إذا قام رجل أو إمرأة بضرب امرأة حاملٍ فأسقط جنينها ميتًا سواءٌ سقط في الحال أو بعد مدة بسبب هذا الضرب فعليه أو عليها ديَّة مقدارها : خمس من الإبل، أو خمسون مثقالاً من الذهب ( أي ما يساوي 212.5 جراماً من الذهب ) وسواءٌ كان السِّقط ذكرًا أو أنثى ولا فرق بين ما إذا كانت الجناية عمدًا أو خطأً وهذا باتٍّفاق الفقهاء.
وتجب عليه أو عليها أيضا كفارة عند جماهير العلماء والكفارة عتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين .
وان كان من قام بالضرب هو الزوج فعليه الدية والكفارة ولا يرث من الدية شيئًا وإنما هي حق للورثة دون هذا الزوج أو الوالد .
ودليل ذلك :
ما رواه البخاري(6909) ومسلم (1681) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا » .
وقيمة الغُرَّة عند الجمهور: خمسون دينارًا ذهبيًّا. [" المجموع " (19/60)، " المغني " (9/536)، "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (34/160) ].
والدِّينار الذَّهبي : يعادل أربعة جرامات وربع الجرام وضربها في خمسين يساوي: ما يُقارب المئتين وثلاثة عشر جرام .
و تُقدَّر قيمة الغرَّة عند عدمها بخمسٍ من الإبل كما سبق وهو ما يُعادل عُشر دية الأم عند الجمهور.
قال ابن قدامة في " المغني " (7/198) :
« وإذا ضُرب بطن حامل فأسقطت فعلى الضَّارب غرَّة موروثة عن الجنين كأنه سقط حيًّا، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة و الشافعي وسائر الفقهاء، إلَّا شيئًا يُحكى عن ربيعة و اللَّيث وهو شذوذٌ لا يُعرَّج عليه ».انتهى .
قال ابن قدامة رحمه الله :
الفصل الثاني : أنه إنما يجب ضمانه إذا علم موته بسبب الضربة، ويحصل ذلك بسقوطه في الحال وموته، أو بقائه متألما إلى أن يموت، أو بقاء أمه متألمة إلى أن تسقطه، فيعلم بذلك موته بالجناية . انتهى من (كتاب المغني لابن قدامة ).
وقال أيضا رحمه الله :
وَلَوْ كَانَ الْجَانِي الْمُسْقِطُ لِلْجَنِينِ أَبَاهُ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ، فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ، لَا يَرِثُ مِنْهَا شَيْئًا، وَيُعْتِقُ رَقَبَةً. وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمَا . انتهى من (كتاب المغني لابن قدامة ).
قال الشيخ الدردير في الشرح الكبير :
( وَفِي ) إلْقَاءِ ( الْجَنِينِ، وَإِنْ عَلَقَةً ) بِضَرْبٍ، أَوْ تَخْوِيفٍ، أَوْ شَمِّ رِيحٍ ( عُشْرُ ) وَاجِبِ ( أُمِّهِ ) مِنْ زَوْجٍ، أَوْ زِنًا، وَأَمَّا مِنْ سَيِّدِهَا فَسَيَأْتِي ( وَلَوْ ) كَانَتْ أُمُّهُ ( أَمَةً ) وَوَاجِبُ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً الْقِيمَةُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ أَبٍ، أَوْ أُمٍّ، كَمَا لَوْ شَرِبَتْ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَمْلُ فَأَسْقَطَتْهُ . انتهى.
قال ابن تيمية رحمه الله كما في " مجموع الفتاوى "(34/160) :
« ولو قُدِّر أنَّ الشَّخص أسقط الحمل خطأ، مثل أن يضرب المرأة خطأ فتُسقط فعليه غرَّة عبد أو أمة، بنص النبي صلى الله عليه وسلم واتِّفاق الأئمة، وتكون قيمة الغرة بقدر عشر دية الأم، عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد ». انتهى .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
عن ابن على وشك الزواج قام بوضع يده على بطن أمه آلمها وفوجئ بأن أمه تنومت في المستشفى واتضح أن الجنين قد توفي في بطن أمه، و تسأل عن الحكم؟
فأجاب :
إذا كان وضعه يده على بطن أمه أثر على الجنين؛ لأنه ضربه ضربةً أثرت عليه؛ لأنه ليس بوضع بل ضربه ضربةً أثرت حتى سقط بسبب ذلك
فإن عليه عن ذلك الدية، وهي غرة عبد أو أمة، وهي عشر دية أمه، يعني : خمس من الإبل، فإن دية المرأة خمسون من الإبل، نصف دية الرجل مائة من الإبل، والنظر إلى القيمة وهي الآن مائة ألف يكون عليه عشر قيمة الأم؛ خمسة آلاف للورثة إذا لم يسمحوا، لأمه وأبيه إذا لم يسمحا عن القيمة،
وعليه كفارة عن سقوط الجنين إذا كان الجنين قد نفخت فيه الروح، لأنه قد نفخت فيه الروح فعليه كفارة عن ذلك أيضًا بعتق رقبة مؤمنة، وإن عجز صام شهرين متتابعين؛ لأنه قتل، هذا يسمى قتل شبه العمد.
فأما إن كان ما بعد تخلق إنما هو دون الأربعة الأشهر فهذا ليس عليه كفارة وإنما عليه الغرة عبد أو أمة. نعم.
المقدم :
جزاكم الله خيرًا، هي تقول : إنه في الشهر الرابع؟
الشيخ :
في الشهر الرابع ما بعد نفخت فيه الروح، لا يكون عليه كفارة إنما عليه غرة عبد أو أمة إذا كانا لم يسمحا والداه، إذا كانا والداه لم يسمحا . انتهى من (فتاوى نور على الدرب)
وسئلت اللجنة الدائمة :
عمن ضرب زوجته فأسقطت حملها مما أدى هذا الفعل إلى أجهاضها بعد عشرة أيام تقريبا بطفلتين، خرجت الأولى منهن ميتة، والثانية مكثت يومين ثم توفيت؟
فأجابت :
إذا كان الأمر كما ذكر وجب على والدك كفارة قتل الخطأ لتسببه في وفاة الجنين وكفارة أخرى لتسببه في وفاة البنت التي ولدت حية ثم ماتت بسبب الجناية،
والكفارة هي : عتق رقبة مؤمنة عن كل واحدة من الطفلتين، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين عن كل منهما،
وعليه أن يدفع لأمهما نصيبها من دية كل منهما إن لم تسمح، والدية هي عشر دية الأم عن الجنين الذي سقط ميتا، ودية كاملة عن الثاني الذي سقط حيا، وباقي الدية لبقية الورثة إن لم يسمحوا،
أما المتسبب في القتل وهو أبوك فلا يرث ولا يحجب أحدا عن الإرث من الطفلتين؛ لكونه قاتلا . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - الفتوى رقم (16129))
هل تنقضي عِدَّةُ الحاملِ بِوضعِ السِّقط ؟
إذا وضعتِ الحاملُ سقطًا وظهرَ فيه شيءٌ من صورةِ الإنسان كاليدِ أو الرِّجل أو الرَّأس ونحو ذلك انقضت عدَّتها بالإجماع، نقله ابن المنذر في " الإشراف " ( ص 282 ) فقال : « أجمعَ كلُّ من نحفظُ عنه مِن أَهلِ العلمِ على أنَّ عِدَّة المرأة تَنقَضي بالسِّقط تُسقِطُه إذا عُلِم أنَّه ولد ». انتهى .
وقال شيخ الإسلام في " مجموع الفتاوى " (34/98) :
« وإذا ألقت سقطًا انقَضَت به العدَّة وسقَطت به النَّفقَة وسواءٌ كان قد نُفخَ فيه الرُّوح أم لا، إذا كان قد تبيَّن فيه خلق الإنسان ». انتهى .
قال ابنُ قدامة :
الحَملُ الذي تنقَضي به العِدَّةُ : ما يتبيَّنُ فيه شيءٌ مِن خَلقِ الإنسانِ، حُرَّةً كانت أو أمَةً، وجُملةُ ذلك أنَّ المرأةَ إذا ألقَتْ بعد فُرقةِ زَوجِها شَيئًا، لم يَخْلُ مِن خمسةِ أحوالٍ :
أحدُها : أن تضَعَ ما بان فيه خَلْقُ الآدميِّ مِنَ الرَّأسِ واليَدِ والرِّجلِ، فهذا تنقَضي به العِدَّةُ بلا خلافٍ بينهم . انتهى من ((المغني)) (8/119).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق