الأصل في العبادات التحريم فإلتزام هذه الصيغة بعد قراءة القرآن لا دليل عليه والتعبد بما لم يشرع لا يجوز وهو من المحدثات لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ولو كان هذا القول مشروعًا لبينه النَّبي صلى الله عليه وسلم لأمته .
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : اقرأ علي القرآن، فقال : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال : إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ـ قال : حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان . مُتفق عَليه. وفي رواية للبخاري : قال صلى الله عليه وسلم : أمسِك.
قال العلامة ابن باز رحمه الله :
اعتياد الكثير من الناس أن يقولوا : صدق الله العظيم ـ عند الانتهاء من قراءة القرآن الكريم، وهذا لا أصل له، ولا ينبغي اعتياده، بل هو على القاعدة الشرعية من قبيل البدع إذا اعتقد قائله أنه سنة، فينبغي ترك ذلك، وأن لا يعتاده لعدم الدليل،
وأما قوله تعالى : قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ـ فليس في هذا الشأن، وإنما أمره الله عز وجل أن يبين لهم صدق الله فيما بينه في كتبه العظيمة من التوراة وغيرها، وأنه صادق فيما بينه لعباده في كتابه العظيم القرآن،
ولكن ليس هذا دليلاً على أنه مستحب أن يقول ذلك بعد قراءة القرآن أو بعد قراءة آيات أو قراءة سورة، لأن ذلك ليس ثابتًا ولا معروفًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ـ رضوان الله عليهم .
ولما قرأ ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم أول سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى : فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا ـ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : حسبك ـ قال ابن مسعود : فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان . عليه الصلاة والسلام، أي يبكي، لما تذكر هذا المقام العظيم يوم القيامة المذكور في الآية، وهي قوله سبحانه : فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ ـ أي يا محمد ـ على هؤلاء شهيدا ـ أي على أمته عليه الصلاة والسلام،
ولم ينقل أحد من أهل العلم ـ فيما نعلم ـ عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : صدق الله العظيم بعد ما قال له النبي : حسبك ـ والمقصود أن ختم القرآن بقول القارئ : صدق الله العظيم ـ ليس له أصل في الشرع المطهر، أما إذا فعلها الإنسان بعض الأحيان لأسباب اقتضت ذلك: فلا بأس به . انتهى
وسئل العلامة الألبانى رحمه الله :
ما حكم قول صدق الله العظيم بعد الانتهاء من قراءة القرآن ؟
فأجاب :
ما لها أصل فهذه سنة عند القراء في آخر الزمان ضلالة لم تكن من عمل السلف إطلاقا فريح بالك بدعة وانتهى الأمر . انتهى من (فتاوى عبر الهاتف والسيارة-(138))
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
نعم قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن لا أصل له من السنة، ولا من عمل الصحابة رضي الله عنهم، وإنما حدث أخيراً، ولا ريب أن قول القائل : صدق الله العظيم ثناءٌ على الله عز وجل، فهو عبادة، وإذا كان عبادةً، فإنه لا يجوز أن نتعبد لله به إلا بدليلٍ من الشرع، وإذا لم يكن هناك دليل من الشرع كان ختم التلاوة به غير مشروع، ولا مسنون؛ فلا يسن للإنسان عند انتهاء القرآن أن يقول : صدق الله العظيم،
فإن قال قائل : أليس الله يقول : قل : صدق الله .
فالجواب :
بلى قد قال الله ونحن نقول ذلك؛ لكن هل قال الله ورسوله إذا أنهيتم القراءة، فقولوا : صدق الله . وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يقرأ، ولم ينقل عنه أنه كان يقول : صدق الله العظيم وقرأ عليه ابن مسعود رضي الله عنه من سورة النساء : ﴿فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً﴾. فقال النبي عليه الصلاة والسلام : حسبك. ولم يقل : قل : صدق الله. ولا قاله ابن مسعود أيضاً، وهذا دليل على أن قول القائل عند انتهاء القراءة : صدق الله. ليس بمشروع .
نعم لو فرض أن شيئاً وقع مما أخبر الله به ورسوله، فقل : صدق الله واستشهدت بآيةٍ من القرآن هذا لا بأس به؛ لأن هذا من باب التصديق؛ لكلام الله عز وجل كما لو رأيت شخصاً منشغلاً بأولاده عن طاعة ربه فقلت صدق الله : ﴿ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾ وما أشبه ذلك مما يستشهد به، فهذا لا بأس به . انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [199])
يُسْتَحَبُّ بعد الإنتهاء من تلاوة القرآن أن يُقال :
سبحانكَ اللهمَّ وبحمدِكَ لا إلهَ إلا أنتَ أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ .
عن عبدِاللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ أنهُ قال : كلماتٌ لا يتكلمُ بهنَّ أحدٌ في مجلسِهِ عندَ قيامِهِ ثلاثَ مراتٍ، إلا كُفَّر بهنَّ عنهُ، ولا يقولهنَّ في مجلسِ خيرٍ ومجلسِ ذكرٍ، إلا خُتم لهُ بهنَّ عليهِ، كما يختمُ بالخاتَمِ على الصحيفةِ : سبحانكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ . (صحيح سنن أبي داود. دون قوله : ثلاث مرات)
إذن فيستحب للمسلم أن يختم مجلسه بهذا الذكر أي مجلس كان فإن كان مجلس قرآن أو صلى صلاة أو جلس مع أصحابه أو جلس مع أهل بيته أو جلس مجلس صلح أو غير ذلك ثم أراد أن يقوم قال هذا الذكر قبل أن يقوم مباشرة .
قال العلامة ابن باز رحمه الله :
هذا الحديث صحيح، ويقال له : كفارة المجلس، هذا الذكر يقال له : كفارة المجلس، فالسنة لمن قام من المجلس أن يقول هذا الكلام : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك اللهم وأتوب إليك، سواء كان مجلس علم أو مجلسًا عاديًا للكلام والخوض في حاجات الناس .
السنة لمن قام من المجلس أن يقول هذا الكلام، فهو طابع على الخير، وكفارة لما قد يقع من اللغو في المجلس .اه
كما أنه يستحب الدعاء عند ختم القران
قال ابن قدامة رحمه الله :
"ويستحب أن يجمع أهله عند ختم القرآن وغيرهم ؛ لحضور الدعاء . قال أحمد : كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده . وروي ذلك عن ابن مسعود وغيره " .اه ("المغني" (2/ 126))
قال العلامة الألبانى رحمه الله :
يشرع لكل تالٍ للقرآن وخاتمٍ له أن يجمع أهله وذويه حوله بعد أن يختم القرآن وأن يدعو له ولهم بما فيه خير الدنيا والآخرة دون أن يلتزم ذلك الدعاء الذي يطبع في آخر المصاحف أو الكثير من المصاحف
وإنما يدعو إن كان يحفظ شيئاً من أدعية الكتاب والسنة وهي والحمد لله كثيرةٌ مباركة وإن كان لا يحفظ كشأن الكثير من العامة يطلب من الله عز وجل بلغته التي هو ينطق بها والله عز وجل يستجيب له ببركة ختمه لكتاب ربه أولاً ثم بإخلاصه وتوجهه إلى ربه بقلبه ثانيا غيره تفضل .اه (سلسلة الهدى والنور-(420))
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق