القرين هو الشيطان الموكَّل بكل إنسان فلا عمل له إلا الوسوسة لإغواء الإنسان وإبعاده عن الطريق المستقيم وبحسب قوة إيمان العبد يضعف كيد الشيطان القرين .
ولكن الشيطان الذي يوسوس للإنسان في صلاته ليس هو القرين بل هو شيطان أخر خاص لهذا الأمر يقال له خنزب فإذا أحسست ذلك فى الصلاة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم واتفل عن يسارك ثلاثاً.
والدليل :
1- قال سبحانه وتعالى : قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. (قّ:27)
قال الإمام الطبري فى تفسيره : يقول تعالى ذكره : قال قرين هذا الإنسان الكفار المناع للخير, وهو شيطانه الذي كان موكلا به في الدنيا .انتهى
وقال الإمام ابن كثير فى تفسيره : ( قال قرينه ) : قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغيرهم : هو الشيطان الذي وكل به . انتهى
2- عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن ، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير . [وفي رواية] : وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة . صحيح مسلم
" فأسلم " : أى إن القرين أسلم من الإسلام وصار مؤمناً لا يأمرني إلا بخير
قال أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة 1/185 : ( قيل أسلم أي آمن ، فيكون عليه السلام مختصا بإسلام قرينه وإيمانه ) ، وعلى هذا يكون إسلام القرين من خصائص النبي صلَّى الله عليه وسلَّم .
والجن أجسام نارية قابلة للتشكل بأشكال مختلفة وهم مخلوقات غير منظورة لنا وقد يريها الله من شاء من خلقه وهم مكلفون مثلنا منهم المؤمنون والكافرون والعصاة ومنهم الطيب والخبيث .
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوجود الجن من حولنا وأن منهم من وكل بالإنسان فلا يفارقه ويكيد له ليوقعه في الشرور والآثام وأنه ما من أحد مهما بلغ من العبادة والعلم ما بلغ إلا وقد وكل به قرينه من الجن وهو شيطان سلط عليه ليغويه ويسول له ويشككه في الدين ويوسوس له ليصرفه عن الطاعة ويوقعه في المعصية فينبغي الحذر الشديد منه .
«وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة»، فكما أنه قيض له شيطان يغويه ويضله ويأمره بالشر كذلك قيض له ملك يسدده ويرشده فيكون آمرا له بالخير وملهما له في قلبه بالخير . ينظر: (موقع الدرر السنية)
3- وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان أحدكم يصلِّي فلا يدع أحداً يمرُّ بين يديه ، فإن أبى فليقاتلْه فإن معه القرين " . رواه مسلم
قوله " فإن معه القرين " : " القرين " : أى الشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه.
قال العلامة العثيمين رحمه الله :
القرين هو شيطان مسلط على الإنسان بعلم الله عز وجل، يأمره بالفحشاء وينهاه عن المعروف كما قال الله عز وجل : ﴿الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء﴾.
ولكن إذا من الله على العبد بقلب سليم صادق متجه إلى الله عز وجل مريد للآخرة مؤثر لها على الدنيا فإن الله يعيينه على هذا القرين حتى يعجز عن إغوائه؛ ولذلك ينبغي للإنسان كلما نزغه من الشيطان نزغ فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم كما أمره الله قال الله تعالى : ﴿أما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه سميع عليم﴾.
والمراد بنزغ الشيطان أن يأمرك بترك الطاعة أو يأمرك بفعل المعصية، فإذا أحسست من نفسك الميل إلى ترك الطاعة فهذا من الشيطان، أو الميل إلى فعل المعصية فهذا من الشيطان، فبادر بالاستعاذة منه يعذك عز وجل .
وأما كونه أي هذا القرين يمتد إلى آن يكون مع الإنسان في قبره فالظاهر والله أعلم أنه بموت الإنسان يفارقه؛ لأن مهمته التي كان مسخراً لها قد انتهت إذ إن الإنسان إذا مات انقطع عمله كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم «إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» . انتهى من ((فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [315]))
وقال أيضا رحمه الله :
هذا القرين يكون مع الإنسان ،إن كان مستقيما على طاعة الله فإنه لا يضره ،وإن كان منحرفا عن دين الله فإنه يضره ،كما قال الله عزوجل : {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}.
أما كونه يخاطبه ، فالمخاطبة لا يخاطبه ، اللهم إلا إذا كان عند الإنسان وساوس ،فقد يخاطبه نفسيا ،يعني يحس بأن شيئا يخاطبه ،وليس كذلك؛ أما مخاطبة مواجهة فهذا لا يمكن . انتهى من (شرح بلوغ المرام)
إذن كل إنسان معه قرين من الجن وقرين من الملائكة
فقرين الملائكة يكون لحِفظ الإنسان كما قال الله سبحانه : لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ . (سورة الرعد:11)، فيسدده ويرشده فيكون آمرا له بالخير وملهما له في قلبه بالخير.
وقرين الجن مهمته الإغواء فقد أقسم إبليس بعزة الله أن يُغْوي الناس أجمعين إلا عباد الله المخلصين ولكن إذا تعوذ المسلم من الشيطان، أو اشتغل بالذكر، انخنس الشيطان وتأخر عنه، فوقاه الله شره ووسوسته في ذلك الوقت، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من همزات الشياطين، وحضورهم : وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ. [المؤمنون: 97-98] .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
الشيطان هو أبو الجن عند جمع من أهل العلم، وهو الذي عصى ربه واستكبر عن السجود لآدم، فطرده الله وأبعده. وقال آخرون من أهل العلم : إن الشيطان من طائفة من الملائكة يقال لهم " الجن " استكبر عن السجود فطرده الله وأبعده، وصار قائدًا لكل شر، وكل خبيث، وكل كافر وظالم،
وكل إنسان معه شيطان ومعه ملك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال : وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يملي على الإنسان الشر ويدعوه إلى الشر وله لمة في قلبه وله اطلاع بتقدير الله على ما يريده العبد وينويه من أعمال الخير والشر، والملك كذلك له لمة بقلبه يملي عليه الخير ويدعوه إلى الخير فهذه أشياء مكنهم الله منها : أي مكن القرينين القرين من الجن والقرين من الملائكة، وحتى النبي صلى الله عليه وسلم معه شيطان وهو القرين من الجن كما تقدم وهو الحديث بذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام : ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الملائكة ومن الجن قالوا : وأنت يا رسول الله، قال : وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير .
والمقصود أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين، فالمؤمن يقهر شيطانه بطاعة الله والاستقامة على دينه، ويذل شيطانه حتى يكون ضعيفًا لا يستطيع أن يمنع المؤمن من الخير ولا أن يوقعه في الشر إلا ما شاء الله،
والعاصي بمعاصيه وسيئاته يعين شيطانه حتى يقوى على مساعدته على الباطل، وتشجيعه على الباطل، وعلى تثبيطه عن الخير .
فعلى المؤمن أن يتقي الله وأن يحرص على جهاد شيطانه بطاعة الله ورسوله والتعوذ بالله من الشيطان، وعلى أن يحرص في مساعدة ملكه على طاعة الله ورسوله والقيام بأوامر الله سبحانه وتعالى .
والمسلمون يعينون إخوانهم من الجن على طاعة الله ورسوله كالإنس وقد يعينهم الإنس في بعض المسائل وإن لم يعلم بذلك الإنس، فقد يعينونهم على طاعة الله ورسوله بالتعليم والتذكير مع الإنس، وقد يحضر الجن دروس الإنس في المساجد وغيرها فيستفيدون من ذلك. وقد يسمع الإنس منهم بعض الشيء الذي ينفعهم، وقد يوقظونهم للصلاة، وقد ينبهونهم على أشياء تنفعهم وعن أشياء تضرهم .
فكل هذا واقع وإن كانوا لا يتمثلون للناس وقد يتمثل الجني لبعض الناس في دلالته على الخير أو في دلالته على الشر، فقد يقع هذا ولكنه قليل، والغالب أنهم لا يظهرون للإنسان وإن سمع صوتهم في بعض الأحيان يوقظونه للصلاة أو يخبرونه ببعض الأخبار .
فالحاصل أن الجن من المؤمنين لهم مساعدة للمؤمنين وإن لم يعلم المؤمنون ذلك، ويحبون لهم كل خير . انتهي من (كتاب مجموع الفتاوى م/٩ ص/(٣٧٣)).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق