القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

يجوز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وذلك من خلال الولد لأبيه وأمه فقط لأن كل الأحاديث التى جاءت فيها إهداء القرب كانت من الأبناء للأباء .

فما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة فإِنّ لوالديه مثلَ أجره دون أن ينقص من أجره شيء لأن الولد من سعْيهما وكسْبهما والله -عزّ وجلّ- يقوله : {وأنْ ليس للإِنسان إِلا ما سعى}. والإبن هو من سعي والديه.

والدليل :

1- قال النبى صلى الله عليه وسلم : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه. (صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 4464)

فلما كان الأب هو الساعي في وجود الولد كان عمل الولد من كسب أبيه بخلاف الأخ والعم ونحوهم فإنه ينتفع بدعائهم بل بدعاء الأجانب لكن ليس ذلك من عمله. والنبي صلى الله عليه وسلم قال : "انقطع عمله إلا من ثلاث..". ولم يقل أنه لا ينتفع بعمل غيره فإذا دعا له ولده كان هذا من عمله الذي لم ينقطع وإن دعا له غيره لم يكن من عمل المرء ولكنه ينتفع به .

2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم- فقال : «يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال : "نعم. قال : فدين الله أحق أن  يقضى». (صحيح البخاري 7/ 52)

3- عن عائشة -رضي الله عنها : "أنّ رجلاً قال للنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنّ أميّ افتُلِتَت نفسها ، وأراها لو تكلّمت تصدّقت، أفأتصدق عنها؟ قال : نعم، تصدّق عنها .(أخرجه البخاري)

4- وعنه أيضاً رضي الله عنهما أنه قال : كان الفضل بن عباس رضي الله عنهما رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأةٌ من خثعم، تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. قالت : «يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال : نعم. وذلك في حجة الوداع». (صحيح مسلم 7/ 35،)

5- وعنه أيضاً رضي الله عنهما : أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أمه توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال : نعم». (صحيح البخاري 9/ 321)

 أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : لما أصيب عمر -رضي الله عنه- جعل صهيب يقول : وا أخاه! فقال عمر -رضي الله عنه أما علمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «إن الميت ليعذب ببكاء الحي»(صحيح البخاري 5/ 35)

فإذا كان البكاء يضره فالقراءة تنفعه، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب عنه المثوبة .انتهى من ( الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426)

6- عن عبد الله بن عمرو قال : أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فقال : يا رسول الله : إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإن هشاما أعتق عنه خمسين رقبة وبقيت خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو كان مسلما فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك. (صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: (2883))

 فقد دلت هذه الأحاديث على أن الأباء يصلهم بعد موتهم ثواب أعمال الخير البدنية التي توهب لهم من قبل أبنائهم سواء كان بالحج عنهم وكذا التصدق عنهم فكذلك قراءة القرآن فهى كسائر العبادات إذ ليس هناك نص يمنع من إيصال ثوابها أو ثواب الأعمال الأخرى إلى الميتقال ابن قدامة رحمه الله : وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله . 

 إذن ما جاءت به السنة قضايا أعيان لا عموم لها فإذا كانت السنة جاءت بجواز إهداء ثواب الأعمال لشخص معين في أشياء معينة فغيرها مثلها وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد  -رحمه الله.

كما أن الأحاديث التى جاءت فيها موافقة النبي صلى الله عليه وسلم على اهداء الأعمال الصالحة للاموات لم تكن منه إبتداء بل كانت أجوبة على أسئلة مطروحة وكل مرة يسأل عن عمل من أعمال البر فيشعرك هذا أن الأعمال لا تقتصر على ما ذُكرت فيها وهذا ردا على من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أعمال معينة فقط.

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية : كالصوم والصلاة وقراءة القرآن، والصواب أن الجميع يصل إليه، أي يصل ثوابها إلى الميت. انتهى (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج24 ص315، ص366)

قال أيضا رحمه الله :

 "فذكر الولدَ، ودعاؤه له خاصَّين؛ لأنَّ الولد من كسبِه كما قال : {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. [المسد: 2]، قالوا : إنَّه ولده، وكما قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «إنَّ أطْيَبَ ما أَكَلَ الرَّجُل من كسْبِه، وإنَّ ولدَه من كسْبِه»، فلمَّا كان هو السَّاعي في وجود الولَد، كان عملُه من كسبه، بخلاف الأخ والعمِّ والأبِ ونحْوهم، فإنَّه ينتفِع أيضًا بدُعائهم، بل بدعاء الأجانب، لكن ليس ذلك من عمله. والنَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال : «انقطع عملُه إلاَّ مِن ثلاث: .. .. ..»، لم يقُل : إنَّه لَم ينتفع بعمل غيرِه، فإذا دعا له ولدُه، كان هذا من عملِه الَّذي لم ينقطِع، وإذا دعا له غيرُه، لم يكُن من عملِه؛ لكنَّه ينتفع به".

 وعليْه؛ فما يفعلُه الولد الصَّالح من الأعْمال الصَّالحة، فإنَّ لوالديْه مثلَ أجرِه إن كان الأبُ هو مَن دلَّه على الخير؛ لقولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَن دعا إلى هُدًى، كان له من الأجْر مثلُ أُجُور مَن تبِعَه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالة، كان عليْه من الإثْم مثلُ آثام مَن تبِعه لا ينقص ذلك من آثامِهِم شيئًا». وقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «مَن سنَّ سنَّة حسنةً، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن يُنقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».انتهى (مجموع الفتاوى لابن تيمية 1-21 مع الفهارس ج(14))

 قال ابن قدامة رحمه الله :

 "وكلها أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار كلها عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها.... ".انتهى باختصار (المغني 5/ 79.).

وقال العلامة الشوكاني رحمه الله  في كتابه ( نيل الأوطار ) :

 " أحاديث الباب تدلّ على أنّ الصّدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصيّة منهما ويصل إليهما ثوابه... وأمّا من غير الولد فالظّاهر من العمومات القرآنيّة أنّه لا يصل ثوابه إلاّ على الميّت فيوقف عليها حتّى يأتي دليل يقتضي تخصيصها ". انتهى

وقال الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة"  / 783 -784 برقم 484 :

" أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد فصمت و تصدقت عنه نفعه ذلك ".أخرجه الإمام أحمد ( 2 / 182 ) حدثنا هشيم أخبرنا حجاج حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :" أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وأن هشام ابن العاص نحر حصته خمسين بدنة وأن عمرا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال " فذكره .

قلت : وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات على الخلاف المعروف في عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده . و هشيم و الحجاج كلاهما مدلس ، و لكنهما قد صرحا بالتحديث ، فزالت شبهة تدليسهما . و من هنا تعلم أن قول الهيثمي في " مجمع الزوائد "( 4 / 192 ) :" رواه أحمد ، و فيه الحجاج بن أرطأة و هو مدلس " .فليس دقيقا ، فإنه يوهم أنه قد عنعنه ، و ليس كذلك كما ترى .

و الحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين ويصل إليهما ثوابها بدون وصية منهما. ولما كان الولد من سعي الوالدين  فهو داخل في عموم قوله تعالى : (وأن ليس للإنسان إلاما سعى) فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب مما أورده المجد ابن تيمية في " المنتقى " كما فعل البعض .

واعلم أن كل الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله : " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى " غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 4 / 78 - 80 ) ، ثم الكاتب في كتابه " أحكام الجنائز و بدعها " يسر الله إتمام طبعه من ذلك الدعاء للموتى فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك و تعالى . 

فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط في هذه المسألة وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه لأنه من سعيهما وليس له ذلك عن غيرهما إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه .اه

وقال أيضا رحمه الله :

فكل ما يفعله الولد يستفيد منه الوالدان على اعتبار أنهما السبب في هذا الخير كما قال تعالى : {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى،أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} وقد جاء في الحديث الصحيح : «أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده وإن أولادكم من كسبكم» من خلال الوصف النبوي نخرج بالنتيجة السابقة الذكر وهي : أن كل الأعمال الصالحة التي تصدر من الولد فهي تصل إلى الوالد أما سائر الناس فلا ... الأعمال الصالحة ليس ينتفع بها إلا صاحبها مع شرط القبول وإلا من كان سبباًَ لهذا العمل الصالح بمعنى ما ذكره الرسول عليه السلام في الحديث الصحيح : «إذا مات الإنسان» وفي روايات أخرى : «ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له» وقد قال تعالى : {ونكتب ما قدموا وآثارهم}.

 فهذه هي القاعدة : الأبوان يصل إليهما أجرعمل الولد. للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه لأنه من سعيهما وليس له ذلك عن غيرهما إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه. والله أعلم . انتهى من (السلسلة الصحيحة الحديث رقم(84)). 

وقال أيضا رحمه الله :

أقول : بأن كسب الولد .. كما قال عليه السلام : «أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده، وإن أولادكم من كسبكم» وقال تعالى : {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}. (يس:12). وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : «إذا مات الإنسان» وفي رواية : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

 فهذا الولد الصالح فعله الصالح ينفع والديه؛ لأنه أثر من آثار الوالدين، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}. (يس:12)، ولا أقول بأن القراءة هذه تفيد غير الوالدين أو أي يعني : فعل صالح يفيد غير الوالدين، ولعلكم تذكرون أن بعض العلماء المتقدمين يقولون : بأن صدقة المتصدق عن بعض المسلمين تصلهم هذه الصدقة ولو كانوا غير الوالدين، نحن في هذا الموقف نحدد الوصول للوالدين، فصدقة الولد تصل إلى الوالدين، وكل عمل صالح كعتق الرقاب والعبادات بصورة عامة تصل إلى الوالدين لما ذكرنا آنفاً من عموم الأدلة.

أما أن ينتفع من هذه المبرات أو هذه العبادات غير الوالدين ومنها تلاوة قرآن نحن ما نقول بهذا العموم؛ ولذلك فينبغي إعادة النظر في ذالك الكلام حتى لا ينسب إلينا ما لا نقول به، نحن نقول فقط بهذا التحديد الضيق . انتهى ("الهدى والنور" (366/ 00:04:56 طريق الإسلام))

وقال أيضا رحمه الله :

 إذا كان الذي يقرأ القرآن هو ولد للمتوفى سواء كان أباً أو أماً فهذه القراءة تنفع، أما من سوى الأولاد فلا تنفع قراءتهم غير الأبوين كما ذكرت آنفاً، فالزوجة إذاً طلعت خارج، لكن بلا شك أنتِ كزوجة مصابة بوفاة زوجك فباستطاعك أنك تدعي له أنه إن كان محسناً فربنا عز وجل يزيد في حسناته، وإن كان مسيئاً فربنا يتجاوز عن سيئاته، دائماً تذكريه بالخير وتدعي له بالخير، أما أنك تقرأي وتهدي ثواب القراءة للزوج خلاص انقطع عمله كما ذكرت في الحديث السابق وتمام هذا الحديث قوله عليه الصلاة والسلام : «إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» . انتهى  (" الهدى والنور" (/290/ 10: 53: 00)).

وقال أيضا رحمه الله :

القراءة كسائر العبادات يصل ثوابها إلى الآباء من الأبناء وإن عَلَوْا دون تخصيص لأن الابن من كسب أبيه فكل ما يفعل الأبناء يصل للآباء وبخاصة إذا كانوا من ثمرتهم بحسن تربيتهم ورعايتهم لهم؛ لقوله تعالى(رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) .اه (البدع والمحدثات - رقم الفتوى (58))

وقال أيضا رحمه الله :

قال الشوكاني في (نيل الاوطار) (4/ 79) : (وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، فيخصص بهذه الاحاديث عموم قوله تعالى (وأن ليس للانسان إلا ما سعى).

ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الانسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت، فيوقف عليها، حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصحها).

قلت : وهذا هو الحق الذي تقضيه القواعد العلمية، أن الاية على عمومها وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولد إلى الوالد لانه من سعيه بخلاف غير الولد.

لكن قد نقل النووي وغيره الاجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصله ثوابها، هكذا قالوا (الميت) فأطلقوه ولم يقيدوه بالوالد، فإن صح هذا الاجماع كان مخصصا للعمومات التي أشار إليها الشوكاني فيها يتعلق بالصدقة، ويظل ما عداها داخلا في العموم كالصيام وقراءة القرآن ونحوهما من العبادات،

 ولكنني في شك كبير من صحة الاجماع المذكور وذلك لامرين :

 الأول : أن الاجماع بالمعنى الاصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي علمت من الدين بالضرورة، كما حقق ذلك العلماء الفحول، كابن حزم في (أصول الاحكام) والشوكاني في (إرشاد الفحول) والاستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه (أصول الفقه) وغيرهم، وقد أشار إلى ذلك الامام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من أدعى الاجماع - ورواها عنه أبنه عبد الله بن أحمد في (المسائل).

الثاني : أنني سيرت كثيرا من المسائل التي نقلوا الاجماع فيها، فوجدت الخلاف فيها معروفا! بل رأيت مذهب الجمهور على خلاف دعوى الاجماع فيها، ولو شئت أن اورد الامثلة على ذلك لطال الكلام وخرجنا به عما نحن بصدده. فحسبنا الان أن نذكر بمثال واحد، وهو نقل النووي الاجماع على أن صلاة الجنازة لا تكره في الاوقات المكروهة! مع أن الخلاف فيها قديم معروف، وأكثر أهل العلم على خلاف الاجماع المزعوم، كما سبق تحقيقه في المسألة (87)، ويأتي لك مثال آخر قريب إن شاء الله تعالى.

وذهب بعضهم إلى قياس غير الوالد على الوالد وهو قياس باطل من وجوه :

 الأول : أنه مخالف العموميات القرآنية كقوله تعالى : {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}[فاطر: 18] وغيرها من الايات التي علقت الفلاح ودخول الجنة بالاعمال الصالحة، ولا شك أن الوالد يزكي نفسه بتربيته لولده وقيامه على فكان له أجره بخلاف غيره.

الثاني : أنه قياس مع الفارق إذا تذكرت إن الشرع جعل الولد من كسب الوالد كما سبق في حديث عائشة فليس هو كسبا لغيره والله عز وجل يقول : {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}. [المدثر: 38] ويقول : {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}. [البقرة: 286].

وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله عز وجل : {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}. [النجم: 39] : (أي كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الاجر إلا ما كسب هو لنفسه. ومن هذه الاية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداه ثوابها إلى الموتى لانه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا ايماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الاقيسة والاراء)

 وقال العز بن عبد السلام في (الفتاوى) (24/ 2 - عام 1692) : (ومن فعل طاعة الله تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حي أو ميت، لم ينتقل ثوابها إليه، إذ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، فإن شرع في الطاعة ناويا أن يقع عن الميت لم يقع عنه، إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة والصوم والحج). وما ذكره ابن كثير عن الشافعي رحمه الله تعالى هو قول أكثر العلماء وجماعة من،الحنفية كما نقله الزبيدي في (شرح الاحياء) (10/ 369).

 الثالث : أن هذا القياس لو كان صحيحا لكان من مقتضاه استحباب إهداء الثواب إلى الموتى ولو كان كذلك لفعل لانهم أحرس على الثواب منا بلا ريب، ولم يفعلوا ذلك كما سبق في كلام ابن كثير، فدل هذا على ان القياس المذكور غير صحيح، وهو المراد.

وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (الاختيارات العلمية) (ص 54) :(ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا أو صاموا تطوعا أو حجوا تطوعا، أو قروؤا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل). وللشيخ رحمه الله تعالى قول آخر في المسألة، خالف فيه ما ذكره آنفا عن السلف، فذهب إلى أن الميت ينتفع بجميع العبادات من غيره! وتبنى هذا القول وانتصر له ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (الروح) بما لا ينهض من القياس الذي سبق بيان بطلانه قريبا، وذلك على خلاف ما عهدناه منه رحمه الله من ترك التوسع في القياس في الامور التعبدية المحضة لا سيما ما كان عنه على خلاف ما جرى عليه السلف الصالح رضي الله عنهم وقد أورد خلاصة كلامه العلامة السيد محمد رشيد رضا في (تفسير المنار) (8/ 254 - 270) ثم رد عليه ردا طيبا قويا، فليراجعه من شاء أن يتوسع في المسألة.

وقد استغل هذا القول كثير من المبتدعة، واتخذوه ذريعة في محاربة السنة، واحتجوا بالشيخ وتلميذه على أنصار السنة وأتباعها، وجهل أولئك المبتدعة أو تجاهلوا أن أنصار السنة، لا يقلدون في دين الله تعالى رجلا بعينة كما يفعل اولئك! ولا يؤثرون على الحق الذى تبين لهم قول أحد من العلماء مهما كان اعتقادهم حسنا في علمه وصلاحه، وأنهم إنما ينظرون إلى القول لا إلى القائل، وإلى الدليل، وليس إلى التقليد، جاعلين نصب أعينهم قول امام دار الهجرة (ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر)! وقال : (كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر) .

وإذا كان من المسلم به عند أهل العلم أن لكل عقيدة أو رأى يتبناه في هذه الحياة أثرا في سلوكه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فإن من المسلم به أيضا، أن الاثر يدل على المؤثر، وأن أحدهما مرتبط بالاخر، خيرا أو شرا كما ذكرنا، وعلى هذا فلسنا نشك أن لهذا القول أثرا سيئا في من يحمله أو يتبناه، من ذلك مثلا أن صاحبه يتكل في تحصيل الثواب والدرجات العاليات على غيره، لعلمه أن الناس يهدون الحسنات مئات المرات في اليوم الواحد إلى جميع المسلمين الاحياء منهم والاموات، وهو واحد منهم، فلماذا لا يستغني حينئذ بعمل غيره عن سعيه وكسبه! ألست ترى مثلا أن بعض المشايخ الذين يعيشون على كسب بعض تلامذتهم، لا يسعون بأنفسهم ليحصلوا على قوت يومهم بعرق جبينهم وكد يمينهم! وما السبب في ذلك إلا أنهم استغنوا عن ذلك بكسب غيرهم! فاعتمدوا عليه وتركوا العمل، هذا أمر مشاهد في الماديات، معقول في المعنويات كما هو الشأن في هذه المسألة .

وليت أن ذلك وقف عندها، ولم يتعدها إلى ما هو أخطر منها، فهناك قول بجواز الحج عن الغير ولو كان غير معذور كأكثر الاغنياء التاركين للواجبات فهذا القول يحملهم على التساهل في الحج والتقاعس عنه، لانه يتعلل به ويقول في باطنه: يحجون عني بعد موتي! بل إن ثمة ما هو أضر من ذلك، وهو القول بوجوب إسقاط الصلاة، عن الميت التارك لها! فإنه من العوامل الكبيرة على ترك بعض المسلمين للصلاة، لانه يتعلل بأن الناس يسقطونها عنه بعد وفاته! إلى غير ذلك من الاقوال التي لا يخفى سوء أثرها علي المجتمع، فمن الواجب على العالم الذي يريد الاصلاح أن ينبذ هذه الاقوال لمخالفتها نصوص الشريعة ومقاصدها الحسنة .

وقابل أثر هذه الاقوال بأثر قول الواقفين عند النصوص لا يخرجون عنها بتأويل أو قياس تجد الفرق كالشمس. فإن من لم يأخذ بمثل الاقوال المشار إليها لا يعقل أن يتكل على غيره في العمل والثواب، لانه يرى أنه لا ينجيه إلا عمله، ولا ثواب له إلا ما سعى إليه هو بنفسه، بل المفروض فيه أن يسعى ما أمكنه إلى أن يخلف من بعده أثرا حسنا يأتيه أجره، وهو وحيد في قبره، بدل تلك الحسنات المرهومة، وهذا من الأسباب الكثيرة في تقدم السلف وتأخرنا، ونصر الله إياهم، وخذلانه إيانا، نسأل الله تعالى أن يهدينا كما هداهم، وينصرنا كما نصرهم .اه (كتاب احكام الجنائز وبدعها)

وسئل أيضا رحمه الله :

 ختمة القرآن هل يصل ثوابها للوالدين؟

فأجاب :

 الذي أعتقده أن كل عمل صالح يصدر من ولد صالح يلحق ثوابه وأجره والدي هذا العامل للعمل الصالح، هذا أمر متفق عليه بين العلماء فيما علمت وذلك لأدلة منها : {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} وإذا ضم إلى الآية قوله عليه السلام «أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده وإن أولادكم من كسبكم» فما دام أن الولد من كسب الوالدين فكل عمل صالح يعمله يعتبر من كسب الوالدين، إلا أنه يبدو لي من بعض الأحاديث التي جاءت صريحة في الصدقة مثلاً أن الولد إذا نوى بعمله الصالح أبويه كان ذلك أنفع لهما مما لو لم ينوي وجاءهما أجر عمله كما يقال اليوم وعلى ما شرحت أنفاً أوتوماتيكياً سواءً نوى أو ما نوى فالوالدان مأجوران لكن إذا خص الوالدين ونوى العمل الصالح لهما يكون ذلك أفضل لهما بإذن الله تعالى .اه (الهدى والنور /٩٧/ ٥٧: ٦.: .. )

وسئل أيضا رحمه الله :

 يقول شارح الطحاوية في مبحث وصول ثواب القراءة وليس كون السلف لم يفعلوه حجة في عدم الوصول أي الثواب، وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد النية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر، ما رأيكم في هذه القاعدة يا شيخ؟

فأجاب :

 أولا ليست الحجة في أنه لم يرد من السلف أو عن السلف، إنما الحجة أنها تخالف قاعدة عامة، لا يجوز تخصيصها إلا بمخصص مروي منقول عن الرسول عليه الصلاة والسلام أو عن السلف الصالح، القاعدة هي معروف لدى الجميع، وهي قوله تعالى {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى*وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى*أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}. [النجم: ٣٩] وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، بهذه القاعدة ثواب القراءة لا تصل إلى عامة المسلمين، التي قُرئت بهذه النية.

ثم قوله ما الفرق بين الصيام وبين التلاوة، فيصل ثواب الصيام ولا يَصل ثواب التلاوة.

هنا يحضرني مثل لبعض العلماء المتأخرين، حينما يناقش بعض المخالفين يقول : أثبت العرش ثم انقشه أثبت العرش ثم انقشه، أما إذا كان العرش مفقودا فلا تنقش إلا في الفراغ في الهواء.

أعني : أين الدليل على أن ثواب الصيام يصل إلى عامة المسلمين، هذا وهم ولا دليل هناك إطلاقا، حتى يصح القياس للتلاوة على الصيام.

على أننا نقول : لسنا مع ابن حزم في إنكاره القياس جملةً وتفصيلاً، ولكننا أيضا لسنا مع الآرائيين والقياسيين الذين وقفوا على طرف نقيض مع ابن حزم، فابن حزم أنكره جملةً وتفصيلاً، وهؤلاء تَوَسَّعوا تَوَسُّعًا شديدًا وكثيرا، وجاؤوا بأحكام ليس المسلمون بحاجة إليها إطلاقا، وإنما نحن وَسَطًا بين من يُنكر القياس وبين من يتوسع في القياس، هذا الوسط استفدته من كلمة للإمام القرشي المطلبي «محمد ابن إدريس الشافعي» حيث قال : القياس ضرورة، القياس ضرورة، يعني لإيجاد مخرج لمسلم لا يجد نصا، وقد يكون النص موجودًا لكن هو لم يُدركه ولم يصل إليه، فلا بد حينئذ من القياس.

والقياس كما تعلمون له شروطه، فلا يصح أن نقيس لنتوسع في العبادات، فإنما جاء في الشرع من العبادات ما يكفي ويغني عن الإحداث.

ومن هنا كان خطأ القائلين بالبدعة الحسنة في الدين، خطأً ظاهرًا جليًا.

فهنا نحن نقول : لماذا القياس؟ لماذا قياس التلاوة على الصيام؟ لو كان ثبت الصيام أن للمسلم أن يصوم عن أي مسلم سواء كان فرضا أو كان نفلا، لا شيء من ذلك إطلاقا.

ثم إن هذا القياس سيفتح على القائسين والقائلين به بابا لا أظن أن أحدا منهم يستطيع أن يَسُدّه إلا بالرجوع إلى القاعدة، {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} وأن من يستثني من هذه القاعدة، فلا بد له من نص يعتمد عليه من باب العام والخاص أو المطلق والمقيد.

أما القياس، فهذا ما ينبغي أن نصير إليه لتخصيص القاعدة التي هي أصل من أصول الدين، بمجرد القياس سيفتح عليهم بابًا لا قِبَل لهم بغلقه، كيف إذا قيل ما الفرق بين التلاوة وبين الصيام؟ قد يقول قائل : وما الفرق بين التلاوة والصلاة، فكما تتلوا عن المسلمين، فلك أيضا أن تصلي على المسلمين، فما كان جوابنا على الصلاة كان جوابنا عن الصيام كان جوابنا بالتالي عن التلاوة، هذا ما عندي .اه (الهدى والنور/٧٨٣/ ٥٣: ٠٤: ٠٠)

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

أن يقرأ الإنسان القرآن الكريم تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى، ويجعل ثوابه لأخيه المسلم أو قريبه فهذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم .... وقال : الذي نرى أن هذا من الأمور الجائزة التي لا يندب إلى فعلها، وإنما يندب إلى الدعاء للميت والاستغفار له وما أشبه ذلك مما نسأل الله تعالى أن ينفعه به، وأما فعل العبادات وإهداؤها فهذا أقل ما فيه أن يكون جائزاً فقط، وليس من الأمور المندوبة، ولهذا لم يندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته إليه، بل أرشدهم إلى الدعاء للميت فيكون الدعاء أفضل من الإهداء. انتهى باختصار (مجموع فتاوى العثيمين - المجلد الثاني - باب البدعة).

وإليك توضيح معنى

 قوله تعالى : (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى).

قال شيخ الاسلام ابن تيمية فى رده على من يمنع وصوله للميت : بأنه فسر الآيه : (وَأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاَّ ما سَعَى) بطريقة غير صحيحة فقال : والجواب المحقق في ذلك أن الله تعالى لم يقل : إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه وإنما قال : ( لَيْسَ للإنْسانِ إلاَّ ما سَعَى ) ؛ فهو لا يملك إلا سعيه ولا يستحق غير ذلك  وأما سعي غيره فهو له كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه فمال غيره ونفعُ غيره هو كذلك للغير لكن إذا تبرع له الغير بذلك جاز . 

وهكذا هذا إذا تبرع له الغير بسعيه نفعه الله بذلك كما ينفعه بدعائه له والصدقة عنه وهو ينتفع بكل ما يصل إليه من كل مسلم سواء كان من أقاربه أو غيرهم كما ينتفع بصلاة المصلين عليه ودعائهم له عند قبره .اه [ مجموع الفتاوى : 24 / 366 ] .

وقال العلامة الشنقيطى رحمه الله :

قوله تعالى : ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ يدل على أن الإنسان لا يستحق أجراً إلا على ما سعيه بنفسه ولم تتعرض هذه الآية لإنتفاعه بسعي غيره بنفي ولا إثبات لأن قوله : ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ قد دلت اللام فيه على أنه لا يستحق ولا يملك شيئاً، إلا بسعيه ولم تتعرض لنفي الانتفاع بما ليس ملكاً له ولا مستحقاً له". انتهى (أضواء البيان للشنقيطى - الجزء السابع)

وقال أيضا رحمه الله :

قد جاءت آية من كتاب الله تدل على أن الإنسان قد ينتفع بسعي غيره وهي قوله تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ }. [الطور:21].

وقد أوضحنا وجه الجمع بين قوله تعالى: { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } وبين قوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ }. [الطور:21], في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة النجم، وقلنا فيه ما نصه : والجواب من ثلاثة أوجه:

الأول : أن الآية إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره، لأنه لم يقل : وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى، وإنما قال : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ } ، وبين الأمرين فرق ظاهر، لأن سعي الغير ملك لساعيه إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه.

وقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالصلاة عليه والدعاء له والحج عنه ونحو ذلك مما ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه. انتهى باختصار (أضواء البيان للشنقيطى - الجزء السابع)

وإليك الرد على

استشهاد المانعين بحديث «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» 

قال ابن قدامة رحمه الله  : 

"ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به لأنه إنما دل على انقطاع عمله وليس هذا من عمله فلا دلالة عليه فيه ولو دل عليه كان مخصوصاً بما سلموه فيتعدى إلى ما منعوه وما ذكروه من المعنى غير صحيح فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج وليس له أصل يعتبر به".اه (الشرح الكبير). 

وقال أيضا رحمه الله في (تبيين الحقائق) :

 "لا يدل على انقطاع عمل غيره والكلام فيه وليس فيه شيء مما يستبعد عقلا لأنه ليس فيه إلا جعل ما له من الأجر لغيره والله تعالى هو الموصل إليه وهو قادر عليه ولا يختص ذلك بعمل دون عمل" .اه

وإليك الرد على من قال

 أن إهداء ثواب قراءة القران ليس من فعل السلف.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله :

وأما قراءة القرآن وإهداءها له تطوعاً بغير أجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج .

 فإن قيل : فهذا لم يكن معروفاً في السلف ولا يمكن نقله عن واحدٍ منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي إليه وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم إليه ولكانوا يفعلونه.

فالجواب :

أن مورد هذا السؤال إن كان معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار قيل له :

 ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال؟ وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات؟ وإن لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع .

وأما السبب الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف فهو أنهم لم يكن لهم أوقاف على من يقرأ ويهدي إلى الموتى ولا كانوا يعرفون ذلك البتة ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان أحدهم يُشهد من حضره من الناس على أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا ثواب هذه الصدقة والصوم. 

ثم يقال لهذا القائل :

 لو كلفت أن تنقل عن واحد من السلف أنه قال اللهم اجعل ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا يشهدوا على الله بإيصال ثوابها إلى أمواتهم . 

فإن قيل :

 إن رسول الله أرشدهم إلى الصوم والصدقة والحج دون القراءة.

 قيل :

 هو لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم. فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ولم يمنعهم مما سوى ذلك. 

وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وأمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟

والقائل : 

إن أحدا من السلف لم يفعل ذلك قائل ما لا علم له به وما يدريه أن السلف كانوا يفعلون ذلك ولا يشهدون من حضرهم عليه؟ بل يكفي اطلاع علام الغيوب على نياتهم ومقاصدهم لا سيما والتلفظ بنية الإهداء لا يشترط كما تقدم .

وسر المسألة أن الثواب ملك للعامل فإذا تبرع به وأهداه لأخيه المسلم أوصله الله إليه فما الذي خص من هذا ثواب قراءة القرآن وحجر على العبد أن يوصله إلى أخيه؟ وهذا عمل الناس حتى المنكرين في سائر الأعصار والأمصار من غير نكير من العلماء .انتهى ( كتاب الروح ص 142-143)

 إذن ما جاءت به السنة قضايا أعيان لا عموم لها فإذا كانت السنة جاءت بجواز إهداء ثواب الأعمال لشخص معين في أشياء معينة فغيرها مثلها وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد  -رحمه الله.

فإن قيل :

 إن الصلاة عبادة بدنية ولكن مع ذلك لا يصل ثوابها إلى الميت فلِمَ لا تقاس القراءة على الصلاة في عدم جواز الإهداء وعدم وصول ثوابها للميت ؟

فالجواب عنه :

 إن هناك فرقاً بين المسألتين فإن الصلاة لا يمكن النيابة فيها ولا يمكن للمرء أن يقوم بها عن غيره سواء قدر المرء على أدائها بنفسه أم لم يقدر أما في حال القدرة فواضح وأما في حال العجز فلأنه قد سقط وجوبها عنه بخلاف الدعاء والحج

 فأما الدعاء فإنه يمكن أن يقوم الغير به بدلالة النصوص المتقدم ذكرها.

 وأما في الحج فلأنها عبادة تقبل النيابة ممن عجز عن أدائها بنفسه.

كما أن القراءة بقيت على أصلها في جواز إهداء العبادات البدنية المدلول عليه بأحاديث الدعاء والحج المتقدمة .

 وأما الصلاة وهي وإن كانت عبادة بدنية إلا أنه لا يجوز إهداؤها للإجماع كما تقدم على عدم جواز ذلك فخرجت بهذا من الأصل الذي كانت عليه من جواز إهداء العبادات البدنية.

وإليك ما ينتفع به الميت من عمل غيره

1- دعاء المسلم واستغفاره له إِذا توفّرت فيه شروط القبولقال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. [الحشر10]. بل إِنّ صلاة الجنازة جلّها شاهد لذلك؛ لأنّ غالبها دعاء للميت، واستغفار له.

2- قضاء ولي الميت صوم النذر عنه دون صوم رمضانعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من مات وعليه صيام؛ صام عنه وليه. ( أخرجه مسلم). (أي: صيام النذر).

3- قضاء الدين عنه من أي شخص .

4- ما خلفه من بعده من آثار صالحة وصدقات جارية. قال تعالى : {وَنكتُبُ ما قدَّمُوا وَآثارَهم}. [يس12].

5- ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة فإن لوالديه مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء لأن الولد من سعيهما وكسبهما والله عز وجل يقول : {وَأَنْ ليْسَ للإنسانِ إلا ما سَعَى}. [النجم39] .انتهى مختصرًا من " تلخيص أحكام الجنائز" للألباني

الخلاصة

 الصحيح إن شاء الله هو وصول ثواب قراءة القرآن من الأبناء إلى الأباء فقط فللولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه لأنه من سعيهما وليس له ذلك عن غيرهما إلا ما خصه الدليل .

ولكن على العاقل أن يسعى ما أمكنه إلى أن يخلف من بعده أثرا حسنا يأتيه أجره وهو وحيد في قبره بدل تلك الحسنات المرهومة من أبناءه وعلى الأبناء أن لا ينسوا والديهم وأن يدعوا لهم ويتصدّقوا عنهم ويهبوا لهم من ثواب أعمالهم الصالحة وفضل الله واسع .


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات