إتفق أهل السنة والجماعة على ثبوت حديث واقعة السحر التي جرت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث يتعلق بجسد الرسول وأنه أصابه الوهن وأصابه الضعف في جسده ليس في عقله وليس في فكره أبدًا ولذلك فكونه ضعف ومرض هذا ليس فيه إشكال لكن الإشكال أن نتصور أن الرسول عليه السلام غاب عن رشده أيامًا بل شهورًا فهو يتكلم ولا يدري ولا يعي ولا يفهم هذا مستحيل بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام، لكن أنه يمرض فنعم وهذا الذي تضمنه حديث سحر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد طعن في هذه الأحاديث أهل الزيغ والابتداع من قديم الزمان وبعض من تأثر بهم حديثا .
هذا وقد إتفق أهل السنة على أن السحر الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يطعن في مقام النبوة وأنه صلى الله عليه وسلم معصوم من نسبة شيء إلى الدين وليس منه فلا يؤثر في ذلك سحر أو غيره .
وحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح رواه الإمامان الجليلان البخاري ومسلم في صحيحيهما فهو حديث متفق عليه ومعلوم عند أهل العلم أن الحديث الذي يرويه الإمامان البخاري ومسلم هو في أعلى درجات الحديث الصحيح فحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم حديث ثابت صحيح لا شك في ذلك ولا ريب .
منها ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ :
سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ عِنْدِي، لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ:" يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ " فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلاَ اسْتَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: قَدْ عَافَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا . فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ . رواه البخاري (5763) ، ومسلم (2189).
وفي رواية للبخاري عن عائشة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُحِر ، حتى كان يُرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال : سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا .
مطبوب : مسحور .
(مُشط) : آلة تسريح الشعر .
(مشاقة) أو (مشاطة) : ما يسقط من الشعر .
(وجف طلع نخلة ذَكَر) : هو الغشاء الذي يكون على الطلع ، ويطلق على الذكر والأنثى , فلهذا قيده بالذَّكَر .
فهذا الحديث أيضا رواه أهل السنن عن عائشة رضي الله عنها :
ابن ماجة [ 3545 ] و الإمام أحمد في المسند [24741 و 24804 و 24851 و 24852 و 25157 ] و ابن حبان في صحيحه [ 6703 و 6704 ] و أبو يعلى [ 4757 ] و البيهقي في دلائل النبوة [ 3018 ] و غيرهم
و رواه زيد بن أرقم رضي الله عنه أيضاً :
أخرجه عنه الإمام النسائي [ 7/103 ] و الإمام أحمد في المسند [ 19481 ] و عبد بن حميد في المنتخب [ 271 ] و غيرهم .
فقد رُوِيت من طرق عدة في الصحيحين وغيرهما وعن غير واحد من الصحابة منهم : عائشة ، و ابن عباس ، و زيد بن أرقم - رضي الله عنهم- ، وغيرهم مما يبعد عنه احتمال الغلط أو السهو أو الكذب ، كما أثبتها واعترف بصحتها رواية ودراية كبار الأئمة الذي هم أرسخ قدمـًا في هذا الشأن.
إذن إنه صلى الله عليه وسلم قد سُحِرَ يقينا وقد علمنا من هذا الحديثِ السابقِ ذكرُه والذي رُوي في كل دواوين السنَّة النبوية المعتبرة من صحاح وسنن ومسانيد وصار إنكارُ ذلك أشبهَ بإنكار شيءٍ بات معلوماً من أحواله صلى الله عليه وسلم ولا ينكره إلا معاند مكابر أو عدو ماكر .
ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِر حتى كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله ولم يؤثر هذا السحر في دعوته صلى الله عليه وسلم فليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول شيئاً ولا يريد قوله أو ينسب إلى الدين ما لم يأمره به الله حتى يُنكر هذا الحديث ولم يستمر هذا السحر طويلا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد استمرت ستة أشهر كما جاء فى مسند الإمام أحمد وقد دعا النبي ربه كثيرا حتى شفاه.
بل جاء فى القرآن ما يؤيد الحديث إذ قد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله من شر النفاثات فى العقد وهن السواحر فلو كانت النفاثات وهن السواحر لا يؤثرن لما أمر صلى الله عليه وسلم من قبل الله تعالى أن يستعيذ منهن فدلت الآيه على جواز سحر الرسول صلى الله عليه وسلم فى بدنه.
قد ذكرت كلمة " يخيل " بالقران للنبى موسى عليه السلام : قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى . فموسى عليه السلام خيل اليه من السحر كما خيل الى النبى عليه الصلاة و السلام .
وقد أجاب أئمة أهل السنة الأعلام عن هذا الحديث وبينوا المراد منه :
- قال العلامة ابن القيم :
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به وقد أنكر هذا طائفة من الناس وقالوا لا يجوز هذا عليه وظنوه نقصاً أو عيباً وليس الأمر كما زعموا بل هو من جنس ما كان يضرّ به صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع وهو مرض من الأمراض وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : « سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن وذلك أشد ما يكون من السحر ».
قال القاضي عياض :
والسحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه صلى الله عليه وسلم كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا وإنما هذا فيما يجوز طروه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث لسببها ولا فضل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر فغير بعيد من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه لما كان . انتهى من (زاد المعاد في هدي خير العباد (4/124)).
وقال أيضا رحمه الله في بدائع الفوائد :
وهذا الحديث ثابت عند أهل العلم بالحديث متلقى بالقبول بينهم لا يختلفون في صحته وقد اعتاص على كثير من أهل الكلام وغيرهم وأنكروه أشد الإنكار وقابلوه بالتكذيب وصنف بعضهم فيه مصنفا مفردا حمل فيه على هشام وكان غاية ما أحسن القول فيه أن قال غلط واشتبه عليه الأمر ولم يكن من هذا شيء، قال لأن النبي لا يجوز أن يسحر فإنه يكون تصديقا لقول الكفار إن تتبعون إلا رجلا مسحورا. { الإسراء: 47
قالوا وهذا كما قال فرعون لموسى : إني لأظنك يا موسى مسحورا. {الإسراء: 101} وقال قوم صالح له : إنما أنت من المسحرين .{الشعراء: 153} وقال قوم شعيب له : إنما أنت من المسحرين ـ قالوا فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا، فإن ذلك ينافي حماية الله لهم وعصمتهم من الشياطين،
وهذا الذي قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم، فإن هشاما من أوثق الناس وأعلمهم ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رد حديثه فما للمتكلمين وما لهذا الشأن، وقد رواه غير هشام عن عائشة، وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة، والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله وأيامه من المتكلمين.
قالوا والسحر الذي أصابه كان مرضا من الأمراض عارضا شفاه الله منه ولا نقص في ذلك ولا عيب بوجه ما، فإن المرض يجوز على الأنبياء، وكذلك الإغماء فقد أغمي عليه في مرضه ووقع حين انفكت قدمه وجحش شقه، رواه البخاري ومسلم،
وهذا من البلاء الذي يزيده الله به رفعة في درجاته ونيل كرامته، وأشد الناس بلاء الأنبياء فابتلوا من أممهم بما ابتلوا به من القتل والضرب والشتم والحبس، فليس ببدع أن يبتلى النبي من بعض أعدائه بنوع من السحر كما ابتلى بالذي رماه فشجه، وابتلى بالذي ألقى على ظهره السلا وهو ساجد وغير ذلك، فلا نقص عليهم ولا عار في ذلك، بل هذا من كمالهم وعلو درجاتهم عند الله .اه
- قال الحافظ ابن حجر :
قال المازري : أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، قالوا: وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَ، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء .
قال المازري : وهذا كله مردود لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ والمعجزات شاهدات بتصديقه فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين .
قال : وقد قال بعض الناس إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطئهن وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة .
قلت - أي الحافظ ابن حجر : وهذا قد ورد صريحاً في رواية ابن عيينة في الباب الذي يلي هذا ولفظه «حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن» وفي رواية الحميدي «أنه يأتي أهله ولا يأتيهم». قال الداودي : يُرى بضم أوله أي يظن … قال عياض : فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وسائر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده . انتهى من (فتح الباري 12/337– (338)).
- وقال الإمام الخطابي :
قد أنكر قوم من أصحاب الطبائع السحر وأبطلوا حقيقته ودفع آخرون من أهل الكلام هذا الحديث وقالوا : لو جاز أن يكون له تأثير في رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمن أن يؤثر ذلك فيما يوحى إليه من أمر الشرع فيكون فيه ضلال الأمة .
والجواب :
أن السحر ثابت وحقيقته موجودة … وقد قال الله تعالى : {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} وأمر بالاستعاذة منه فقال عز وجل : {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} . وورد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار لا ينكرها إلا من أنكر العيان والضرورة …
فأما ما زعموا من دخول الضرر في الشرع بإثباته فليس كذلك لأن السحر إنما يعمل في أبدانهم وهم بشرٌ يجوز عليهم من العلل والأمراض ما يجوز على غيرهم وليس تأثير السحر في أبدانهم بأكثر من القتل وتأثير السم وعوارض الأسقام فيهم وقد قتل زكريا وابنه وَسُمَّ نبينا صلى الله عليه وسلم بخيبر فأما أمر الدين فإنهم معصومون فيما بعثهم الله جلّ ذكره وأرصدهم له وهو جل ذكره حافظ لدينه وحارس لوحيه أن يلحقه فساد أو تبديل وإنما كان خيّل إليه أنه يفعل الشيء من أمر النساء خصوصاً وهذا من جملة ما تضمنه قوله : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ }. فلا ضرر إذاً يلحقه فيما لحقه من السحر على نبوته وشريعته والحمد لله على ذلك . انتهى من (شرح السنة 12/187-(188)).
- قال ابن مفلح رحمه الله :
" وَكَانَ غَايَةَ هَذَا السِّحْرِ إنَّمَا هُوَ فِي جَسَدِهِ وَظَاهِرِ جَوَارِحِهِ ، لَا عَلَى عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّخَيُّلِ : فَهُوَ بِالْبَصَرِ ، لَا تَخَيُّلٌ يَطْرُقُ إلَى الْعَقْلِ ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ مِنْ إتْيَانِهِ النِّسَاءَ، بَلْ يَعْلَمُ أَنَّهُ خَيَالٌ. وَقَدْ يَحْدُثُ مِثْلُ هَذَا عَنْ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ". انتهى من ("الآداب الشرعية" (3/208))
فحدوث ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم كان لبيان أنه بشر يجري عليه ما يجري عليهم من البلاء ، وأن السحر حق يؤثر بإذن الله وأنه إذا وقع للنبي صلى الله عليه وسلم جاز وقوعه لغيره .
قال الطيبي رحمه الله :
" فإن قيل : كلام النبوة يمنع من حلول الاختلال بالسحر بجسم النبي صلى الله عليه وسلم؟
قلنا : لا يطول ذلك ، بل يزول سريعاً ، فكأنه ما حل، وفائدة الحلول تنبيه على أن هذا بشر مثلكم، وعلى أن السحر تأثيره حق إذا أثر في أكمل الإنسان ، فكيف بغيره؟ ". انتهى من ("شرح المشكاة" (12/3773))
- وسئل العلامة الألبانى رحمه الله :
هناك أناس يقولون حديث سحر الرسول صلى الله عليه السلام وينكرون هذا يستدلون بقول الله تعالى (( والله يعصمك من الناس )) نوريد تفسير هذا؟
فأجاب :
هذا استدلال واهن جدا وهو استدلال بالمتشابه من المعاني فقوله تبارك وتعالى (( والله يعصمك من الناس )). حق وصدق يجب الإيمان به كسائر آيات الله ولكن الإيمان لا يكمل إلا إذا فسّر القرآن تفسيرا صحيحا مجردا عن الأهواء والأغراض والتعصب المذهبي .
ثم أن هذه الآية نزلت حينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم على حراسته بعض أصحابه ولو كان في المعركة فأنزل الله عز وجل عليه هذه الآية وهو في كوخ صغير متواضع وبجانبه أحد أصحابه عليه السلام ولعله سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه إن لم تخني ذاكرتي فلما نزلت هذه الآية صرفه وتلاها عليه (( والله يعصمك من الناس )) أي الله يعصمه من الناس أن يقتلوه قبل أن يتمكن من أن يقوم بواجب تبليغه لدعوة ربه لذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها فيما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق مسروق من كبار التابعين الذي كان أصله عبد ثم أعتق وصار من كبار علماء التابعين رحمه الله من طريق مسروق هذا أخرج الشيخان أنه قال لعائشة : " يا أم المؤمنين هل رأى محمد ربه؟ قالت : لقد قف شعري من ما قلت، قال : يا أم المؤمنين أليس يقول رب العالمين (( ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى )) قالت رضي الله عنها : أنا أعلم الناس بذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح وقد سد الأفق ) ". جبريل رأه الرسول عليه السلام مرتين وليس رب العالمين حيث يهم بعض الناس ويرجعون الضمير إلى رب العالمين فالسيدة عائشة تقول " أنا أعلم الناس بذلك " لأنها سألت الرسول عليه الصلاة والسلام فأجابها بأنه لم يرَ ربه وإنما رأى جبريل عليه السلام مرتين في صورته الطبيعية التي خلقه الله عليها وهو لعظمته قد سد الأفق.
ثم تابعت السيدة عائشة كلامها معلمة للمسلمين لأنها من أمهات المؤمنين فقالت " ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية من حدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تبارك وتعالى وما كان قال تعالى (( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا )) ومن حدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى (( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله )).
-والثالثة والأخيرة وهنا الشاهد- قالت : ومن حدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئا أومر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) ".
أي أن يحول بينك وبين تبليغك لرسالة ربك هذا هو معنى هذا الحديث فليس له علاقة بتسلط بعض المشركين الأشرار على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشيء من الإيذاء كيف ومن الثابت في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوذي وشج في وجهه في بعض غزواته وكسرت رباعيته فهل هذا ينافي قوله تعالى (( والله يعصمك من الناس )) الجواب لا، لأن الآية في معناها الصحيح في واد ودعوى أولئك الناس في واد آخر ثم هم يبطلون بهذا الفهم الخاطئ حديثا صحيحا متفق عليه بين الشيخين أولاً البخاري ومسلم ثم هو مما تلقته الأمة بالقبول وقد جاء له مع أن إسناده في غاية الصحة لأن له طرقا كثيرة تدور كلها على هشام بن عروة عن أبيه عروة عن عائشة هذا سند معروف الصحة جدا جدا عروة هو ابن أسماء أخت عائشة وهشام هو ابن عروة فالإبن يروي عن أبيه وأبوه يروى عن خالته عائشة هذه القصة فأبعد ما يكون من حيث الرواية أن تكون هذه القصه غير صحيحة .
لكن أهل الأهواء هم في الحقيقة والشاهد الآن قائم ممن عرفتم قصته وهو الشيخ الغزالى المصري أن هؤلاء لا يقيمون وزنا لجهود علماء الحديث المتكاثفة المتعاونة طيلة هذه القرون الطويلة في العناية بحفظ السنة أن يدخل فيها ما ليس منها فهم خرجوا عن طريق المسلمين لا فرق بين طريق أهل الحديث وطريق أهل التفسير وطريق أهل الفقه فقد خالفوهم جميعا لأن هذا الحديث قد رواه كما علمتم الشيخان في صحيحيهما ثم تلقته علماء الأمة في جميع اختصاصاتهم من مفسرين وفقهاء ونحو ذلك تلقوه بالقبول فجاء بعضهم وإن كان هذا وأمثاله سبقوا إلى مثل هذا الإنحراف فخالفوا بذلك سبيل المؤمنين فيخشى أن يشملهم وعيد قول رب العالمين (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )).
لذلك يقول علماء التفسير وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا كان هناك آية وفي تفسيرها قولان فلا يجوز لمن جاء في آخر الزمان أن يأتي بقول ثالث لأن هذا القول الثالث يكون بدعة في الدين ويكون مخالفا لسبيل المؤمنين فقد فرضنا أن في آية ما قولين فمن أين جاء هذا الإنسان بقول ثالث ولو سلم بفتح هذا الباب لأصاب دين الإسلام ما أصاب دين اليهود والنصارى من التلاعب بنصوص كتابهم .اه
- قال العلامة ابن باز رحمه الله :
ثبت في الحديث الصحيح أنه وقع في المدينة، وعندما استقر الوحي واستقرت الرسالة، وقامت دلائل النبوة وصدق الرسالة، ونصر الله نبيه على المشركين وأذلهم، تعرض له شخص من اليهود يدعى : لبيد بن الأعصم، فعمل له سحرًا في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر النخل، فصار يخيل إليه أنه فعل بعض الشيء مع أهله ولم يفعله،
لكن لم يزل بحمد الله تعالى عقله وشعوره وتمييزه معه فيما يحدِّث به الناس، ويكلم الناس بالحق الذي أوحاه الله إليه، لكنه أحس بشيء أثر عليه بعض الأثر مع نسائه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: إنه كان يخيل إليه أنه فعل بعض الشيء في البيت مع أهله -وهو لم يفعله-، فجاءه الوحي من ربه بواسطة جبرائيل عليه السلام فأخبره بما وقع، فبعث من استخرج ذلك الشيء من بئر لأحد الأنصار فأتلفه وزال عنه بحمد الله تعالى ذلك الأثر، وأنزل عليه سبحانه سورتي المعوذتين فقرأهما وزال عنه كل بلاء وقال عليه الصلاة والسلام : ما تعوذ المتعوذون بمثلهما .
ولم يترتب على ذلك شيء مما يضر الناس أو يخل بالرسالة أو بالوحي، والله جل وعلا عصمه من الناس مما يمنع وصول الرسالة وتبليغها،
أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء فإنه لم يعصم منه عليه الصلاة والسلام، بل أصابه شيء من ذلك، فقد جرح يوم أحد، وكسرت البيضة على رأسه، ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر، وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك، وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقًا شديدًا، فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل، ومما كتبه الله عليه، ورفع الله به درجاته، وأعلى به مقامه، وضاعف به حسناته، ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ولا منعه من تبليغ الرسالة، ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم . انتهى من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (8/ 149)).
- إذن قد ذهب بعض أهل العلم قديماً وحديثاً إلى نفي خبر سحره عليه السلام وما ذلك إلا بسبب أنهم لم يتدبروا ما ذكرته عائشة فإن قولها ( حتى يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله ) أشكل على هؤلاء حيث ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم صار ينسى وضعف جسمه وتغير حاله إلى ما هناك والصواب أن ذلك يفسر بالروايات المتقدمة منها المتقدم عن عائشة وفيه ( حتى كان يظن أنه يأتي النساء ولا يأتيهنَّ ) فهذا هو المراد من ( يخيل إليه ... ) والدليل على أنه عليه الصلاة والسلام بقي سليماً ما عدا ذلك هو أنه لو لوحظ عليه شيء غير عادي لجاء ذلك عن جماعة من الصحابة ولذكروا ذلك ولكن كل ذلك لم يكن بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كا يؤم الناس فيقرأ القرآن بصوت مرتفع في الفجر والمغرب والعشاء فلو صار ينسى أو نحو ذلك لنقل إلينا أيضاً ولجاء متواتراً .
وإليك الرد على بعض الشبهات
التى أثيرت حول هذا الحديث الصحيح
الشبهة الأولى :
قولهم : أن الكفار كانوا قد رموا النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر قال تعالى : { إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا }. [ الإسراء : 47 ]. وقال تعالى : {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا }.[ الفرقان : 8 ]. فكيف نقول نحن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سحر ؟!. فهكذا نكون قد صدقنا دعوة الكفار برميهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ! وهكذا نفتح باباً للطاعنين بالدين !.
والرد عليها :
بأن ما قالوه عن تفسيرهم للاية ناتج عن سوء فهم لكلمة " مسحورا " التى وردت بالاية فعلماء التفسير لم يذكروا في تفسيرهم لرمي النبي صلى الله عليه وسلم بأنه رجل مسحور بالمعنى الذي يريده القوم وإنما رمى الكفار والمشركين النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون ! فيقصدون رجلاً مسحوراً يعني به مس من جنون فهم يقصدون انه صلى الله عليه وسلم مسحور بما يتكلم به من الوحي وأن ما جاء به هذيان كهذيان المسحور فهم يقصدون دعوته .
- قال الطبري في تفسيره لآية الإسراء 47 :
زعموا أنه مجنون، وأنه ساحر .اه
- وقال الآلوسي في تفسيره لآية الفرقان 8 :
سحر فغلب على عقله فالمراد بالسحر ما به اختلال العقل .اه
- وقال الشنقيطي في تفسيره لآية الفرقان 8 :
يعنون : أنه أثر فيه السحر فاختلط عقله فالتبس عليه أمره. اه
- قال الفخر الرازي :
أن الكفار كانوا يريدون بكونه مسحوراً أنه مجنون أزيل عقله بواسطة السحر فلذلك ترك دينهم ، فأما أن يكون يكون مسحوراً بألم يجده في بدنه فذلك مما لا ينكره أحد و بالجملة فالله تعالى ما كان يسلط عليه شيطاناً ولا إنسياً ولا جنياً يؤذيه في دينه وشرعه ونبوته ، فأما الأضرار ببدنه فلا يبعد . انتهى من [تفسير الرازي (32/188)]
ومثل هذه الأوصاف لم تجر على النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُحر ! بل لا يقول ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مسلم ! وإنما أقصى ما حصل له – بأبي وأمي هو –أنه كان يخيل أنه يأتي الشيء ولا يأتيه وفُسر ذلك بأنه كان يخيل إليه أنه يأتي نسائه و هو لا يأتيهن ، وهذا إنما أتى على جسده وعلى جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده ! فهو إذن التخيل البصري لا العقلي ، ومثل هذه التخيلات يراها النائم في نومه فلا يُستبعد أن يراها في يقظته ، ومثل هذا لا يُدخل طعناً على الرسالة ولا شكاً بها وبمصدرها .
قال القاضي عياض رحمه الله :
وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده ، ويكون معنى قوله في الحديث : ( حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن ) ويروى : ( يخيل إليه ) أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن ، فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ، ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور .
وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء ثم لا يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر ، لا لخلل تطرق إلى العقل ، وليس في ذلك ما يدخل لبسا على الرسالة ، ولا طعنا لأهل الضلالة . والله أعلم . انتهى من [ شرح النووي لصحيح مسلم (14/397) .]
فنحن عندما نؤمن بما دل عليه الحديث لا نكون مصدقين للمشركين ولا موافقين لهم فيما أرادوا لأن الذي عناه الحديث غير الذي عناه أولئك الظالمون وإذا ثبت ذلك لم يكن هناك تصديق ولا موافقة لهم فالسحر المراد فى الحديث والمثبت له صلى الله عليه وسلم كان من جهة بدنه وليس من جهة عقله وفكره وأما السحر المنفى فى الآيه فهو ما يتعلق بعقله وفكره صلى الله عليه وتبليغه .
وأيضا ما رأي المنكرين للحديث فيما ثبت في القرآن الكريم منسوباً إلى نبي الله موسى عليه السلام من أنه تخيل في حبال السحرة وعصيهم أنها حيات تسعى ، فهل ينكرون القرآن القطعي المتواتر ؟! وهل تخيله هذا أخل بمنصب الرسالة والتبليغ ؟! وإذا كان لا مناص لهم من التسليم بما جاء به القرآن الكريم ، فلم اعتبروا التخيل في حديث السحر منافيـًا للعصمة ؟! ولم يعتبروه في قصة موسى عليه السلام منافيـًا للعصمة ؟! .
إذن المشركين لم يريدوا من قولهم : إن تتبعون إلا رجلا مسحورا. أنه صلى الله عليه وسلم - سحر حتى أدركه بعض التغيير أياما، ثم شفاه الله، وإنما أرادوا أنه يصدر عن خيال وجنون في كل ما يقول ويفعل، وأن ما جاء به ليس من الوحي، فغرضهم إنكار رسالته ورميه بالجنون، وهذا أمر واضح وجلي لكل من تتبع النصوص القرآنية التي تعرضت لهذا؛ فالغرضان مختلفان، والموضوعان متباينان .
فوقوع السحر للرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يصدق بحال من الأحوال دعوى المشركين : إن تتبعون إلا رجلا مسحورا. ؛ لأنهم يهدفون إلى رفض الدين من أساسه، والتشكيك فيه برمي صاحب الرسالة بالسحر والجنون، وأنه مصدر غير موثوق فيه.
وإن كان هؤلاء الأدعياء قد التمسوا في حديث السحر ما يؤيد به دعواهم، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : « يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله »، وأن هذا يفهم منه أنه كان يتخيل أنه يأتيه جبريل وهو لا يأتيه!.
وللجواب عن ذلك نقول : إن الحديث جاء مفسرا برواية أخرى؛ حيث قالت عائشة : « حتى كان يرى أن يأتي النساء ولا يأتيهن »، والمقصود بالنساء هنا زوجاته، والإتيان معناه جماعهن، فيسقط استدلالكم بالحديث على ما زعمتموه من التشكيك في مصدر التلقي .
الشبهة الثانية :
قولهم : الحديث وإن رواه البخاري ومسلم فهو حديث آحادي لا يؤخذ به في العقائد وعصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد فلا يؤخذ في إثبات ما يخالفها إلا باليقين كالحديث المتواتر.
والرد عليها :
قد نص الإمام الشافعي رحمه الله على إجماع المسلمين على حجية خبر الواحد في الرسالة حيث قال : " ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة : أجمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي". انتهى من ((الرسالة)) تحقيق أحمد شاكر (457 ) .
والقول بحجية خبر الواحد في العقائد والأحكام هو مذهب الإمام مالك رحمه الله كما ذكره عنه محمد بن أحمد المعروف بابن خويزمنداد .(((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم (1/132 )) . وهو أيضا قول الإمام أحمد رحمه الله قال المروذي رحمه الله : " قلت لأبي عبد الله : ههنا اثنان يقولان إن الخبر يوجب عملًا ولا يوجب علمًا فعابه وقال لا أدري ما هذا..." . انتهى من (((إرشاد الفحول)) للشوكاني (48 ) .) .
ولا يعرف عن أبي حنيفة رحمه الله أنَّه قال بعدم إفادة خبر الواحد العلم أو أنَّه فرق في قبوله بين العقائد والأعمال بل الذي ورد عنه قبول الأحاديث بدون تفريق فقد روي عنه أنه قال : " إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نحد عنه إلى غيره وأخذنا به " . انتهى من (((مناقب أبي حنيفة)) للموفق بن أحمد المكي (71 )) . وهذا هو مذهب أصحاب أبي حنيفة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. (((الفتاوى)) (18/17، 41 ) . وهو أيضًا مذهب السلف وجمهور المحدثين والأصوليين كما نص على هذا غير واحد من العلماء.
ومما يدل أيضا على أن أحاديث الآحاد توجب العلم كما أنها توجب العمل عمل النبي صلى الله عليه وسلم حيث اقتصر بخبر الواحد في إيجاب العلم فقد كان يبعث الآحاد من الصحابة إلى الملوك والرؤساء والأقطار يدعونهم إلى الإسلام وهذا مما لا بد فيه من العلم بمعنى الاعتقاد الجازم الذي لا يبقى معه شك ولا شبهة . (انظر ((توضيح الأفكار)) للصنعاني (1/27 )) .
ومن آخبار الاحاد :
ما رواه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال : " بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أُمِر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة " ، ولولا حصول العلم لهم بخبر الواحد ، لما تركوا المعلوم المقطوع به عندهم لخبر لا يفيد العلم ولا تقوم به الحجة . وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في (الرسالة) جملة الأحاديث والآثار التي دلت على ذلك . انتهى من (((الرسالة)) (401- 457 ) .
فعلى هذا فإن القول بأن خبر الواحد لا يفيد العلم يفضي إلى الطعن في عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أيضا خرق إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة وإجماع التابعين وإجماع أئمة الإسلام وموافقة للجهمية والمعتزلة والرافضة والخوارج . (انظر ((مختصر الصواعق)) (2/360- 362 ) ). نعوذ بالله من هذا القول الشنيع.
كما أنه يكفي وجود هذا الحديث في الصحيحين للجزم بصحتها وثبوتها، وقد أجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقبول، وليست هي من الأحاديث المنتقدة حتى تستثنى من ذلك، وقد رُوِيت من طرق عدة في الصحيحين وغيرهما ، وعن غير واحد من الصحابة منهم : عائشة ، و ابن عباس ، و زيد بن أرقم - رضي الله عنهم- ، وغيرهم مما يبعد عنه احتمال الغلط أو السهو أو الكذب ، كما أثبتها واعترف بصحتها رواية ودراية كبار الأئمة الذي هم أرسخ قدمـًا في هذا الشأن ، وفي الجمع بين المعقول والمنقول كالإمام المازري والخطابي ، والقاضي عياض ، والإمام النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، والإمام ابن كثير ، والإمام ابن حجر وغيرهم ممن لا يحصيهم العدُّ ، فهل كل هؤلاء الأئمة فسدت عقولهم ، فلم يتفطنوا إلى ما تفطن إليه أصحاب العقول ؟! ، أم أنه التسليم والانقياد ، وتعظيم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعدم معارضته برأي أو قياس .
الشبهة الثالثة :
قولهم : أن الله عز وجل قد عصم النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو المؤتمن على نقل الشريعة فقال {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}. [ المائدة : 67 ] فكيف يقال إنه سحر ؟! و كاد له يهودي فسحره ؟! و أن سحر النبي مخالف لعصمته ! التي اعطاه الله اياها ! و إن قلنا بسحره فتحنا الباب لأهل الضلال للقول بأن يمكن أن يكون قد بلغ شيئاً وهو لم ينزل عليه ! .
والرد عليها :
أن المراد بالعصمه فى الآيه العصمة من القتل والمكائد التى تؤدى الى الهلاك وكذلك هو معصوم من الغوايه والضلال والمعاصى لذلك فإصابته صلى الله عليه وسلم بالسحر أو السم كانت ابتلاء وليس نفيا لعصمته .
- قال الامام البغوى فى تفسيره :
( والله يعصمك من الناس ) يحفظك ويمنعك من الناس ، فإن قيل : أليس قد شج رأسه وكسرت رباعيته وأوذي بضروب من الأذى؟. قيل : معناه يعصمك من القتل فلا يصلون إلى قتلك .اه
- قال الزمخشري :
والله يعصمك من الناس : عدة من الله بالحفظ والكلاء، والمعنى : والله يضمن لك العصمة من أعدائك، فما عذرك في مراقبتهم، فإن قلت : أين ضمان العصمة ؟ وقد شج في وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته، قلت : المراد أنه يعصمه من القتل .اه ((الكشاف للزمخشري ج1 ص 630 /631 ـ الدار العالمية))
- قال الألوسي :
المراد بالعصمة من الناس : حفظ روحه من القتل والإهلاك فلا يرد أنه شج وجهه الشريف وكسرت رباعيته يوم أحد .اه ((روم المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثالي ج2 ص 123 ـ دار إحياء التراث العربي ببيروت))
كما أن القران نفسه أثبت الاذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم .قال تعالى : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ). سورة الاحزاب:57 . فكما لا يجوز أن نقول أن هذه الاية مكذوبة فلا سبيل أن نكذب الأحاديث التى صحت بأنواع الأذى ومنها السحر والسم وهذا من الأذى .
و قد ورد في صحيح السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شج رأسه ، وكسرت رباعيته ، ودمي وجهه – فداه روحي - بل إنه صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم نسي ! فهل يتخذ مثل هذا طعناً في الرسالة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نسي أمراً ؟!أم يقال أنه نسي كما ينسى البشر عادة ؟! وهذا مثل ذاك عند العاقل ! بل الأنبياء كلهم قد أصابهم مثل هذه المحن و أصابهم الإبتلاء ، بل أيوب نبي الله عليه السلام { نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }.
قال العلامة عبد الرحمن المعلمي في الأنوار الكاشفة في معرض سرده لحجج المنكرين لحديث السحر ورده عليها :
القضية الثانية : أنّه مناف للعصمة في التبليغ، قال : فإنه قد خالط عقله وإدراكه في زعمهم، فإنه إذا خولط في عقله كما زعموا جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئًا وهو لم يبلغه أو أنّ شيئًا ينْزل عليه وهو لم ينْزل عليه .
أقول : أما المتحقق من معنى الحديث كما قدمنا في المقام الأول، فليس فيه ما يصح أن يعبر عنه بقولك : خولط في عقله .
وإنما ذاك خاطر عابر ولو فرض أنه بلغ الظن فهو في أمر خاص من أمور الدنيا، لم يتعده إلى سائر أمور الدنيا فضلاً عن أمور الدين، ولا يلزم من حدوثه في ذاك الأمر جوازه في ما يتعلق بالتبليغ بل سبيله سبيل ظنه أن النخل لا يحتاج إلى التأبير، وظنه بعد أن صلى ركعتين أنه صلى أربعًا وغير ذلك من قضايا السهو في الصلاة، وراجع ص(18-19) وفي القرآن ذكر غضب موسى على أخيه هارون وأخذه برأسه لظنه أنه قصر، مع أنه لم يقصر، وفيه قول يعقوب لبنيه لما ذكروا له ما جرى لابنه الثاني : { بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا } يتهمهم بتدبير مكيدة مع أنّهم كانوا حينئذ أبرياء صادقين. وقد يكون من هذا بعض كلمات موسى للخضر. وانظر قوله تعالى في يونس : {فظنّ أن لن نقدر عليه }. [سورة الأنبياء، الآية: 87 ] . اهـ [(الأنوار الكاشفة 257 ) ]
فليس في حديث السحر أبداً ما يخل بعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بالتبليغ والرسالة .
ولذلك قال الإمام المازري رحمه الله :
أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث - يريد حديث السحر - وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها ، قالوا : وكل ما أدى إلى ذلك باطل ، وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرَّعوه من الشرائع ، إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَّ ، وأنه يوحى إليه ولم يوح إليه بشيء ، وهذا كله مردود ، لأن الدليل قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ ، والمعجزات شاهدات بتصديقه ، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل .
وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ، ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعتري البشر كالأمراض ، فغير بعيد أن يُخَيَّل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين " ، قال : " وقد قال بعض الناس : إن المراد بالحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطئهن ، وهذا كثيرًا ما يقع تخيله للإنسان ، وهو في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة . أهـ .
فإن العصمة من القتل هي فيما كان قبل تبليغ رسالة ربه ، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد أبلغها على أكمل وجه ، وسياق الآية يدل على ذلك ، حيث أمره ربه تعالى بتبليغ الرسالة ، وأخبره أنه يعصمه من الناس . ومما يدل على ذلك أيضاً : قوله صلى الله عليه وسلم لليهودية ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ ) بعد أن أخبرته أنها أرادت قتله ، وهو نص إما في عصمته من القتل بالسم حتى فارق الدنيا ، أو هو نص في ذلك قبل تبليغ الرسالة .
قال ابن الجوزي رحمه الله :
قوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس ) قال ابن قتيبة : أي : يمنعك منهم ، وعصمة الله : منعه للعبد من المعاصي ، ويقال : طعام لا يعصم ، أي : لا يمنع من الجوع .
فان قيل : فأين ضمان العصمة وقد شُجَّ جبينه ، وكسِرت رَباعيته ، وبولغ في أذاه ؟ :
فعنه جوابان :
أحدهما : أنه عصمه من القتل ، والأسرِ ، وتلفِ الجملة ، فأمّا عوارض الأذى : فلا تمنع عصمة الجملة .
والثاني : أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك ؛ لأن " المائدة " من أواخر ما نزل .اه " زاد المسير " ( 2 / 397 )
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء : فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام , بل أصابه شيء من ذلك , فقد جُرح يوم أحد , وكُسرت البيضة على رأسه , ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر , وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك , وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقاً شديداً , فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل , ومما كتبه الله عليه , ورفع الله به درجاته , وأعلى به مقامه , وضاعف به حسناته , ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ، ولا منعه من تبليغ الرسالة , ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ ، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم . انتهى من (" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / ص 150 )) .
ثم إنه مما يرد هذا التعارض المزعوم من قبل المشككين أن آية العصمة نزلت متأخرة عن حادثتي السحر والسم؛ لأنها من سورة المائدة وهي من آخر ما نزل من القرآن. وقد قيل: إن هذه السورة منها ما نزل في حجة الوداع، ومنها ما نزل عام الفتح . اه [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ].
ومما يؤيد ذلك ما ورد عن جبير بن نفير أنه قال : « حججت فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير، تقرأ المائدة؟ فقلت نعم، قلت : أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه ». [صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، ].
قال ابن تيمية رحمه الله :
وأيضا، فإن الله تعالى قال في كتابه : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. (سورة المائدة: 67) ؛ فضمن له سبحانه أنه يعصمه من الناس إذا بلغ الرسالة، ليؤمنه بذلك من الأعداء ; ولهذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول هذه الاية يحرس، فلما نزلت هذه الاية ترك ذلك وهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ، وفي حجة الوداع تم التبليغ .
.. فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت التبليغ المتقدم، فلا تكون هذه الاية نزلت بعد حجة الوداع ; لأنه قد بلغ قبل ذلك، ولأنه حينئذ لم يكن خائفا من أحد يحتاج أن يعصم منه، بل بعد حجة الوداع كان أهل مكة والمدينة وما حولهما، كلهم مسلمين منقادين له، ليس فيهم كافر، والمنافقون مقموعون مسرون للنفاق، ليس فيهم من يحاربه، ولا من يخاف الرسول منه؛ فلا يقال له في هذه الحال : بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس . (سورة المائدة: 67) ". انتهى من (منهاج السنة" (7/ 315 - 317)).
إذن آية العصمة نزلت بعد هاتين الواقعتين السحر والسم فيسقط البناء من أساسه على وجود التناقض بين الآية والحديث لأن وحدة الزمن تشترط في التناقض وإثباته وقد انتفي هنا .
الشبهة الرابعة :
قولهم : أن من سحر الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو لبيد بن الأعصم، وهو من يهود بني زريق، والمعلوم أنه لم يكن في المدينة قبيلة يهودية تدعى بنو زريق .
والرد عليها :
أن لبيد بن الأعصم كان حليفًا لبني زريق ولهذا نسب إليهم ولم يكن على دينهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح :
قَوْلُهُ : سَحَرَ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ بني زُرَيْق، بزاي قبل الرَّاء، مصغر، قَوْلُهُ: يُقَالُ لَهُ لَبِيدٌ، بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْملَة، ابن الْأَعْصَمِ بِوَزْنِ أَحْمَرَ بِمُهْمَلَتَيْنِ .
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ : سَحَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ .
وَوَقع فِي رِوَايَة ابن عُيَيْنَةَ الْآتِيَةِ قَرِيبًا : رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفِ الْيَهُودِ، وَكَانَ مُنَافِقًا، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يَهُودِيٌّ نَظَرَ إِلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا نظر إِلَى ظَاهر أمره .
وَقَالَ ابن الْجَوْزِيِّ :
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ نِفَاقًا، وَهُوَ وَاضِحٌ . وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ : أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لَهُ يَهُودِيٌّ لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ حُلَفَائِهِمْ لَا أَنَّهُ كَانَ عَلَى دِينِهِمْ وَبَنُو زُرَيْقٍ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَشْهُورٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ الْيَهُودِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ حِلْفٌ وَإِخَاءٌ وَوُدٌّ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَدَخَلَ الْأَنْصَارُ فِيهِ تَبَرَّءُوا مِنْهُمْ . انتهى .
الخلاصة
- حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم ثابت صحيح ولا يطعن فيه بأي وجه من أوجه الطعن سندا أو متنا لأنه ورد في الصحيحين وهو بذلك في أعلى درجات الصحة .
- حديث السحر لا يتعارض مع عصمة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من باب الأذى الواقع لرسول الله ولا يعتبر هذا نفيا للعصمة لأن العصمة غير الأذى وهو غير مرفوع عنه صلى الله عليه وسلم لأنه نبي مبتلى فعصمة الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - تعني حفظه من قتل الناس له وأنهم لا يغتالونه ولا يستولون عليه بقتل أو أخذ أو أسر حتى يتم تبليغ الرسالة .
- الله سبحانه وتعالى كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم يبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجل تطهير الأرض منهم فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم وله الحكمة البالغة والنعمة السابغة لا إله غيره ولا رب سواه .
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق