يجوزُ للمسافر أن يقصُرَ الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين أو يتمها إن شاء وإن طالت مدة إقامته لأن التحديد لا أصل له وذلك لعموم الأدلة الدالة على ثبوت رخص السفر للمسافر بدون تحديد ولم يحدد الله في كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم المدة التي ينقطع بها حكم السفر وذلك ما لم ينو اتخاذ ذلك البلد وطناً له ويعزم على الإقامة فيه فإنَّ حُكمه القَصْر ولو أقام مُدَّةً طويلةً .
لأنَّ الإقامةَ لا تخرج عن حكمِ السفر سواءٌ طالَتْ أم قَصُرَتْ إذا لم يَسْتوطِنِ المكانَ فليس للسفر مدة محددة إذا لم يجمع على إقامة واستقرار في بلد ما غير وطنه الأصلي الذي كان يسكنه .
والدليل :
1- قال تعالى : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر. [البقرة: 184]
2- قال تعالى : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا . [النساء: 101].
فالله سبحانه وتعالى لم يفرق بين سفر طويل وسفر قصير وهذا الفرق لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها به مطلقا . ينظر((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/18).
3- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا. (أخرجه البخاري ).
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته، فليعجل إلى أهله . (أخرجه البخاري )
5- عن عائشة رضي الله عنها، قالت : الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر. ( أخرجه مسلم ).
ففى هذه الأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين ولم يحد السفر بزمان أو بمكان ولا حد الإقامة أيضا بزمن محدود لا ثلاثة ولا أربعة ولا اثنا عشر ولا خمسة عشر .
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام هو وأصحابه بعد فتح مكة قريبا من عشرين يوما يقصرون الصلاة وأقاموا بمكة عشرة أيام يفطرون في رمضان وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام .
وإذا كان التحديد لا أصل له فما دام المسافر مسافرا يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهورا .
كما لأنه لما علق الشارع القصر بمسمى السفر، فهي تتعلق بكل سفر سواء كان ذلك السفر طويلا أو قصيرا، كما علق الطهارة بمسمى الماء في قوله : فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا . [النساء: 43]، ولم يفرق بين ماء وماء . ينظر((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/18). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/36).
ومن الآثار الواردة فى ذلك :
1- عن أبي جمرة نصر بن عمران قال : قلت لابن عباس : إنا نطيل المقام بخراسان فكيف ترى ؟ قال :" صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين ". رواه ابن أبي شيبة .
2- أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وقد حال الثلج بينه وبين الدخول. [ هق 3 / 152 ، وأخرجه عبد الرزاق 2 / 533 ، والأثر صححه ابن الملقن ، وقال ابن حجر في الدراية 1 / 212 :" إسناده صحيح " ، وقال النووي معلقا على سند البيهقي : وهذا سند على شرط الشيخين ، انظر التلخيص الحبير 2 / 47 ، نصب الراية 2 / 185 ]
3- وروى البيهقي [ 3 / 152 ] أن أنسا أقام بالشام يقصر سنتين .
4- وروى البيهقي كذلك عن أنس: أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة .
قال الترمذي رحمه الله :
أجمع أهل العلم على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة، وإن أتى عليه سنون .اه
((سنن الترمذي)) (2/434).
قال ابن عبد البر رحمه الله :
لا أعلم خلافا فيمن سافر سفرا يقصر فيه الصلاة، لا يلزمه أن يتم في سفره إلا أن ينوي الإقامة في مكان من سفره ويجمع نيته على ذلك . انتهى من ((الاستذكار)) (2/242).
قال ابن تيمية رحمه الله :
من تبينت له السنة وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين ولم يحد السفر بزمان أو بمكان، ولا حد الإقامة أيضا بزمن محدود؛ لا ثلاثة، ولا أربعة، ولا اثنا عشر، ولا خمسة عشر؛ فإنه يقصر.
كما كان غير واحد من السلف يفعل، حتى كان مسروق قد ولوه ولاية لم يكن يختارها، فأقام سنين يقصر الصلاة. وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصلاة، وكانوا يقصرون الصلاة مع علمهم أن حاجتهم لا تنقضي في أربعة أيام ولا أكثر. كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد فتح مكة قريبا من عشرين يوما يقصرون الصلاة وأقاموا بمكة عشرة أيام يفطرون في رمضان،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام، وإذا كان التحديد لا أصل له، فما دام المسافر مسافرا يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهورا . انتهى من ((مجموع الفتاوى)) (24/18)
قال ابن القيم رحمه الله :
إنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة، ولم يقل للأمة : لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك، ولكن اتفقت إقامته هذه المدة،
وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر، سواء طالت أو قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع . انتهى من ((زاد المعاد)) (3/491).
وقال أيضا رحمه الله في "زاد المعاد" في كلام على فقه غزوة تبوك :
والأئمة الأربعة متفقون على أنه إذا أقام لحاجة ينتظر قضاءها يقول : اليوم أخرج وغداً أخرج، فإنه يقصر أبداً إلا الشافعي في أحد قوليه فإنه يقصر عنده إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً ولا يقصر بعدها .
وقال قبل ذلك : وقد قال أصحاب أحمد إنه لو أقام لجهاد عدو أو حبس سلطان أو مرض، قصر سواء غلب على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة، وهذا هو الصواب، ولكنهم شرطوا فيه شرطاً لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عمل الصحابة، فقالوا : شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر، وهي ما دون الأربعة أيام، فيقال : من أين لكم بمكة وتبوك لم يقل لهم شيئاً، ولم يبين لهم أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلاته ويتأسون به في قصرها في مدة إقامته، فلم يقل لهم حرفاً واحداً لا تقصروا فوق إقامة أربع ليال، وبيان هذا من أهم المهمات، وكذلك اقتدى الصحابة به بعده، ولم يقولوا لمن صلى معهم شيئاً من ذلك . انتهى كلامه رحمه الله .
وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :
ما هي أقل مدة لأيام القصر، هل هي أربع أيام؟
فأجاب :
ما في أيام، إنما هو العزم على الإقامة أو عدمه . انتهى.
(لقاءات المدينة لعام ١٤٠٨ هـ (١) /٠٠: ٣٢: ٤٢)
سئل الشيخ العثيمين رحمه الله :
سمعنا قولاً بأنه يجوز قصر الصلاة لمن كان مسافراً في بلد غير بلده مهما طالت المدة ما لم ينو الاستيطان بها ؟ فنرجو توضيح هذه المسألة وجزاكم الله خيراً؟
الجواب :
هذه المسألة إذا سافر الإنسان إلى بلد غير بلده ونوى الإقامة لغرض من الأغراض فلا يخلو : إما أن ينوي مدة معينة أو لا ينوي،
فإن لم ينو مدة معينة : فإن له أن يقصر ويترخص برخص السفر مهما طالت المدة مادام ينتظر هذا الشيء الذي جاء من أجله .
وأما إذا عينه بمدة : فقد اختلف أهل العلم في ذلك : فجمهور العلماء يحددون ذلك بمدة : إما بأربعة أيام أو بخمسة عشر يوماً أو نحوها، وقد ذكر النووي رحمه الله في شرح المهذب : أن فيها للعلماء عشرة أقوال أو أكثر وسردها،
ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يجعل لذلك حداً، وقال : إنه ليس في الكتاب ولا في السنة دليل على أن الإنسان إذا نوى مدة معينة انقطع بها حكم سفره، بل الإنسان المسافر مادام ينتظر حاجة متى انتهت رجع إلى بلده، سواء عين المدة التي يقيمها أم لم يعين؛ لأن عمومات الكتاب والسنة تدل على ذلك، فإن قوله تعالى : ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، عام لم يخصص الله فيه ضرباً دون ضرب، وكذلك إقامات النبي عليه الصلاة والسلام مدداً مختلفة دون أن يقول للناس : من أقام هذه المدة فلا يقصر، يدل على أنه ليس هناك تقدير،
ومعلوم أن التقدير بمدة معينة يحتاج إلى توقيف وليس في المسألة نص يدل على التحديد بمدة معينة، فهذا وجه اختياره رحمه الله، وقد بسط فيها القول في عدة مواضع من الفتاوي التي جمعها محمد بن قاسم فمن أراد أن يطلع عليها فليطلع . انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [128])
وسئل أيضا رحمه الله :
حصلت لي جلسة مع مدير المعهد العلمي في منطقة من المناطق، فجرى الحوار بيننا في قصر الصلاة، فقال : إن الشيخ - يعنيك أنتَ - أفتى لطلبة الجامعة بأن يقصروا الصلاة إذا فاتتهم الصلاة. وقال المدير : وهذا لا يجوز! فلا ندري كيف أفتى الشيخ بذلك ؟! وابن هذا المدير يدرس عندكم في الجامعة، فنَبَّهَ ابنَه بأنه لا يقصر الصلاة بل يتمها، فنحن يا فضيلة الشيخ لا ندري أنقصر الصلاة أم لا ؟
الجواب :
هذا -سلمك الله - أفتينا به بعد دراسة، وبعد النظر في الأدلة، وبعد النظر في كلام أهل العلم وجدنا أن أقرب الأقوال إلى الصواب : قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الرجل ما دام غائباً عن بلده ولم يتخذ البلد الثاني وطناً فهو مسافر، كل مَن بقي لحاجة ومتى انتهت رَجَعَ فهو مسافر سواء عَيَّن المدة أم لم يعيِّن؛ لأن أي تقدير قَدَّرَه كأن قَدَّر ثلاثة أيام مثلاً، قلنا : ما دليلك ؟! وإن قَدَّر شهراً أو سنة قلنا : ما هو دليلك ؟! ليس هناك دليل.
فالقول مثلاً بأن المسافر إذا نوى الإقامة في هذا المكان هذه المدة انقطع عنه السفر لا يوجد له دليل، ومن وجد دليلاً فليتفضل به، ونحن إن شاء الله آخذون على أنفسنا بأننا إذا تبين لنا الدليل أن نأخذ به، وقولنا ليس بمعصوم، نحن نخطئ كما يخطئ غيرنا؛ لكن علينا أن نتقي الله ما استطعنا و﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾.[البقرة: 286].
إذا كان هذا الذي بلغ إليه جهد الإنسان فهو معذور عند الله «إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر» لكن أي مسألة مثلاً تترجح عند العالم فهو غير معذور في العدول عما ترجح عنده؛ لأنه سيُسأل يوم القيامة .
وأي مسألة يقولها الإنسان وفيها دليل خلاف قوله وهو لا يعلم به فهو معذور، وأي مسألة يقولها الإنسان وهو مجتهد فإنه يجب عليه إذا تبين له الحق أن يرجع إليه عن اجتهاده.
فنحن إذا أتانا إنسان بدليل على أن الإنسان إذا بقي المدة المعينة انقطع عنه حكم السفر وصار حكمه حكم المقيم، فعلينا القبول .
ومن وجد دليلاً خلاف قولنا فليضرب بقولنا عرض الحائط.
وأما المسافة فما وجدنا فيها شيئاً معيناً أيضاً، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ما عَيَّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته المسافة .
ولم يكن في ذلك الوقت المسَّاحون الذين يقولون : هذا كيلو، وهذا أكثر، وهذا أقل، والعلماء الذين قدروا المسافة بأذرع أو أكيال أو أميال ليس عندهم دليل، ثم هم قدَّروها - رحمهم الله - بالذراع، والشبر، والإصبع، وشعرة البرذون -الحصان- معناه : أنَّني أنا إذا صرتُ هنا والصاحب الذي بيني وبينه ذراع هناك، نقول : هذا مسافر، وأنا غير مسافر! مَن يقول هذا ؟!.
فأقرب الأقوال : أنه يُرْجَع فيه إلى ما سماه الناس سفراً، وشدوا الرحال له، هذا هو السفر، وما ليس كذلك فليس بسفر. هذا والله أعلم. وصلَّى الله وسلم وبارَك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين . انتهى من (لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(1))
وسئل أيضا رحمه الله :
هل لصلاة القصر فترة محددة من الأيام وذلك لأنني قد بقيت مدة تزيد عن الشهر وتقل عن الشهرين؟ أو على حسب كلامه : أقصر الصلاة لكوني عسكري في الحرب، فهل علي أن أستمر في قصر الصلاة أو أن أتمها؟ وهل يجوز لي أن أجمع بين الصلوات في بعض الأحيان؟
الجواب :
السفر الذي تقصر فيه الصلاة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد مدته، وإنما أطلق السفر في القرآن والسنة ﴿وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة﴾، وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين .
فهذا دليل على أنه ليس محدداً بمسافة معينة ولا بزمن معين، وإنما يعتبر اسم السفر، فمتى صدق على الرجل الذي خرج من بلده أنه مسافر فهو مسافر، قد يكون الخروج سفراً إذا طالت مدة زمنه وإن قربت مسافته، وقد يكون سفراً إذا بعدت مسافته ولو قل زمنه، هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم لعدم وجود الدليل على التحديد.
وكذلك بالنسبة لزمن الإقامة الذي ينقطع فيه حكم السفر، فإنه لا حد له، فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديده بأربعة أيام ولا بخمسة ولا بعشرة، بل أقام النبي صلى الله عليه وسلم إقامات مختلفة كان يقصر فيها الصلاة، فأقام في حجة الوداع في مكة المكرمة عشرة أيام منها أربعة قبل الخروج إلى منى، وأقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً، وأقام في تبوك عشرين يوماً، وفي هذه الإقامات كلها كان يقصر الصلاة عليه الصلاة والسلام، ولم يقل للناس من نوى عدداً معيناً من الأيام فليقصر.
وقد قدم لحجته صلى الله عليه وسلم في اليوم الرابع من ذي الحجة، وكان يقصر الصلاة، ولم يقل للناس الحجاج من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه أن يتم الصلاة، وهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن الناس يقدمون للحج قبل اليوم الرابع وبعده، فلما لم يقل ذلك علم أنه لا تحديد له، وأن قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الرابع إنما وقع اتفاقاً لا قصداً، وما وقع اتفاقاً لا قصداً فإنه لا يتعلق به حكم.
على هذا نقول للأخ : ما دمت في الجبهة مسافراً فإنه يجوز لك أن تقصر الصلاة، وهو المشروع في حقك، وأما الجمع بين الصلاتين المجموعتين كالجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء فهذا جائز ولا حرج فيه، ولكن الأفضل تركه إلا إذا كان في تركه شيء من المشقة، أو كان في فعله -أي في الجمع- شيء من المصلحة، فلتجمع أيضاً، ولا حرج عليك في ذلك . انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [36])
الجمع فى السفر
المراد بجمع الصلوات : هو أن يجمع المصلي بين فريضتين في وقت إحداهما إما جمع تقديم وإما جمع تأخير وهذا جائز .
والصلوات التي يجوز فيها الجمع هي: الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء.
فعن معاذ رضي الله عنه، قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا. رواه البخاري .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"من شرع الله له القصر وهو المسافر جاز له الجمع ولكن ليس بينهما تلازم ، فله أن يقصر ولا يجمع. وترك الجمع أفضل إذا كان المسافر نازلا غير ظاعن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع ، فإنه قصر ولم يجمع وقد جمع بين القصر والجمع في غزوة تبوك ، فدل على التوسعة في ذلك . وكان صلى الله عليه وسلم يقصر ويجمع إذا كان على ظهر سير غير مستقر في مكان ". انتهى من ("مجموع فتاوى ابن باز" (12/289))
وسئل ابن تيمية رحمه الله :
هل الجمع بين الصلاتين في السفر أفضل أم القصر؟
فأجاب :
" بل فعل كل صلاة في وقتها أفضل إذا لم يكن به حاجة إلى الجمع ، فإن غالب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يصليها في السفر إنما يصليها في أوقاتها . وإنما كان الجمع منه مرات قليلة ". انتهى . "مجموع الفتاوى" (24/19) .
وقال أيضا رحمه الله :
"وهذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر ؛ بل يفعل للحاجة سواء كان في السفر أو الحضر". انتهى . "مجموع الفتاوى" (24/64) .
وإليك بعض أحكام السفر
- قصر الصلاة في السفر سنة مؤكدة، فإن أتم المسافر صحت صلاته.
- أن المسافر إذا صلى خلف مقيم يتم، ولا يجوز له القصر.
- أن الجمع بين الصلوات في السفر، تجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء. أما الفجر فتصلى في وقتها لا تجمع مع التي قبلها ولا مع التي بعدها.
وجمع الصلاة مع التي قبلها يسمى بجمع التقديم، مثل ما صنع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة في حجة الوداع، فصلى العصر مع الظهر.
وجمع الصلاة مع التي بعدها يسمى جمع تأخير، مثل ما صنع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليلة مزدلفة فجمع المغرب مع العشاء.
- أن صلاة المغرب كما هي لا تقصر إلى ركعتين. وصلاة الفجر كما هي ركعتين، إنما تقصر الرباعية إلى ركعتين، وهي صلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة العشاء.
- أن الجمع بين الصلوات رخصة السفر، سواء تتابع به السير في السفر، أم لا، والأفضل أن يصلي الصلاة في وقتها إلا إذا تتابع به السير.
- وفي الجمع يؤذن للأولى ويقيم لكل صلاة. كما فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- لا جمعة على المسافر، فيصليها ظهراً. كما صنع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجته، فإن يوم الوقفة كان يوم جمعة، فلم يصلها إنما صلى الظهر وجمع معها العصر.
- إذا صلى المسافر الجمعة لا يجوز أن يجمع معها العصر؛ لأن ذلك لم يرد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- ثبت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- صلى ركعتي الفجر والوتر وصلاة الليل والضحى في السفر، وهي من صلوات التطوع.
- السفر مشقة وعذاب، فإذا قضى المسلم حاجته فليعجل الرجوع إلى أهله وبلده.
- يكره للمسلم أن يسافر وحيدًا، أخرج مالك في الموطأ كتاب الاستئذان باب ما جاء في الوحدة في السفر، وأبوداود تحت رقم: (2607)، والترمذي تحت رقم: (1674) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : « الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ ». وهو حديث حسن.
انتهى من مختصر أحكام السفر / الشيخ الدكتور محمد بن عمر بازمول -حفظه الله
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق