ينبغي على كل مسلم أن لا يستشهد بكلام أهل البدع مُطلقا حتى وإن كان حقا لأن النقل عنهم ترويجاً لأمرهم وتنويهاً بذكرهم فتغتر الناس بهم فكيف نحذر منهم وفى نفس الوقت نستشهد بكلامهم؟! .
فقد حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم - من أخذ العلم عن أهل البدع وعدَّ ذلك من أشراط الساعة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ من أشراط السَّاعة أن يُلتمسَ العِلم عند الأصاغر ". صحَّحه الألبانِيُّ في الصحيحة. قال عبد الله بن المبارك : " الأصاغر أهل البدع ".
- وروى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قال : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
فلا يصح أن يأخذ المسلم العلم إلا من كتب الثقات من أهل العلم المعروفين بالديانة والعقيدة الصحيحة واتباع السنة ومجانبة البدعة.
قال الإمام الذهبي بعد أن ذكر بعض كتب أهل الضلال :
فالحذار الحذار من هذه الكتب ، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل وإلا وقعتم في الحيرة ، فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية ، وليدمن الاستغاثة بالله ، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين ، والله الموفق . انتهى من "(سير أعلام النبلاء (19/328،329) ).
- جاء في كتاب "حلية طالب العلم" لبكر أبي زيد :
عن مالك رحمه الله قال : لا يؤخذ العلم عن أربعة : سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس ، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه ، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنتُ لا أتهمه في الحديث ، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به . اه
فياأيها الطالب إذا كنت في السعة والاختيار فلا تأخذ عن مبتدع رافضي، أو خارجي، أو مرجئ، أو قدري، أو قبوري، ...وهكذا، فإنك لن تبلغ مبلغ الرجال، صحيح العقد في الدين، متين الاتصال بالله، صحيح النظر، تقفو الأثر، إلا بهجر المبتدعة وبدعهم . انتهى
فقال الشيخ العثيمين رحمه الله- شارحاً الكلام :
وظاهر كلام الشيخ - وفقه الله - أنه لا يؤخذ عن صاحب البدعة شيء حتى فيما لا يتعلق ببدعته.
فمثلاً إذا وجدنا رجلاً مبتدعاً لكنه جيد في اللغة العربية : البلاغة والنحو والصرف. فهل نجلس إليه ونأخذ منه هذ العلم الذي هو جيد فيه أم نهجره؟ ظاهر كلام الشيخ أننا لا نجلس إليه لأن ذلك يوجب مفسدتين :
المفسدة الأولى : اغتراره بنفسه فيحسب أنه على حق.
المفسدة الثانية : اغترار الناس به حيث يتوارد عليه الناس وطلبة العلم ويتلقون منه والعامي لا يفرق بين علم النحو وعلم العقيدة.
لهذا نرى أن الإنسان لا يجلس إلى أهل البدع والأهواء مطلقاً حتى إن كان لا يجد علم العربية والبلاغة والصرف إلا فيهم، فسيجعل الله له خيراً منه لأنا كوننا نأتي لهؤلاء ونتردد إليهم لا شك أنه يوجب غرورهم واغترار الناس بهم .
وقال رحمه الله : حذر المؤلف من أهل البدع هذا التحذير البليغ وهم جديرون بذلك ولا سيما إذا المبتدع سليط اللسان فصيح البيان لأن شره يكون أكبر .
ثم قال رحمه الله : وقد مر علينا في الدرس الماضي أنه وإن كان المبتدع عنده علوم لا توجد عند أهل السنة ولا تعلق بالعقيدة كمسائل النحو والبلاغة وماأشبهها فلا تأخذ منه لأنه يتولد من ذلك مفسدتان
الأولى : اغتراره بنفسه
والثاني : اغترار الناس به لأن الناس لا يعلمون
لذلك يجب الحذر . اهـ
(الشريط الخامس من شرح كتاب "حلية طالب العلم")
وقال أيضا رحمه الله :
فإذا وجدنا مبتدعا عنده طلاقة في اللسان وسحر في البيان فإن لا يجوز أن يجلس إليه لأنه مبتدع لأننا نخشى من شره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن من البيان لسحرا. قد يسحر عقولنا حتى نوافقه على بدعته ،
الثانية : أن فيه تشجيعا لهذا المبتدع.
ثالثا : إساءة الظن بهذا الذي اجتمع إلى صاحب البدعة وقد لا يتبين هذا إلا بعد حين ولهذا يجب على طالب العلم أن يتجنب الجلوس إلى أهل البدع.
فإن قال قائل : إذا كنت أجلس إليه أتلقى عنده علما لا علاقة له بالبدعة كعلم النحو أو علم البلاغة فماذا نقول ؟ نقول وعلم النحو وعلم البلاغة قد يكون فيه بلاء.
ثم قال : احذر أن تجلس إلى صاحب بدعة ولو في الفنون التي لا علاقة لها ببدعته لأنه لابد أن يدس السم في العسل . انتهى من (الشريط الثاني عشر من شرح حلية طالب العلم)
وقال الإمام الألباني رحمه الله :
يشترط لمن يريد الدراسة عند مبتدع النحو أو الصرف أن يكون متمكنا في العقيدة لاشك ،
لأن أهل البدع من أشاعرة ومعتزلة عندهم قواعد يعتمدون فيها في نشر اعتقاداتهم الباطلة على اللغة ومن لا يكون متمكنا في العقيدة يقع في شراكهم . انتهى من [سلسلة الهدى والنور - الشريط التاسع والسبعون]
وهذا الكلام يتفق مع كلام العلامة العثيمين رحمه الله حيث ذكر بأن علم النحو والبلاغة قد يكون فيه بلاء ولاشك في صحة هذا القول فمن اطلع على كثير من تلبيسات الأشاعرة والمعتزلة يجد أنهم يعتمدون في ترسيخ بعض قواعد اللغة والصرف التي يعتمدون عليها في التأصيل لإعتقاداتهم المبنية على تحريف نصوص الكتاب والسنة .
ومن مقال للشِّيخ أبي عبد الحق عبد اللطيف بن أحمد بعنوان " تحريم الدراسة عند أهل البدع والأهواء " إليك الأضرار :
1- إبراهيم ابن إسماعيل ابن عُلَيَّ صاحب الأصم الجهمي فأصمهُ بالجهمية بسبب ماذا صار جهمياً ؟ الصُحبه .
2- المأمون تتلمّذَ على يد البشر المريسي ففتنهُ بفكرة خلق القرآن حتى عذّب النّاس بها مأمون تأثر بمن ، بمريسي تتلمذَ على يدهِ .
3- عمران بن طحّان
قال الذهبي في سير أعلام النُّبلاء وفي تاريخه عندَ ترجُمة عمران ، قال حدّث سلمةَ ابن علقمة عن ابن سيرين قال : تزوّجَ عمران خارجيّةً ، أنتبه يا أخوه ، كثير من الشّباب هَمُّهُم الجمال ، يقول حتى إن لم تكن متقياً مُلتَزِمَ بالدّين ، فأنا أُحاول أنفعها وأحولها إلى السُّنةِ والطاعة ، تزَوَّج عمرانُ خارجيةً وقال سأردّها أي إلى ماذا إلى السنة ، قال فصرفتهُ إلى مذهبِها ، فأصبحَ عمران خارجياً خبيثاً.
4- عمر ابن عُبيد
قال الذهبي رحِمهُ اللهُ تعالى في السّير والتاريخ عند ترجُمة ابن عبيدٍ قال ، قال ابن عُلَيَّ أول في الاعتزال واصل الغزال فدخل معهُ عبيد فأُعجِبَه وزوَّجهُ أخته ، وقال زوجتُكِ بِرَجُلٍ ما يصلحُ إلا أن يكونَ خليفة تأثّرَ به وأُعجِبَ به .
والّدراسةُ عند أهل البدع من الإثم من حيثُ أن فيها :
1- تكثيراً لِسوادهم .
2- وتلبيساً على العامة.
3- واغترارا لذلك المبتدع المدرس.
4- والافتتان بهم.
5- وبدراستكَ عندهم يتمادونَ في بدعهِم.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :
أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدون عند الجميع في طبقات الفقهاء وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه .
وقال البغوي في شرح السنة :
قد مضى الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم ...).انتهى كلامه.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
"ومن هجر أهل البدع ترك النظر في كتبهم خوفاً من الفتنة بها ، أو ترويجها بين الناس ، فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب لقوله صلى الله عليه وسلم في الدجال " من سمع به فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات". "رواه أبو داوود . قال الألباني: وإسناده صحيح ".
لكن إن كان الغرض من النظر في كتبهم معرفة بدعتهم للرد عليها فلا بأس بذلك لمن كان عنده من العقيدة الصحيحة ما يتحصن به وكان قادراً على الرد عليهم ، بل ربما كان واجباً ، لأن رد البدعة واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ". انتهى من (شرح لمعة الاعتقاد صفحة 100).
قال العلامة الفوزان حفظه الله :
لا يجوز قراءة كتب المبتدعة ولا سماع أشرطتهم إلا لمن يريد أن يرد علهم ويبين ضلالهم . انتهى من (الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص70)) .
قال الشيخ خالد بن عبد الرحمن المصري حفظه الله :
لذلك يخطيء كثير من الشباب لما يقول آخذ من المبتدع الكلام الطيب عن الجنة و عن الرقائق وعن وعن ، كما أن السلف كانوا يأخذون الرواية !.
نقول هجر المبتدع ذماً واحتقاراً له، كيف هذا المبتدع يجلس ويجمع له ألوف الناس ؟ هل الحضور والأخذ عن هذا الرجل في باب من الأبواب كالوعظ والإرشاد أو التخويف أو الترغيب والترهيب ، هل هذا من باب الهجر أو هو مضاد للهجر ؟
لأننا في الرواية لم نأخذ منه علماً , أخذنا ما روي عن رسول الله - صلي الله عليه و آله وسلم - إذا كان صادقا ، إذن .. لم نأخذ منه علماً اجتهد هو فيه،
ولكنه لما يدخل في باب الزهد والرقائق ويجالس مِن هؤلاء وهؤلاء، يفخَّم أمره ويغتر به الناس، طلق بن حبيب قد قبل كثير من أهل الحديث روايته وحذَّروا من الجلوس إليه ! .
ففرق بين الرواية عن المبتدع وبين مخالطته والاستفادة منه واضح ؟فالذين كانوا يأخذون الرواية من طلق وأمثال طلق، هم الذين كانوا يحذرون من ماذا ؟ من الجلوس معه ! ليس فقط في دروسه بل بمجرد أن يروا أن أحداً جلس معه كانوا يحذِّرون منه . انتهى من (البيانات الواضحات في فقه منهج الموازنات والرد على أهل التيه والشتات)
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق