قصر الصلاة يجوز في أي سفر ما دام يسمى سفرا طويلا كان أم قصيرا ولا حد له فلا تقدر بمسافة معينة وإنما يرجع في ضبطها إلى العرف فكل ما عده الناس سفرا فهو السفر المبيح للترخص سواء سافر بالطائرة أو بالسيارة أو بالباخرة وذلك لإطلاق النصوص وعدم ورود تقدير عن الشارع في المسألة .
ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد 84 كيلومتر لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين فلا بأس به إن شاء الله تعالى أما مادام الأمر منضبطا فالرجوع إلى العرف هو الصواب .
يشترط في بدء جمع وقصر الصلاة في السفر أن يكون قد خرج من بيوت بلده وفارق عمرانها وتركها وراء ظهره .
كما أن كل مسافر له الترخص برخص السفر لأن النصوص جاءت عامة من غير تفريق بين السفر المباح وبين سفر المعصية .
وقصر الصلاة سنة عند جمهور العلماء ويجوز للمسافر أن يقصر ويجوز له أن يتم إلا أن القصر أفضل إقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم .
والدليل :
1- قال الله تعالى : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا. [النساء: 101].
أن الآية مطلقة في قصر الصلاة في كل ضرب في الأرض وليس فيها تقييد بالمسافة أو بالزمن .
2- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك رضي الله عنهم . (رواه مسلم)
فالحديث مطلق وليس فيها تقييد القصر في السفر بمسافة معينة. ينظر : ((المجموع)) للنووي (4/326).
3- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر, يعني : الصلاة ). (صحح إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (2/660)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (3/18).).
4- وعنه أيضا : ( لو خرجت ميلا قصرت الصلاة ). قال ابن حزم : إسناده كالشمس. وصحح إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (2/660).
قال ابن قدامة رحمه الله :
لا أرى لما صار إليه الأئمة حجة؛ لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف، وقد روي عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا .
ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه؛ لوجهين :
أحدهما : أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها، ولظاهر القرآن؛ لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض؛ لقوله تعالى : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة **النساء: 101**، وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية، فبقي ظاهر الآية متناولا كل ضرب في الأرض...
والثاني : أن التقدير بابه التوقيف؛ فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، سيما وليس له أصل يرد إليه، ولا نظير يقاس عليه، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه . انتهى من ((المغني)) (2/190).
قال ابن تيمية رحمه الله :
يجوز قصر الصلاة في كل ما يسمى سفرا، سواء قل أو كثر، ولا يتقدر عده، وهو مذهب الظاهرية، ونصره صاحب "المغني" فيه . انتهى من ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 434).
وقال ابن القيم رحمه الله :
ولم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر، وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة، فلم يصح عنه منها شيء البتة، والله أعلم .انتهى من ((زاد المعاد)) (1/463).
قال الشوكانيُّ رحمه الله :
الحاصل أنَّ هذه التقديراتِ لا تدلُّ على عدم جواز القصر فيما دونها، مع كونها محتملةً أن يكون قاصدًا لسفر هو خلف ذلك المقدار، وأن يكون ذلك هو منتهى سفرِه؛
فالواجبُ الرجوعُ إلى ما يَصدُق عليه أنه سفر، وأنَّ القاصد إليه مسافر، ولا ريبَ أنَّ أهل اللُّغة يُطلقون اسم المسافِر على مَن شَدَّ رحله، وقصد الخروج من وطنه إلى مكانٍ آخَر، فهذا يَصدُق عليه أنه مسافرٌ وأنه ضاربٌ في الأرض، ولا يُطلقون اسم المسافر على مَن خرج مثلًا إلى الأمكنة القريبة من بلده لغرضٍ من الأغراض، فمَن قصَدَ السفر قَصَر إذا حضرتْه الصلاة، ولو كان في ميلِ بلده،
وأمَّا نهاية السفر فلم يردْ ما يدلُّ على أنَّ السفر الذي يقصر فيه الصلاة هو أن يكون المسافر قاصدًا لمقدار كذا من المسافة فما فوقَها. وقد صحَّ النهيُ للمرأة أن تسافر بغير مَحرَم ثلاثة أيَّام، وفي رواية : (مسيرة يومٍ وليلة)، وفي رواية : (أن تسافر بريدًا)، فسمَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلَّ ذلك سفرًا، وأقله البريد؛ فكان القصرُ في البريد واجبًا، ولكنَّه لا ينبغي ثُبوتُ القصر فيما دون البريد إلَّا أنْ يثبُت عند أهل اللُّغة، أو في لسان أهل الشرع أنَّ مَن قصَد دون البريد لا «كذا، ولعلَّ الأصوب بحذف (لا)» يُقال له : مسافِر . انتهى من ((السَّيل الجرار)) (ص: 188).
قال العلامة الألبانيُّ رحمه الله :
وقد اختلف العلماءُ في المسافة التي تُقصر فيها الصلاة اختلافًا كثيرًا جدًّا، على نحو عشرين قولًا،
وما ذكرناه عن ابن تيمية وابن القيِّم أقربُها إلى الصواب، وأليقُ بيُسر الإسلام؛ فإنَّ تكليف الناس بالقَصر في سفر محدود بيومٍ أو بثلاثة أيَّام وغيرها من التحديدات، يستلزم تكليفَهم بمعرفة مسافات الطُّرق التي قد يَطرقونها، وهذا ممَّا لا يستطيع أكثرُ الناس، لا سيَّما إذا كانت ممَّا لم تُطرَق من قبلُ . انتهى من ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1/311).
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
أقوى الأقوال- فيما يظهر لي- حجة، هو قول من قال : إن كل ما يسمى سفرا ولو قصيرا تقصر فيه الصلاة; لإطلاق السفر في النصوص . انتهى من ((أضواء البيان)) (1/273).
قال العلامة العثيمين رحمه الله :
الصحيح : أنه لا حد للسفر بالمسافة؛ لأن التحديد كما قال صاحب المغني : يحتاج إلى توقيف، وليس لما صار إليه المحددون حجة، وأقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف . انتهى من ((الشرح الممتع)) (4/351)
وقال أيضًا رحمه الله :
إذا كان لم يُروَ عن الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تقييدُ السفر بالمسافة، وليس هناك حقيقةٌ لغويَّة تقيِّده، كان المرجع فيه إلى العُرف،
وقد ثبت في «صحيح مسلم» عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال : « كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا خرَج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ صلَّى ركعتينِ ». ومعلوم أنَّ ثلاثة فراسخ نِسبتُها إلى ستة عشر فرسخًا يسيرةٌ جدًّا؛ فالصحيح أنه لا حدَّ للمسافة، وإنما يُرجَع في ذلك إلى العُرف . انتهى من ((الشرح الممتع)) (4/352، 353).
يشترط في بدء جمع وقصر الصلاة في السفر
أن يكون قد خرج من بيوت بلده وفارق عمرانها وتركها وراء ظهره .
قال ابنُ قُدامةَ رحمه الله :
ليس لِمَن نوى السَّفر القصرُ حتى يخرجَ من بيوت قريَّته، ويجعلها وراءَ ظهره. وبهذا قال مالك، والشافعيُّ، والأوزاعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثور، وحُكِي ذلك عن جماعةٍ من التابعين . انتهى من ((المغني)) (2/191).
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة :
إذا كان المطار خارج المدينة فلكم الجمع بين الصلاتين والقصر؛ لأنها بدأت في حقكم رخص السفر،
أما إذا كان المطار داخل المدينة فإنه لا يجوز الترخص برخص السفر حتى تقلع الطائرة وتغادر عامر المدينة . انتهى من ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/439).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق