القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الغلاء بإرتفاع الأسعار والرخص بإنخفاضها هما من جملة الحوادث التي لا خالق لها إلا الله وحده .

فالتسعير بيد الله وليس بيد الحكام والحكومات كما زعموا وارتفاع الأسعار قد يكون بسبب ظلم العباد وإنخفاضها قد يكون بسبب إحسان بعض الناس .

فلابد للمسلم أن يعتقد أن الله هو المدبر لكل شيء وهو المتصرف في كل شيء لا رب غيره ولا معبود سواه لا يملك أحد في ملكه مثقال ذرة فهو سبحانه القابض الباسط يقبض الرزق عمن يشاء ويبسط الرزق لمن يشاء وهو سبحانه المسعر فالأسعار بيده يزيدها متى شاء وينقصها متى شاء بحكمة منه وعدل . 

ومن أظهر الأسباب التي تؤدي إلى زيادة الأسعار وتؤدي إلى غضب العزيز الجبار كثرة الذنوب وانتشار المعاصي والفجور.

والدليل :

قال تعالى : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. (سورة الروم)

قال العلامة السعدى رحمه الله :

أي: استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.

هذه المذكورة { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أي : ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة .اه (تفسير السعدى)

وقال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم. [الشورى: 30]

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

قوله : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) أي : مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم ( ويعفو عن كثير ) أي : من السيئات ، فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها ، ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ). [ فاطر : 45 ] وفي الحديث الصحيح : " والذي نفسي بيده ، ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ، إلا كفر الله عنه بها من خطاياه ، حتى الشوكة يشاكها " . اه (تفسير ابن كثير)

فإذا كثرت الذنوب والمعاصي رفع الله الأسعار على عباده وضيق عليهم الأرزاق حتى يرجعوا إليه ويتوبوا مما هم عليه، فإن تابوا وأنابوا إلى ربهم وتمسكوا بدينهم وسنة نبيهم رجعت الأمور كما كانت بل أفضل مما كانت .

قال تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. [سورة الاعراف]

 فتحقيق التقوى والاستقامة على أمر الله سبب في رغد العيش وسعة الرزق ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا { فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ْ} بالعقوبات والبلايا ونزع البركات، وكثرة الآفات، وهي بعض جزاء أعمالهم، وإلا فلو آخذهم بجميع ما كسبوا، ما ترك عليها من دابة . 

قال الإمام ابن كثير فى تفسيره :

قوله تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ) أي : آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل ، وصدقت به واتبعته ، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات ، ( لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) أي : قطر السماء ونبات الأرض . قال تعالى : ( ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) أي : ولكن كذبوا رسلهم ، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم . انتهى

 واعلم أخى المسلم

 أن الله سبحانه المسعر فالأسعار بيده يزيدها متى شاء وينقصها متى شاء بحكمة منه وعدل وهذا ما قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

فقد جاء فى السنة النبوية الصحيحة :

1- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : غَلَا السِّعْرُ فِي المَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ»(صحيح أبي داود)( 3451)

2- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ. فَقَالَ « بَلْ أَدْعُو ». ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ فَقَالَ: « بَلِ اللَّهُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ لأَحَدٍ عِنْدِى مَظْلَمَةٌ ». (صحيح أبي داود)( 3450).

فذهب جمهور العلماء إلى منع التسعير على الناس ابتداء من دون سبب لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفض أن يسعر للناس رغم إلحاح بعضهم عليه ولأن فيه نقضا لحرية التصرف والتعاقد التي ضمنها الشرع.

قال ابن تيمية رحمه الله :

فالغلاء بارتفاع الأسعار والرخص بانخفاضها هما من جملة الحوادث التي لا خالق لها إلا الله وحده ولا يكون شيء منها إلا بمشيئته وقدرته لكن هو سبحانه قد جعل بعض أفعال العباد سبباً في بعض الحوادث كما جعل قتل القاتل سبباً في موت المقتول وجعل ارتفاع الأسعار قد يكون بسبب ظلم العباد وانخفاضها قد يكون بسبب إحسان بعض الناس . انتهى (مجموع الفتاوى، الجزء الثامن، صفحة (519)).

 وقال الإمام الشوكاني :

«إنَّ الناس مسلَّطون على أموالهم والتسعير حجْرٌ عليهم والإمام مأمورٌ برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أَوْلى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن، وإذا تقابل الأمران، وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم، وإلزامُ صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى منافٍ لقوله تعالى : ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾(نيل الأوطار  (٦/ ٣٨٠)).

قال الشيخ الألبانى رحمه الله :

الأصل عدم التسعير لأن الله هو المسعّر كما جاء في الحديث الصحيح في تمامه ومعنى هذا أن تكون حرية البيع والشراء قائمة على ساق وقدم ولا يجوز للحاكم المسلم، المسلم حقا أن يتدخل في السوق العام...... كذلك نقول في التسعير ( المسعر هو الله ) سبب هذا الحديث لعلي ما ذكرته آنفا قالوا " سعر لنا يا رسول الله " قال ( الله المسعّر ) ، " سعر لنا " وهو الحاكم قال ( المسعر هو الله ) أي الأصل أن التسعير ينبغي أن يكون هكذا من الله عز وجل حسب ما يرزق العباد كثرة وقلة إلخ . انتهى باختصار (سلسلة الهدى والنور - شريط : (732))

وسئل أيضا رحمه الله :

ما حكم اتفاق التجار على توحيد ثمن السلعة في السوق ؟

فأجاب :

" هذا الاتفاق لا يجوز لأن النبي ﷺ قال : دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض . فلا يجوز للتجار الاتفاق على سعر موحد ‏بل لا يجوز حتى للدولة أن توحد السعر إلا في ظروف معينة فقد ثبت أن الصحابة قالوا للنبييا رسول الله سَعِّر لنا فقال : إن الله هو المُسَعِّر . فما بالك إذا اتفق التجار أن يستغلوا الناس فيسعروا ويرفعوا الأسعار ! " .اه [ فتاوى رابغ ٢ ]

ثم إنَّ فرض التسعير مآله إرتفاع الأسعار نتيجة اختفاء السلع وبالتالي يتضرَّر الفقراء بعدم القدرة على شرائها كما يتضرَّر الأغنياء بشرائها بغبنٍ فاحشٍ فكلٌّ من الفقراء والأغنياء يقعان في ضيقٍ وحرجٍ ولا تتحقَّق لهما مصلحةٌ.

قال الشيخ فركوس حفظه الله :

يؤخذ من حديث أنسٍ رضي الله عنه المتقدم الفوائد والأحكام التالية :

1- فيه دليلٌ على أنَّ المُسَعِّر من أسماء الله تعالى وأنها لا تنحصر في التسعة والتسعين المعروفة وقد ورد في الحديث: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِك أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ ...».

2- استُفيد تحريم التسعير من كونه مظلمةً والظلم حرامٌ قطعًا فقد حرَّمه الله تعالى على نفسه وعلى عباده في آياتٍ كثيرةٍ وأحاديثَ متعدِّدةٍ منها قوله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يرويه عن ربِّه : «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا».(صحيح مسلم).

3- ومنه تبرز علَّة التحريم المتمثِّلة في إجبار البائع وإكراهه في البيع بغير رضاه، وهو منافٍ لقوله تعالى : ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾. [النساء: ٢٩].

4- ظاهر الحديث أنَّ التسعير حرامٌ في كلِّ الأحوال بدون فرقٍ بين المجلوب والحاضر، ولا فرْقَ أيضًا ـ بين حالة الرخص وحالة الغلاء، وهو مذهب الجمهور ويرى آخَرون جواز التسعير في وقت الغلاء دون الرخص، وهو قولٌ مردودٌ لمعارضته للنصِّ الظاهر في امتناعه صلَّى الله عليه وسلَّم عن التسعير في حالة الغلاء.

5- ظاهر الحديث لم يفرِّق أيضًا في المنع بين ما كان قوتًا للآدمي والبهيمة وبين ما كان من غير ذلك: كالإدامات وسائر الأمتعة، وعليه الجمهور، وجوَّز جماعةٌ من متأخِّري أئمَّة الزيدية التسعيرَ فيما عدا قوت الآدمي والبهيمة، ولا يخفى أنَّ هذا التخصيص يفتقر إلى دليلٍ.

6- فيه أنَّ التسعير حَجْرٌ على حرِّيَّة الأفراد وتضييقٌ على تصرُّفاتهم.

7- فيه دليلٌ على أنَّ السعر لم يكن موجودًا في مجتمعه صلَّى الله عليه وسلَّم، لذلك سألوه في أن يسعِّر لهم ولم يجبهم إليه.

 8- في الحديث تحذيرٌ من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأمَّته من الوقوع في مظالم الناس عامَّةً، سواءً في الدماء أو الأموال ولذلك أراد لقاء الله بريئًا من تبعيَّتها .انتهى.

إذن التسعير في الأحوال العادية حرام 

كما إذا كان التجار يبيعون على الوجه المعروف وليس هناك تدخل في حرية السوق والعرض والطلب يعملان بصورة طبيعية فالتسعير في هذه الحالة ظلم لا يجوز باتفاق الفقهاء . 

قال شيخ الإسلام :

 فإذا كان الناس يبيعون سلعتهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر: إما لقلة الشيء، وإما لكثرة الخلق فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة عينها إكراه بغير حق،

وأما الثاني :

 فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل. اهـ [مجموع الفتاوى: (28/76-77).].

ولهذا عند فساد الناس يتدخل الحاكم 

كما جاء فى الأثر : " إن الله عز وجل يزع " أي يمنع ويربي " بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ". لأن القرآن إنما يربي الناس المؤمنين فعلا وحقا أما الذين في قلوبهم مرض أو زغل أو ضعف أو ما شابه ذلك فهذا إنما يتولى تربيتهم السلطان.

قال الشيخ الألبانى رحمه الله :

 لا بد أن بعض هؤلاء الأفراد الذين يعيشون تحت حكم هذا الحاكم المسلم، المسلم حقا قد يشذون ويخرجون عن الجادة وعن الصراط المستقيم ولو في بعض الأحكام هنا يتدخل الحاكم المسلم ويصدق فيه الأثر المروي عن عثمان بن عفان والله أعلم بصحته لأننا نعتبره حكمة " إن الله عز وجل يزع " أي يمنع ويربي " بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " لأن القرآن إنما يربي الناس المؤمنين فعلا وحقا أما الذين في قلوبهم مرض أو زغل أو ضعف أو ما شابه ذلك فهذا إنما يتولى تربيتهم السلطان . انتهى باختصار (سلسلة الهدى والنور - شريط : (732))

لم يكن الغلاء فى هذه الأيام فقط

بل كان غلاء الأسعار في تاريخ هذه الأمة حاصلاً في بعض مراحلها، فقد حكى صاحب "النجوم الزاهرة" : في أواخر عهد بني العباس عظم الغلاء ببغداد في شعبان، حتى أكلوا الجيف والروث، وماتوا على الطرق، وأكلت الكلاب، وبيع العقار بالرغفان -أرغفة الخبز-، وهرب الناس إلى بلدان أخرى، فماتوا في الطريق. وضرب الغلاء أيضاً في القرن الخامس بعض بلدان المسلمين كمصر، وحصل بذلك هلاك كثير، وأُكلت الدواب التي لا تؤكل، وكانت الأقوات في غاية القلة والغلاء، ومات كثير من الناس حتى مات في شهر صفر وحده مائة وثلاثون ألفاً .اه

فعلى المرء 

أن يأخذ بأسباب انخفاض الأسعار، وهي التوبة والعودة للعزيز الغفار، وترك الذنوب والإكثار من الاستغفار، وعدم التوجه إلا لمن بيده الأقدار فالله سبحانه تكفل  برزق العباد فما من دابة إلا على الله رزقها، فليفوض العبد أمره إلى الرزاق وليبتغ عنده الرزق، وليعلم أنه لن تموت نفس حتى تستتم رزقها، ولا يغتم إلا عند انخرام الدين.

لذلك 

لما قيل لبعض السلف "غلت الأسعار" قال "اخفضوها بالاستغفار"، فلم يتوجه إلى حاكم، ولا إلى دولة، ولا إلى مخلوق من مخلوقات الله، بل توجه إلى الله تبارك وتعالى، وأمرهم بالتوبة والعودة والأوبة. 

ولما أتى الناس إلى سلمة بن دينار فقالوا له : "يا أبا حازم أما ترى قد غلا السعر !!! فقال " وما يغمكم من ذلك "؟!! إن الذي يرزقنا في الرخص هو الذي يرزقنا في الغلاء" .اه.(حلية الأولياء لأبي نعيم (3/239))

 وأما التهييج والصياح فهذا لا يزيد الأمر إلا سوءًا، ولا يزيد الأمر إلا تعقيدًا وتضييقًا، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وليحذر العبد 

من أن يجعل همَّه البحث عن الأسعار وقيمتها فيُفرط بالتالي في الشيء الذي من أجله خُلق وبسببه وجد ألا وهو عبادة الله جلَّ جلاله وحده لا شريك له، قال سبحانه : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). [الذاريات:56]. 

يقول الإمام النووي رحمه الله :

"وهذا تصريح بأنهم خُلقوا للعبادة فحقَّ عليهم الاعتناء بما خلقوا له"( رياض الصالحين (ص3))

ومن أصابه الهم والغم

 بسبب ارتفاع الأسعار فعليه أن يصبر و يستحضر دائما أن هذه الدنيا مهما طال بها الأمد فهي زائلة وأنه مهما طالت مدة عيشه فيها فسيفارقها لأنها فقط هي ممر و الدار الآخرة هي المستقر .

يقول الإمام بشر بن الحارث الحافي المروزي[ت: 227هـ ]- رحمه الله-"إذا اهتممت لغلاء السعر فاذكر الموت، فإنه يُذهب عنك همَّ الغلاء ". (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ( 8 / 347))

ويقول الإمام النووي -رحمه الله-: "فإنها – أي الدنيا- دَارُ نَفَادٍ لاَ مَحَلُّ إخْلاَدٍ, وَمَرْكَبُ عُبُورٍ لاَ مَنْزِلُ حُبُورٍ, ومَشْرَعُ انْفصَامٍ لاَ مَوْطِنُ دَوَامٍ ، فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العبَّاد، وأعقل الناس فيها هم الزُّهاد". (رياض الصالحين(ص3) )

فليكن أيها المسلم 

بحثك عما يرضي ربك دائما هو همّك،وحرصك على طاعة خالقك سبحانه واجتناب معصيته هو غايتك ومطلبك وسترى بعد ذلك بإذن العزيز المنان ما سيفتحه عليه رازقك.

يقول ابن القيم رحمه الله :

" إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها، وحَمل عنه كل ما أهمه، وفرَّغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمَّله الله همومها وغمومها وأنكادها،ووكله إلى نفسه فَشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدحَ الوحش في خدمة غيره كالكِير يَنفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته". اه (الفوائد (ص 84)).

فااائدة

"اسم الله المسعِّر "

هذا الحديث يفيد إثبات ما أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم لربه  فهو سبحانه وتعالى المتحكم في الأمور يرفع ما يشاء ويخفض ما يشاء، ويغلي ما يشاء ويرخص ما يشاء، والرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بالله وقد وصف الله تعالى بهذه الصفة فهي من صفات الأفعال.

وقد عده من أسماء الله تعالى القرطبي وابن باز والألبانى وابن حزم والشوكاني.

قال القرطبي -رحمه الله- :

ومنها المُسَعِّر جل جلاله وتقدست أسماؤه لم يرد في القرآن اسما ولا فعلا ولا في عِداد الأسماء، وإنَّما ورد في حديث حماد عن قتادة عن أنس وقد كتبناه عند اسمه: الباسط القابض، وهو حديث صحيح خرَّجه ابن ماجه، وخرج - أيضا- بإسناد صحيح  عن أبي سعيد قال : غلا السِّعر على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالوا : لو قوَّمت يا رسول الله، فقال : (( إني لأرجو أن أفارقكم ولا يطلبني أحد منكم بمظلمة))، والرِّخص : انحطاط السعر، والغَلاء : ارتفاعه، وكلاهما تقدير الله وتدبيره، وهو مقلبه ورافعه وخافضه، وذلك من أعظم البلاء والامتحان .اه ("الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" ج1)

وسئل الإمام ابن باز رحمه الله :

 عن قوله صلى الله عليه وسلم-: (( إن الله هو المسعر القابض الباسط...)) كلها من أسماء الله؟ 

فأجاب رحمه الله :

نعم هي من أسماء الله، كلها من أسماء الله، القابض الباسط اسمان مجتمعان، مزدوجان . اه (شرح بلوغ المرام : كتاب البيوع شريط: 5 الدقيقة (14:49))

وسئل الشيخ الألبانى رحمه الله :

السائل : 

وأظن عليه شيخنا يشرع أن يسمى عبد المسعر .

الشيخ :

 إيه نعم، نعم بالنسبة للاسم، نعم . ( إن الله هو المسعر ) . انتهى باختصار (سلسلة الهدى والنور - شريط : (732))

 قال د/ محمود عبد الرازق الرضواني :

 في كتابه (أسماء الله الحسنى في الكتاب والسنة) : ولا بد هنا من التنبيه على مسألة هامة حول هذا الحديث، فأغلب العلماء الذين تتبعوا الأسماء استدلوا به في إثبات القابض الباسط الرازق واستبعدوا المسعر بلا دليل أو تعليل، بل بعضهم يستبعد الرازق أيضا، فهل اسم الله المسعر ليس فيه كمال مطلق أو أنه يحتمل معنى من معاني النقص عند الإطلاق فيلزم تقييده؟

 في الحقيقة لم أجد لا هذا ولا ذاك فهو من حيث الإطلاق أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم دون تقييد، ومن حيث الكمال دلالته أبلغ من القابض الباسط لأنه يشملهما معا، لكن العجب أنني وجدت ذلك الأمر عليه أعلام أجلاء كالإمام البيهقي وابن العربي والأصبهاني وابن منده حتى المعاصرين كابن عثيمين وعبد المحسن العباد جميعهم غض الطرف عن المسعر

أما الرازق

فذكره البيهقي وابن منده والأصبهاني وابن الوزير والغصن من المعاصرين وإن استبعد ابن الوزير مع المسعر أيضا القابض الباسط مع أنه لا دليل على القابض الباسط الرازق إلا هذا الحديث ، والعلامة ابن حجر العسقلاني استبعد الجميع مع ثبوت الحديث عنده وتصحيحه له، فهو القائل : ( هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي والبزار وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عن ثابت وغيره عن أنس وإسناده على شرط مسلم، وقد صححه ابن حبان والترمذي )  .

والقصد أن الأسم ثابت بالحديث الصحيح وليس لنا أن نرد قول نبينا صلى الله عليه وسلم في تسميته لله عز وجل بهذا الاسم بناء على اجتهاد أو استحسان، فلم أجد علة ذكرها أحد لإستبعاده من الأسماء، فما يسري عليه يسري على بقية الأسماء الواردة في الحديث ولذلك أدخله القرطبي في الأسماء الحسنى .اهـ


والله اعلم


وللفائدة..

الذنوب وارتفاع الاسعار
https://amrelmolahz.blogspot.com/2020/07/blog-post_83.html

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات