">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

رحلة في أنواع الذنوب التى تُغفر والتى لا تُغفر!


في رحلةٍ إيمانيةٍ نُبحّرُ بين أنواع الذنوب، نُميّزُ بين ما غفرَه اللهُ لعبادهِ وما لم يُغفره،

ونستدلّ بآياتٍ كريمةٍ وأحاديثَ نبويةٍ شريفةٍ تُنيرُ لنا دروبَ التوبةِ والغفرانِ.

** أولاً: أنواع الذنوب التى تُغفر

النوع الأول: ذنوب يعفو عنها الله بمجرد اجتناب الكبائر، لقوله تعالى : إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً. (النساء:31).

قال القرطبي رحمه الله : 

لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر ، وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر ، ودل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر .

 وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء ، وأن اللمسة والنظرة تكفر باجتناب الكبائر قطعا بوعده الصدق وقوله الحق ،

لا أنه يجب عليه ذلك فالله تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكبائر ، لكن بضميمة أخرى إلى الاجتناب وهي إقامة الفرائض.

روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر. انتهى من (تفسير القرطبي).

النوع الثاني: ذنوب يمحوها الله بفعل الحسنات، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

« اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِقِ الناس بخُلُقٍ حسنٍ ». (صحيح الترمذي).

قال ابن علان رحمه الله :

 وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ فإن التقوى وإن قل لفظها جامعة لحقوقه تعالى؛

إذ هي اجتناب كل منهي عنه، وفعل كل مأمور به، فمن فعل ذلك فهو من المتقين الذين شرَّفهم الله تعالى في كتابه بأنواع الكمالات. انتهى من ([دليل الفالحين شرح رياض الصالحين (1/ 230 ح 61)).

النوع الثالث: ذنوب تقبل المقاصة بعدلها من الحسنات، فعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:

«أتدرون ما المفلس؟» قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال : « إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة،

 ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته،

فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار »(أخرجه مسلم).

النوع الرابع: ذنوب يقبل الله فيها الشفاعة لمن رضي لما ورد في الشفاعة، ومن ذلك قوله تعالى:

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. (الأنبياء:28).

قال القرطبي رحمه الله : 

ولا يشفعون إلا لمن ارتضىقال ابن عباس : هم أهل شهادة أن لا إله إلا الله.

وقال مجاهد : هم كل من رضي الله عنه ، والملائكة يشفعون غدا في الآخرة كما في صحيح مسلم وغيره ، وفي الدنيا أيضا ؛

فإنهم يستغفرون للمؤمنين ولمن في الأرض ، كما نص عليه التنزيل على ما يأتي.

وهم يعني الملائكة من خشيته يعني من خوفه مشفقون أي خائفون لا يأمنون مكره. انتهى من (تفسير القرطبي).

ومن ذلك أيضا : عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ". صحيح أبي داود.

** ثانياً: أنواع الذنوب التى لا تُغفر

النوع الأول: ذنوب لا يغفرها الله وهي الشرك بالله لمن لم يتب منه، لقوله تبارك وتعالى:

إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً. (النساء: 48).

قال الشيخ السعدى رحمه الله :

يخبر تعالى : أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين، ويغفر ما دون الشرك من الذنوب صغائرها وكبائرها،

وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك، إذا اقتضت حكمتُه مغفرتَه .

 فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة، كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا، والبرزخ ويوم القيامة، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض، وبشفاعة الشافعين.

ومن فوق ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد.

وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيدانتهى من (تفسير السعدى).

لذلك تجب التوبة من جميع أنواع الشرك سواء كان شركاً أكبر أم شركاً أصغر،

وإذا تاب العبد توبة نصوحاً فإن الله تعالى يقبل توبته ويغفر له ذنوبه، قال تعالى بعد ذكر الشرك في قوله:

( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) وذكر خلود أهله في النار قال عز وجل : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ).الفرقان / 68-70 ،

والتوبة من الشرك تكون بالإقلاع عنه ، والإسلام لله وحده ، والندم على تفريط العبد في حق الله ، والعزم على عدم العودة إليه أبداً.. انتهى من (تفسير السعدي) .

النوع الثاني: ذنوب لا يقبل الله فيها عدلا ولا صرفا فلا يقبل الله فيها عدلها بالحسنات ولا صرفها بالشفاعة، لقوله تعالى:

وَاتَّقُواْ يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ. (البقرة:48).

- فعن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ : خطبنا علي رضي الله عنه، على منبر من اجر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة،فقال:

والله ما عندنا من كتاب يقرأ إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة فنشرها، فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها:

« المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا »،

وإذا فيه : « ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا»،

وإذا فيها : « من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ». (أخرجه البخاري).

ليس المقصود بالإحداث هنا فى هذا الحديث كل المعاصي الصغائر والكبائر،

وإنما ذلك مختص بنوعين من الإحداث، وهما : إحداث البدع، وإحداث الفتن بين المسلمين.

فمن فعل ذلك فقد استحق لعنة الله - وهو الطرد والإبعاد من رحمته - والملائكة والناس أجمعين، وهو دعاؤهم عليه بالبعد عن رحمة الله تعالى،

وهذا وعيد شديد، لكن يراد به هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر،

وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعادينظر: (شرح رياض الصالحين- للشيخ العثيمين).

قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" : إن كل من أمن أحدا من الحربيين جاز أمانه على جميع المسلمين،

دَنياً كان، أو شريفا، حرا كان، أو عبدا، رجلا، أو امرأة، وليس لهم أن يخفروه. انتهى. 

وجاء في "عون المعبود" : يسعى بذمتهم ـ أي بأمانهم : أدناهم ـ أي عددا وهو الواحد، أو منزلة. انتهى.


والله اعلم


وللفائدة..
هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات