يجوز تقديم قراءة بعض السور على بعض بحيث تُقرأ على غير ترتيبها في المصحف وإن كان الأفضل مراعاة الترتيب .
والدليل :
عن حذيفة قال : صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح بالبقرة ، فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يصلي بها في ركعة ، فمضى ، فقلت : يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها…… رواه مسلم ( 772 ) .
الشاهد في الحديث أنه قرأ النساء قبل آل عمران وهذا يدلّ على أن ترتيب السور ليس توقيفيا .
قال الإمام النووي :
قال القاضي عياض : فيه دليل لمن يقول إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف , وإنه لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم بل وَكَله إلى أمته بعده . قال : وهذا قول مالك وجمهور العلماء , واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني ، قال ابن الباقلاني : هو أصح القولين مع احتمالهما .
قال : والذي نقوله : إن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ، ولا في الصلاة ، ولا في الدرس ، ولا في التلقين ، والتعليم , وأنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص ، ولا حدٌّ تحرم مخالفته ، ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان .
قال : واستجاز النبي صلى الله عليه وسلم والأمة بعده في جميع الأعصار ترك ترتيب السور في الصلاة والدرس والتلقين .
قال : وأما على قول من يقول من أهل العلم : إن ذلك بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم حدده لهم كما استقر في مصحف عثمان ، - وإنما اختلاف المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف والعرض الأخير - ، فيتأول قراءته صلى الله عليه وسلم النساء أولا ثم آل عمران هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب , وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أبيّ .
قال : ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى ، وإنما يكره ذلك في ركعة ولمن يتلو في غير صلاة .
قال : وقد أباحه بعضهم .
وتأويل نهي السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها .
قال : ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هي عليه الآن في المصحف , وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم . هذا آخر كلام القاضي عياض . والله أعلم . (" شرح مسلم " ( 6 / 61 ، 62 ) ).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
السنة الترتيب، كما رتب الصحابة المصحف، هذا هو الأفضل، ومن نكس فلا حرج، لو قرأ آل عمران، ثم قرأ من البقرة؛ فلا حرج، لكن الأفضل أن يسير على ما رتب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم حين جمعوا القرآن في عهد عثمان ، إذا قرأ البقرة يقرأ بعدها من آل عمران، أو ما بعد ذلك، وإذا قرأ مثلاً سورة: لم يكن، يقرأ ما بعدها: الزلزلة، العاديات، وهكذا. هذا هو الأفضل على ترتيب المصحف، لكن لو نكس، وقرأ من آخر القرآن ثم قرأ من مقدم القرآن فلا حرج في ذلك، جاء عن عمر أنه قرأ في الأولى بسورة النحل من صلاة الفجر، وفي الثانية سورة يوسف. وهي قبلها، وقرأ النبي ﷺ في بعض الليالي بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران. نعم.
قال الإمام البخاري :
وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف أو يونس وذكر أنه صلى مع عمر رضي الله عنه الصبح بهما .انتهى
هذا يدل على أنه لا يكره قراءة القرآن على غير ترتيب المصحف فيقرأ في الركعة الأولى سورة وفي الثانية بسورة قبلها في ترتيب المصحف .انتهى (فتح الباري لابن رجب)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"يجوز قراءة هذه قبل هذه وكذا في الكتابة ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة رضي الله عنهم في كتابتها .
لكن لما اتفقوا على المصحف في زمن عثمان صار هذا مما سَنَّه الخلفاء الراشدون وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب اتباعها ". انتهى من "المستدرك على مجموع الفتاوى" (3/82) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه "صفة الصلاة" (ص85) تعليقا على حديث ابن مسعود رضي الله عنه في جمعه صلى الله عليه وسلم بين النظائر قال : "إنه صلى الله عليه وسلم لم يراع في الجمع بين هذه النظائر ترتيب المصحف ، فدل على جواز ذلك ، ومثله ما سيأتي في القراءة في صلاة الليل [يعني : قراءته صلى الله عليه وسلم سورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران] ، وإن كان الأفضل مراعاة الترتيب". انتهى
أما الذى لا يجوز
فهو تنكيس الآيات
و(تنكيس الآيات) المراد به : قراءة السورة من آخرها إلى أولها، أو قراءة المؤخر قبل المقدم، أو على غير ترتيب الآيات الذي في المصحف؛ إذ لا خلاف أن ترتيب الآيات توقيفي . ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) لابن علان (6/642).
قال الإمام النووي رحمه الله :
وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفقٌ على منعه وذمِّه فإنه يُذهب بعض أنواع الإعجاز ويزيل حِكمة الترتيب . اهـ
قال ابن تيمية رحمه الله :
ومنها : (إذا نسي بعض ايات السورة في قيام رمضان، فإنه لا يعيدها ولا يعيد ما بعدها، مع أنه لو تعمد تنكيس ايات السورة، وقراءة المؤخر قبل المقدم، لم يجز بالاتفاق، وإنما النزاع في ترتيب السور).انتهى. ((مجموع الفتاوى)) (21/410-411).
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق