">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

من المعلوم أنَّه ما نزلَ بلاءٌ إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبةٍ صادقةٍ ،

فإذا نزلَ البلاءُ بفردٍ فليعلم أنَّه ما نزلَ إلا بذنبه فعليه بالتوبة حتى يُرفع هذا البلاء،

وإذا نزلَ البلاءُ بأمةٍ فلتعلم أنَّه ما نزلَ إلا بذنوبها فعليها بالتوبة حتى يُرفع هذا البلاء .

فمسألة غلاء المعيشة وكون الغلاء والفقر بِقَدَر الله لا يَمنع كونه بسبب ذنوب بني آدم .

ودليل ذلك :

1- قال الله تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )سورة الشورى - الآية 30.

 يقول الشيخ السعدي رحمه الله : " يخبر تعالى أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم ،

وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات،

وأن ما يعفو اللّه عنه أكثر، فإن اللّه لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون ". انتهى من (تفسير السعدي ( ص 759).

فانتشار الفساد وارتفاع أسعار السلع في الأسواق وإصابتها بسبب عدم شرائها بالتلف والكساد ما هو في الحقيقة إلا بسبب كثرة الذنوب والبعد عن طاعة علاَّم الغيوب.

2- قال الله تعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ). [ الروم :41].

يقول الإمام القرطبي-رحمه الله : أي ظهر قِلَّةُ الغيث وغلاءُ السِّعْرِ.(بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)...". انتهى من (تفسير القرطبي ( 14/41).

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله : "أي : استعلن الفساد في البر والبحر ، أي : 

فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.

هذه المذكورة { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أي : ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا،

{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم.

فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ". انتهى من (تفسير السعدي ( ص643)).

3- وقال سبحانه وتعالى : (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ). (سورة البقرة - الآية (159)).

قال مجاهد : اللاعنون البهائم تلعن عُصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر.

وقالت : هذا من شؤم ذنوب بني آدم .انتهى من (الجواب الكافى).

فعلى المسلم أن يعلم يقينًا أن المعاصي والذنوب هي أصل كل داء وسبب كل بلاء، ومصدر كل وباء، وطريق كل حرمان وشقاء . 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله :

"فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد ، فما أذنب عبد ذنبا إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب ،

فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها ، وإن أصر لم ترجع إليه ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمة حتى تُسلب النعم كلها ". انتهى من (طريق الهجرتين (ص 408)).

وقال أيضا رحمه الله في (الجواب الكافي) :

ومن عقوباتها ـ المعاصي ـ أنها تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة العمل وبركة الطاعة وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا،

فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق،

قال تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء. {الأعراف:96}وقال تعالى : وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا. {الجن:16}. وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه،

وفي الحديث : إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب،

فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته ، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضاء واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط . انتهى.

فلننظر في ذنوبنا الكثيرة :

 من أيها أُصبنا ؟

• أمِنْ ارتكاب ما حرّم الله ؟

• أم مِن تضييع فرائض الله ؟

• أم مِن تخلّفنا عن صلاة الفجر ؟

• أم مِن السهر المُحـرّم ؟

• أم من سب الدين جهارا فى الشوارع من الكبير والصغير؟

• أم مِن إدخال ما حرم الله إلى البيوت من صور ومعازف وغيرها من وسائل تجلب الشياطين وتتسبب في خروج الملائكة ؟

• أم مِن الأسفار المُحرّمـة . سعيا في الأرض فسادا ؟

• أم مِن ضعف مراقبتنا لله عز وجل ؟

• ماهو مقدار يقينك بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

• ماهو مقدار اعترافك بتقصيرك تجاه ربك واعترافك بذنبك.

• ماهو مقدار أسفك على ذنوبك وحسرتك على خطاياك.

• ماهو مقدار وجلك من ربك وخوفك من لقاءه.

• كيف هي حالك مع أوامر ربك وما مقدار تطبيقك لها.

• ماهو نصيب ذكرك لربك وصلاتك على نبيك في ليلك ونهارك.

• كم من وقتك يذهب في السنن والنوافل والطاعات القلبية والقولية والعملية.

• كم من الزمن الذي ذهب سدى في لغو حرام وسماع حرام ونظر حرام.

• كم مرة سمعت واعظ الهدى من قلبك أو من غيرك فتصاممت عنه وتجاهلت حديثه.

• هل سألت نفسك لماذا أنت بطيء في الطاعات سريع في غيرها.

وفى النهاية

دعونا يا عباد الله نصحوا من سباتنا فقد غفونا كثيرا ولن تزيدنا غفوتنا إلا بؤسا وشقاءا دعونا نفر إلى الله فلا مفر منه إلا إليه..

على المرء أن يأخذ بأسباب انخفاض الأسعار، وهي التوبة والعودة للعزيز الغفار، وترك الذنوب والإكثار من الاستغفار، وعدم التوجه إلا لمن بيده الأقدار،

فالله سبحانه تكفل  برزق العباد فما من دابة إلا على الله رزقها، فليفوض العبد أمره إلى الرزاق وليبتغ عنده الرزق،

وليعلم أنه لن تموت نفس حتى تستتم رزقها، ولا يغتم إلا عند ضياع دينه، وليعلم العبد أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

لذلك لما قيل لبعض السلف "غلت الأسعار" قال "اخفضوها بالاستغفار" فلم يتوجه إلى حاكم، ولا إلى دولة، ولا إلى مخلوق من مخلوقات الله، بل توجه إلى الله تبارك وتعالى، وأمرهم بالتوبة والعودة والأوبة. 

ولما أتى الناس إلى سلمة بن دينار فقالوا له : " يا أبا حازم أما ترى قد غلا السعر !!! فقال " وما يغمكم من ذلك "؟!!

إن الذي يرزقنا في الرخص هو الذي يرزقنا في الغلاء " .انتهى من (حلية الأولياء لأبي نعيم (3/239)).

إن إرتفاع الأسعار والمحن والمصائب والابتلاءات ماهي إلا من عند أنفسنا وبسبب معاصينا وكثرة اللاهين والغافلين فينا،

فالواجب علينا أيها المؤمنون عند حلول المصائب أو نقص الأموال أو غلاء الأسعار عدم التسخط من تقدير الواحد القهّار والرجوع إلى الله والتوبة وكثرة الإستغفار،

 وعليكم بالحذر ثم الحذر ثم الحذر ممن لبّس الشيطانُ عليه وأمره بمنازعة من أمر الله ورسوله بالسمع والطاعة إليه،

فأخذ في سبّهم والتأليب عليهم وإلصاق المصائب بهم والدعوة إلى استبدالهم والخروج عليهم فقد قال النبي :

(( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، وذكر منهم : وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ )). رواه البخاري.


والله اعلم


وللفائدة..

هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات