الأحكام الشرعية جاءت من عند الله تعالى ولا يمكن أن يشرع الله العليم الحكيم لعباده شيئاً دون حكمة وإن لم ندركها بعقولنا. ولعل الحكمة من عدم إرث الأحفاد من جدهم هي أن كل من كان أقرب إلى شخص كان أولى بإرثه ممن هو أبعد وهذه قاعدة مطردة في علم المواريث .
فالله سبحانه وتعالى يقول :
لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا. {النساء:7}
فما دام هؤلاء الأحفاد يختصون بتركة أبيهم دون إخوته إذا هو مات فمن حق أعمامهم أن يختصوا بتركة أبيهم المباشر دون أبناء أبنائه الذين أخذوا تركة أبيهم دون غيرهم .
ومع ذلك فمن المستحب للجد الوصية لأحفاده وخاصة إذا كانوا قاصرين أو فقراء وإذا لم يوص الجد لهم بشيء فيستحب للورثة أن يرزقوهم من التركة امتثالاً لأمر الله تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا. {النساء:8}.
جاء في "تُحفة المحتاج في شرح المنهاج" :
"(فلوِ اجتمع الصِّنفان): أي أولاد الصُّلب، وأولاد الابْنِ، (فإن كان من ولدِ الصُّلب ذَكَرٌ) وحدَه، أو مع أُنْثى (حَجَبَ أولادَ الابْنِ) إجْماعًا". اهـ.
قال العلامة ابن باز رحمه الله :
ليس لهم إرث من جدهم إذا مات أبوهم قبل جدهم ليس لهم إرث وإنما الإرث لأعمامهم ولكن يستحب لجدهم أن يوصي لهم بشيء بالثلث فأقل جبرا لهم لمصابهم لما مات أبوهم يستحب له أن يوصي لهم لأنهم غير وارثين.
فيستحب له أن يوصي لهم بثلثه أو بربعه أو بخمسه أو بشيء معين من المال ويستحب لأعمامهم أن يواسوهم إذا كان أبوهم ما أوصى لهم ولكن لا يجب كما يظن بعض الناس أن هذا يجب لا، إنما لهم وصية يساعدون .اه
وسئل أيضا رحمه الله :
تُوفي شخص قبل والده وترك أولاداً هل لهؤلاء الأولاد الحق والميراث في تركة جدهم بعد وفاته كما لو كان والدهم موجوداً على قيد الحياة؟
فأجاب :
ليس لهم ورث في جدهم إذا كان يوجد لهم أعمام لأن الأعمام مقدمون. النبي عليه الصلاة والسلام قال : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.
يعني لأقرب رجل ذكر. فالعصبة مقدمون الأقرب فالأقرب ولا ريب أن ابن الإنسان مقدم على ابن ابنه فأولاد الولد الذي مات في عهد أبيه في حياة أبيه ليس لهم حقٌ في الميراث.
لكن يشرع لأبيهم يعني أبا أبيهم جدهم يعني يشرع لهم أن يوصي لهم بما فيه منفعتهم بشرط أن يكون الثلث فأقل .
فإذا أوصى لهم بشيء من ذلك ولاسيما إذا كانوا فقراء فهذا من أفضل القرب ومن أفضل الطاعات أن يوصي لهم بما يعينهم وينفعهم بالثلث فأقل.
أما الإرث فليس لهم إرث إذا كان لهم أعمام ولو عماً واحداً يمنعهم ويحجبهم.
أما إذا كان ما هناك أعمام فإنهم يرثونه أو كان هناك عمات فالعمات يؤخذن فرضهن الواحدة تأخذ النصف والاثنتان فأكثر يؤخذن الثلثين والباقي يكون لأولاد الابن ذكورهم وإناثهم لأولاد الابن إذا كانوا ذكوراً أو ذكوراً وإناثاً للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه هم العصبة حينئذٍ.
أما بنات الابن إذا كن إناثاً وليس معهن ابن ذكر فلا يرثن مع البنتين فأكثر لأن الثلثين ذهبا فلم يبقى لإناث الفرع حق .
أما لو كان الموجودة بنت بنت جدهم فإنها تعطى النصف ويعطى بنات الابن إذا كن بنات ليس معهن ذكر يعطين السدس تكملة الثلثين والباقي للعصبة.
أما إن كان معهن ذكر فإنهن يأخذن الباقي مع أخيهن أو ابن عمهن الذي من درجتهن للذكر مثل حظ الأنثيين بعد البنت أو بعد البنتين فأكثر .انتهى كلامه من (فتاوى نور على الدرب)
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
فى تفسيره لقوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ). البقرة/180 .
من فوائد الآية :
وجوب الوصية للوالدين والأقربين لمن ترك مالاً كثيراً ؛ لقوله تعالى : ( كتب عليكم ) ؛ واختلف العلماء رحمهم الله هل هذا منسوخ بآيات المواريث أم هو محكم ، وآيات المواريث خَصَّصَتْ ؟ على قولين ؛ فأكثر العلماء على أنه منسوخ ؛ ولكن القول الراجح أنه ليس بمنسوخ ؛ لإمكان التخصيص ؛ فيقال : إن قوله تعالى : ( للوالدين والأقربين ) مخصوص بما إذا كانوا وارثين ؛ بمعنى أنهم إذا كانوا وارثين فلا وصية لهم اكتفاءً بما فرضه الله لهم من المواريث ؛ وتبقى الآية على عمومها فيمن سوى الوارث ...
ومنها : جواز الوصية بما شاء من المال ؛ لكن هذا مقيد بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( أتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا ؛ قال : فالشطر ؟ قال : لا ؛ قال : فالثلث ؟ قال : الثلث ؛ والثلث كثير ) متفق عليه ؛ وعلى هذا فلا يزاد في الوصية على ثلث المال ؛ فتكون الآية مقيدة بالحديث .
ومنها : أن الوصية الواجبة إنما تكون فيمن خلّف مالاً كثيراً ؛ لقوله تعالى : ( إن ترك خيراً ) ، فأما من ترك مالاً قليلاً : فالأفضل أن لا يوصي إذا كان له ورثة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ( إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ) متفق عليه . اه (" تفسير سورة البقرة " ( 2 / 306 ، 307 )).
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :
في بلادنا إذا مات الرجل قبل أبيه؛ فإنهم يورثون ابن الرجل هذا من الجد؛ بحكم: "الوصية الواجبة"، فما الحكم؟
فأجاب :
إذا كان الميت قد أوصى بأن يكون لابن الابن أو أبناء الابن وهم غير وارثين شيء من الثلث، فينفذ ذلك ويصح؛ لأنه غير وارث والوصية له .
وأما كون الوصية واجبة، وأن هذا يجب على الإنسان، فلا يوجد ما يدل عليه، ولا يوجد هناك شيء يدل على إيجاب الوصية لأحد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث"، وقد كانت الوصية مشروعة وقد جاء القرآن بها، ولكنه بعدما نزلت آيات المواريث نسخت الوصية، فليس هناك وصية واجبة،
ولكن كون الإنسان يوصي بثلث ماله أو بشيء من ثلث ماله لمن لا يرث من أقاربه فلا بأس بذلك، أما كونه لازماً. فليس بلازم وليس بواجب .اه (شرح سنن أبي داود الشريط رقم [ 216 ])
وقال الشيخ فركوس حفظه الله :
إن أوصى الجد لأحفاده أو للأقارب الذين لا يرثون قبل وفاته فإنَّ الوصية تنفَّذ -وجوبًا- بشرطين :
الأول : أن لا تزيد الوصية على ثُلُث التركة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لسعد بن أبي الوقاص رضي الله عنه : «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ».(أخرجه البخاري)، وهذا الحديث قَيَّد إطلاقَ الآية في قوله تعالى : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. [البقرة:١٨٠].
والثاني : أن يكون مال الموصي الذي تركه كثيرًا وافرًا لقوله تعالى : ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٨٠]، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث سعد بن أبي الوقاص رضي الله عنه المتقدِّم : «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».
أمَّا إن لم يوصِ الجدُّ للأحفاد والأقارب شيئًا فلهم أن ينتفعوا عن طريق ورثة الجد من أعمامهم أو من غيرهم بهبة مقتطعة تمثِّل قدرًا غير معيَّنٍ ولا محدَّدٍ من أصل تركة الجد لفائدتهم على وجه الاستحباب .
علمًا أنَّ ما تقضي به عموم المحاكم الحالية في الوصية الإجبارية (التَّنْزيل) من أنَّ أولاد الابن أو البنت إذا تحقَّقت وفاتهما في حياة أبيهما فإنَّ أولاد الابن يُنَزَّلُونَ مَنْزِلةَ أبيهم في الإرث فَيُعْطَوْنَ نصيب أبيهم، وكذلك أولاد البنت فيُنَزَّلُونَ مَنْزِلة أُمِّهم، ويعطونهم نصيب أُمِّهم بشرط أن لا تزيد الوصية في حَقِّهم عن ثلث التركة ولو لم يُوصِ لهم الجد بشيءٍ من المال، فإنَّ هذا الحكم لم يشهد على صِحَّته دليلٌ شرعيٌّ، بل فيه اجتراءٌ على شرع الله بتحكيم شرع غيره واعتداءٌ صريحٌ على الحقوق المالية للورثة .انتهى باختصار
الخلاصة
أن الإبن المتوفى قبل أبيه لا يرث من أبيه شيئا لأن من شروط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المُوَرِّث فلا يرث أبناء هذا الابن المتوفى إذا كان للجد ابن حي أو أكثر لأنهم محجوبون بمن هم أقرب منهم وهم الأبناء المباشرون .
والمستحب في حالة عدم إستحقاقهم في الإرث
- أن يوصي لهم الجد قبل وفاته بالثلث من تركته أو أقل وهذا في حال أن يكون له مال كثير وهذه الوصية أوجبها بعض العلماء واستحبها كثيرون ودليل هذا قوله تعالى : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ). البقرة/180 .
- أو أن يهب الورثة لهم شيئا يوزعونه عليهم امتثالا لقوله تعالى : {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا.[النساء: 8].
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق