تُعد مسألة صلاة التهجد جماعة في المسجد من المسائل التي أثارت نقاشًا فقهيًا بين العلماء.
▣ بعض المجيزين لصلاة التهجد جماعة في المسجد يستدلون بأدلة معينة، ولكن هذه الاستدلالات ضعيفة ولا تصح في إثبات مشروعية هذا الفعل.
▣▣ وفيما يلي تفصيل لأبرز استدلالاتهم والرد عليها:
▣ الدليل الأول : الإستدلال بأثر أنس بن مالك.
استدل بعض العلماء بأثر أنس بن مالك رضي الله عنه، الذي رواه ابن أبي شيبة [2/291]، على جواز التعقيب، حيث قال: (لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يَرْجِعُونَ إِلَى خَيْرٍ يَرْجُونَهُ، وَيَبْرَؤُونَ مِنْ شَرٍّ يَخَافُونَهُ).
▣▣ الرد على ذلك :
1- ضعف الأثر: هذا الأثر ضعيف ولا يصح الاحتجاج به، وذلك لعدة أسباب:
◄ ففي سنده عباد بن العوام يروي عن سعيد بن أبي عروبة وقد تكلم في روايته عن سعيد فقال : مضطرب الحديث عن سعيد بن أبي عروبة.
◄ فسعيد ابن أبي عروبة قد اختلط بآخر عمره ، وقد قرر أئمة الجرح والتعديل أن من سمع منه قبل الاختلاط فحديثه مقبول، ومن سمع منه بعد ذلك فلا يقبل.
◄ لا شك أن الذي روى عنه هذا الأثر هو عباد ابن العوام، فهو وان كان ثقة من رجال الستة إلا أنه في روايته عن سعيد بن أبي عروبة اضطراب .
2- أقوال العلماء :
- قال الإمام أحمد بن حنبل : عند عباد غير حديث خطأ عن سعيد فلا أدري سمعه منه بآخرة أم لا. ينظر: (مسائل أبي داود عن الإمام احمد).
- قال ابن حجر : حديث عباد عن سعيد عن أنس فيه وهم. ينظر: (التلخيص الحبير).
- قال ابن الجوزي : قال أحمد : عباد مضطرب الحديث عن سعيد. ينظر: (العلل المتناهية) (ذكره المزي في ترجمة عباد من تهذيب الكمال).
◄ إذن أثر أنس بن مالك رضي الله عنه لا يصح الإحتجاج به فى جواز التعقيب.
▣ الدليل الثاني : الإستدلال بأثر طلق بن علي.
- عن قيس بن طلق قال: " زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر ثم قام بنا الليلة وأوتر بنا
ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا فقال أوتر بأصحابك فإني سمعت النبي ﷺ يقول لا وتران في ليلة".
** بعض العلماء استدلوا بحديث طلق بن علي رضي الله عنه، زاعمين أنه يدل على جواز التعقيب.
▣▣ الرد على ذلك :
هذا سوء فهم للنص، وذلك :
1- لأن حديث طلق بن علي رضي الله عنه استدل به بعض العلماء في ( باب نقض الوتر)، وأنه لا حرج لمن أراد أن يصلي من النافلة من الليل عقب وتره،
ولكن لا يعيد ركعة الوتر، كما ذكره (أبو داود في سننه عند ترجمته للباب) ، هذا من جهة.
2- من جهة أخرى : الإستدلال به هنا على جواز تقسيم صلاة القيام إلى قسمين في رمضان جماعة، فهذا قياس غير صحيح وهو قياس مع الفارق،
◄ لأن طلق بن علي صلى بجماعة ثم صلى بجماعة أخرى، أي: أن كل جماعة صلت صلاة واحدة ،
لا كما يفعلوه اليوم فى المساجد من تقسيم صلاة الليل إلى قسمين (تراويح وتهجد) جماعة في ليلة واحدة، فهذا خلاف ما فعله السلف.
3 - قد ثبت أن معاذ رضي الله عنه كان يصلي العشاء مع النبي ﷺ ثم يرجع ويصلي بقومه، وما أحد من العلماء استدل بفعله على جواز تكرار صلاة العشاء .
◄ فصلاة طلق بن علي مثل صلاة معاذ بن جبل رضي الله عنهما عندما كان يصلي مع النبي ﷺ ثم يعود فيصلي بقومه، فهل في هذا تعقيب؟!.
▣ الدليل الثالث : الإستدلال بقول عمر بن الخطاب: "والتي ينامون عنها أفضل".
** بعض المجيزين يستدلون بقول عمر بن الخطاب : " نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله ". (صحيح البخاري)،
◄ حيث يفهمون منه أن الصلاة في آخر الليل أفضل، وبالتالي يجوز أداؤها جماعة فى المسجد.
▣▣ الرد على ذلك :
1- سوء فهم القول : قول عمر بن الخطاب لا يدل على جواز صلاة التهجد جماعة في المسجد، بل يدل على أن الصلاة في آخر الليل أفضل،
◄ وذلك إذا كان هناك إمام مسجد وجماعة المسجد لم يصلوا التراويح في أول الليل ثم اتّفقوا على أن يؤخّروا صلاة القيام (التراويح) إلى آخر الليل،
فهنا جمع هذا الإمام وجماعته بين الفضيلتن، فضيلة الجماعة وفضيلة الوقت، وهذا الوقت هو الذي رمى إليه عمر رضي الله عنه وهو لا يريد أن يقول أكثر من ذلك.
2- تأمل قوله : " وكان الناس يقومون أوله ": دل على أن فعل الصحابة الراتب هو القيام في أول الليل سواءً في العشر الأخيرة أو غيرها،
وما كان يقوم آخر الليل إلا المنفرد، وما ثبت عنهم أنهم قاموا آخر الليل جماعة.
◄ إذن الصحابة رضي الله عنهم لم يصلوا التهجد جماعة في المسجد، بل كانوا يصلون التراويح في أول الليل وينصرفون إلى بيوتهم.
▣ الدليل الرابع : الإستدلال بأدلة عامة على فضل الصلاة في جوف الليل.
يستدل البعض على ذلك بعموم الأحاديث التي تثبت فضل الصلاة في الثلث الأخير من الليل.
▣▣ الرد على ذلك :
1- عدم دلالة الأدلة على الجماعة : هذه الأدلة تدل على فضل صلاة التهجد بشكل عام، ولكنها لا تدل على مشروعية أدائها جماعة في المسجد.
2- فعل الصحابة : الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعلمون فضل الصلاة في جوف الليل، ومع ذلك لم يصلوا التهجد جماعة في المسجد، فلو كان خيرا لسبقونا إليه.
- قال ابن مسعود رضي الله عنه : اتبعوا ولا تبتدعوا ، فقد كفيتم ، وعليكم بالأمر العتيق. انتهى.
◄ كما أن فضل قيام الليل كله يدركه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كما في الحديث الصحيح : (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة).
3- أقوال العلماء :
- جاء في "كشاف القناع" للمرداوي : وفعلها [أول الليل أفضل ] لأن الناس كانوا يقومون على عهد عمر أوله. اهــ.
- وفي "فتح المعين" للمليباري الشافعي : وينوي بها التراويح أو قيام رمضان وفعلها أول الوقت أفضل من فعلها أثناءه بعد النوم، خلافا لما وهمه الحليمي. انتهى.
▣▣ الخلاصة :
▣ بناءً على ما سبق، يتضح أن الأدلة التي يستند إليها القائلون بجواز صلاة التهجد جماعة في المسجد غير صحيحة أو مبنية على فهم خاطئ للنصوص.
▣ والأفضل للمسلم أن يلتزم بما ورد عن النبي ﷺ والصحابة، فيصلي التراويح جماعة في أول الليل، ثم يصلي التهجد منفردًا في بيته إذا أراد.
والله اعلم
▣ ما رأيك في هذه الردود والأدلة؟ شاركنا رأيك وانضم إلى النقاش! ولا تنسَ مشاركة هذا المنشور مع أصدقائك وعائلتك لتعم الفائدة.
اقرأ أيضا :
تعليقات
إرسال تعليق