القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الصحيح إن شاء الله أن البسملة آيةٌ من سورة الفاتحة لا تصح الصلاة بدونها لإثباتها فى المصاحف مع الفاتحة وعدها من آياتها بخلاف باقى سور القرآن وقد أجمع المسلمون على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى كما أن البسملة ليست بآيةٍ من أوَّل كلِّ سورةٍ وليست آيةً للفصل بين السور وإنما هي آيةٌ لابتداء السور .

وقد جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه وكانت البسملة فيه ثم نسخ المصحف في عهد سيدنا عثمان وكتبت البسملة في أول الفاتحة وأول كل سورة ولم ينكر عثمان كتابة البسملة في المصحف الشريف فتكون بسملة الفاتحة آية منها  لإنك إذا نظرت إليها فى مصحف المدينة تجدها تأخذ الرقم واحد فى ترتيب الآيات بخلاف وضعها فى باقى السور .

 صحيح أن بعض المصاحف الأخرى – غير مصحف المدينة - لا تعد البسملة آية فى الفاتحة ولكن هذا لا ينفى كونها آية منها لأنها ثبتت بالتواتر القطعى فى إحدى القراءات السبع والتى أجمع العلماء على أنها قراءات صحيحة قرأ بها النبى صلى الله عليه وسلم عند من يعدها كذلك من علماء العدد فلا يوجد إجماع على أنها ليست بآية من الفاتحة . 

وقد ذكر ابن قدامة في المغني، والنووي في المجموع، وابن حزم في المحلى: أن الشافعي وابن المبارك وأحمد في رواية عنه جعلوها آية مستقلة، ولا تصح الصلاة دونها. ورجح هذا المذهب النووي وابن حزم.

 وهذا القول مروي أيضا عن طائفة من السلف الصالح منهم: سعيد بن جبير وأكثر قراء وفقهاء أهل مكة والكوفة، وهو قول الإمام الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل، وروي عن إسحاق وأبي عبيد وأبي ثور ومحمد بن كعب القرظي والزهري وعطاء بن أبي رباح وغيرهم. ينظر: (اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة القرآن) 

فتجب قراءتها في الصلاة وجوب الفاتحة لأنها آية منها، وهو قول عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والزهري ومجاهد ويحيى بن جعدة وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيدة، وهو المشهور في المذهب الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبلينظر: ( ميزان المعدلة في شأن البسملة للسيوطى )

وعليه إذا المسلم صلّى وأسقط آية من سورة الفاتحة فصلاته باطلة لأنه لم يقرأ الفاتحة وعليه إعادة الصلاة وذلك لأن الفاتحة ركن في الصلاة لا تصح الصلاة بدونها ولا تصح مع إسقاط حرف منها وللتفصيل فى ذلك انظر آخر الموضوع 

ومن الأدلة على ذلك :

1- عن قتادة رضي الله عنه قال : سئل أنس كيف كانت قراءة النبي عليه الصلاة والسلام فقال : كانت مدا ثم قرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم . صحيح البخاري

فهذا الحديث يدل على مشروعية قراءة البسملة وعلى أنها آية من الفاتحة لما سنذكره من أدلة صحيحة تؤيد ذلك وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمد قراءته في البسملة وقد استدل بهذا الحديث القائلون بقراءة البسملة في الصلاة لأن كون قراءته على الصفة التي وصفها أنس تستلزم سماع أنس لقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم  فلو كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف في الصلاة وخارج الصلاة لقال أنس لمن سأله: عن أي قراءتيه تسأل عن التي في الصلاة أم التي خارج الصلاة؟ فلما أجاب مطلقا علم أن الحال لم يختلف في ذلك وما ذكره أنس يدل على مطلق قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة أو خارجها .

2- ما روته أمُّ سلمة رضي الله عنها قالت : «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: ١-٣]»(صحيح أبي داود) وصححه لغيره الشيخ شعيب الارناؤوط فى تخريج سنن الدارقطنى

وفي صحيح ابن خزيمة : عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية. لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ،عنها. وروى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا . وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما.

فهنا عد البسملة آية وقطعها عما بعدها لا يُعلم إلا  من الجهر بها وقد نص الحديث على
 أن ذلك كان في الصلاة، ولفظ (في الصلاة) نص عليه من سمعت البسملة من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أم سلمة رضي الله عنها راوية الحديث .

3- ويؤيِّد هذا الحديثَ ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال  قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا قَرَأْتُمُ «الْحَمْدُ للهِ» فَاقْرَءُوا ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، إِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ إِحْدَاهَا».  (صحيح الجامع)  ( السلسلة الصحيحة (3/ 257 ح1183 ))  

وفي لفظ له عند الداراقطنى : «"الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"سبع آيات، إحداهن "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ"».

 حتى وإن قيل أن هذا الحديث  موقوف على أبى هريرة فهو موقوف في حكم المرفوع إذ لا يقول الصحابي أن البسملة إحدى آيات الفاتحة إلا عن توقيف أو دليل قوي ظهر له.

ويُفهم من الحديث أيضا إطلاق لفظ " الْحَمْدُ "على سورة الفاتحة وأن البسملة آية منها. والحديث صريح في الدلالة على أنَّ البسملة آيةٌ كاملةٌ من سورة الفاتحة وإذا كانت آية من الفاتحة فإنَّها تأخذ حكمها في وجوب القراءة والإسرار والجهر.

ولا يستقيم قولُ مَن قال :

 إنه مِن كلام أبي هريرة وأمِّ سلمة رضي الله عنهما، إذ يبعد أن يُدْرِج كلٌّ منهما في الحديث كلامَه مِن غير التنبيه خاصَّةً مع أهمِّية هذه المسألة.

 كما لا يصحُّ القول

 بأنَّ أبا هريرة رضي الله عنه سمع النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يجهر بها فظنَّها من السورة، فقد جاء من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها ما يدفع هذا الاحتمالَ.

 كما لا يستقيم

 توجيه حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها  بأنَّ البسملة فيها آيةٌ مفردةٌ للفصل بين السُّوَر، لأنه لو كانت كتابتها للفصل في المصحف لكُتبت بين الأنفال والتوبة، ولأَمْكَن حدوثُ الفصل بدون البسملة، ولوجودها في بداية الفاتحة وليس قبلها ما يُفصل بها.

4- ويقوى ذلك أيضاً :- عن نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن الحديث وفيه ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة  برسول الله صلى الله عليه وسلم.  رواه النسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال: على شرط البخاري ومسلم، وقال البيهقي: صحيح الإسناد وله شواهد وصححه ابن حجر فى تغليق التعليق والنووى وصححه الوادعى وشعيب الأرناؤوط.

- ومنها قول أبو هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا قرأ وهو يؤم الناس
 افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم. رواه الدارقطني وقال: رجال إسناده كلهم ثقات

قال ابن حجر في الفتح

 في "باب جهر المأموم بالتأمين" :

وأما طريق نعيم فرواها النسائي وابن خزيمة والسراج وابن حبان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر قال " صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأم القران حتى بلغ ولا الضالين فقال امين وقال الناس امين ، ويقول كلما سجد الله أكبر ، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال الله أكبر ، ويقول إذا سلم : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ". بوب النسائي عليه " الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " وهو أصح حديث ورد في ذلك ، وقد تعقب استدلاله باحتمال أن يكون أبو هريرة أراد بقوله " أشبهكم " أي في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها ، وقد رواه جماعة غير نعيم عن أبي هريرة بدون ذكر البسملة كما سيأتي قريبا ، والجواب أن نعيما ثقة فتقبل زيادته ، والخبر ظاهر في جميع الأجزاء فيحمل على عمومه حتى يثبت دليل يخصصه .اه

وَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ : 

قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا أَنَّهُ يُرِيدُ فِي أَكْثَرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالِهَا ، إِلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَبْعُدُ عَنْ الصَّحَابِيِّ أَنْ يَبْتَدِعَ فِي صَلَاتِهِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ثُمَّ يَقُولَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ. اِنْتَهَى .

ومن الآثار الواردة في ذلك

- ما رواه الدار قطني بسند صحيح : عن علي رضى الله عنه أنه سئل عن السبع المثاني فقال : "الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" فقيل : إنما هي ست، فقال : " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" أي : أن البسملة هي الآية السابعة(سنن الدار قطني) وصحح هذا الاثر السيوطى والشوكانى .

جاء فى تفسير الامام الطبرى رحمه الله : عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال في قول الله تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي ) قال: هي فاتحة الكتاب ، فقرأها عليّ ستا، ثم قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الآية السابعة ، قال سعيد: وقرأها ابن عياش عليّ كما قرأها عليك، ثم قال الآية السابعة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فقال ابن عباس: قد أخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم. اه (وقال المحدث علاء الدين مغلطاي فى شرحه لسنن ابن ماجه - سنده لا بأس به)

وجاء فى مصنف عبدالرزاق:  2609 - عن ابن جريج قال: أخبرني أبي، عن سعيد بن جبير أخبره قال: {ولقد اتيناك سبعا من المثاني} [الحجر: 87]، أم القران، وقرأتها على سعيد كما قرأتها عليك، ثم قال: {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] الاية السابعة، قال ابن عباس: «قد أخرجها الله لكم فما أخرجها لأحد قبلكم».

 قال عبد الرزاق: " قرأها علينا ابن جريج: {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] اية، {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] اية، {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] اية، {مالك يوم الدين} اية، {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] اية، {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] اية، {صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7] إلى اخرها ".

2611 - وعن إبراهيم بن محمد، عن صالح، مولى التوءمة، أنه سمع أبا هريرة يقول: " يفتتح ب {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] في الصلاة ".

2612 - وعن معمر، عن الزهري، أنه قال: " كان يفتتح ب {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] "، ويقول: «اية من كتاب الله تعالى تركها الناس».

2613 - وعن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس، أن أباه: " كان إذا قرأ لهم: {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] قبل أم القران لم يقرأها بعدها ". انتهى من المصنف.


وجاء فى مسند الشافعى: عن ابن عباس أنه كان يعد {بسم الله الرحمن الرحيم} آية من الفاتحة(قال ابن الاثير فى شرح مسند الشافعى عن هذا الاثر - ثابت بالروايات الصحيحة)

- روى الحافظ أبو عمرو الداني بإسناد صحيح : أن إسحاق بن محمد المسيبي أوثق أصحاب نافع وأجلهم، قال: سألت نافعا، عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فأمرني بها، وقال: أشهد أنها آية من السبع المثاني، وأن الله أنزلها. ينظر: (النشر في القراءات العشر (1/ 271)) 

قال النووي في "شرح مسلم" (4/ 111) :

 "ومذهب الشافعي -رحمه الله- وطوائف من السلف والخلف أنَّ البسملة آية من الفاتحة وأنَّه يجهر بها حيث يجهر بالفاتحة".اه

 قال ابن حزم رحمه الله- في المحلى :

 وَمَنْ كَانَ يَقْرَأُ بِرِوَايَةِ مَنْ عَدَّ مِنْ الْقُرَّاءِ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ، لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ إلَّا بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُمْ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . انتهى كلامه باختصار

قال صاحب عون المعبود : 

 وقد استدل على أن البسملة من القران بأنها مثبتة في أوائل السور بخط المصحف فتكون من القران في الفاتحة ولو لم يكن كذلك لما أثبتوها بخط القران .اه . عون المعبود شرح سنن أبی داود - مجلد (2)

قالَ أبو الفَرَجِ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَلِيٍّ ابنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ) : (عد الكوفيون والمكيون وجماعة من الصحابة والتابعين {بسم الله الرحمن الرحيم} آية
وتركوا {أنعمت عليهم}..... انتهى. [فنون الأفنان: 278-327]

أمَّا البسملة في غير الفاتحة

 فهي آيةٌ لابتداء السور

قال الشيخ فركوس حفظه الله :

  الصحيح من أقوال أهل العلم، قول ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تَنَزَّلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»(صحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (٤٨٦٤)).

، فإنَّ ظاهره يدلُّ على أنها آيةٌ لابتداء السور وبها يُعرف الفصل، ويدلُّ على أنها آيةٌ لابتداء كلِّ سورةٍ وليست آيةً للفصل أنه يؤتى بالبسملة قبل الفاتحة مع أنه ليس قبلها سورةٌ ليُفصل بها، ويؤيِّد هذا الحكمَ انعقادُ الإجماع على أنَّ سورة الإخلاص أربعُ آياتٍ، وسورة الكوثر ثلاثُ آياتٍ، وأنَّ سورة الملك ثلاثون آيةً، فلو كانت البسملة آيةً منها لعُدَّت مع السور السابقة، وهذا مخالفٌ للإجماع، وقد صحَّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إِنَّ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ ثَلاَثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ»«صحيح الجامع» (٢٠٩١).

، فلو كانت البسملة منها لكانت إحدى وثلاثين آيةً، وهو مخالِفٌ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وإجماع القرَّاء والفقهاء. انتهى باختصار

هذا وقد كُتبت البسملة في المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار الإسلامية، في أول كل سورة من القرآن، ما عدا براءة، وتواتر ذلك وثبت بالإجماع، ولم يُكتب في المصحف ما ليس منه مع تشدد الصحابة في ذلك، بمنع كتابة الأعشار، وأسماء السور، ونقط الإعجام، وما وُجد من ذلك أخيرًا كتب بمداد مختلف ،فإجماع القراء على قراءتها غير (التوبة)، ويؤيد هذا التواتر الخطي والقولي كثير من أحاديث الإثبات الصحيحة، فوجب إرجاع ما ورد من أدلة النفي الظنية إلى الإثبات وإلا فلا يعتد بها، وإن صح سندها؛ لأن أحاديث الإثبات أقوى دلالة من أحاديث النفي، وأولى بالتقديم عند التعارض .

هذا

 والقول بأن البسملة آيةٌ من الفاتحة لا يلزم منه الجهرُ بها في الصلاة الجهرية بل يُسِرُّ بقراءتها كالفاتحة في الأُخْرَيَيْنِ من الرباعية والثالثة من الثلاثية ولا بأس بالجهر بها أحيانا لحديث أبو هريرة المتقدم.

وأما حديث : «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ ﺑِ ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾». أخرجه البخاري،

فهذا الحديث يدل على الإسرار بها كما كان النبي يسر بدعاء الاستفتاح والاستعاذة وليس فيه انه يدل على البسملة ليست من الفاتحة كما توهم البعض فعدم جهرها هذا شرع كما أنه لا يجهر بالفاتحة نفسها في الصلاة السرية .

قال ابن القيم رحمه الله : 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بـ "بِسْمِ اللهِ"تارة، ويخيفها أكثر مما يجهر بها.اه  («زاد المعاد» بتحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط) .

وقال الصنعاني في السبل :

 والأقرب أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها تارة جهرا وتارة يخفيها. اه

وقد أجمع العلماء على صحة صلاة من أسر ومن جهر بالبسملة. 
(ينظر : (تفسير ابن كثير

فالجهر الدائم بالبسملة يوحي بأن الإسرار بها لا يجوز والإسرار الدائم بالبسملة يوحي بأن الجهر بها بدعة  فالأولى أن يسر بها تارة ويجهر بها أخرى  جمعًا بين الأدلة .

وأما أحاديث النفي

التى استدل بها من أسقط البسملة من الفاتحة.

فقد رد عليها العلامة رشيد رضا فقال :

فأقواها حديث أنس :

 صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن وله ألفاظ أخرى.

وقد أعلّ المثبتون حديث أنس هذا بالاضطراب في متنه وبما رُوي من إثبات الجهر بها عنه وعن غيره، وقال بعضهم: إنه كان نسي هذه المسألة فلم يجزم بها، قال أبو سلمة: سألت أنسًا  أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: إنك سألتني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلكالحديث رواه الدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح.

وهذا دليل على توقف أنس وعدم جزمه بواحد من الأمرين ، وروي عنه الجزم بكل واحد منهما فاضطربت أحاديثه ، وكلها صحيحة فتعارضت فسقطت ، وإن ترجح بعضها فالترجيح الجهر لكثرة أحاديثه ولأنه إثبات فهو مقدم على النفي .

 فقد روى البخاري في صحيحه من طريقين عن قتادة عن أنس قال: سئل أنس بن مالك كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن: ويمد بالرحيم.

قال الحازمي : 

هذا حديث صحيح لا يعرف له علة وفيه دلالة على الجهر مطلقا وإن لم يقيد بحالة الصلاة فيتناول الصلاة وغير الصلاة.

ثم قال أبو شامة موضحا كلام الحازمي : 

وتقرير هذا أن يقال :

 لو كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف في الصلاة وخارج الصلاة لقال أنس لمن سأله: عن أي قراءتيه تسأل عن التي في الصلاة أم التي خارج الصلاة؟ فلما أجاب مطلقا علم أن الحال لم يختلف في ذلك، وحيث أجاب بالبسملة دون غيرها من آيات القرآن دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة في قراءته، ولولا ذلك كان أنس أجاب: الحمد لله رب العالمين أو غيرها من الآيات. قال : وهذا واضح. قال : ولنا أن نقول الظاهر أن السؤال لم يكن إلا عن قراءته في الصلاة، فإن الراوي قتادة وهو راوي حديث أنس ذاك وقال فيه: نحن سألناه عنه. انتهى

ومن أدلة النفي أيضا

ما صح في الحديث القدسي :

 من قسمة الصلاة بين العبد والرب نصفين وفسرها صلى الله عليه وسلم - بقوله: فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله عز وجل: حمدني عبدي.. إلخ  الحديث رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة

فهذا الحديث ليس بحجة في إسقاط {بسم الله الرحمن الرحيم} من الفاتحة، لأنه إنما لم يذكر {بسم الله الرحمن الرحيم} لأن المراد منها موجود في قوله في الآية الثالثة {الرحمن الرحيم}. فلو قال : "اقرأوا، يقول العبد {بسم الله الرحمن الرحيم} يقول الله عز وجل: [أثنى علي عبدي] ثم قال بعد ذلك : يقول العبد {الرحمن الرحيم} لقال: يقول الله عز وجل: [أثنى علي عبدي] فاستغنى بإحدى الآيتين عن الأخرى.

وأما قوله : ((يقول الله عز وجل : [هؤلاء لعبدي])) فإنما أراد هؤلاء الكلمات.. ويعضد هذا الذي قلناه حديث نعيم المجمر: صليت وراء أبي هريرة.. والجمع بين الحديثين أولى من تعارضهما، والله أعلم. 

وابن أبي هلال الذي يرويه عن نعيم المجمر عن أبي هريرة؛ ليس بدون العلاء بن عبد الرحمن عند أهل الحديث، ومما يشهد لصحة ما رواه أبو سعيد المقبري وصالح مولى التوءمة عن أبي هريرة، " أنه كان يفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم".

وقال العلامة رشيد رضا :

فالاستدلال بترك ذكر البسملة فيه على عدم كونها من الفاتحة ضعيف، ولو صح لصح أن يستدل به على كون سائر الأذكار والأعمال ليست من الصلاة.

والقول الجامع :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة تارةً ويسر بها تارةً. وقال ابن القيم : إن الإسرار كان أكثر.

 وذهب القرطبي في الجمع بين الأحاديث إلى أن سبب الإسرار بها : قول المشركين الذين كانوا يسمعون القرآن منه : محمد يذكر إله اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب لأنه سمي الرحمن أو أطلقوا عليه لفظ رحمن بالتنكير كقول مادحه : وأنت غيث الورى لا زالت رحمانا وكانوا يشاغبون النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار تسمية الله عز وجل بالرحمن كما علم من سورة الفرقان وغيرها، فأُمر صلى الله عليه وسلم بأن يخافت بالبسملة، قال الحكيم الترمذي : فبقي إلى يومنا هذا على ذكر الرسم وإن زالت العلة . روى ذلك الطبراني في الكبير والأوسط، وذكره النيسابوري في التيسير من رواية ابن جبير عن ابن عباس، وقال في مجمع الزوائد: إن رجاله موثقون .

وصفوة القول :

إن أحاديث الإثبات أقوى دلالة من أحاديث النفي وأولى بالتقديم عند التعارض، وإذا فرضنا أنها تعادلت وتساقطت أو ربح المنفي على المثبت خلافًا للقاعدة جاء بعد ذلك إثباتها في المصحف الإمام في أول الفاتحة وأول كل سورة ماعدا براءة (التوبة) وهو قطعي ينهزم أمامه كل ما خالفه من الظنيات، وقد أجمع الصحابة على أن كل ما في المصحف فهو كلام الله تعالى أثبت كما أنزل سواء قرئت الفاتحة في الصلاة بالبسملة جهرًا أو سرًّا أم لم تقرأ، ولا عبرة بخلاف أحد بعد ذلك ولا برواية أحد يزعم مخالفة أحد منهم لذلك .

ولا حاجة مع هذا إلى تتبع جميع ما ورد من الروايات الضعيفة والآثار والآراء الخلافية. انتهى كلامه  



والله أعلم


وللفائدة..



هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات