرع؟
فأجاب :
تخصيص رجب بصلاة الرغائب أو الاحتفال بليلة منه يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج كل ذلك بدعة لا يجوز، وليس له أصل في الشرع، وقد نبه على ذلك المحققون من أهل العلم، وقد كتبنا في ذلك غير مرة وأوضحنا للناس أن صلاة الرغائب بدعة، وهي ما يفعله بعض الناس في أول ليلة جمعة من رجب، وهكذا الاحتفال بليلة اعتقادا أنها ليلة الإسراء والمعراج، كل ذلك بدعة لا أصل له في الشرع، وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها، ولم علمت لم يجز الاحتفال بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بها، وهكذا خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان ذلك سنة لسبقونا إليها .
والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم كما قال الله عز وجل : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.[التوبة:100]، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ». [متفق على صحته]، وقال عليه الصلاة والسلام : « من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد ». أخرجه مسلم في صحيحه، ومعنى فهو رد أي مردود على صاحبه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة : أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة أخرجه مسلم أيضًا.
فالواجب على جميع المسلمين اتباع السنة والاستقامة عليها والتواصي بها والحذر من البدع كلها عملًا بقول الله عز وجل : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، وقوله سبحانه : {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «الدين النصيحة» قيل : لمن يا رسول الله؟ قال : «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». [أخرجه مسلم في صحيحه] . اه (نشرت في (مجلة الدعوة) العدد رقم (1566) في جمادى الآخرة 1417هـ.).
3- تخصيص العمرة في رجب
وهذا لا أصل له، فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال : « إن رسول الله اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت ـ أي عائشة ـ: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهدُه، وما اعتمر في رجب قط ». (صحيح البخاري).
قال ابن العطار : ومما بلغني عن أهل مكة ـ زادها الله تشريفًا ـ اعتيادهم كثرة الاعتمار في رجب، وهذا مما لا أعلم له أصلًا . اه (المساجلة بين العز بن عبد السلام وابن الصلاح (ص:56).).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق