تعد ليلة النصف من شعبان من الليالي المباركة التي وردت فيها أحاديث صحيحة تدل على فضلها ومكانتها،
حيث ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، وهي السماء الأولى فيغفر الله فيها لعباده إلا لمشرك أو مشاحن.
▣ لكن هناك العديد من الممارسات والإعتقادات المتعلقة بهذه الليلة تحتاج إلى توضيح،
خاصة في ما يتعلق بالصيام والقيام وتخصيصها بعبادات معينة.
▣▣ فضل ليلة النصف من شعبان.
ورد في فضل هذه الليلة العديد من الأحاديث الصحيحة، ومنها :
1- قال النبي ﷺ : يَطَّـلِعُ الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك ، أو مشاحن. (السلسلة الصحيحة المجلد الثالث ( ص135-139) رقم (1144).
2- قال ﷺ : " إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه ". (صحيح الترغيب والترهيب (2771)).
3- قال ﷺ : يَطَّلِعُ الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين : مشاحن، وقاتل نفس. (صحيح بشواهده- تخريج المسند- لشعيب الأرناؤوط).
4- قال ﷺ: " ينزل الله تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لكل نفس إلا إنسان في قلبه شحناء أو مشرك بالله عز وجل". (صححه لغيره- ظلال الجنة- للألباني (509)).
* وهنا نزوله تبارك وتعالى ليلة النصف مقرون بقوله في آخر الحديث " يغفر لكل مسلم إلا لمشرك أو مشاحن". ينظر: (فتاوى رابغ-(03) للألباني).
▣▣ المغفرة المشروطة :
تتجلى عظمة هذه الليلة في شمولية المغفرة التي يمنحها الله لعباده، مع استثناءين:
* الشرك بالله : وهو أعظم الذنوب التي لا تُغفر إلا بالتوبة، والشِّرْك بالله تعالى نوعان :
شرْكٌ أكْبر: وهو عِبادة غير الله، أو صَرْف أيِّ شيءٍ مِن العبادة لغير الله، وشرْك أصغَر: ومنه الرِّياء.
* الشحناء أو المشاحن : هم أهل البدع أو هي العداوة والخصومة بين المسلمين.
** لذلك يُنصح المسلم بتطهير قلبه من الحقد والضغائن، والابتعاد عن كل مظاهر الشرك والبدع، ليكون مؤهلاً لنيل المغفرة في هذه الليلة.
▣▣ البشارة في هذه الأحاديث.
* تتجلى في شمولية المغفرة التي ينزلها الله ﷻ على خلقه فهي من أعظم الفرص لمسح أدران القلوب والتخلي عن السيئات والذنوب،
والتحذير في هذه الأحاديث من خطر الشحناء التي جاءت معطوفة على الشرك : " إلا لمشرك أو مشاحن".
* ففي هذه الأحاديث يخبر رسول الله ﷺ أنه إذا حضرت ليلة النصف من شعبان ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، وهي السماء الأولى،
ونزوله سبحانه وتعالى يليق بذاته وبجلاله؛ دون تكييف، أو تشبيه، أو تعطيل، قال النبي ﷺ : "فيغفر لعباده، إلا ما كان من مشرك"،
فجعل النبي ﷺ العفو معلقا بطهارة القلب من الشرك بكل مظاهره، وبراءته من التعلق بغير الله خالقه ورازقه؛
فالشرك أعظم الذنوب، ولا يقبل الله معه صرفا ولا عدلا، ولا فريضة ولا نفلا؛ لقوله تعالى :
{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما }. [النساء: 48]،
" أو مشاحن لأخيه "، وهو الذي يعادي أخاه المسلم، ويحمل له الخصومة والبغضاء،
قيل : ولعلها هي التي تقع بين المسلمين من قبل النفس الأمارة بالسوء لا للدين؛
فلا يأمن أحدهم أذى صاحبه من يده ولسانه؛ لأن ذلك يؤدي إلي القتل، وربما ينتهي إلي الكفر،
وقيل : بل المراد : صاحب البدعة المفارق للجماعة. ينظر:( موقع الدرر السنية-الموسوعة الحديثية).
▣▣ ما ورد عن العبادات في ليلة النصف من شعبان.
رغم فضلها، لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادات معينة، مثل قيام الليل أو صيام نهارها.
* فكل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعا لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله سواء فعله مفرداً
أو في جماعة وسواء أسره أو أعلنه، لعموم قول النبي ﷺ : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
▣▣ الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
انتشرت بعض الأحاديث التي تحث على صلوات أو صيام خاص في هذه الليلة، مثل حديث :
" إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ".
* هذا الحديث ضعيف باتفاق أهل النقل، فلا يجوز الاحتجاج به ولا إخراج حكم فقهي منه.
▣▣ موقف العلماء من تخصيصها بعبادات.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
ومن هذا الباب ليلة النصف من شعبان فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة ....
لكن الذي عليه كثير من أهل العلم أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها،
وعليه يدل نص أحمد لتعدد الأحاديث الواردة فيها وما يصدق ذلك من الآثار السلفية ،
وقد روى بعض فضائلها في المسانيد والسنن وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر. ينظر: (اقتضاء الصراط المستقيم).
- قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في "اللطائف (ص 541)" :
فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه شيء. انتهى.
- وقال العلامة المباركفوريّ رحمه الله :
اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث مجموعها يدل على أن لها أصلاً...
فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء والله تعالى أعلم. ينظر:(ينظر تحفة الأحوذي: ج3/ص(365)).
▣▣ خلاصة القول :
ليلة النصف من شعبان ليلة عظيمة يغفر الله فيها لعباده، لكنها ليست موسماً للبدع والاحتفالات غير المشروعة.
فالعبادات توقيفية، ولا يجوز ابتكار عبادات لم ترد في الكتاب والسنة.
والله اعلم
* شارك الموضوع ليستفيد غيرك، أو قم بالتعليق إذا أعجبك
وللفائدة:
تعليقات
إرسال تعليق