صلاة التهجد جماعة في المسجد بدعة وذلك إذا صلى الناس فى أول الليل التراويح جماعة بعد العشاء فى المسجد،
ثم ينصرفون إلى بيوتهم ويعودون مرة أخرى فى آخر الليل ليصلوا فى جماعة،
فهذا الفعل بهذه الطريقة بدعة لا أصل لها فى الشرع ومردود على صاحبه.
إذن تقسيم صلاة الليل جماعة في المسجد الواحد في رمضان إلى قسمين (تراويح وتهجد) أو إلى وقتين (أول الليل وآخر الليل)،
أو أن يقوموا في جماعة في المسجد ثم يخرجون منه ثم يعودون إليه فيصلون جماعة في آخر الليل،
فهذا التقسيم مما لم يرد عليه دليل صحيح صريح في ثبوته فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة من بعده، فلو كان خيرا لسبقونا إليه، لذا فهى بدعة بهذه الكيفية.
وإنما كانوا فى رمضان يصلون بعد العشاء قيام الليل فى جماعة مرة واحدة طوال شهر رمضان دون تفريق بين أوله وآخره،
وما كان يقوم آخر الليل إلا المنفرد وما ثبت عنهم أنهم قاموا آخر الليل جماعة.
فلا يجوز أن يقال إن هذه العبادة مشروعة من جهة أصلها أو عددها أو هيئاتها أو مكانها إلا بدليل شرعي يدل على ذلك.
فكل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء.
لكن لو كان هناك إمام مسجد وجماعة المسجد لم يصلوا التراويح في أول الليل ثم اتّفقوا على أن يؤخّروا صلاة القيام (التراويح) إلى آخر الليل،
فهذا أفضل لأن هذا الوقت هو الذي رمى إليه عمر رضي الله عنه بقوله ((والَّتي يَنامونَ عنها أفضَلُ)). لكن جمع الناس في أول الليل أيسر عليهم.
وإليك الأدلة على ذلك:
1- أن صلاة النبي ﷺ بالناس فى قيام رمضان كانت فى أول الليل.
فعن أبي ذر ، قال : صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان ، فلم يقم بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا ، حتى ذهب نحو من ثلث الليل،
ثم كانت سادسة ، فلم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب نحو من شطر الليل قلنا يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة،
قال ثم كانت الرابعة فلم يقم بنا فلما بقي ثلث من الشهر أرسل إلى بناته ونسائه وحشد الناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ، ثم لم يقم بنا شيئا من الشهر. (صحيح النسائي رقم: (1363).
ففي هذا الحديث : دليل واضح على عدم مشروعية التعقيب، فإن الصحابة رضي الله عنهم الحرصهم على كثرة الخير،
طلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يصلي بهم بقية الليل فلم يفعل ولم يرشدهم إلى التعقيب أو التهجد كما هو معروف اليوم،
بل قال لهم (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة).
وفى هذا الحديث أيضا : نص صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قام أول الليل فقوله : " قام بنا حتى ذهب نحو من شطر الليل " واضح في أنه صلى قبل شطر الليل وهو ثلث الليل الأول،
وهذه الرواية صريحة في أنه قام في العشر الأواخر أول الليل على خلاف صنيع الناس اليوم،
فمن أراد تحري سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلينوع في طول القيام في هذه الليالي،
ومن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل كله استدلالاً بحديث شد المئزر فقد غلط أو يكون ذلك ما إذا كان منفرداً وأما الصلاة فلها شأنٌ آخر.
- وأما الجواب عن معنى : [ أحيا ليله كله ] فهو : إما أن يحمل على قيام معظم الليل ، أو الإحياء بالذكر مع الصلاة ، ذكر هذين الوجهين شيخ الإسلام كما في [ مختصر الفتاوى المصرية ص84 ].
وهذه الأوجه إنما وجدت لقوله صلى الله عليه وسلم عن نفسه [ وأصلي وأرقد ]. رواه البخاري ، أو يحمل على حاله في الإنفراد.
2- أن الصحابة عملهم على القيام أول الليل طوال الشهر دون تخصيص العشر بشيء من التأخير.
فعن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط،
فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم،
قال عمر نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله. (صحيح البخاري).
تأمل قوله : " وكان الناس يقومون أوله ". فدل على أن فعل الصحابة الراتب هو القيام في أول الليل سواءً في العشر الأخيرة أو غيرها،
وما كان يقوم آخر الليل إلا المنفرد وما ثبت عنهم أنهم قاموا آخر الليل جماعة.
3- عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال : أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري رضي الله عنهم أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة قال:
وقد « كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر ». (صحح اسناده العلامة الالبانى فى تخريج مشكاة المصابيح) (وصححه الشيخ شعيب الارناؤوط فى تخريج شرح السنة).
فتأمل قوله : "وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر". فهذا صريح أنهم كانوا فى رمضان يصلون بعد العشاء قيام الليل فى جماعة مرة واحدة طوال شهر رمضان،
وما كانوا يخرجون من المسجد إلا بعد الإنتهاء من الركعات الثلاثة عشر قرب أوان الفجر وذلك لطول القيام دون تفريق بين أول الشهر وآخره .
4- ذكر المروزي في قيام الليل: عن عمران بن حدير رحمه الله : أرسلت إلى الحسن رحمه الله فسألته عن صلاة العشاء في رمضان أنصلي ، ثم نرجع إلى بيوتنا فننام ثم نعود بعد ذلك ؟ فأبى. قال : لا ، صلاة العشاء ثم القيام. انتهى.
فهنا نص الإمام الحسن البصرى على أن القيام كان بعد العشاء وقبل النوم وهذا فعل السلف قاطبةً خلافاً للناس اليوم في العشر الأواخر.
5- وروى عبد الرزاق [7739] : عن معمر عن مطر عن الحسن قال : كان الناس يقومون في رمضان فيصلون العشاء حين يذهب ربع الليل وينصرفون وعليهم ربع آخر.
6- روى مالك في الموطأ : (عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول : (ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان قال:
وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف). (صححه العلامة الألباني في تخريجه لمشكاة المصابيح (1/408)).
7- وعن السائب بن يزيد قال : أمر عمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس في رمضان بإحدى عشرة ركعة فكان القارئ يقرأ بالمئين،
حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام فما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر. (رواه مالك والبيهقي بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي في المجموع 4/32. وصححه العلامة الألباني في تخريجه لمشكاة المصابيح 1/408.
8- وعن عبد الله بن أبي بكر قال: ( سمعت أبي يقول : كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة فوت السحور. وفي أخرى مخافة الفجر ). رواه مالك بسند صحيح كما قال العلامة الألباني في تخريجه لمشكاة المصابيح 1/408.
9- وروى عبد الرزاق : عن الثوري عن القاسم عن أبي عثمان قال : أمر عمر بثلاثة قراء يقرؤون في رمضان فأمر أسرعهم أن يقرأ بثلاثين آية وأمر أوسطهم أن يقرأ بخمس وعشرين وأمر أدناهم أن يقرأ بعشرين). المصنف 4/261.
10- قال بحير بن ريسان : رأيت عبادة بن الصامت رضي الله عنه يزجر أناسا يصلون بعد تراويح الإمام في رمضان ، فلما أبوا أن يطيعوه قام إليهم فضربهم . (رواه المروزي في قيام الليل) .
11- ومن أقوى الحجج في إبطال دعوى مشروعية صلاة التهجد جماعة في رمضان :
أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأواخر واعتكف معه الصحابة ولم يثبت أنه جمع بهم بما يسمى التهجد أو القيام الثاني أو التعقيب وكذلك الخلفاء الراشدين من بعده لم يثبت عنهم ذلك،
حتى عمر الذي جمعهم على إمام واحد لم يثبت أنه أمرهم أن يعودوا إلى جماعة ثانية بعد الأولى ،
وكذلك الصحابة اعتكفوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما العلماء منهم ولم يثبت أنهم فعلوا ذلك والخير كل الخير في اتباعهم .
12- أن التعقيب فيه مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم (حتى ينصرف)، لأن المعقب انصرف مرتين مرة في أول الليل، ومرة في آخره. فأي الانصرافين يعتد به الأول أم الثاني!.
13- عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أنه سئل عن التعقيب في رمضان فأمرهم أن يصلوا في البيوت . (وهذا إسناد بصري جيد). وقد حفظ هذا الأثر أبو سليمان الخطابي في كتابه غريب الحديث.
[ والتعقيب ] يعنى الرجوع للمسجد مرة أخرى والصلاة جماعة مرة أخرى.
ومما يزيد الأثر قوة وصحة أن تلميذي أنس بن مالك رضي الله عنه قتادة والحسن ثبت عنهما الكراهة،
وهما أعرف بقول أنس من دونهما ولا شك أن قولهما هو قول شيخهما صاحب رسول الله .
- فجاء عن الحسن البصري رحمه الله : أنه كره التَّعْقِيْب في شهر رمضان وقال : ( لا تملوا الناس). المصنف لابن أبي شيبة(2/176).
- وجاء أيضاً عن سعيد وقتادة رحمهما الله تعالى : أنهما كانا يكرهان التَّعْقِيْب في رمضان. المصنف لابن أبي شيبة(2/176).
** مع التنبيه على أن هناك أثر أخر عند ابن أبي شيبة [ 2/291 ] يستدلون به على جواز التعقيب عن سيدنا أنس ولكنه أثر ضعيف لا يصح الإحتجاج به.
ففي سنده عباد بن العوام يروي عن سعيد بن أبي عروبة وقد تكلم في روايته عن سعيد فقال : " مضطرب الحديث عن سعيد بن أبي عروبة.
فسعيد ابن أبي عروبة قد اختلط بآخر عمره ، وقد قرر أئمة الجرح والتعديل أن من سمع منه قبل الاختلاط فحديثه مقبول ومن سمع منه بعد ذلك فلا يقبل.
فينبغي النظر في الراوي عنه من أي الطبقتين .. ولا شك أن الذي روى عنه هذا الأثر هو عباد ابن العوام فهو وان كان ثقة من رجال الستة إلا أنه في روايته عن سعيد بن أبي عروبة اضطراب .
وإليك ما قاله الأئمة عن حديث عباد عن سعيد بن أبي عروبة :
1- قال الإمام أحمد بن حنبل : عند عباد غير حديث خطأ عن سعيد فلا أدري سمعه منه بآخرة أم لا .اه (مسائل أبي داود عن الإمام احمد)
2- قال ابن حجر : حديث عباد عن سعيد عن أنس فيه وهم .اه (التلخيص الحبير)
3- قال ابن الجوزي : قال أحمد : عباد مضطرب الحديث عن سعيد.اه (العلل المتناهية) (ذكره المزي في ترجمة عباد من تهذيب الكمال)
إذن أثر أنس بن مالك رضي الله عنه لا يصح الإحتجاج به فى جواز التعقيب.
فكما رأيت أخى المسلم لم يفرق الصحابة رضى الله عنهم بين العشر الأواخر وغيرها وكذا عامة الآثار التي أوردها ابن أبي شيبة عن السلف ليس فيها التفريق.
وقد عقد المروزي فصلاً في رسالة قيام الليل في قدر القراءة وما ذكر عن أحدٍ من السلف التفريق بين أول الشهر وآخره.
لذلك اعلم أخى المسلم
أن الخير كل الخير في اتباع السلف فهم أكمل الناس دينا وأحسنهم أدبا،
فالعبادات توقيفية فلا يجوز الإقدام على شيء منها في زمان أو مكان أو نوعية العبادة إلا بتوقيف وأمر من الشارع،
فمن أحدث شيئًا لم يأمر به الشارع من العبادات أو مكانها أو زمانها أو صفتها فهي بدعة .
فلا تشرع عبادة من العبادات إلا بدليل شرعي يدل على ذلك فاقتصاد فى سنة خير من اجتهاد فى بدعة.
فمن شروط قبول العمل : موافقة العمل للشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يُعبد إلا به وهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الشرائع، لحديث : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ". رواه مسلم ( الأقضية/3243).
** قال ابن رجب رحمه الله : هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها،
كما أن حديث " إنما الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها ، فكما أن كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى ، فليس لعامله فيه ثواب،
فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله ، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله ، فليس من الدين في شيء. انتهى من (جامع العلوم والحكم ج 1 ص 176).
** وقال ابن كثير رحمه الله : " وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة: هو بدعة؛
لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها ". انتهى من " تفسير ابن كثير" (7/278).
وإليك كلام السلف فى ذلك :
1- قال أبو داود في (مسائل أحمد) (ص (62) :
سمعتُ أحمد - الإمام أحمد بن حنبل - قيل له : يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده ؟! قال : يصلي مع الناس.
وسمعته أيضًا يقول : يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته " ،
قال أبو داود : " قيل لأحمد وأنا أسمع : يؤخِّر القيام - يعني التراويح إلى آخر الليل؟ قال : لا ، سنة المسلمين أحب إليَّ).انتهى.
فهذا تنصيص من الإمام أحمد على أن سنة المسلمين في القرون الفاضلة تقديم القيام أول الليل.
ولكن البعض يستدل بأدلة عامة تدل على أفضيلة الصلاة في جوف الليل وأنَّ الثلث الأخير من الليل وقت مبارك .
وجواب ذلك :
أنَّ هذا الأمر معلوم عند عمر رضي الله عنه وهو القائل: (( والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ))، أي الصلاة في جوف الليل - التي ينامون عنها - أفضل من الصلاة في أول الليل، والصحابة رضي الله عنهم يعلمون ذلك،
ولم ير أحدٌ منهم أن تقام صلاة التراويح جماعة في آخر الليل، بل بقي الأمر على ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فلو كانت صلاة التراويح جماعة من المسجد أفضل في جوف الليل لما تأخَّر عن هذه الفضيلة الصحابة الكرام .
ومن أجل ذلك قال حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: كل عبادة لم يتعبـَّدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها؛ فإنَّ الأول لم يدع للآخر مقالاً.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : اتبعوا ولا تبتدعوا ، فقد كفيتم ، وعليكم بالأمر العتيق.
2- وقال ابن القيم في بدائع الفوائد [4/918 ] :
" واختلف قوله - يعني أحمد - في تأخير التراويح إلى آخر الليل فعنه إن أخروا القيام إلى آخر الليل فلا بأس به،
كما قال عمر فإن الساعة التي تنامون عنا أفضل ولأنه يحصل قيام بعد رقدة وقال الله تعالى { إن ناشئة الليل ...} الآية.
وروى عنه أبو داود : لا يؤخر القيام إلى آخر الليل سنة المسلمين أحب إلى.
وذلك فعل الصحابة ويحمل قول عمر على الترغيب في الصلاة آخر الليل ليواصلوا قيامهم إلى آخر الليل لا أنهم يؤخرونها ولهذا أمر عمر من يصلي بهم أول الليل .
قال القاضي : قلت ولأن في التأخير تعريضا بأن يفوت كثيرا من الناس هذه الصلاة لغلبة النوم القيام ". انتهى.
فهذا تنصيص من الإمام ابن القيم على أن الصحابة قاموا أول الليل ولا تفريق، وأما كلمة عمر فتحمل على المنفرد، ونص أحمد الآخر يحمل على مجرد الجواز على أن الفعل في نفسه فاضل،
علماً بأن أحمد لم يفرق بين العشر الأخيرة وغيرها، أو أنه أراد المنفرد كما أراد عمر، والعلة التي ذكرها ابن القيم في تفضيل التراويح أول الليل يشمل الشهر،
كما أن فتيا أحمد هنا باعتبار الأرفق بالناس لا باعتبار تخصيص العشر بشيء دون غيرها لذا لم يفرق .
3- جاء في [ كشاف القناع للمرداوى ] :
وفعلها [أول الليل أفضل ] لأن الناس كانوا يقومون على عهد عمر أوله ". اهــ
4- وفي [ فتح المعين للمليباري الشافعي] :
" وينوي بها التراويح أو قيام رمضان وفعلها أول الوقت أفضل من فعلها أثناءه بعد النوم خلافا لما وهمه الحليمي ". انتهى.
5- وجاء في [ مجمع الأنهر من كتب الحنفية ] :
" والمستحب فعلها إلى ثلث الليل، وقيل بعد العشاء قبل الوتر وهو قول عامة المشايخ.
لأنها إنما عرفت بفعل الصحابة فكان وقتها ما صلوها فيه وهو صلوها بعد العشاء قبل الوتر". اهــ
6- قال ابن تيمية رحمه الله :
" السنة في التراويح أن تصلى بعد العشاء الآخرة كما اتفق على ذلك السلف والأئمة ". انتهى من (مجموع الفتاوى [ 23 /119])
فهذا صريحٌ في أنهم يقومون أول الليل ولكنهم يطيلون حتى يصيبوا الثلث الأخير من الليل .
واعلم أن مد الصلاة إلى ثلث الليل الآخر شيء وابتداؤها من ثلث الليل الآخر شيء آخر فالأول ثبت من فعل السلف والثاني لم يثبت البتة.
فإن قيل :
إنهم يتحرون ساعة الإجابة وليلة القدر.
فالرد :
لو كان هذا صحيحا لكان النبي ﷺ والصحابة أولى بهذا الفضل فأين الصحابة والتابعون عن هذا الفقه؟
وأيضا لماذا يتحرون هذه الساعة في العشر الأواخر ولا يتحرونها في بقية الشهر؟
كما أن فضل قيام الليل كله يدركه من قام مع الإمام حتى ينصرف. كما في الحديث الصحيح : إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.
وروى المروزي في قيام الليل : عن عبد الله بن عمرو : من صلى العشاء الآخرة أصاب ليلة القدر. انتهى.
7- سئل العلامة الألباني رحمه الله :
ما يحدث الآن يا شيخ في رمضان، في العشر الأواخر يقسمون الصلاة - صلاة القيام - في أول الليل وفي آخره فأصبح هذا نظام دائم.
الشيخ : بدعة
السائل : طيب كيف .. كيف يكون الـ ... يعني لو أردنا أن نقيم السنة ونخفف على الناس فكيف نفعل؟
الشيخ :
تفكرون كما قال عمر : " والتي يؤخرونها أفضل " يعني هو أمر أبي بن كعب أن يقيم صلاة القيام بالناس بعد صلاة العشاء، ففعل،
ولما خرج يتحسس قال : " نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل".
السائل : يعني يبقى الحال على ماهو قبل العشر؟
الشيخ : إي نعم. اهـ
(الشريط رقم 719 من سلسلة الهدى والنور)
- وسئل أيضا رحمه الله :
ما هو الجمع بين قول عمر رضي الله عنه : (والتي ينامون عنها أفضل) والحديث : (الذي قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)؟
فأجاب :
ما فيه خلاف التي ينامون عنها من حيث الوقت.
بمعنى لو كان هناك إمام مسجد و جماعة في المسجد اتفقوا مع الإمام أن يؤخروا صلاة القيام إلى آخر الليل،
هنا جمع هذا الإمام وجماعته بين الفضيلتن ،فضيلة الجماعة وفضيلة الوقت وهذا الوقت هو الذي رمى إليه عمر رضي الله عنه وهو لا يريد أن يقول أكثر من ذلك ... انتهى من (سلسلة الهدى والنور شريط 723 الدقيقة (24)).
فالإمام الألباني رحمه الله يرى أنَّ كيفية القيام في عدد الركعات وهي إحدى عشر ركعة لا يختلف في أول رمضان ولا في آخره،
ووقت القيام لا يختلف في أول رمضان عن آخره فمن صلى أول رمضان في أوله عليه أن يتم آخر رمضان كذلك في أول الليل،
لأن التفريق بين أول رمضان وآخر رمضان لعبادة واحدة يحتاج إلى دليل.
** وأما الإستدل بأثر طلق بن علي على جواز التعقيب، فهذا سوء فهم للأثر، لأن :
1- حديث طلق بن علي رضي الله عنه استدل به بعض العلماء في باب نقض الوتر،
وأنه لا حرج لمن أراد أن يصلي من النافلة من الليل عقب وتره، ولكن لا يعيد ركعة الوتر، كما ذكره ابو داود في سننه عند ترجمته للباب ، هذا من جهة .
2- من جهة أخرى الإستدلال به هنا على جواز تقسيم صلاة القيام إلى قسمين في رمضان فهذا قياس غير صحيح وهو قياس مع الفارق،
فطلق بن علي رضي الله عنه صَلى بأولئك صلاة وبهؤلاء صلاة أخرى بالتالي كلا الجماعتين صلوا صلاة واحدة ،
لا كما يفعلوه اليوم أهل المسجد الواحد وأهل الجماعة الواحدة يصلون صلاتين في ليلة واحدة.
وقد ثبت أن معاذ رضي الله عنه كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع ويصلي بقومه، وما أحد من العلماء استدل بفعله على جواز تكرار صلاة العشاء .
فصلاة طلق بن علي مثل صلاة معاذ بن جبل رضي الله عنهما عندما كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعود فيصلي بقومه، فهل في هذا تعقيب؟!!!!.
وإليك أراء بعض الائمة في مسألة التعقيب
كما جاء فى فتح الباري-لابن رجب [6/ 258] :
1- قال أنس بن مالك : مكروه
2- قال ابن رجب : بدعة
3- قال سفيان الثوري : بدعة
4- سعيد بن جبير : مكروه
5- الحسن البصري : مكروه
6- قتادة : مكروه
7- ابن ملجز : مكروه
8- الألباني : بدعة. (الشريط رقم 719 من سلسلة الهدى والنور)
إذن الغير مشروع هنا هو عمل جماعتين للصلاة في ليلة واحدة (جماعة في أول الليل للقيام ثم جماعة في آخره للتهجد). فهذا بدعة.
ومن وجد فى نفسه قوة وأراد أن يصلي مرة أخرى بعد أن صلى مع الإمام التراويح فليكمل فى بيته منفردا.
وأختم بهذا :
قال الشيخ ملا أحمد رومي الحنفي صاحب (مجالس الأبرار) :
عدم وقوع الفعل في الصدر الأول إما لعدم الحاجة إليه أو لوجود مانع أو لعدم تنبه أو لتكاسل أو لكراهة أو لعدم مشروعيته،
والأولان منفيان في العبادات البدنية المحضة لأن الحاجة في التقرب إلى الله تعالى لا تنقطع وبعد ظهور الإسلام لم يكن منها مانع،
ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم عدم التنبه والتكاسل فذاك أسوأ الظن المؤدي إلى الكفر فلم يبق إلا كونها سيئة غير مشروعة
وكذلك يقال لمن أتى في العبادات البدنية المحضة بصفة لم تكن في زمن الصحابة إذ لو كان وصف العبادة في الفعل المبتدع يقتضي كونها بدعة حسنة لما وجد في العبادات بدعة مكروهة .
ولما جعل الفقهاء صلاة الرغائب والجماعة فيها وأنواع النغمات في الخطب وفي الأذان وقراءة القرآن في الركوع والجهر بالذكر أمام الجنازة ونحو ذلك من البدع المنكرة،
فمن قال بحسنها قيل له : ما ثبت حسنه بالأدلة الشرعية فهو إما غير بدعة فيبقى عموم العام في حديث "كل بدعة ضلالة " وحديث " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " على حاله،
ويكون مخصوصا من هذا العام والعام المخصوص حجة فيما عدا ما خص منه ،
فمن ادعى الخصوص فيما أحدث أيضا احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص من كتاب أو سنة أو إجماع مختص بأهل الاجتهاد .
ولا نظر للعوام ولعادة أكثر البلاد فيه فمن أحدث شيئا يتقرب به إلى الله تعالى من قول أو فعل فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله،
فعلم أن كل بدعة في العبادات البدنية المحضة لا تكون إلا سيئة .انتهى.
ومن أراد الإستزادة من الأدلة فعليه بهذا الرابط https://archive.org/details/Dia2ulMasabe7/mode/2up
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق