إن الوصية الواجبة التى تعمل بها المحاكم فى بعض الدول والتي تقضي بمنح أحفاد المتوفى نصيب آبائهم أو أمهاتهم في الإرث،
بشرط أن لا تزيد الوصية في حَقِّهم عن ثلث التركة ولو لم يُوصِ لهم الجد بشيءٍ من المال، فإنه تنفذ الوصية الواجبة بحكم القانون،
هو حكمٌ لا أساس له في الشرع الشريف ويعد تعديًا على حقوق الورثة الشرعيين، ويعتبر اجتهادًا بشريًا يتعارض مع أحكام الله تعالى في الميراث.
* فالجد لو أوصى بالفعل لأحفاده ولكن بأقل مما يوجبه هذا القانون، فإنهم يوجبون بحكم القانون إكمال مقدار الوصية الواجبة، وهذا باطل بلا مرية!.
* فإلزام الورثة بإخراج قدر معين لم يأت الشرع بتعينه، هو ميراث وليس وصية، وهو افتيات على هذه الشريعة المحكمة.
- قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه شرح قانون الوصية : هذه خلاصة أحكام الوصية الواجبة ... وهذه الأحكام في غايتها ومرماها وفي الغرض منها والسبب الباعث عليها تنحو نحو الميراث،
فالقانون جعل بهذه الوصية لأولاد من يموت في حياة أبويه ميراثاً مفروضاً، هو ميراثه الذي كان يستحقه لو بقي بعد وفاة أصله، على ألا يتجاوز الثلث،
وإذا كان هذا غاية القانون فكل الأحكام تتجه إلى جعل هذه الوصية ميراثاً، ولذا تجب من غير إيجاب، وإذا وجبت صارت لازمة لا تقبل عدم التنفيذ، وبذلك تشابهت مع الميراث. اهـ.
* وإليك تعريف الوصية الواجبة :
الوصية الواجبة نجد أنها عبارة عن وصية أوجبها القانون لصنف معين من الأقارب حرموا من الميراث لوجود حاجب لهم،
بمقدار معين وشروط معينة وتنفذ بحكم القانون سواء أنشأها المورث أم لم ينشئها، فهذا النوع من الوصايا واجب وجوبا قانونيا.
* الأسس الشرعية للوصية الواجبة :
يستند أنصار الوصية الواجبة إلى آية الكريمة : " كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ". (البقرة: 180). ويرون أن هذه الآية تدل على وجوب الوصية للأقارب، وأن القانون الذي يوجب الوصية الواجبة هو تطبيق عملي لهذه الآية.
* الإنتقادات الموجهة للوصية الواجبة :
1 - الآية التي استدلوا بها على مشروعية هذه الوصية ، قد خالفوها من ثلاثة أوجه :
الأول: قوله تعالى : ( إن ترك خيرا ) فهذا تقييد للأمر بالوصية فلا يؤمر بالوصية إلا من ترك خيرا ، وهو المال الكثير. قاله علي وابن عباس رضي الله عنهم ،
وقد اختلف العلماء في مقداره ، واختار ابن قدامة رحمه الله : أن المراد بذلك المال الكثير الذي يفضل منه شيء بعد إغناء الورثة ،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل المنع من الوصية بأكثر من الثلث بقوله : (أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ). رواه البخاري (1296) ومسلم (1628). انظر : "المغني" (8/391) .
فهذا القيد ( إن ترك خيرا ) شرط للوجوب كما هو ظاهر ، والقانون أهمل هذا الشرط ، وأعطاهم جزءاً من التركة سواء ترك الميت مالاً كثيراً أم قليلاً .
الثاني: قوله تعالى : ( والأقربين ) عام في جميع الأقربين ، فيشمل الأحفاد والإخوة وأولادهم ، والأعمام والأخوال وأولادهم ، وغيرهم من الأقارب ، فتخصيصه بالأحفاد مخالفة أخرى للآية .
الثالث: الآية لم تحدد الوصية بقدر معين ، لا نصيب الأب ولا غيره ، فإذا أوصى الرجل مثلاً لحفيده بالسدس فقد امتثل الأمر الوارد في الآية ،
غير أن القانون لا يكتفي بهذا ، بل يكمل له نصيب أبيه الذي لو فرض أنه كان حيا لأخذه ، بشرط ألا يزيد على الثلث ، وهذه مخالفة ثالثة للآية .
2 -قانون الوصية الواجبة لا يفرق بين المحتاج وغيره من الأحفاد، فلو افترضنا أن هناك حفيد ثري وأعمام فقراء،
فبمقتضى قانون الوصية الواجبة سيشارك هذا الحفيد الثري أعمامه الفقراء ويأخذ مثل نصيبهم. فهل مثل هذا يُقبل في الشرع أو في العقل؟!
فقانون الوصية الواجبة أعطى الأحفاد جزءاً من التركة، ولم يشترط فقرهم، بل أعطاهم ولو كانوا أغنياء ، وكان الواجب الاقتصار على حالة الحاجة .
3 - قصر القانون الأقارب الذين يستحقون هذه الوصية على الأحفاد فقط ، وأعطاهم نصيب أبيهم ، وقد يفهم من القانون أن هذا مذهب ابن حزم رحمه الله ، وليس هذا مذهبه ،
فابن حزم رحمه الله لا يخص الوصية بالأحفاد بل تكون لجميع الأقارب غير الوارثين ، ويوجب على الموصي أن يوصي لثلاثة من أقاربه على الأقل ، لأن هذا هو أقل الجمع ،
ثم إن ابن حزم رحمه الله لم يحدد الجزء من المال الموصى به بمقدار معين ، بل بما يشاء الميت ،
فإن لم يوص فالورثة أو الوصي هم الذين يحددون مقدار ما يخرجونه من المال للأقارب. ينظر كلامه فى : "المحلى" (8/351). فهل يصح بعد ذلك أن ينسب لابن حزم قانون الوصية الواجبة المعروف بتفاصيل لم ينزل الله بها من سلطان؟!
4 - هذه الوصية بهذا التفصيل الوارد في القانون ، لم يسبق لأي عالم مسلم على مدار تاريخ الإسلام أن ذكر وصية تفصيلية كهذه.
هذا غياب تام يدلل على بطلان القانون المعني، خاصةً وأن الحديث الشريف يؤكد أن الأمة لن تتفق على ضلال. فكيف ترك المسلمون هذه الوصية الهامة لقرون طويلة؟!.
5 - كما أن هناك ثمة مؤاخذات عدة على هذا القانون، نذكر منها :
أ - لماذا يراعي القانون الأحفاد ولا يراعي الأجداد والجدات غير الوارثين ، مع أنهم في الغالب أشد حاجة ويكونون مرضى ، وعاجزين عن العمل ، ويحتاجون إلى علاج ونفقات .
فلماذا يعطي القانون بنت البنت ولا يعطي أم الأب مثلاً ؟!
ب - أن بنت البنت قد تأخذ أكثر مما ترثه بنت الابن ، فلو مات شخص عن بنت ، وبنت بنت متوفاة ، وبنت ابن ، وترك 30 فدانا مثلا ،
فإن مقدار الوصية الواجبة لبنت البنت هنا هو ثلث التركة وهو 10 أفدنة نصيب أمها لو كانت حية .
وتأخذ البنت وبنت الابن الباقي فرضا وردا بنسبة 1:3 ، فيكون نصيب بنت الابن خمسة أفدنة أي نصف ما أخذته بنت البنت !!
مع أن بنت الابن أحق منها ، ولذلك انعقد إجماع العلماء على أن بنت الابن ترث ، وأن بنت البنت لا ترث ، فكيف يُعطى غير الوارث أكثر من الوارث ، مع أنهما في درجة قرابة واحدة ؟!
وهذا الشذوذ والاختلاف دليل على نقص البشر ، وتصديق لقوله تعالى : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ). النساء/82 .
الخلاصة
- هذا القانون، الذي يجعل نصيب الأحفاد ميراثًا، يمثل خروجًا صريحًا عن أحكام الشريعة الإسلامية.
- فالشريعة قد حددت حصص الورثة بشكل قطعي، ولا يجوز لأي قانون بشري أن يتعدى على هذه الحدود. وهذا التعدي يضطر الناس إلى القبول بأحكام لا تتفق مع نصوص الشريعة الثابتة.
- إن الله تعالى هو الحكيم العليم الذي قسم الميراث بحكمته، وهو أعلم بما فيه صلاح العباد. لذا، يجب التسليم بحكمه وعدم التعديل عليه.
- وقد اتفق جمهور العلماء على أن الوصية ليست واجبة وانما مستحبة، وأن قانون الوصية الواجبة مخالف لهذا الرأي.
- ورغم ذلك، فإننا نشجع على البر بالأقارب، وخاصة المحتاجين منهم، وذلك بوصية طوعية لا تجاوز الثلث.
اقرأ أيضا : هل يرث أبناء الابن الذي توفى قبل والده؟
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق